مقالات طبية

سرطان الثدي من الناحية النفسية

سرطان الثدي من الناحية النفسية

الدكتور قيس عثمان،  إستشاري الطب النفسي في مركز ماربل الطبي في قطر

يعتبر السرطان بشكل عام من أكثر الأمراض المسبّبة للوفاة حول العالم، وسرطان الثدي هو من أكثر أنواع السرطانات شيوعاً لدى المرأة. في الواقع، بمجرد أن تدرك المرأة إصابتها بسرطان الثدي فهذا بحد ذاته يشكل صدمة نفسية شديدة بالنسبة لها. في مثل هذه الحالة، تمر المرأة بجميع مراحل الصدمة، حيث تبدأ بحالة الإنكار وعدم التصديق وهي آلية دفاع موجودة عند الإنسان للتخفيف من آثار المرض والصّدمات ويتصرف حينها المريض وكأنه لم يحدث له أي شيء.   

تنتقل بعدها إلى مرحلة الغضب والتساؤل فتطرح على نفسها تساؤلات مثل: لماذا أنا؟ ولماذا حدث هذا لي تحديداً؟ هذا الغضب ينشأ من فقدان السيطرة ومن التغير الجوهري الذي يطرأ على حياة المريضة وقد يؤدي إلى اضطراب علاقتها بمن حولها.

بعد مرحلة الغضب تدخل مريضة سرطان الثدي بمرحلة المساومة وقطع العهود على نفسها بحالة الشفاء؛ تدخل بعدها بحالة اكتئاب وشعور بالذنب حيث تعتقد أن إصابتها هي عقاب على أخطاء ارتكبتها، كما تلوم نفسها لعدم إجراء فحوصات مبكرة. تنعزل في هذه المرحلة عمّن حولها وتعاني من الإحباط والخيبة وتفقد تقديرها لذاتها وصورتها.

 مع المساندة الإجتماعية والدعم النفسي، تنتقل إلى المرحلة الأخيرة وهي التقبل ومحاولة التكيف مع الوضع الجديد والإنخراط بالحياة مرة ثانية مع الظروف الجديدة.

إن لسرطان الثدي لدى المرأة أهمية خاصة، إذ إنه ليس فقط مرض مهدد للحياة بل حالة تصيب رمزاً من رموز الأنوثة لديها فتنشأ لديها أزمة وجودية متعلقة بالسرطان مع النظرة المتدنية لصورة الجسد ورموزه الأنثوية.

شعور المريضة بأنها أصبحت إنساناً عاجزاً ومشوّها وفقدان ثقتها بنفسها يؤثر بشكل كبير على قدرتها في قبول المرض ومقاومته. ومن المعروف كم تتأثر مناعة الجسم ومقاومته بالحالة النفسية للمريض؛ من هنا تأتي أهمية الدعم النفسي والمساندة الإجتماعية للمريضة في زيادة قدرتها على المقاومة والتكيف.

بداية يجب شرح الحالة للمريضة وإخبارها بنسبة الشفاء الكبيرة لهذا النوع من السرطان مع شرح مراحل العلاج والصعوبات المحتملة والتركيز على قدرة المريضة بالمناعة والتكيف والقبول والإرادة على المساعدة الكبيرة في الشفاء ومن الممكن عرض حالات سابقة وصلت إلى مرحلة الشفاء لزيادة الإطمئنان لديها. في مرحلة الغضب والتوتر يُفترض استيعاب المريضة وعدم لومها وتوجيهها لتفريغ التوتر والغضب بالنشاطات البدنية ومحاولات الإسترخاء. عندما تدخل بمرحلة الإكتئاب والشعور بالعجز والذنب إذ من الضروري الإصغاء اليها أو تركها تكتب أفكارها لتفريغها مع التأكيد أن لا ذنب لها في ما حدث.

ينبغي للبيئة المحيطة بالمريضة مساندة المريضة من خلال التأكيد على الجوانب الأخرى من شخصيتها ومنحها شعوراً حول أهمية وجودها في العائلة لما له من تأثير كبير لاستعادة ثقتها بنفسها. 

يجب التأكيد هنا على أن صورة الجسد ليست هي كل شيء مع إمكانية عودتها تجميليا، والتركيز على مشاعر الأمومة والأخوّة وحاجة العائلة لهذه المشاعر مع الإبتعاد عن مشاعر الشفقة التي قد تؤذي المريضة. إن تقوية الجانب الروحي والديني لدى المريضة يساعد جداً في التقبل والقدرة على التكيف للوصول الى الشفاء، ومعها يلعب الدعم النفسي والمساندة الإجتماعية دوراً كبيراً في خلق قوة وطاقة داخلية تدفع المريضة إلى المقاومة وترفع نسبة الأمل بالشفاء؛ هذا ما أكّدته دراسات كثيرة إذ تبيّن أن المصابات المتزوجات ولديهن عائلة كانت نسبة الشفاء أعلى من العازبات. كما وجدت دراسة أخرى أن المصابات اللواتي يجتمعن مع صديقاتهن ومع ناجيات سابقات من المرض كانت نسبة شفائهن أعلى من المريضات اللواتي يفضّلن العزلة وهذا يؤكد أن وجود الدعم والمساندة يرفع من طاقة المريضة ويعزّز نظرتها الإيجابية للمستقبل.

يجب توجيه المريضة في المرحلة الجديدة من حياتها نحو نشاطات مختلفة سواء رياضية واجتماعية وتنمية مهارات جديدة لديها وتشجيعها على الدخول بحياة صحية منتظمة وتقوية علاقاتها الإجتماعية والعائلية لوقايتها من الإنتكاس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى