مقالات طبية

الرعاية العائلية اللصيقة 

الرعاية العائلية اللصيقة 

هكذا تحقِّق التعافي السريع من المرض

أثبتت الدراسات أن من بين العوامل المهمة في تعافي المريض، هي كيف يشعر أثناء وجوده في المستشفى أو عند الحضور إلى موعد. ووجدت أن المرضى الخائفون أو القلقون أو الخجولون، والذين لا يشعرون بالراحة في طرح الأسئلة، هم مرضى لا يستطيعون المشاركة في رعايتهم الخاصة والمساهمة في التعافي.

وبالنسبة للعديد من المرضى، فإن وجود أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء معهم يمنحهم الأمان والثقة. كما أنه يضمن طرح المزيد من الأسئلة، وإجراء مزيد من المناقشة حول الرعاية ما يصب في صالح المريض. ويمكن لأحد أفراد الأسرة الذي يعمل كمقدم رعاية أن يسأل عن أفضل طريقة لرعاية المريض ودعمه. إن مفهوم مشاركة الأسرة في رعاية المرضى ليس جديدًا. وكانت دراسة أجريت في عام 1996 خلصت إلى أنالمرضى يفضلون المشاركة الأسرية المباشرة في رعايتهم الصحية أكثر مما يحدث في الواقع”.

فبالنسبة للمريض الذي يتعافى من إجراء ما أو لديه مخاوف صحية طويلة الأمد تؤثر على قدرته على رعاية نفسه، فإن مشاركة الأسرة لها أهمية قصوى. وإن منح أسرة المريض منصّة وتمكينهم من طرح الأسئلة وتقديم الاقتراحات بناءً على معرفتهم المباشرة، يعني أن المريض سيحصل على أفضل رعاية في المنزل وفي بيئة طبية نسبيًا كون التسهيلات التواصلية اليوم توفر عامل دعم كبير في مجال الرعاية المنزلية. وإلى وقتنا الحاضر بقي هذا المفهوم قائماً مع مزيد من اكتساب التجارب الناجحة. ويُلاحظ اليوم أن العديد من أفراد عائلات المرضى أو المرضى أنفسهم باتوا أكثر اهتمامًا وأكثر دراية بمرضهم وبكيفية التعافي منه. وبهذا المعنى تُعد المشاركة الأسرية أداة لا تُقدّر بثمن لتوفير أفضل رعاية ممكنة للمرضى. 

مشاركة العائلة وجودة الرعاية الصحيّة 

يقول جيم كونواي، الرئيس التنفيذي السابق للعمليات في معهد دانا فاربر للسرطان في بوسطن،لسنا نحن من نقرر طريقة العناية بمرضانا، إنما وضعهم مع عائلاتهم هو ما يأخذنا إلى هذا الواقع الجديد. وقد أثبتت التجربة أن الشراكة مع المرضى والأسر توفّر إمكانات كبيرة لدعم الرعاية الصحية عالية الجودة وتحسين النتائج. وفي المستشفيات على وجه التحديد، يمكن أن يكون إظهار طاقم التمريض موقفًا إيجابيًا تجاه أسرة المريض، مفيدًا لدعم جودة الرعاية التمريضية والتماسك الأسري وسلامة المرضى”.

وتتوزع مشاركة الأسرة في رعاية المريض من لحظة دخوله المستشفى وتولّي الإجابة عن الإستفسارات الطبية إلى المساهمة في اتخاذ القرارات الطبية، وصولاً إلى توفير الدعم المعنوي، وهو أساسي في الحالات الصحية التي يكون فيها المريض محبطاً وخائفاً وغير واثق من كل ما من حوله، وحتى المساعدة في مسيرة التعافي وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة. وبالتالي، يمكن أن يكون لتدخلات الأسرة ومشاركتها، صلة مباشرة بجودة الرعاية التي يتلقاها المريض. فمن خلال إدخالنا أسرة المريض في عملية الرعاية والقرارات، فإننا نغذي بيئة من المحادثات والأسئلة المفتوحة والعناية الجيدة والنتائج المحمودة. 

لكن هناك من يخشى أن تُشكِّل مشاركة أفراد الأسرة أو الأنسباء خرقاً لخصوصية المريض وتأثيراً على حالته الصحيةللوهلة الأولى قد يبدو إشراك أحد أفراد الأسرة في رعاية المرضى مخالفًا لفكرة سرية الطبيب والمريض. لكن تبيّن أن معظم كبار السن حريصون على تضمين فرد موثوق من العائلة في رعايتهم، نظرًا لأن أفراد الأسرة يضطلعون بأدوار أكثر بروزًا في تقديم الرعاية. ومع تحويل جائحة COVID-19 الزيارات الشخصية إلى زيارات إفتراضية، أصبح تعزيز مشاركة الأسرة مع المريض أكثر أهمية من أي وقت مضى في تحسين النتائج الصحية وإبقاء المرضى الأكبر سنًا خارج المستشفى.

توجيهات تمريضية لنتائج أفضل

هناك إشكالية تُطرح في هذا المجال وهي هل مشاركة أفراد الأسرة دائماّ مفيدة؟

في الواقع، أظهرت دراسة بحثية أن 41 في المائة من مقدمي الرعاية غير الرسميين يعترفون بأن ليس لديهم معلومات كافية عن الظروف الصحية لأفراد أسرهم ليكونوا مفيدين. ولذلك إذا أردنا تحسين النتائج الصحية لمرضانا، فمن الواضح أن التعامل العلمي والهادف بينهم وبين أفراد أسرهم مهم للغاية. وهناك نماذج من التوجيهات لا بد من الأخذ بها في هذا المجال لتكون مشاركة الأسرة في رعاية مرضاها مشاركة إيجابية.

فمثلاً يتلقى حوالى اثنين من كل ثلاثة أميركيين كبار السن المساعدة من مقدمي الرعاية بدون أجرعادة أفراد الأسرة. وأظهرت دراسة حديثة أجراها المركز الطبي بجامعة بيتسبرغ أن إشراك مقدمي الرعاية هؤلاء في عملية خروج المرضى من المستشفيات، يؤدي إلى انخفاض بنسبة 25 في المائة من العودة إليها. لكن الكثير من أفراد الأسر ممن لديهم الإستعداد والوقت للمساعدة هم يجهلون ذلك. من هنا أهمية أن يتلقى هؤلاء التوجيهات اللازمة من الجهات الطبية أو الفريق التمريضي لتكون مشاركتهم مفيدة. 

في ما يلي بعض الأمثلة على كيفية دمج العائلات في تنسيق الرعاية وبعض النتائج الصحية الإيجابية التي حققتها تلك الجهود لدى كبار السن. وهذا يُلقي الضوء على كيفية تأثير العوامل المعروفة بالمحددات الإجتماعية للصحة على رفاههم. لكن لا بد من بعض الأسئلة الإستفسارية عن ذلك مثل: هل يمكن للمريض القيام بالمهام العلاجية الأساسية في المنزل؟ ما هو الدعم الاجتماعي الذي يحصل عليه المرضى في منطقتهم؟ وهل يرتاح غالباً المريض في التحدث مباشرة مع الطبيب عبر الهاتف أو أي وسيلة اتصال أخرى؟ 

يكشف الأطباء بنتيجة تجاربهم أنه إذا لم يتمكن أحد أفراد الأسرة من حضور الموعد، فغالبًا ما يلتقط أحدنا الهاتف لإجراء مكالمة متابعة معه. لكن يتبيّن أن هذا التفاعل العائلي يكشف رؤى حول الأعراض أو المواقف التي قد لا يشعر المريض بالراحة في مشاركتها مع الطبيب مباشرة. وأيضاً يميل الأطباء ممن لديهم خطة علاج ومتابعة، إلى مشاركة أفراد الأسرة للتأكد من فهم خطتهم الصحية وتنفيذها.

الفوائد النفسية لمشاركة الأسرة مع المريض 

أظهرت الأبحاث أن مشاركة الأسرة في الرعاية الصحية خصوصاً لكبار السن يمكن أن تساعد في تحسين الصحة العقلية والنفسية للمرضى وتحفيزهم على الاستمرار في مسار رعايتهم. 

على وجه الخصوص عندما يواجه المريض العديد من الحالات المزمنة، يكون من البديهي عليه الوقوع في دائرة الاكتئاب بدون دعم خارجي وتدخل أسري. وبهذا المعنى يمكن أن يساعد أحد أفراد الأسرة الموثوق بهم في ضمان أن المرضى الأكبر سنًا يأكلون جيدًا، ويمارسون التمارين الرياضية المطلوبة، ويتناولون أدويتهم على النحو الموصوفكل الإجراءات التي يمكن أن تقطع شوطًا طويلاً نحو الوقاية من أمراضهم وإدارتها، وإبقائهم خارج المستشفى. ليس المهم في هذا فقط أنه يعجّل في التعافي المنتظم، إنما في جعل المريض مطمئناً إلى مسار التعافي مما يريحه على الصعيد النفسي.

ويقول أطباءنستطيع أن نشهد أنه عندما يشارك أفراد الأسرة، يكون لدى مرضانا موقف أكثر إيجابية تجاه صحتهم ولديهم الحافز لمواكبة زياراتهم الشهرية. ولقد تبيّن أن أفراد الأسرة يمكن أن يكونوا مفيدين للغاية قرب نهاية الحياة، عندما يلزم اتخاذ قرارات صعبة. نحاول مناقشة التوجيهات المسبقة مع المرضى عندما يكون أفراد أسرهم حاضرين ولا يزالون قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. يقدّر المرضى هذا لأنهم يدخلون مرحلة هشة من حياتهم ويريدون أن يتم تكريم رغباتهم في نهاية العمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى