القطاع الصحي السعودي

القطاع الصحي السعودي

تطور محلي وتصنيف عالمي… والأهم رضى المرضى

معلوم أن قطاع الرعاية الصحية السعودي هو الأكبر بين دول الخليج، وذلك نظراً إلى أن المملكة هي الأكبر مساحة وعدد سكان واقتصاد. وتستحوذ المملكة على نحو 48 في المئة من إجمالي إنفاق الحكومات الخليجية على الرعاية الصحية بتكلفة من المتوقع أن تزيد على الـ23 مليار دولار في العام الحالي 2023. فيما زادت ميزانية القطاع الصحي على 4,5 مليارات دولار، وهو ما يدل إلى الميزانية الضخمة التي توفرها الحكومة من أجل النهوض بهذا القطاع وجعله دائما في مصاف الريادة. وعلى الرغم من أن جائحة كورونا كشفت وهن العديد من القطاعات الصحية العملاقة حول العالم إلا أن القطاع الصحي السعودي أبدى مناعة كبيرة على التراجع ومقاومة أية ضغوط، لأنّ قيادتها جعلت الصحة والخدمات الطبية على رأس أولويات رؤية 2030، ما جعله بحق قبلة أنظار المواطنين والوافدين.

حقق القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية نقلة نوعية هامة مسجّلاً أعلى مستويات الكفاءة والسلامة والعناية بالمرضى. وكانت المملكة أعدّت الخطة الإستراتيجية لوزارة الصحة 2030، بهدف ضمان تطبيق برنامج تحوّل القطاع الصحي في شكل كامل وهادف. ويعمل برنامج التحول الصحي على إعادة هيكلة القطاع، ليكون قائمًا على خدمة الفرد والمجتمع، إذ تهدف الخطة إلى تحقيق الاهتمام بالصحة العامة وتعزيز الوقاية من الأمراض، وتسهيل حصول الأفراد على خدمات الرعاية الصحية، وزيادة معدلات رضا المرضى عن الخدمات المقدمة لهم.

في المدى الأقرب أي بحلول العام 2025، تستهدف الخطة تحقيق عدد من الأهداف، وهي: زيادة نسبة التجمعات السكانية المغطاة بالخدمات الصحية إلى 88%، بغية تسهيل حصول الأفراد على خدمات الرعاية الصحية، وأن يشمل السجل الطبي الرقمي الموحد 100% من سكان المملكة بحلول العام 2025، الأمر الذي من شأنه تحسين الممارسة الطبية، وزيادة قدرة الأطباء على تشخيص الأمراض وعلاجها. كما تناولت رؤية 2030 الصحة النفسية حرصًا على السلامة النفسية للفرد والمجتمع. وقد تجلّى تطوير القطاع الصحّي أثناء انتشار جائحة كورونا ومواجهة آثارها، كما استطاعت المملكة تحقيق العديد من الإنجازات، منها رقمنة القطاع الصحي، عبر إطلاق التطبيقات التي من شأنها تحسين خدمات الرعاية الصحية، مثل: تطبيقي (صحتي)، و(موعد). كذلك، تقليل نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق. وتقليل الوقت اللازم لتقديم الرعاية الصحية، وتهيئة بيئة صحية نقية ومجتمع خال من أي تلوث او منغصات لا تمكنه من التمتع بالصحة الجيدة.

وقد اتخذ القطاع الطبي الخاص مبادرات منذ سنوات من أجل المساهمة مع وزارة الصحة في تقديم الخدمات الطبية المتنوعة، ووصلت إلى مرحلة الثقة والكفاءة المهنية في العاملين فيها إلى درجة عالية، فمثلاً هناك نحو 12 مليون وافد يستفيدون جميعهم من الخدمات الطبية الأهلية، وتستفيد منهم شركات التأمين.. 

وتقدم خدمات الرعاية الصحية لأكثر من 31 مليون مواطن ومقيم، فضلاً عن عدة ملايين زائر خلال فترات الحج والعمرة، من خلال المرافق الصحية التي تشمل المدن الطبية والمستشفيات المتخصصة والمستشفيات الجامعية والعسكرية ومراكز الرعاية الأولية.

مستشفيات المملكة بين الأفضل عالميًا

لا شك في ما حققته المملكة العربية السعودية من نجاحات بارزة على الصعيد الصحي ساء في القطاع العام أو الخاص. وهذه النجاحات جعلت المملكة مقصدا لطالبي العلاج من الخارج والمزدادة أعدادهم يوما بعد يوم، كما أدخل المراكز الطبية والعديد من مستشفيات المملكة بين أفضل المستشفيات العالمية في التقارير الدولية ذات الموثوقية في هذا المجال، ومنها تصنيف مجلة “نيوزويك” الأميركية. وقد تم اختيار البلدان بناءً على عوامل متعدّدة للمقارنة، مثل: مستوى المعيشة ومتوسط العمر المتوقع وحجم السكان وعدد المستشفيات وتوافر البيانات، وتمّت دعوة أكثر من ٨٠ ألف خبير طبي للمشاركة في الاستطلاع عبر الإنترنت. وركّز الاستطلاع على تجربة المريض ومقاييس جودة المستشفى، مثل بيانات جودة العلاج وإجراءات النظافة. ومؤخراً كشف تصنيف مجلة “نيوزويك”، أن المستشفيات السعودية جاءت في تصنيف أفضل المستشفيات في 28 دولة بالعالم، وتليها الإمارات. وأوضح التقرير أن المستشفيات الأميركية احتلت المراكز الثلاثة الأولى من بين 250 مستشفى عالميًا.

وتضمن التصنيف 34 مستشفى في المملكة معدداً (بحسب معايير التصنيف الخاصة) أفضل 10 مستشفيات سعودية لعام 2023:

1. مستشفى الملك فيصل التخصُّصي ومركز الأبحاث – الرياض.
2. مدينة الملك عبدالعزيز الطبية (الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني)- الرياض.
3. مستشفى مدينة الملك عبدالله الطبية– مكة المكرّمة.
4. مدينة الملك فهد الطبية– الرياض.
5. مدينة الملك سعود الطبية– الرياض.
6. مستشفى الدكتور سليمان فقيه – جدة.
7. مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية – الرياض.
8. مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث – جدة.
9. مركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي – المنطقة الشرقية.
10. مدينة الملك عبدالعزيز الطبية (الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني) – جدة.

وهذا إن دل على شيء فعلى نجاح المستشفيات السعودية في الوصول إلى المستويات العالمية في الخدمة والعناية ونتائج المرضى. وما كان لذلك أن يحصل لولا الإدارة الحكيمة في القطاعين العام الخاص والجهود الكبيرة المبذولة في أكثر من موقع وعلى سنوات من الدأب والإصرار والإنفاق.

مبادرات تحفيز القطاع الخاص

مع الوقت برزت عدة مستشفيات أهلية كبيرة في عدد من المناطق تحوّلت إلى شركات مساهمة مفتوحة وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب، وقد وصلت التشريعات ونظام الحوكمة في القطاع الصحي الخدمي إلى مرحلة عالية من الثقة والأمان. وأطلقت وزارة الصحة السعودية مؤخرا 3 مبادرات أولية ضمن برنامج تحفيز منشآت القطاع الخاص للتحوّل إلى شركات مساهمة عامة، وذلك تماشياً مع برنامج تطوير القطاع المالي الذي يُعتبَر أحد البرامج التنفيذية الـ12 التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. 

وشملت المبادرات الثلاث:

1. منح الشركات الوطنية المدرجة في السوق المالية السعودية الأفضلية للوصول للبرامج التدريبية التي تقدمها الوزارة مع منحها امتيازات خاصة، وذلك بتقديم البرامج برسوم تشجيعية.
2. منح الصحة الأفضلية للحصول على معلومات وبيانات إضافية للتقارير والبيانات الإحصائية الخاصة بالوزارة لجميع الشركات الوطنية المدرجة في السوق المالية السعودية.
3. منح امتيازات التحدث والإعلان لهذه الشركات الوطنية في الفعاليات التي تقيمها الوزارة.

وتؤكد كل المرجعيات الصحية في المملكة العربية السعودية أنه منذ تأسيس الدولة كانت الصحة العامة ومكافحة الأمراض من بين أولويات الحكومة. 

وقد جاءت التشريعات الصحية في ما بعد لتؤكد هذه الرؤية وتضع الآليات التنفيذية لها. فقانون الصحة في المملكة العربية السعودية يهدف إلى توفير رعاية صحية شاملة لجميع الناس بطريقة عادلة وفي متناول الجميع. والرعاية الصحية في المرافق الطبية الحكومية تقدم للمواطنين مجاناً، بناءً على استراتيجية صحية جديدة تلبي احتياجات القطاع الصحي. وفي حال إحالة المريض للعلاج خارج منطقة إقامته داخل المملكة أو خارجها، تتحمل وزارة الصحة نفقات المرضى ومرافقيهم خلال فترة العلاج.

كما عملت المملكة على نظام موحد وشامل لجميع خدمات التراخيص الصحية، والذي يتميز بالتكامل الفني المباشر مع جميع الجهات الحكومية ذات الصلة. فمثلاً يمكن لمالك المنشأة الصحية نيل موافقة مبدئية للحصول على ترخيص لمنشأة صحية وإصدار الترخيص النهائي لمنشأة صحية من خلال التسجيل في منصة الخدمات الصحية الإلكترونية “صحة”. كما يمكن لممارس الرعاية الصحية الحصول على ترخيص لممارسة الخدمات الإلكترونية من خلال منصة صحة في غضون 30 ثانية. 

قدمت وزارة الصحة على موقعها على الإنترنت خريطة تفاعلية توضح جميع مواقع المرافق الطبية الحكومية وغيرها من المعلومات ذات الصلة بالمنشأة. ولتسهيل وصول المستفيد إلى الخدمة الصحية وتسهيل انتقاله بين مختلف أنواع الرعاية، تسعى وزارة الصحة إلى إطلاق التجمعات الصحية في جميع مناطق المملكة. وستسمح هذه التكتلات بحركة الكفاءات الطبية وتزود المستفيد بشبكة متكاملة ومترابطة من مقدمي خدمات الرعاية الصحية الخاضعة لهيكل إداري واحد. 

وسهلت المملكة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وزيادة نسبة المجتمعات الحضرية والريفية التي تحصل على خدمات الرعاية الصحية الأساسية في مواقعها من 78٪ في عام 2016 إلى 85.7٪ في عام 2020، فيما يسجل الرقم مزيدا من الإرتفاع في العام 2023. وللحماية من نتائج الأزمات والكوارث الصحية، تم إنشاء مركز متخصص يعرف باسم المركز الوطني لعمليات الطوارئ الصحية. وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى تعزيز عمليات إدارة الأزمات الصحية والكوارث على المستويين الوطني والمحلي. ويقوم المركز بتزويد متخذي القرار بالمعلومات الدقيقة في حالات الأزمات للاستفادة منها في الإنذار المبكر. 

ولم تتخلّف المملكة في مجال الصحة الرقمية كواحد من أهم برامج التحول التي يديرها مكتب تحقيق الرؤية التابع لوزارة الصحة، إذ تلعب التكنولوجيا الرقمية دورًا مهمًا في دعم تقديم رؤية الصحة الرقمية ومن خلال تنفيذ هذه الاستراتيجية الفعالة. والهدف من نظام الرعاية الصحية الرقمي هو تحويل تقديم الرعاية الصحية من خلال التوسع في تطبيق التكنولوجيا، من أجل تقديم خدمات رعاية صحية أكثر أمانًا وكفاءة لمجتمع المملكة.

إجراءات لافتة لصحة أفضل

ابتكرت وزارة الصحة نظام جواز سفر صحة الأم والطفل. وبذلك تحتفظ بسجل لتاريخ مرضهم، وتراقب حالتهم الصحية، وتطلب الفحوصات والتحليلات اللازمة. يتم بعد ذلك توثيق كل المعلومات في جواز السفر لاستخدامه في المراكز الصحية، فيصبح المرجع الأول لصحة الأمهات والأطفال. ويهدف هذا الإجراء إلى توفير رعاية صحية متكاملة وحمل آمن وطفولة صحية. وتحظى فئة كبار السن باهتمام في المجتمع السعودي، حيث توفر لهم الدولة برامج خاصة لتلبية احتياجاتهم. كما التزمت بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والسعي لتحقيق الرفاه والعيش الكريم لهم ولأسرهم. 

​بعد كل هذا المجهود وكل المنجزات المحققة الهادفة إلى تأمين أفضل خدمة للمرضى وأفضل سلامة صحية للمجتمع، لا بد من الوقوف عند مستوى رضا المرضى. من هنا اعتمدت وزارة الصحة السعودية ​​​​​​​​​​​​​​​​​​برنامج قياس تجربة المرضى، هو إحدى مبادرات الوزارة التي تهدف إلى تمكين المستفيدين الرئيسين (المرضى وذويهم) من المشاركة في التحسين عبر قياس رضاهم بعد الحصول على الخدمات الصحية المختلفة في المنشآت التي تعمل تحت مظلة وزارة الصحة من خلال استبيانات مصممة لكل رحلة على حدة، وعبر طرف ثالث مستقل لضمان الحيادية في النتائج. يعمل البرنامج على قياس الرضا في المستشفيات، والمراكز التخصصية، والرعاية الصحية الأولية، وبنوك الدم، ومراكز الإقلاع عن التدخين، ومراكز فحص ما قبل الزواج، وغيرها من الخدمات المقدمة. 

وتم تحديد مخرجات البرنامج عبر:

• قياس رضا المريض في مرافق وخدمات وزارة الصحة للخروج بمشاريع تحسين لجودة الخدمات وتجربة المريض في الحصول عليها، والعمل على رفع رضا المستفيدين.
• تزويد أصحاب القرار بالبيانات المساعدة على اتخاذ القرارات المهمة والمبنية على مصلحة المستفيد أولاً.
• وضع معيار خاص بمستويات تجربة المريض على المستوى الوطني.
• مقارنة مستوى الخدمات المقدمة بين منشآت وخدمات الوزارة في المناطق المختلفة.
• مقارنة مستويات تجربة المريض في
• منشآت وزارة الصحة مع نظرائها على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي والمستوى الدولي.​
• فهم أولويات وعوامل تحسين تجربة المريض على مستوى مرافق وخدمات وزارة الصحة.

وبعد كل هذا، يكون القطاع الصحي السعودي قد حصل على ثقة المرضى في الداخل ومراجع التصنيف العالمية في الخارج، متوِّجاً بذلك ومساعيَ جليلة وجهوداً أثبتت النتائج أنها كانت مثمرة.