مقالات طبية

القطاع الإستشفائي في عمان

القطاع الإستشفائي في عمان

نموذج للتخطيط الإستراتيجي في مجال الصحة

تفتخر سلطنة عُمان بنظام الرعاية الصحية الشامل، الذي يقدم الرعاية الصحية الأولية المجانية للعمانيين والرعاية المدعومة للسكان الأجانب في السلطنة وبأرفع المستويات العالمية. ويأتي ذلك ضمن معيارين: تقديم أفضل رعاية صحية وضمان سلامة المجتمع، والإلتزام بمندرجات الرؤية الصحية 2050 التي تهدف إلى تمكين الشعب العُماني من عيش حياة صحية ومنتجة، من خلال إنشاء نظام صحي منظم ومنصف وفعال وسريع الاستجابة، يقوم على القيم المجتمعية للإنصاف والعدالة الاجتماعية. على مدى السنوات الماضية، أدى الوصول السهل إلى المرافق الطبية والأطباء إلى تحسين كبير في عمر المواطنين العمانيين، الذين يشهدون باطراد ارتفاع متوسط العمر وتوسّع الخدمة الطبية وتحديثها.

يتزايد عدد سكان عمان بشكل مطرد سواء من المواطنين أو الوافدين، وهذا ما يرفع الطلب على سوق الرعاية الصحية في السلطنة. ولذلك فإن الحكومة ممثلة بوزارة الصحة تعمل باستمرار على توسيع القطاع وزيادة كفاءته وقدرته الإستيعابية. وقد عملت الوزارة على توسيع عدد مؤسسات الرعاية الصحية الأولية الخاضعة لإدارتها حيث وصلت في وقت سابق إلى 250 مؤسسة، من أجل الاستمرار في تقديم الرعاية الصحية الأولية الشاملة للجميع. 

وشملت هذه المراكز الصحية والمرافق والمستشفيات المحلية التي تديرها وزارة الصحة. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 95% من سكان البلاد يعيشون الآن على بعد خمسة أميال من المركز الطبي. من جانبه يتوسع القطاع الإستشفائي الخاص باطراد وتدخل السوق مؤسسات أجنبية كبيرة ومعروفة ما يبشر بمستقبل أكثر ازدهاراً للقطاع، وعناية إستشفائية أكبر للمواطنين والمقيمين على أرض السلطنة.

بعد هذه النهضة، بات يوجد في عمان أكثر من 70 مستشفى، بإجمالي أكثر من 7600 سرير، أي ما يعادل 15.5 سريرًا تقريبًا لكل 10000 شخص. وهذه زيادة كبيرة مقارنة مع المستشفيين اللذين كانا موجودين عندما تولى السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد العرش في عام 1970. ومع ذلك، من المتوقع أن تنمو متطلبات أسرة المستشفيات في البلاد بمعدل سنوي يبلغ 3.1% خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل الطلب إلى أكثر من 8500 سرير بحلول عام 2028.

ومن المتوقع أن تلبي المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات الجديدة معظم الزيادة المتوقعة في الطلب، مع وجود مجموعة من المرافق الجديدة قيد التنفيذ بتكلفة تزيد على 3 مليارات دولار أميركي، وتتوزّع بين مسقط وصلالة وصولا إلى مدن أخرى. ولم تغب القرى النائية عن خطة تأمين الإستشفاء للجميع بسهولة وجودة كبيرتين.

نهضة يقودها القطاع الحكومي

معروف أن وزارة الصحة هي المزود الرئيسي للرعاية الصحية في سلطنة عمان وتقوم بتطوير السياسات والاستراتيجيات الصحية والبرامج والخطط اللازمة للقطاع الصحي. تدير وزارة الصحة أيضًا معاهد تعليمية لمتخصصي الصحة الأساسية وما بعد الأساسية في التمريض والمجالات المرتبطة به. في أوائل كانون الثاني/يناير 2017، بدأت وزارة الصحة في تنفيذ نظام المعاملات غير النقدية في مراكز الرعاية الصحية العامة، حيث تقبل الآن العيادات الأولية والمستشفيات الحكومية الدفع بالبطاقات. ويعد هذا جزءًا من تحرك أكبر نحو منصة حكومة إلكترونية أكثر شمولاً ونظام رعاية صحية أكثر بساطة. وبالتوازي تعمل المديرية العامة لمركز ضمان الجودة على مركزية جمع البيانات التي تغطي جميع قطاعات الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية.

ويصل متوسط الإنفاق السنوي على الصحة في عمان إلى حوالى 1.6 مليار ريال عماني (4.2 مليار دولار). وتشهد هذه الميزانية الصحّية ارتفاعا عاما بعد عام لمواكبة الطلب المتزايد على الخدمات الصحية وتلبيته بأفضل المعايير. ومن المتوقع أن يرتفع الإنفاق على الرعاية الصحية بنسبة 12.9% سنويًا أقله على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتدفع سلطنة عمان نحو تنفيذ الحلول التكنولوجية الحديثة لتعزيز الكفاءة في قطاع الرعاية الصحية، وفي نهاية المطاف خفض التكاليف وتقليل أوقات الانتظار. وكان هذا ملحوظاً في رقمنة السجلات الطبية في البلاد، حيث تم ربط حوالى 90% من جميع المستشفيات الحكومية ومرافق الرعاية الصحية إلكترونياً بقاعدة بيانات مركزية

ومنذ عام 1976، مرت سلطنة عمان بثلاث مراحل متميزة من التطور في ما يتعلق بقطاع الرعاية الصحية. فكانت المرحلة الأولى، التي استمرت حتى عام 1990، موجهة نحو بناء البنية التحتية الصحية في البلاد من الصفر تقريبًا. أما المرحلة الثانية، والتي امتدت من عام 1991 إلى عام 2005، فقد ركزت على تطوير مختلف مكونات النظام الصحي، مع وضع خطط على المستوى المركزي والإقليمي والمحلي. وتستهدف المرحلة الثالثة، التي بدأت في عام 2005، توفير تغطية رعاية صحية شاملة، واستخدام التخطيط الاستراتيجي رفيع المستوى لتحديد ومعالجة الاحتياجات المحددة للقطاع.

وفي عام 2014، أصدرت الحكومة العمانية

خطة طويلة المدى لقطاع الرعاية الصحية في البلاد، بعنوان الرؤية الصحية 2050. وتتوخى الخطة، التي تقول منظمة الصحة العالمية إنها بمثابةنموذج للتخطيط الاستراتيجي في مجال الصحة، تصورًا كبيرًا حول توسيع نطاق الاستثمار في قطاع الرعاية الصحية من أجل إنشاء نظام صحي جيد التنظيم ومنصف وفعال وسريع الاستجابة. ومع توقع تضاعف عدد سكان عمان بحلول عام 2050، ينبغي للرؤية الصحية إنشاء ما يصل إلى 10000 مركز صحي لتلبية متطلبات تزايد سكان المناطق الحضرية.

وتشير الرؤية الصحية 2050 أيضًا إلى الحاجة المتزايدة إلى مرافق رعاية المسنين، حيث من المتوقع أن يزيد عدد كبار السن الذين يعيشون في عمان بمقدار خمسة أضعاف حتى عام 2050. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا من 6.1٪ من السكان إلى 13.1% خلال تلك الفترة.

مركز إقليمي للرعاية الصحية 

شهد قطاع الرعاية الصحية في عمان نموًا جديرًا بالثناء على مدى العقود القليلة الماضية. في حين تتمتع الحكومة بحضور قوي في هذا القطاع، حيث توفر الحلول الصحية المتقدمة وخدمات رعاية المرضى للناس، فقد رحبت دائمًا بمقدمي الرعاية الصحية من القطاع الخاص وشجعتهم على المساهمة في تحويل عمان إلى مركز إقليمي للرعاية الصحية. وفي فترة وجيزة سجل القطاع الصحي في السلطنة نموًا مذهلاً. واليوم، تتمتّع عمان بنظام صحي واعد ينمو على مستوى القطاعين العام والخاص. وقد استفاد نظام الرعاية الصحية في البلاد بشكل كبير من الخبرات الطبية الأجنبية التي ساعدت بدورها في تحسين مهارات المهنيين الطبيين المحليين.

فلقد كان توفير الرعاية الصحية الشاملة لمجموعة مختلطة من العمانيين والوافدين تحديًا كبيرًا، بالنظر إلى السمات الطبوغرافية الفريدة للسلطنة ونمط التوزيع السكاني. ولكن اليوم، حتى القرى النائية التي يسكنها عدد قليل من الناس باتت تتمتع بإمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية. وبالفعل شهد قطاع الرعاية الصحية خلال السنوات الماضية مشاريع صحية ضخمة مثل مدينة السلطان قابوس الطبية التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار أميركي في مسقط والتي تضم خمسة مستشفيات ومرافق طبية أخرى، ومشروع السياحة العلاجية المتكامل في صلالة الذي تبلغ قيمته مليار دولار، والذي يسمى المدينة الطبية العالمية (IMC) ويتكون من مستشفى رعاية متخصصة يضم 530 سريرًا، ومجمع للبحث والتطوير (R&D)، ومراكز لزراعة الأعضاء، ومنتجع للرعاية الصحية. وهناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ.

ومن المتوقع أن تلعب المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات الجديدة قيد الإنشاء دورًا رئيسيًا في تحقيق رؤية عمان الصحية 2050، وهي استراتيجية طويلة المدى صدرت في عام 2014 تهدف إلى دعم خطة الحكومة المتمثلة في توفير نظام رعاية صحية عادل وسريع الاستجابة، والذي بدوره سيخلق سكانًا منتجين. وعند إضافة شبكة المستشفيات المجتمعية، والمستشفيات المتخصصة، ومرافق الإحالة المتخصصة والتعليم الطبي الممتازة في مستشفيات جامعة السلطان قابوس، فإننا نحصل على رؤية واضحة للتطورات الكبيرة في قطاع الرعاية الصحية العماني. وهناك فرصة كبيرة للمشاريع المشتركة الدولية الكبرى في مجال الرعاية الصحية، ليس فقط في القطاع الخاص ولكن في القطاع العام أيضًا.

توسّع القطاع الخاص

يرى المتخصصون أن السماح لقطاع الرعاية الصحية الخاص المنظم بالعمل جنبًا إلى جنب مع القطاع العام يمكن أن يسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات الرعاية الصحية لكل من السكان المحليين والوافدين. كما سيوفر للمواطنين العمانيين خيار الدفعبأنفسهم أو من خلال التأمين الطبي الخاصمقابل الرعاية الطبية، وبالتالي تقليل عبء الرعاية الصحية على القطاع العام بشكل كبير. وهناك فرصة كبيرة لمشاريع مشتركة دولية كبرى في مجال الرعاية الصحية في عمان، سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام

فمعظم مرافق الرعاية الصحية في عمان مملوكة حاليًا وتديرها الحكومة، ولكن مع تزايد أعداد العمانيين والوافدين الذين يبحثون عن العلاج الخاص لتجاوز قوائم الانتظار الطويلة، فإن عدد المرافق الخاصة العاملة في السلطنة آخذ في الارتفاع. ويوجد حاليًا أكثر من اثني عشر مستشفى خاصًا في عمان، بما في ذلك مرافق متعددة التخصصات مثل مستشفى ستاركير في مسقط، التي تملكها وتديرها شركة ستاركير هيلث سيستمز ومقرها المملكة المتحدة، ومستشفى مسقط الخاص التابع لشركة يونايتد ميديكال، ومستشفى برجيل. 

ويشير عدد من مقدمي الرعاية الصحية الأجانب إلى خطط لدخول السوق العماني أو بدأوا بالفعل في بناء مشاريع جديدة، وكلها تشير إلى نمو كبير في القطاع الخاص. هناك أيضًا أمل في أن تتمكن عمان في نهاية المطاف من جلب السياحة العلاجية؛ ومع ذلك، فإن المشاركين في هذا القطاع يشعرون أن الأولويات تكمن في مكان آخر. “ستتبع السياحة الطبية نموذجيًا، ولكن علينا أولاً تلبية الاحتياجات المحلية. وبمجرد أن نبدأ في تأسيس المراكز الصحية المتطورة، هناك بالطبع فرصة كبيرة لتلبية احتياجات المرضى الخارجيين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى