مقالات طبية

نجاح سعودي لافت في طب الحشود

نجاح سعودي لافت في طب الحشود

كيف ساهم الذكاء الإصطناعي في صحّة أفضل أثناء الحج؟

تستقبل المملكة العربیة السعودیة في موسم الحج حوالى الـ 3 ملایین حاج، وتستقبل سنویًّا ما یقارب الـ 15 ملیون معتمر من 184 دولة. وهذا الأمر يتطلب مهارات وتقنيات متطوّرة لإدارة الحشود بسلامة ومنع العدوى ومعالجة أية إصابات قد تنتج عن التدافع أو درجات الحرارة المرتفعة أو غير ذلك. وتتصدّر المملكة مقام المرجعیة في كل ما یتعلق بصحة وسلامة الحشود وتعتبَر الرائدة عالمیًّا في هذا المجال. ومن مواسم الحج والعمرة بدأت الفكرة الأساسیة لهذا القطاع الصحّي، ومنذ سنوات أدخلت تقنية الذكاء الإصطناعي لرفع مستوى الخدمة في موسم الحج وتوفير أفضل عناية بحجاج بيت الله الحرام، نظراً لاحتشادهم في وقت واحد وحیز مكاني محدد.

نشأ ھذا الفرع من الطب على ید العالم السعودي الدكتور زیاد میمش، الحاصل على الاختصاص من جامعة أوتاوا الكندیة، وزمالة المجلس الأميركي للأمراض المعدیة، وزمالة الكلیة الملكیة للأطباء والأستاذیة الفخریة للأمراض المعدیة من كلیة لیفربول للطب الاستوائي. ھذا الرصید الأكادیمي الكبیر منحه القدرة على إنشاء المركز العالمي لطب الحشود بالتعاون مع منظمة الصحة العالمیة.

ولأجل مشاركة ھذه الخبرات العلمیة في ما یتعلق بطب الحشود، قام الدكتور میمش بتنظیم المؤتمرات الأولى في العالم حول طب الحشود في جدة، وأصبحت المملكة العربیة السعودیة مرجعًا عالمیًّا في طب الحشود وإدارة التجمعات الجماھیریة. كما تم إنشاء نظام إلكتروني لمراقبة الأمراض على مستوى المملكة، یُعتبر الأول من نوعه في المنطقة.

واليوم یُعد المركز العالمي لطب الحشود GCMGM الذي أنشئ في العام 2014 نقلة نوعیة في ھذا المجال، وھو واحد من 3 مراكز عالمیة تختصّ بإدارة الحشود والتجمعات البشریة في مجالات مختلفة. ويلعب دورًا رائدًا في تنظیم واستضافة المؤتمر الدولي لطب الحشود، وبناء تعاون مع منظمات التجمع الجماھیري الأخرى والمجامیع التابعة لمنظمة الصحة العالمیة، وتنسیق السیاسات والإجراءات وإدارة حملات التوعیة فی ما یخص ھذا المجال.

تقنيات ذكية لسلامة أمثل

في موسم حج العام الحالي 2023 تم الإعتماد أكثر على تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر إطلاق مستشفى صحة الافتراضي الذي أعلنت وزارة الصحة السعودية أنه يُشارك في موسم الحج هذا العام بتقديم عدد من خدمات الرعاية الصحية الافتراضية (عن بُعد) عبر استخدام أحدث التقنيات الطبية التي أثبتت كفاءتها وفعاليتها في سرعة التدخل الطبي، ودقة تشخيص الأمراض، مما يتيح اتخاذ القرار الطبي السليم في الوقت المناسب، وتقديم الخدمات العلاجية لضيوف الرحمن. والمستشفى مجهّز بطواقم طبية متكاملة بإشراف عدد من الإستشاريين في عدة تخصّصات دقيقة. وقد عمل على مدار الساعة في 6 مسارات أساسية، شملت: مسار السكتات الدماغية الافتراضية، وخدمة العناية الحرجة الافتراضية، وخدمة القلب، والأشعة الافتراضية، والاستشارات الطبية الافتراضية، وخدمات الاستشارات عبر العيادات الافتراضية، وأخيرًا خدمة غسيل الكلى الافتراضية.

البارز هذا العام أن موسم حج 2023 هو أول حج يشهد عودة كاملة للحجاج منذ جائحة كورونا، إذ بلغ عدد الحجاج في الموسم الماضي 899 ألفا و353 حاجّاً، بينما اقتصر موسم الحج للعام 2021 على مشاركة 60 ألفًا فقط من داخل المملكة، وشهد موسم عام 2020 نحو 10 آلاف من داخل السعودية فحسب، مقارنة بنحو 2.5 مليون حاج في 2019 من كل أرجاء العالم.

وهذا ما استدعى من الجهات المعنية في المملكة لا سيما الصحية منها في القطاعين العام والخاص الإستعداد لموسم العام الحالي بجهوزية كاملة وتقنيات حديثة وخطط متطوّرة تجنّب الحجاج الإصابات من عدوى أو نتيجة التدافع، ولكن خصوصاً من ضربات الشمس حيث وصلت الحرارة خلال فترة الحج إلى 48 درجة. واستحدثت وكالة الخدمات والشؤون الميدانية ضمن خططها لتطوير العمليات هذا العام، ما أطلقت عليه اسم (مكانس التطهير الذكية) التي تعمل بشكل يدوي وإلكتروني، عن طريق التطبيق الذكي الخاص بها، والمزود بتقنية خرائط الذكاء الاصطناعي. كما أعلنت الهيئة العامة للطرق عن استخدام طائرات الدرون في فحص شبكة الطرق في المشاعر المقدسة وتقييمها لأول مرة في موسم الحج هذا العام، بهدف التأكد من سلامة وجودة الطرق المؤدية إلى المشاعر المقدسة، إذ تعمل هذه التقنية بشكل حراري لرصد الملاحظات على شبكة الطرق، بالإضافة إلى دور هذه التقنية في فحص العبارات والجسور بشكل آلي وسريع ودقيق.

وابتكرت المملكة السعودية أيضاً أدوات جدیدة خلّاقة لحفظ سلامة الحشود، حیث جرى تطویرأداة جدةلتعزیز التأھُّب والاستجابة والتعافي من حالات الطوارئ الصحیة المستمدة من إطار H-EDRM، كأداة لتقییم المخاطر، والتي أثبتت فعالیتھا في التخفیف من مخاطر الأمراض. ثم تمَّ استحداثأداة سالمفي مارس/ آذار 2020 خلال ذروة انتشار كوفيد-19 لتقییم المخاطر الصحیة في التجمعات والأماكن العامة، بالإضافة إلى تقدیم توصیات لتعزیز السلامة الصحیة والوقایة من تفشي الفيروس.

وتقُیِّمأداة سالم” 17 عاملًا یمكن أن تؤدي إلى مخاطر صحیة. وبحسب تقییمها یتم تصنیف الحدث وفقًا لدرجة المخاطر إلى أحداث عالیة، متوسطة أو منخفضة الخطورة. وعلى ضوء ھذا التصنیف یتمّ اقتراح التوصیات لصانعي القرار وواضعي الخطط، للعمل على ضمان التنفیذ الفاعل لها.

إستناداً إلى هذه التقنيات وإلى غيرها، تكون المملكة السعودية قد أظهرت جدارة عالية في طب الحشود توجتها في موسم العام الحالي بالإستخدام الأمثل للذكاء الإصطناعي الذي ساهم بقوة في مراقبة حركة المحتشدين وتنظيمها، ما يساهم في شكل فعّال في حماية الجماهير صحيّاً، ويساعد في التوصيف وتوفير العلاج اللازم في حال حصول حالات صحية تستدعي المعالجة والمتابعة.

جهود ناجحة وثناء عالمي

كانت وزارة الصحة السعودية واصلت تحذيراتها لحجاج بيت الله الحرام، بعدم التخلي عن استخدام المظلة الشمسية طوال فترة النهار، وشرب كميات كافية من المياه والسوائل، والحرص على عدم إجهاد النفس بكثرة الحركة من دون ضرورة، وعدم الوقوف فترات طويلة في قوائم الانتظار، تجنبًا لخطر الإصابة بالإجهاد الحراري وضربات الشمس.  وكان وزير الصحة السعودي فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، أعلن أيضاً نجاح الخطط الصحية لموسم الحج لهذا العام 1444هـ، وخلوه من أي تفشيات، أو مهددات على الصحة العامة.

وقال من مركز القيادة والتحكم في منى: “بفضلٍ من الله، ثم بالدعم الكبير من قبل خادم الحرمين الشريفين ومتابعة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، يسرني أن أعلن نجاح خطط الحج الصحية لهذا العام، مع ما شهده هذا الموسم من عودة لأعداد الحجيج لما كانت عليه قبل الجائحة”. وأضاف: “انطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين لجعل صحة الإنسان أولا، عملت المنظومة الصحية على الجاهزية بأكثر من 354 منشأة صحية عبر جميع القطاعات الصحية؛ لتقديم الخدمات لضيوف الرحمن، أسهم في تقديمها أكثر من 36 ألف من الكوادر الصحية من جميع القطاعات الصحية، ساندهم فيها أكثر من 7600 متطوع”. 

كاشفاً أن عدد الحجاج الذين تلقوا الخدمات الصحية بلغ أكثر من 400 ألف حاج، كما تم إجراء أكثر من 50 عملية قلب مفتوح، وأكثر من 800 قسطرة قلبية، إضافة إلى ما يزيد عن 1600 جلسة غسيل كلوي، مع تقديم خدمات افتراضية عبر مستشفى صحة الافتراضي لأكثر من 4000 حاج، والتعامل مع أكثر من 8000 إصابة متعلقة بأشعة الشمس وارتفاع درجة الحرارة، وقد أسهمت الجهود التوعوية الاستباقية في الحد من زيادة عدد الحالات. ونظراً للتنظيم الناجح والنتائج المُرضية، أشادت منظمة الصحة العالمية بجهود المملكة العربية السعودية خلال موسم حج هذا العام، وعدم تسجيل أي حوادث أو تفشٍ للأمراض. وأثنت المنظمة على الجهود الاستثنائية التى بذلتها السلطات السعودية لتوفير الخدمات الصحية للملايين من الحجاج، وتعاونها المستمر مع المنظمة في تعزيز مختلف مجالات العمل الصحي.

وقال الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط،نحن نقدر الجهود الخارقة التى تبذلها السلطات السعودية لتنظيم وتوفير الخدمات الصحية للملايين من الحجاج”. وأكد، أن المنظمة على ثقة بأن وزارة الصحة وجميع الهيئات المعنية بالحج لا تدخر جهدًا في هذا الصدد، وأن التدابير الاحترازية التي تكفل سلامة حجاج بيت الله الحرام قد طُبِّقت وفقًا لمتطلبات اللوائح الصحية الدولية (2005)، وتشمل هذه التدابير: الترصُّد الفعال لضمان اكتشاف أي فاشية من فاشيات الأمراض المعدية بين الحجاج والتصدي لها فورًا، والوقاية من العدوى ومكافحتها، والإصحاح السليم، وسلامة الأغذية، والتلقيح، والتواصل بشأن المخاطر، والاستجابة في الوقت المناسب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى