أمراض وعلاجات

داء السكري… الإصابة ليست النهاية, بل بداية لنمط حياة جديد

داء السكري

الإصابة ليست النهايةبل بداية لنمط حياة جديد

يعد مرض السكري أحد أكثر التحديات الصحية نموًا في القرن الحادي والعشرين، حيث يفرض عبئاً كبيراً على النظم الصحية والمجتمعات نظراً لتأثيره على الأفراد وعائلاتهم وعلى المجتمع ككل. الاتحاد الدولي لمرض السكري، وفي آخر إصدار له، أشار الى وجود حوالى 537 مليون شخص يتعايشون مع داء السكري حول العالم وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و79، ويتوقع الإتحاد في التقرير الذي أعدّه العام الماضي أن من المتوقع أن يرتفع العدد الإجمالي للمصابين بمرض السكري إلى 643 مليونًا بحلول عام 2030 و783 مليونًا بحلول عام 2045.

لكن، باتباع نظام غذائي صحي مترافقاً مع نشاط بدني جيّد والإبقاء على الوزن ضمن معدلاته الطبيعية وكذلك الإمتناع عن التدخين، من الممكن منع الإصابة بالنوع الثاني من السكري او تأخيرها؛ كما أنه وفي حال الإصابة فإن الإنتظام بالعلاج والفحوصات الدورية يسهمان في تجنّب عواقب هذا المرض المزمن ومضاعفاته التي تطال سائر أعضاء الجسم.

في المقابل، لقد ظهرت أجيال جديدة ومتطورة من العلاجات، سواء الفموية أو حقن الأنسولين، بتركيبات جديدة نتيجة الفهم المتعمّق لمرض السكري وكيفية تأثيره على الجسم؛ فقد أمضت الفرق البحثية سنوات من العمل والجهد الى ان توسعت مروحة العلاجات المطروحة لداء السكري بنوعيه وتحسنت خيارات العلاج، لاسيما مع تطور الأنسولين الذي يشكل أداة التحكم بالسكري من النوع الأول وعلاج مهم للسكري من النوع الثاني الى جانب وجود مروحة واسعة من العلاجات الفموية للسيطرة على السكري في الدم. إنها علاجات قادرة على إطالة مفعول الدواء وتحسين التحكم في مستويات السكر في الدم بين الوجبات والسيطرة على معدلات السكري خلال الليل، كلها أمور سهّلت حياة المرضى وقلّلت من خطر الإصابة بانخفاض السكر في الدم او ارتفاعه بشكل مفاجئ.

سكري النوع الأول

هو مرض ذاتي المناعة حيث يهاجم نظام الدفاع في الجسم الخلايا التي تنتج الأنسولين، فينتج الجسم القليل جدًا من الأنسولين أو لا ينتجه أبداً. الأسباب الدقيقة لذلك ليست معروفة بعد ولا تزال عوامل الخطر قيد البحث، ولكنها مرتبطة بمزيج من الظروف الجينية والبيئية. كما أن وجود إصابة لدى أحد أفراد الأسرة يزيد قليلاً من خطر الإصابة بالمرض. على مريض السكري من النوع الأول ان يتعايش مع مرضه ويوازن في تصرفاته سواء في الطعام أو الجهد أو التوتر لتجنب أي نقص أو ارتفاع في معدل السكر لديه.

تشمل الأعراض الأكثر شيوعًا:

  • عطش غير طبيعي وجفاف الفم
  • فقدان الوزن بشكل كبير ومفاجئ
  • التبول المتكرر
  • التعب المستمر
  • الجوع المستمر
  • تشوّش في الرؤية

غالباً ما يتطور هذا النوع لدى الأطفال والشباب ويعتمد العلاج على الحقن اليومي من الأنسولين للتحكم في مستويات الجلوكوز في الدم. إذا لم يكن لدى مرضى السكري من النوع 1 إمكانية الحصول على الأنسولين، فسوف يموتون. هناك أنواع مختلفة من الأنسولين اعتمادًا على مدى سرعة عملها، ومتى تبلغ ذروتها، ومدة استمرارها. عادة ما يتم توصيل الأنسولين بحقنة أو قلم أنسولين أو مضخة الأنسولين. لكن المرضى الذين يعتمدون على الأنسولين لضبط مستوى السكري بحاجة الى فحص المعدل مرات عدة خلال اليوم.

تتمثل أنواع الأنسولين الرئيسية على النحو التالي:

  • الأنسولين سريع المفعول (Rapid-acting) يبدأ مفعول الأنسولين في أقل من 15 دقيقة، ويبلغ أقوى تأثير له خلال 30 إلى 90 دقيقة، ويستمر مفعوله لمدة ثلاث إلى خمس ساعات.
  • الأنسولين قصير المفعول (short-acting) يبدأ مفعول الأنسولين في خلال نصف ساعة، ويبلغ أقوى مفعول له خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات، ويستمر مفعوله لمدة 6 ساعات.
  • الأنسولين متوسط ​​المفعول يبدأ مفعول الأنسولين في خلال ساعة إلى ثلاث ساعات، ويبلغ قمة مفعوله خلال خمسة إلى ثماني ساعات، ويستمر مفعوله لمدة تصل
  • إلى 18 ساعة.
  • الأنسولين طويل المفعول يبدأ مفعول الأنسولين في خلال ساعة أو ساعة ونصف ويستمر مفعوله لمدة 24 ساعة.
  • الى جانب تطور أنواع الانسولين، فقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة لجهة “مضخة الانسولين (Insulin pump) وهي عبارة عن جهاز صغير يُحمل في الجيب وموصول لمنطقة تحت الجلد بواسطة إبرة يتم من خلالها إدخال الانسولين عند الحاجة، على ان يقوم المريض بضبط كمية الانسولين التي يحتاج إليها من دون ان يضطر ليحقن نفسه كل مرة. 

سكري النوع الثاني

هو النوع الأكثر شيوعًا من مرض السكري، حيث يمثل حوالى 90٪ من جميع حالات مرض السكري؛ يتميز بمقاومة الأنسولين بحيث لا يستجيب الجسم بشكل كامل للأنسولين.  ونظرًا لأن الأنسولين لا يمكن أن يعمل بشكل صحيح، فإن مستويات السكر في الدم تستمر في الارتفاع، ما يؤدي إلى إطلاق المزيد من الأنسولين. بالنسبة لبعض الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع 2، يمكن أن يستنفد هذا في النهاية البنكرياس، فيصبح إنتاج الجسم للأنسولين أقل وأقل ليتسبب ذلك في ارتفاع مستويات السكر في الدم. يتم تشخيص مرض السكري من النوع 2 بشكل شائع لدى كبار السن، ولكن بدأ يتزايد عند الأطفال والمراهقين والشباب بسبب ارتفاع مستويات السمنة والخمول وسوء النظام الغذائي. عادة ما يتطور النوع الثاني من مرض السكري ببطء وبعد مرور وقت كثير الكثير، ولا تظهر الأعراض عادة عند بدء الإصابة بالمرض، وقد لا تظهر على المصابين به لسنواتٍ عديدة. 

توجد مجموعة من العوامل المرتبطة بالإصابة وهي:

  • زيادة الوزن والبدانة.
  • قلة النشاط الجسدي والخمول.
  • تراكم الدهون على محيط الخصر.
  • الوراثة والتاريخ العائلي.
  • الاعتماد على نظام غذائي غير صحي.
  • أما الأعراض، فتشمل:
  • إرهاق دائم ومن أقل مجهود.
  • انخفاض الوزن بشكل غير مبرر.
  • العطش المستمر.
  • كثرة التبول.
  • الجوع المستمر.
  • عدم وضوح الرؤية.
  • تباطؤ عملية شفاء الجروح.

يختلف هذا النوع عن النوع الأول من السكري والذي يتوقف فيه البنكرياس عن إنتاج الإنسولين وذلك نتيجة لتدمير جهاز المناعة في الجسم خلايا بيتا المنتجة للهرمون في البنكرياس. ففي النوع الثاني من السكري تكون خلايا بيتا تنتج الإنسولين بشكل طبيعي، كما أنها قد تنتج كمية أكبر ولكنها لا تكون كافية لأيض الغلوكوز في الجسم.

وعليه، تكون بداية علاج النوع الثاني من السكري بتغيير النظام الغذائي وممارسة النشاط البدني وهي عوامل حدوث المرض؛ إن حجر الزاوية في إدارة مرض السكري من النوع 2 هو اتباع نظام غذائي صحي وزيادة النشاط البدني والحفاظ على وزن صحي للجسم. غالبًا ما يتم وصف الأدوية عن طريق الفم والأنسولين للمساعدة في التحكم في مستويات الجلوكوز في الدم.

كثيرة هي الأدوية الفموية لداء السكري من النوع الثاني، لكن وحده الطبيب قادر على وصف الدواء المناسب لحالة المريض، آخذاً بعين الإعتبار عوامل عديدة أهمها معدل السكري عند المريض ووجود مشاكل صحية أخرى وعمر المريض وغيرها، وفي بعض الأحيان قد يحتاج المريض لأكثر من دواء من فئات دوائية مختلفة لاستقرار معدل السكري.

الميتفورمين (Metformin) هو أول ما يصفه الطبيب لمرضى السكري النوع الثاني، حيث يخفض مستوى سكر الدم عن طريق تقليل إنتاج الجلوكوز في الكبد وزيادة حساسية الجسم للإنسولين ليصبح أكثر كفاءة. كما يساعد الميتفورمين على خسارة الوزن ما ينعكس إيجاباً على مرضى السكري. 

مثبطات SGLT2 من المجموعات الدوائية المستخدمة لمرضى السكري من النوع الثاني حيث تعمل على تحفيز الكلى لطرد المزيد من السكر في البول فتنخفض نسبته في الدم، كما يسهم في تقليل السعرات الحرارية الزائدة فيفقد المريض الوزن الزائد إضافة الى انخفاض طفيف بمعدل ضغط الدم. 

ناهضات مستقبلات GLP-1 تساعد على إبطاء عملية الهضم وخفض مستويات سكر الدم. وكثيرًا ما يرتبط استخدامها بفقدان الوزن وقد يؤدي بعضها إلى الحد من خطر الإصابة بنوبة قلبية وسكتة دماغية. 

سلفونيل يوريا  (Sulfonyl ureas) تساعد هذه المجموعة على إفراز المزيد من الانسولين من البنكرياس عن طريق الارتباط بمستقبلات خاصة بالسلفونيل يوريا في خلايا بيتا البنكرياس.

يتم تصنيف السلفونيل يوريا على أنها عوامل تزيد من إفراز الانسولين، وتشتمل مركباتها على عدد كبير من الأدوية الفموية المستعملة في علاج مرض السكري من النوع 2. 

Meglitinides هي مجموعة شبيهة بمجموعة سلفونيل يوريا من حيث آلية عملها وآثارها الجانبية، فهي تعمل أيضاً على تحفيز البنكرياس على إفراز الإنسولين وتؤدي إلى هبوط سكر الدم واكتساب الوزن.

Alphaglucosidase inhibitors تعمل هذه المجموعة على تنظيم سكر الدم من خلال إبطاء هضم وتكسير النشويات والسكريات، وتتميز بعدم تسببها بزيادة الوزن أو هبوط سكر الدم إلا إذا عولج المريض بالإنسولين أيضاً أو أحد أدوية السلفونيل يوريا. 

مثبطات DPP-4 inhibitors تساعد على خفض معدل السكر بالدم ولكن تأثيرها ضعيف، كما انها لا تحمل أي تأثير على الوزن.

سكري الحمل

يظهر داء السكري في الجزء الثاني أو الثالث من الحمل وهو يصيب حوالى 2 إلى 4 % من مجموع النساء الحوامل، ويمكن أن يصيب المرأة الحامل والجنين. ترتفع إمكانية حدوثه أكثر لدى المرأة الحامل في سن 35 عاماً وما فوق والتي تكتسب زيادة في الوزن خلال الحمل، وكذلك في حال وجود إصابة سابقة بسكري الحمل ضمن العائلة. وإذا كان وزن المولود الجديد يزيد عن أربعة كيلو غرامات، وقد أصيبت الأم بداء السكري في حمل سابق، يعتبر ذلك مؤشراً إلى زيادة خطر حصول هذا النوع من داء السكري خلال الحمل الذي يليه. يحدث سكري الحمل لأن المشيمة تنتج هرمونات تجعل خلايا الجسم مقاومة للأنسولين. ففي بعض الأحيان لا يكون الأنسولين الذي ينتجه البنكرياس كافياً مما يؤدي إلى زيادة نسبة الجلوكوز في الدم، ولكن عادة ما تعود الأمور إلى طبيعتها بعد الولادة.

يحدث سكري الحمل عند معظم النساء بسبب عجز أجسامهن عن إنتاج ما يكفي من الأنسولين، في وقت هناك حاجةٌ إلى المزيد من الأنسولين خلال فترة الحمل لأنَّ المشيمة تنتج هرمونًا يجعل الجسم أقلَّ استجابةً للأنسولين؛ يُلاحظ هذا التأثير بشكلٍ خاص في مرحلةٍ متأخرة من الحمل، وذلك عندما تكون المشيمة مُتضخِّمة. ونتيجةً لذلك، يميل مستوى السكر في الدَّم إلى الارتفاع.

يتطلب علاج السكري خلال فترة الحمل الى عناية شديدة والتزام الحامل بنمط طعام صحي، وكذلك على الطبيب المعالج متابعة الحالة عن كثب تحسباُ لأي مضاعفات حيث يهدف علاج السكري الحملي الى خفض خطورة مضاعفات السكري الحملي لدى الجنين والمرأة الحامل.

أجهزة مراقبة السكري

على كل مريض ان يحتفظ بجهاز لفحص السكري في المنزل لقياس مستوى السكر في الدم بصورة مستمرة، وهي أجهزة صغيرة الحجم، يتم من خلالها معرفة نسبة السكر عن طريق أخذ كمية قليلة من الدم في الأصبع ثم توضع في الجهاز. السنوات الأخيرة شهدت تطوراً ملحوظاً على مستوى دقة النتائج التي تصدر عن هذه الأجهزة، فضلاً عن فرصة المراقبة المستمرة للسكري التي أحدثت ثورة في رعاية مرضى السكري. لقد ظهر مؤخراً جيلاً جديداً من الأجهزة التي تسمح بالمراقبة الذاتية لمعدل السكري بشكل مستمر. 

أجهزة مراقبة السكري المستمرة او كما تُعرف Continuous Glucose Monitoring – CGM –هي عبارة عن نظام يراقب مستويات الجلوكوز بشكل مستمر وعادةً ما تكون هناك فترة خمس دقائق بين القراءات. لاستخدام هذا الجهاز، يجب ان يقوم المريض بإدخال مستشعر صغير في البطن أو الذراع بواسطة أنبوب بلاستيكي صغير يعرف باسم القنية ويجب أن يخترق الطبقة العليا من الجلد.  ثم يتم تثبيت المستشعر في مكانه بواسطة رقعة لاصقة ليسمح له بأخذ قراءات الجلوكوز في السائل الخلالي (السائل الذي يحيط بخلايا الجسم) طوال النهار والليل، على أن يتم تبديل المستشعرات كل 10 إلى 14 يومًا. يسمح جهاز الإرسال الصغير transmitter) )، القابل لإعادة الاستخدام والمتصل بالمستشعر، للنظام بإرسال قراءات في الوقت الفعلي لاسلكيًا إلى جهاز مراقبة يعرض بيانات جلوكوز الدم لدى المريض. بعض هذه الأجهزة مزوّدة بشاشة مخصصة لرؤية الأرقام، والبعض الآخر منها ينقل المعلومات عبر تطبيق هاتف ذكي.

توفر هذه الأجهزة بعض الفوائد الطبية التي تسهّل نمط الحياة للمريض؛ فمثلاً بإمكان المريض أن يرى تأثير الطعام أو الرياضة على مستوى الجلوكوز في الوقت الفعلي، واكتشاف انخفاض السكر في الدم او ارتفاعه مباشرة عند حدوثه وما لذلك من أهمية في تجنب العواقب الخطيرة والمضاعفات. كما أن المريض يرتاح نفسياً نتيجة الحد من الحاجة إلى اختبارات وخز الأصابع المنتظمة على الرغم من انها ضرورية ولا يمكن الإستغناء عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى