مقالات طبية

الطب التجميلي والسياحة الإستشفائية

الطب التجميلي والسياحة الإستشفائية

العالم العربي إلى الصدارة والتميُّز

يحتل قطاع طب التجميل حيّزًا واسعًا من النشاط الإستشفائي في العالم مساهِمًا بقسم كبير من حركة هذا القطاع عمومًا، ولا سيما على صعيد السياحة العلاجية. وليس العالم العربي ببعيد عن هذا التطوّر، بل بات متقدّمًا في مجال طب التجميل والسياحة التجميلية، بعدما انخرط العديد من مستشفياته في تطوير هذا القطاع الإستشفائي الناشط. وهنا لا بد من التمييز في الجراحة التجميلية بين أمرين: جراحة ما بعد حادث معين أو مرض يُضطر المريض بنتيجته إلى استئصال عضو أو جزء من جسمه، ما يدفعه إلى اللجوء لجراحة التجميل لإعادة ترميمه. وجراحة التجميل بهدف تحسين المظهر الخارجي للوجه أو للجسم والتي باتت رائجة بقوة في العالم. فماذا عن هذه الصناعة اليوم حجماً وانتشاراً وتقييماً؟ وأين منها العالم العربي؟

إستضافت دبي في سبتمبر الماضي مؤتمر الإتجاهات الحديثة في أمراض الجلد وطب التجميل، حيث يتطلّع المختصّون في هذا المجال إلى أن يشهد القطاع ثورة علمية وتكنولوجية غير مسبوقة. وقد شهد المعرض المصاحب للمؤتمر عرض أحدث الأجهزة المتطوّرة والاتجاهات الجديدة في هذا القطاع.

يشير هذا الإهتمام بقطاع التجميل إلى المدى الذي بلغه، سواء على صعيد التطوّر والتوسّع أو على صعيد مساهمته في نشاط القطاع الصحي، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط. وقد بات هذا المجال الطبي متقدّماً مقارنةً مع سواه من المجالات، كما يسجِّل تطوّراً في أدائه جعله يتخطّى بعض العقبات السابقة، الطبيّة لدى الممارسين والنفسية لدى المتقدمين إليه. فعمليات التجميل أصبحت جزءاً مهماً من السياحة العلاجية، إذ تُعتبَر الجراحة التجميلية واحدة من أكثر خمسة إجراءات يسعى إليها السياح في دبي والمنطقة التي أصبحت من أهم الوجهات عالمياً للجراحة التجميلية.

وتُعد الإتجاهات المتغيّرة جزءًا من طفرة عالمية في الطب التجميلي، حيث أُجريت أكثر من 30 مليون عملية جراحية وغير جراحية في عام 2022، بزيادة قدرها 19.3% عن العام السابق. وأشارت بيانات الإستطلاع السنوي للجمعية الدولية لجراحة التجميل، إلى أن صناعة الجراحة التجميلية لم تتعافَ فقط من عامين متتاليين من الانخفاض المرتبط بجائحة كورونا، بل نمت إلى ما هو أبعد من مستويات ما قبل الجائحة.

وارتفع إجمالي عدد العمليات الجراحية بنسبة تتخطّى الـ 33% بين عامي 2017 و2022، بينما زادت الإجراءات غير الجراحية (وأشهرها الحقن بالبوتوكس) بنسبة تتخطّى الـ 54% خلال الفترة ذاتها. وقد زاد عدد عمليات تكبير الثدي بشكل طفيف، بنسبة 0.5%، خلال سنوات البحث المحدّدة، لكن لوحظ تسجيل انخفاض نسبي في إجراء هذه العمليات مقارنة بالإجراءات الأخرى.

ترتيب الدول عالميّاً

أما ترتيب الدول التي توفرت عنها بيانات موثوقة، وفقًا لعدد الجراحات بها، فقد جاءت الولايات المتحدة في مقدمة الدول كصاحبة أكبر عدد لجراحات التجميل، بحوالى 1.49 مليون عملية جراحية تجميلية (13.1%). في حين حلّت البرازيل  في المرتبة الثانية بعدد 1.35 مليون عملية (11.9%). 

بينما حلّت المكسيك في المرتبة الثالثة بـ 580.695 عملية (5.1%)، وروسيا رابعًا بـ 486.152 جراحة (4.3%)، والهند في المركز الخامس بعدد 394.728 عملية (3.5%). في الوقت الذي جاءت فيه تركيا في المركز السادس بعدد جراحات وصل إلى 351.930 عملية (3.1%)، وألمانيا في المرتبة السابعة بعدد 336.244 عملية (3%)، وحلّت إيطاليا في المركز الثامن عالميًا بعدد جراحات وصل إلى 314.432 عملية (2.8%).

وحلّت عمليات تجميل الصدر في المقدّمة كأكثر العمليات انتشاراً. وقد تراجعت تكاليفها منذ العام 2015 بمعدل 2,7%، مقابل عمليات شفط الدهون التي ارتفعت تكاليفها، في الفترة ذاتها، بمعدل 6,1%، وفق ما كشف عنه تقرير صادر عن المعهد الأميركي لعمليات التجميل (ASPS). وكما في الولايات المتحدة جاءت عمليات تجميل الصدر في المرتبة الأولى أوروبيّاً. وحسب الجمعية الألمانية الطبية المختصة بعمليات التجميل (DGPC)، فإنه وفي فترة سابقة تقلص عدد النساء الراغبات في زراعة حشوات التكبير إلى الثلث، إذ أبدت السيدات رغبة أكبر في تكبير الصدر بواسطة الدهون الذاتية.

لكن وفي فترات أخرى فقد تفوّقت عمليات شفط الدهون بين النساء على عمليات تكبير الثدي باعتبارها من بين أكثر أشكال الجراحة التجميلية شيوعًا، بنسبة 14.8% من العمليات التجميلية التي أجريت في جميع أنحاء العالم. بينما انخفضت عمليات تكبير الثدي إلى ما يزيد قليلاً عن 13%، وسط قلق متزايد في شأن ارتباطها بالإصابة بالسرطان، وفقًا للبيانات المنشورة حديثًا من الجمعية الدولية لجراحة التجميل . ISAPS 

في العالم العربي

أما في العالم العربي فأظهرت الإحصائيات المقدّمة من قبل ISAPS، أن المملكة السعودية كانت الأولى عربيّاً من حيث عدد عمليات التجميل، حيث سجلت 95 ألف عملية في العام 2016، من أصل 12 مليون عملية من هذا النوع على مستوى العالم. وتأتي عمليات التجميل في السعودية في صدارة إحصائيات عمليات التجميل الخاصة بعدد العمليات المجراة في الوطن العربي، حيث تضاعفت معدلات الإقبال على هذا النوع من العمليات في المملكة وبخاصة عملية شفط الدهون وعملية تجميل الأنف خلال السنوات الأخيرة.

وسجّلت عمليات التجميل انتشاراً أكبر بين النساء مقارنة بالرجال، على الأقل إلى غاية اللحظة لكون الأرقام المسجلة عالميّاً تدل على ارتفاع متزايد لعدد العمليات التي أجريت للرجال الباحثين بدورهم عن الجمال. وتعد عمليات تصحيح الأنف الأكثر إقبالا بين الرجال بمعدل نحو 27%. وفيما كان الخليجيون قبل عقد من الزمن يتوجهون إلى أوروبا وتركيا وغيرهما لإجراء عمليات تجميل، تطوَّر هذا القطاع محليًا بحيث حلّ بعض هذه الدول أولاً على هذا الصعيد في العالم العربي. 

وشهدت دولة الإمارات العربية المتحدة طفرة هائلة على مختلف الأصعدة خلال السنوات الماضية، حتى أنها أمست واحدة من أهم خمس وجهات سياحية على مستوى العالم. وتفتخر الإمارات بازدهار صناعة التجميل، والتي من المُقرر أن تشهد مُعدل نمو سنوي مُركب يصل إلى 8.3% بحلول العام 2030. وتُقدم عيادات التجميل فيها خدمات من الدرجة الأولى مثل حقن الفيلر للجلد وعلاجات العناية بالبشرة وإجراءات الليزر وغيرها.

وتشير الإحصائيات إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الثانية عربياً من حيث عدد عمليات التجميل المُجراة سنوياً، بعدما تحولت إلى واحدة من أهم نقاط الجذب السياحي على مستوى العالم. ولم يتأثّر الإقبال على عمليات التجميل في الإمارات ببعض العوامل المؤثرة في أماكن أخرى، إذ إن مراكز عمليات التجميل في الإمارات تعتمد بشكل أساسي على صفوة المجتمعات ومشاهير العالم. 

فيما تمتلك الإمارات بعضاً من أفضل عيادات التجميل، حيث تقدِّم علاجات تجميلية مُتميزة مصمَّمة لتناسب مُختلف الجنسيات. والجدير بالذكر أن عمليات التجميل أصبحت جزءاً مهمّاً من السياحة العلاجية، إذ تُعتبَر الجراحة التجميلية واحدة من أكثر خمسة إجراءات يسعى إليها السياح في دبي التي أصبحت من أهم الوجهات عالمياً للجراحة التجميلية.

بدوره، يعد لبنان رائداً في مجال عمليات التجميل في المنطقة العربية وعلى مستوى الشرق الأوسط بصفة عامة، حيث ظهرت عمليات التجميل فيه بادئ الأمر ومن ثم انتقلت إلى مصر ثم إلى باقي الدول العربية تباعاً. وعلى رغم أن إحصائيات عمليات التجميل تُشير إلى تقدُّم بعض الدول العربية على لبنان في هذا المجال وبخاصة دول الخليج، إلّا أنه لم يتأثر بذلك بصورة كبيرة، حيث بقي أحد أهم مراكز السياحة العلاجية في العالم العربي، ما أبقاه منافساً قوياً في هذا المجال على الرغم من تفوّق الدول المجاورة له من حيث الإمكانيات والتقنيات المستخدمة في الجراحات التجميلية.

وقد سجّلت نسبة عمليات التجميل في لبنان أعلى مستوى نمو عالمياً والمُقدر بنحو 20% سنوياً، حيث رصدت إحصائيات عمليات التجميل أن أقل مراكز التجميل في لبنان يقوم بإجراء 120 إلى 150 عملية تجميل شهرياً، كما أن العائدات منها تُشكِّل نسبة 15% من إجمالي الإنفاق السياحي السنوي في لبنان. ويرجع هذا الإقبال المتزايد إلى انخفاض أسعار عمليات التجميل مقارنة بأسعارها في الدول المجاورة التي تعتمد في نشاطها على السكان المحليين.

وأفريقيّاً احتلت تونس المرتبة الثانية في مجال جراحة التجميل بعد جنوب أفريقيا. وتستقطب أعداداً كبيرة من الأوروبيين في إطار ما يعرف بالسياحة التجميلية، وذلك نظراً إلى انخفاض كلفة جراحة التجميل فيها مقارنةً بالدول الأوروبية. ورغم أن هذه العمليات لا تخلو من المخاطر وتهدّد حياة الناس أحيانا، فإن ذلك لم يمنع النساء والرجال من الإقبال عليها، حيث تشهد تونس إجراء أكثر من 150 ألف عملية تجميل سنويا. وتتقدم تونس على بلدان أوروبية في جراحة التجميل ما يجعلها وجهة محببة لكثير من الأوروبيين، وذلك بفضل تطور الكفاءات الطبية المختصة وكذلك التقنيات الموجودة لدى مستشفياتها.

وتعد مصر جزءاً أصيلاً من تاريخ عمليات التجميل، حيث أنها ثاني الدول التي عرفت هذا النوع من الإجراءات الطبية في التاريخ وفقاً لما ورد في البرديات والمخطوطات الأثرية. أما إحصائيات عمليات التجميل المعاصرة فتشير إلى أن مصر تأتي في مركز متقدم عربياً على هذا الصعيد. ويعود تراجع تصنيف عمليات التجميل في مصر إلى ظهور منافسين جدد على الساحة خلال السنوات الأخيرة وعلى رأسهم السعودية والإمارات. لكن على رغم ذلك لا تزال تشهد عمليات التجميل على اختلافها إقبالاً كبيراً في مصر، سواء من السكان المحليين أو الوافدين.

وهناك دول عربية أخرى ناشطة على صعيد الطب التجميلي مثل الأردن والعراق. فانتشار عمليات التجميل في العراق مثلاً فرضته الضرورة في البداية، حيث أن إقبال العراقيين عليها كان بهدف العلاج من التشوهات التي أصابت عدداً كبيراً منهم أثناء الحرب. لكن مع الوقت تحول الأمر إلى موجة استهوت نسبةً كبيرة منهم. وأشارت الإحصائيات إلى أن الإقبال على عمليات التجميل تزايد خلال السنوات الأخيرة. كذلك فالأردن المعروف بنشاطه واستقطابه على صعيد السياحة العلاجية، حجز لنفسه مكاناً على خارطة الطب التجميلي حيث باتت المنافسة عالية في المنطقة والجودة عالية أيضاً.

75 مليار دولار

يقول الخبراء إنه من المتوقع أن يصل حجم سوق قطاع الجراحة التجميلية عالمياً إلى 75 مليار دولار بحلول العام 2030. 

وهذا يعني أن هذا السوق الآخذ في النمو المستمر، سيشكل قطاعاً مهمّاً في مجال الطب ومورداً كبيراً لهذا القطاع وللبلدان المتفوّقة فيه. فالجراحة التجميلية بكل أنواعها باتت تشهد مزيداً من الإقبال يوماً بعد يوم. 

ولكن يبقى الهدف من الجراحات التجميلية بشكل عام، هو علاج أحد المشكلات أو التخلص من العيوب التي خلّفها تقدم العمر، وبالنهاية الحصول على مظهر أكثر شبابًا وتألقًا وتناسقًا، وبالتالي يستعيد الشخص الثقة بالنفس ويصبح أكثر تسامحًا مع المجتمع.

وبما أن أية عملية تجميل مهما كانت بسيطة  هي عمل طبي قد يعرّض صاحبه، في حال الخطأ، إلى مشاكل صحية تصل إلى حد الموت، لذلك تبقى المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية المعروفة والخبيرة هي الوجهة الأسلم عند اتخاذ القرار بإجراء إي عمل تجميلي. والعالم العربي بات اليوم زاخراً بهذه المستشفيات الراقية والمعروفة عالميّاً. 

وعلى هذه المؤسسات الإتكال على خبرات كفوءة لإبقاء الأمر تحت السيطرة الطبية لما فيه خير المريض وصحّته، ونجاح المستشفى ومستقبله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى