مقابلات

الدكتور قيس عثمان

استشاري الطب النفسي في مركز ماربل الطبيقطر

الدكتور قيس عثمان

“العلاقة بين الصحة النفسية والجسدية وثيقة جداً”

مع ازدياد ضغوطات الحياة، ارتفعت وتيرة الاضطرابات النفسية؛ ومواكبة منه لهذه الحاجة، أطلق مركز ماربل الطبي في دولة قطر عيادة الطب النفسي حرصاً منه على توفير حاجات المرضى الجسدية والنفسية على حد سواء. الدكتور قيس عثمان، استشاري الطب النفسي في مركز ماربل الطبي، تحدّث الى مجلة “المستشفى العربي” حول أهمية عيادة الطب النفسي الى جانب العلاقة الوثيقة بين الجانب النفسي والإصابة ببعض الامراض.  وفي ما يلي نص الحوار.

مع افتتاح عيادة الطب النفسي، نود الإضاءة على هذه الخطوة الجديدة لمركز ماربل الطبي وأهميتها؟

مع ازدياد تعقيدات الحياة وتسارع وتيرتها وضغوط متطلباتها المادية والمهنية والاجتماعية من جهة، وارتفاع نسبة الوعي لدى شريحة واسعة من الناس بأهمية الصحة النفسية وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة من جهة أخرى، فإن ذلك زاد بصورة ملحوظة من نسبة الاضطرابات النفسية والحاجة الى علاجها.

تماشيا مع تلك الحاجات، كانت خطوة مركز ماربل الطبي بافتتاح عيادة الطب النفسي أسوة بأغلب المراكز الطبية والمستشفيات المتطورة محلياً وعالمياً ليصبح هناك تكاملاً بين الصحة الجسدية والنفسية حيث تؤثر كل منهما على الأخرى بشكل واضح؛ وبالتالي يمكن لأي شخص يراجع المركز أن يتلقى الخدمات الطبية المتنوعة من مختلف الأقسام بشكل متوازن ومتكامل.

ما هو مفهوم الطب النفسي؟ ما هي الاعراض والعلامات التي تدل على ذلك؟

 الطب النفسي هو فرع من فروع الطب، وكالفروع الأخرى هنالك اضطرابات مصنّفة تصنيفاً عالمياً ويتم تشخيصها اعتماداً على مجموعة من الأعراض والعلامات التي يتم كشفها بشكل علمي ومدروس لا يترك مجالا للتكهنات كما يعتقد البعض. لكل اضطراب خطط علاجية مدروسة ومعروفة علمياً وعالمياً؛ لكن ما يختلف به الطب النفسي عن بقية فروع الطب هو مكان تموضع الأعراض، فلكل اختصاص طبي جهازاً تظهر الأعراض من خلاله، أما الاضطرابات النفسية فتتناول مجالات المزاج والوجدان والشعور، الإدراك، التفكير، السلوك، الذاكرة، الكلام، والتغيرات المرضية التي تحدث في هذه المجالات يتم اكتشافها بالمقابلة والتقييم النفسي التي تعتمد على مظهر المريض وكلامه وطرق تعبيره وإدراكه وتفكيره مع خبرة الطبيب النفسي في استنتاج بعض الأعراض.

وبالتالي لا يوجد استقصاءات طبية كالتحاليل والصور والتخطيط لتأكيد الاضطراب النفسي أو نفيه إلا في الحالات التي يشك فيها أن الأعراض النفسية قد تكون ناجمة عن سبب عضوي.

يتم طلب مجموعة من الصور التشخيصية والتحاليل مثل صورة الدماغ او تخطيطه او تحاليل هرمونات الدرق لنفي تلك الأسباب أو تأكيدها؛ وطبعا هنا يكون العلاج موجهاً للمرض العضوي والأعراض النفسية المرافقة.

هلا حدثتنا عن أبرز الامراض النفسية الشائعة التي تصادفونها؟ 

من خلال نظرة سريعة حول طبيعة المراجعين لعيادة الطب النفسي، نلاحظ أن غالبية الاضطرابات المنتشرة في عصرنا الحالي هي القلق ويليه الإكتئاب؛ يعتبر ذلك أمر طبيعي نتيجة طبيعة الحياة الاستهلاكية المتسارعة ونقص الأوقات التي يقضيها الشخص مع عائلته، إضافة الى المتطلبات المادية المتزايدة.

كل هذا يجعل الشخص غير قادر على الشعور بالأمان والطمأنينة ويضعه في حالة توجس دائم من العديد من المخاطر المادية والمعنوية التي يدرك بعضها ويجهل بعضها الآخر بحيث لا يستطيع تحديد سبب قلقه؛ ينعكس ذلك القلق في حالات كثيرة على قلق حول الصحة وتخوف من الاصابة ببعض الأمراض المستعصية، فنرى الشخص القلق دائم الاطمئنان على وضعه الصحي متنقلاً من عيادة الى أخرى ومن مختبر لآخر من دون أن يدرك أن حالته سببها نفسي محض.

يأتي الاكتئاب في الدرجة الثانية، فإحباطات الحياة وقلة الدعم الأسري والشعور بالفشل يخفض من مزاج الشخص ويترك لديه مشاعر اللاجدوى والعبثية لينسحب تدريجيا من الحياة وتحدياتها ويدخل بحالة اكتئاب ينخفض فيها تقديره لذاته ويتوقف تقريبا نشاطه بمختلف المجالات.

ماذا عن الأطفال والمشاكل النفسية التي يمكن ان يعانوا منها؟

طبعا الأطفال لهم نصيب كبير من حالة القلق اذ لا تقتصر الإصابة به على البالغين؛ بالنسبة لهم، فإن طريقة التربية وتعامل الوالدين والمدرسة مع الطفل تلعب دوراً كبيراً في تشكيل شخصية الطفل في هذه المرحلة الحرجة من النمو، والأخطاء التي تحدث في ذلك قد تؤدي إلى مجموعة من الاضطرابات لدى الطفل كالرهاب الاجتماعي والقلق واضطراب السلوك والسلوك المتحدي المعارض وصولا للإكتئاب الطفلي الذي تختلف أعراضه عن البالغين لأنه يأتي على شكل هياج وتزداد فيه نسبة محاولات أذية الذات والانتحار. انطلاقا من ذلك، يجب الاهتمام بالابتعاد عن الخلافات الزوجية والشجار أمام الطفل إضافة الى توحيد معايير التربية والواجبات والنواهي بين الوالدين من جهة وبين الوالدين والمدرسة من جهة أخرى؛ اضافة الى السماح للطفل بالتعبير عن ذاته ومشاركته أفكاره ومخاوفه وعدم وضع معايير عالية له من ناحية التميز والتفوق وربط ذلك بمحبته وقبوله (الحب المشروط).

الأهم من ذلك عدم تأنيب الطفل والتقليل من قدراته والاستهزاء به خاصة أمام الآخرين، وإن الانتباه لهذه الجوانب يقي الطفل من اضطرابات كثيرة قد تؤثر على تحصيله الدراسي وعلاقته بأهله وزملائه.

طبعا هنالك بعض الاضطرابات عند الأطفال ذات أسباب وراثية أو خلقية أو ما زالت مجهولة السبب كالتوحد وفرط النشاط، على سبيل المثال لا الحصر، وهنا يتعين على الأهل تقبل وضع الطفل ومساعدته واتباع طرق خاصة في هذه الحالات في التعامل والتربية وذلك بناء على توجيهات الطبيب النفسي والأخصائيين النفسيين والمدارس السلوكية الخاصة التي تعنى بمثل هذه الحالات. 

من الجدير بالذكر أن استخدام العنف مع الطفل سواء كان لفظياً أو جسدياً سيجعل منه بالمستقبل شخصاً عنيفاً مضطرب السلوك.

كيف تؤثر الأمراض النفسية على نمط حياة المريض؟ وكذلك على من حوله؟

إن الشخص المتوازن نفسياً هو شخص قادر على التأقلم مع صعوبات الحياة ومتطلباتها في جميع جوانبها؛ أما في حالة حدوث الاضطراب النفسي، فإن ذلك يؤثر على مجالات حياته الاجتماعية والمهنية والذاتية. من ناحية المهنة أو الوظيفة، فإن قدرات المريض والتزاماته تتراجع ويصبح غير قادر على الانجاز والانتاج وحتى الالتزام بأوقات العمل؛ أما الطلاب، فيتراجع تحصليهم الدراسي والتزامهم بمدرستهم او جامعتهم ويدخلون في حلقة الرسوب المتكرر الذي يزيد من سوء حالتهم النفسية التي تؤثر بدورها على انجازهم في علاقة مضطردة.

المجال الثاني هو الحياة والعلاقات الاجتماعية مع الأهل والزملاء والأصدقاء التي تتراجع وقد تنقطع نهائيا، وإن بقيت فقد يشوبها الاضطراب والشذوذ والخلافات نتيجة الحالة المرضية وتأثيرها على الادراك والتفكير.

المجال الثالث هو المجال الذاتي المتعلق بالشخص نفسه، فهو يعاني من الانزعاج الشديد بسبب حالته ويتألم داخلياً، وأغلبهم يصف الألم النفسي بأنه أشد من الألم الجسدي عدا عن نظرة المريض لذاته وتقييمه لنفسه الذي يضطرب بين التدني والمبالغة حسب طبيعة الحالة.

نرى من خلال ذلك أن الاضطراب النفسي يجعل الشخص إنساناً متألماً وعاجزاً مهنياً واجتماعياً ويتحول من شخص يجب أن يكون خلّاقاً ومنتجاً إلى شخص يشكل عالة على من حوله وغير قادر على الاهتمام بنفسه وعائلته وعمله، وطبعاً هذا يؤثر بشكل سلبي على العائلة والمجتمع ككل خاصة ان أدركنا نسبة انتشار الاضطرابات النفسية المرتفعة.

ما هي أنواع العلاجات المتبعة لتخطي الامراض النفسية؟

 إن الجانبين النفسي والجسدي عند الانسان مترابطان بشكل أعمق مما يعتقد البعض ويؤثر كل منهما بالآخر ان كان سلباً أو ايجاباً؛ فالحالة النفسية المتوازنة والجيدة تساعد الشخص على مقاومة الأمراض الجسدية والشفاء منها، وكثيرا ما رأينا أشخاصاً استطاعوا الشفاء من أمراض مستعصية بفضل تمسكهم بالأمل وعدم الاستسلام للمرض وتمتعهم بحالة نفسية جيدة.

 بالمقابل هنالك الكثير ممن تراجعت حالتهم العضوية رغم أن أمراضهم عادية أو بسيطة وذلك نتيجة خوفهم وقلقهم واستسلامهم لليأس والوهم؛ هذا عن الأمراض بشكل عام.

 هناك بعض الحالات المرضية خاصة عندما تحدث عند كبار السن مثل عمليات القلب المفتوح والديسك الذي يسبب عجزاً حركياً والكسور وما شابه فهذه الأمراض تجعل الشخص يشعر بفقدان أهميته في الحياة ويصاب بحالة قلق من ان يصبح عالة على من حوله فيدخل في حالة اكتئاب تحتاج حتماً للعلاج النفسي.

إضافة الى ذلك، هنالك مجموعة من الأمراض المناعية أو مجهولة السبب التي تلعب فيها الحالة النفسية دوراً كبيراً وتحتاج الى علاج نفسي الى جانب العلاج العضوي كالأكزيما والصدفية والربو وقرحة المعدة وغيرها.

نسمع الكثير عن العلاقة الوثيقة بين الجانب النفسي والإصابة ببعض الامراض. كيف تشرح لنا هذه العلاقة؟

الأمراض الجسدية النفسية هي مجموعة من الأعراض والأمراض التي لا يكون لها أي سبب عضوي وتظهر فيها الفحوصات الطبية نتائج طبيعية لكنها تؤلم وتزعج المريض وتجعله ينتقل من عيادة الى أخرى ومن اختصاص الى آخر حتى ينتهي به المطاف الى العيادة النفسية حاملا معه مجموعة كبيرة من التحاليل والصور.

من هذه الحالات مثلاً نوبة الهلع التي تترافق بخفقان وضيق نفس ودوار ويضطر المصاب بها لمراجعة اسعافات المستشفيات ظناً منه أنها نوبة قلبية؛ وكذلك قلق المرض الذي يسبب أعراضاً جسدية كاضطرابات الهضم والقولون العصبي والخفقان وتشنجات عضلية في الرقبة والرأس والصدر ويفسرها المريض نتيجة قلقه بأنها مرض قلبي أو ورم في القولون أو كتلة في الرأس، ويمضي بالفحوصات والتحاليل المتكررة. هناك أيضاً الهستيريا التي تنتشر عند الفتيات في فترة الشباب حيث يستجيب الجسم نتيجة شدة نفسية او مشكلة صعبة الحل بأعراض جسدية كشلل أحد الأطراف أو نوبات تشنج وفقدان وعي تشبه حالات الصرع أو الخرس والعمى وغيرها، وهي اعراض تزول بزوال سبب الشدة النفسية. يستطيع الطبيب النفسي بخبرته أن يعرف أن تلك الأمراض والأعراض سببها نفسي من خلال الفحص والتقييم النفسي وخاصة أن معظم تلك الأعراض لا تتفق مع مرض معين ولكن هذا لا يمنع من أن يطلب بعض الفحوصات أحيانا اذا لم يكن المريض قد أجراها لنفي التشخيص أو تأكيده.

ما هي آليات العلاج المتبعة لمثل هذه الحالات؟ 

العلاج في هذه الحالات إما علاج دوائي بمضادات القلق والإكتئاب أو جلسات علاجية من نوع العلاج المعرفي السلوكي وخاصة لمن يخافون أو لا يتقبلون الأدوية النفسية. الأفضل هو تآزر العلاج النفسي مع العلاج الدوائي لكي يعطي نتائج سريعة وجيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى