مقالات طبية

الممرضات في القطاع الطبي

الممرضات في القطاع الطبي

مسؤوليات أكبر وإعدادات جديدة لمواكبة تطوّر مفاهيم الرعاية

وفقًا لتقرير الأشخاص الأصحاء 2020، يشمل الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة القدرة على الوصول إلى مقدم الرعاية الصحية. وذلك من بين عناصر أخرى طبعاً. ويتم تعريف جودة الرعاية الصحية على أنهاالدرجة التي تزيد بها خدمات الرعاية للأفراد والسكان من احتمالية النتائج المرجوة، وتكون متّسقة مع المعرفة المهنية الحالية. كما بات واضحاً أن التحوّلات الكبرى على صعيد المجتمع ككل ولا سيما داخل قطاع الرعاية الصحية، ستؤثّر على البيئة التي سيعمل فيها الجيل القادم من الممرضات. وعليه، ستحتاج مدارس التمريض إلى التركيز على ضمان قدرة جميع الممرضات على معالجة العوامل الإجتماعية التي تؤثر على الصحة، وتوفير الرعاية التي تلبي احتياجات الناس أينما كانوا، انطلاقًا من أهمية دور الممرضات في المساهمة بنشر الصحة وتوفير الرعاية والرضا.

يقدّم الممرّضات والممرضون الماهرون رعاية عالية الجودة من خلال توفير رعاية آمنة وفعالة تتمحور حول الشخص وفي الوقت المناسب، وتتسم بالكفاءة والإنصاف. وهذا السلوك يتطابق مع التعريف الذي اعتمدته وكالة أبحاث الرعاية الصحية وجودتها في الولايات المتحدة (AHRQ) بأن الرعاية الصحية الجيدة هيفعل الشيء الصحيح للمريض المناسب في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة، لتحقيق أفضل النتائج الممكنة”.

وعليه، فإن الرعاية الصحية في حد ذاتها لا تعالج معظم العوامل الأولية، أو الأسباب الجذرية للمرض، التي تؤثر على العدالة الصحية؛ إذ يمكن للعوامل الإجتماعية الأولية مثل عدم الإستقرار الإقتصادي والإسكاني والتمييز والأشكال الأخرى من العنصرية والفوارق التعليمية وعدم كفاية التغذية، أن تؤثر على صحة الفرد. وهنا يأتي دور الممرضات والممرضين. 

دور الممرضات وأهميّة النتائج

يتطلب تغيير النتائج الصحية اتخاذ إجراءات على جميع المستوياتفي المراحل الأولية والوسطى والنهائيةوللممرضات دور رئيسي على جميع المستويات في تقليص الفجوات في النتائج السريرية وتحسين المساواة في الرعاية الصحية. إذ يمكن للممرضات تعزيز التزامهن بالرعاية من خلال قيادة جهود واسعة النطاق لإنشاء معايير وكفاءات جديدة في مجال الرعاية الصحية. في هذه العملية، سيحتاج الممرضات والممرضون إلى مواجهة التحديات الأخلاقية المعقدة التي ستنشأ مع إعادة توجيه الرعاية الصحية، للاستجابة للمشهد المتغير بسرعة، ولضمان مشاركة مهنة التمريض بقوة في هذه التحولات الكبرى في الرعاية الصحية والمجتمع.

تنفق الولايات المتحدة أكثر من 3.5 تريليون دولار سنويًا على الرعاية الصحية، أي أكثر بنسبة 25% من نصيب الفرد في ثاني أعلى دولة إنفاقًا. ومع ذلك فإن متوسط العمر المتوقع، ووفيات الرضع، ووفيات الأمهات، كلها أسوأ في الولايات المتحدة مقارنة بأغلب البلدان المتقدمة. علاوة على ذلك، تشارك مجموعة متنوعة من المهنيين من داخل وخارج أماكن الرعاية الصحية في الجهود الرامية إلى ضمان الوصول العادل إلى الرعاية.

لكن دور الممرضات في هذه الجهود أساسي، نظرًا لتفاعلهن مع الأفراد والأسر في توفير وتنسيق الرعاية التي تركّز على الشخص لتلبية الاحتياجات الصحية الوقائية والحادة والمزمنة داخل البيئات الصحية، والتعاون مع الخدمات الإجتماعية لتلبية الإحتياجات الإجتماعية للأفراد، والمشاركة في صحة السكان والمجتمع على نطاق أوسع، من خلال الأدوار المحددة لهنّ في الصحة العامة والبيئات المجتمعية.

في المقابل، من المرجح أن يؤدي النمو السريع في عدد كبار السن بين السكان في العالم، إلى زيادة الطلب على الخدمات والبرامج لتلبية احتياجاتهم من الرعاية الصحية والاجتماعية بما في ذلك رعاية الحالات المزمنة، والتي تمثل حوالى 75 بالمائة من جميع زيارات الرعاية الأولية. وستؤدي شيخوخة السكان أيضًا إلى إحداث تغيير في أنواع الرعاية التي سيحتاجها المرضى. ومعلوم أن تكلفة رعاية كبار السن أعلى مما هي لدى الأصغر سنًّا، وهم يحتاجون إلى دعم متزايد في إدارة الحالات المتعددة والحفاظ على القوة والمرونة مع تقدمهم في السن. هذه الحقائق، تؤكد على أهمية تصميم واختبار واعتماد نماذج الرعاية المزمنة، حيث تكون الفِرَق ضرورية لإدارة الأمراض المزمنة، ويلعب الممرضون المسجلون (RNs) دورًا رئيسيًا كمديرين لرعاية الأمراض المزمنة.

والرعاية الأولية تتطلّب أربع مسؤوليات على الأقل:

    • إشراك المرضى الذين يعانون من حالات مزمنة في تغيير السلوك وتعديل الأدوية وفقًا للبروتوكولات المكتوبة من قبل الممارس.
    • قيادة الفرق لتحسين الرعاية وتقليل تكاليف المرضى ذوي الاحتياجات العالية والتكلفة العالية. 
    • تنسيق رعاية المرضى المصابين بأمراض مزمنة بين دار الرعاية الأولية ومنطقة الرعاية الصحية المحيطة بها. 
    • تعزيز صحة السكان، بما في ذلك العمل مع المجتمعات المحلية لخلق مساحات أكثر صحة للناس للعيش والعمل والتعلم واللعب. 

تعدُّد المهام والمسؤوليات

يعد تعزيز جوهر تقديم خدمات الرعاية الأولية أمرًا أساسيًا لتحقيق الهدف الثلاثي المتمثل في تحسين تجارب رعاية المرضى، وتحسين النتائج الصحية للسكان، وخفض تكاليف الرعاية الصحية. وهذه جميعها تقع مسؤولية القيام بها وإنجازها بنجاح على عاتق فريق التمريض في شكل أساسي. فبالنسبة للأشخاص الذين يجدون صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية بسبب المسافة، أو نقص مقدمي الخدمة، أو نقص التأمين، أو لأسباب أخرى، يتبيّن أنّ الممرضات هنّ شريان الحياة للرعاية التي تلبي احتياجاتهم أينما كانوا. تعمل الممرضات في المناطق التي تعاني من نقص الخدمات من قبل مقدمي الرعاية الصحية الآخرين، ويخدمن غير المؤمَّن عليهم والذين يعانون من نقص التأمين. وغالبًا ما يتفاعلن مع الأشخاص في منازلهم ويقدِّمن الرعاية لهم، ويعملن في مجموعة متنوّعة من العيادات، ويستخدمن الرعاية الصحية عن بعد للتواصل مع الناس، ويقيّمن شراكات في المدارس والمجتمعات. 

بالإضافة إلى توسيع قدرة الرعاية الأولية، تؤدي الممرضات أدوارًا حيوية أثناء الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة، مما يساعد على تلبية الزيادة الكبيرة في الحاجة إلى الرعاية. وهناك طرق تعتمدها الممرضات ويمكن لهنّ من خلالها تحقيق هذه الإمكانية لزيادة فرص الحصول على الرعاية للسكان ذوي الاحتياجات الصحية والاجتماعية المعقدة. ولسد الفجوة المتمثّلة بعدم قدرة العديد من الأفراد الحصول على الرعاية الصحية بسبب نقص التأمين، وعدم القدرة على الدفع، ونقص العيادات أو مقدمي الخدمات في منطقتهم الجغرافية، ولسد هذه الفجوة، يتم توسيع الوصول إلى الرعاية من خلال مجموعة متنوعة من الإعدادات التي تعمل فيها الممرضات أو الممرضون، بما في ذلك المراكز الصحية المؤهلة، وعيادات البيع بالتجزئة، والصحة المنزلية والزيارة المنزلية، والرعاية الصحية عن بعد، والتمريض المدرسي، والمراكز الصحية المدرسية، بالإضافة إلى المراكز الصحية التي يديرها فريق التمريض. وفي جميع هذه الأماكن، تتواجد الممرضات ويسهلن الوصول إلى الخدمات الصحية للأفراد والأسر، وغالبًا ما تكنَّ بمثابة جسر للخدمات الإجتماعية أيضًا.

وتعمل الممرضات على توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات للأفراد بغض النظر عن قدرتهم على الدفع، من خلال المساعدة في تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية الشاملة والإحالات والخدمات التي تسهل الوصول إلى رعاية عادلة. 

عناية شاملة ونصائح للصمود

إن زيارة الأشخاص في منازلهم يمكن أن تعزز الوصول العادل إلى الرعاية الصحية الجيدة. لقد أدت الرعاية الصحية المنزلية إلى زيادة فرص الحصول عليها من قبل العديد من الناس حول العالم، بدءًا من الأفراد الأكبر سناً وحتى الضعفاء طبيًا. وتُعتَبَر ممرضات المدارس من مقدمي الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية، ويعملن كجسر بين أنظمة الرعاية الصحية والتعليم. وباعتبارهنَّ حراس الصحة العامة، فإنهن يقمن بإشراك المجتمعات المدرسية وأولياء الأمور ومقدمي الرعاية الصحية لتعزيز العافية وتحسين النتائج الصحية للأطفال. ويساعد الوصول إلى ممرضات المدارس على زيادة المساواة في الرعاية الصحية للطلاب. 

لكن كل هذه المسؤوليات تتطلّب جهدًا خارقًا يفرض على الممرضين والممرضات اتباع نظام حياة محدد للمحافظة على طاقتهم. ومن ذلك، أخذ فترات راحة قصيرة ومنتظمة وهو ما يُعد أمرًا ضروريًا للبقاء في حالة تأهب. كذلك تناول السوائل باستمرار لأن الجفاف يستنزف مستويات الطاقة بنسبة عالية وبسرعة كبيرة. وينصح المختصّون بتناول الفاكهة أو المكسرات أو الزبادي أو ألواح الجرانولا، خلال فترات الراحة القصيرة لتوفير الطاقة المستدامة من دون التسبب في اختلال مستوى السكر أو التعب. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ تمارين التمدد والتمارين القصيرة على تدفّق الطاقة عبر الجسم وتسمح بالحفاظ على التركيز لفترة أطول. كما أن الحفاظ على الموقف الإيجابي يساعد الممرضات على البقاء متحفّزات ونشطات. فالتركيز على الجوانب المجزية في عملهنّ يمكن أن يعزز الروح المعنوية أثناء التحولات الصعبة.

تضاف إلى كل هذه المدعّمات أهمية العمل الجماعي المساعد، كونه يضمن التواصل الفعال مع فريق الرعاية الصحية وتنسيق المهام، بحيث يكون الجميع على نفس السكة. وهذا يقلل بالطبع من التوتر ويسمح بتقديم رعاية أكثر كفاءة. كما يحسّن من جودة الرعاية الصحية ومن فرص الوصول إلى خدمات الرعاية الشاملة كمقدمة لرعاية صحية عادلة وعالية الجودة.

والممرضون أو الممرضات مؤهلون بشكل فريد للمساعدة في تحسين جودة الرعاية الصحية من خلال مساعدة الأشخاص على التنقل في نظام الرعاية الصحية، وتوفير المراقبة والمتابعة الدقيقة عبر سلسلة الرعاية المستمرّة، وتركيز الرعاية على الشخص بكامل احتياجاته، وتوفير الرعاية المحترمة. ويمكن للممرضات المساعدة في التغلّب على العوائق التي تحول دون الرعاية الجيدة، بما في ذلك عدم المساواة الهيكلية والتحيّز الضمني، من خلال إدارة الرعاية والرعاية التي تركز على الشخص والتواضع الثقافي.

كذلك، فإن العوامل الإجتماعية التي تؤثر على الأشخاص ذوي الاحتياجات الصحية المعقدة قد تؤثر أيضًا سلبًا على قدرتهم على تلقي الرعاية المثلى. وتعد إدارة الرعاية وتنسيق الرعاية والرعاية الانتقالية من الأنشطة التي يؤديها الممرضون أو الممرضات كأعضاء في فريق الرعاية الصحية لتقليل التشتت وتعزيز التواصل وتحسين جودة الرعاية وسلامتها. ويعد نهج إدارة الرعاية مهمًا بشكل خاص للأشخاص ذوي الاحتياجات الصحية والاجتماعية المعقدة، والذين قد يحتاجون إلى رعاية من مقدمي خدمات متعددين، ومتابعة طبية، وإدارة الأدوية، والمساعدة في تلبية احتياجاتهم الإجتماعية.

وكل هذه المهام والنتائج المحقّقة على الصعيد الصحّي ولدى المرضى من مختلف الفئات والمستويات، تُظهِر كم أنّ لمهنة التمريض من دور أساسي في المنظومة الإستشفائية ونظام الرعاية الصحية. وهي تدفع بالتوازي إلى تطوير إعدادات هذه المهنةالرسالة لتكون أكثر جاهزيةً وانخراطًا في المستقبل لمواكبة تطورات الحياة وتَقدُّم مفاهيم الرعاية لما فيه خير المرضى والإنسانية جمعاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى