مقابلات

الدكتور زياد محفوض

أستاذ بحوث علوم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطبقطر

الدكتور زياد محفوض

مساقات التعليم الطبي المستمر ساهمت في تمكين قطر من تسخير خبرات أصحاب المهن الصحية

الدكتور زياد محفوض هو أستاذ بحوث علوم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطبقطر، وهو أحد الخبراء المعروفين دولياً في مجال الإحصاءات الأحيائية وعلوم الصحة السكانية. تتمحور خبراته حول تصميم الدراسات المعقدة بشكل خاص، بما في ذلك التجارب الإكلينيكية، وأيضاً حول تحليلات البيانات المتقدمة. الدكتور محفوض من الباحثين والأكاديميين المتمرسين، لديه سجّل حافل في مجال الحصول على تمويل ومنح بحثية من مؤسسات خارجية ونشر الدراسات في مجالات عدّة، منها أنماط استخدام التبغ والصحة النفسية وصحة المراهقين وتعليم الطب.

تم تكليف الدكتور محفوض بإعداد مساقات عدة لطلاب الطب وطلاب الدراسات العليا وبرنامج التعليم الطبي المستمر وتدريسها، وحظيت مسيرته المهنية بإشادة واسعة ونال عنها جوائز عدة. هو حاصل على درجة دكتوراه في علم الإحصاء (2001) من جامعة فلوريدا في غينسفيل. قبل انضمامه إلى وايل كورنيل للطبقطر في عام 2010 شغل منصب الأستاذ المشارك في قسم علم الوبائيات والصحة السكانية في الجامعة الأميركية في بيروت.

حالياً يدير الدكتور محفوض العديد من مساقات التعليم الطبي المستمر المعنية بالأساليب البحثية والمصمّمة لتزويد أصحاب المهن الصحية في قطر وخارجها بأدوات بحوث الإحصاءات الأحيائية الأساسية بما يمكّنهم من تصميم دراساتهم البحثية الطبية الخاصة بهم وتنفيذها وتفسير نتائجها. الدكتور محفوض تحدث إلى مجلةالمستشفى العربيعن ما حققته تلك المساقات من نجاحات وعن إسهامه في تمكين قطر من تسخير خبرات أصحاب المهن الصحية داخل الدولة لإجراء بحوث علمية رصينة تصبّ في منفعة المريض وتسهم في تقديم معرفة علمية غير مسبوقة في عالم الطب. يسهم التدريب الذي يقدّمه الدكتور محفوض وقسم التعليم الطبي المستمر إسهاماً قوياً في تأدية رسالة وايل كورنيل للطبقطر المتمثلة في تحقيق التميّز في تدريس الطب ورعاية المرضى، مثلما يسهم في دعم تحقيق هدف قطر المتمثل في إرساء دعائم قطاع بحوث الطب الحيوي المزدهر في قطر في إطار التوجّه نحو إقامة اقتصاد قائم على المعرفة.  

ما الذي جعل قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطبقطر يضع هذه المساقات المتخصصة في الأساليب البحثية ويطرحها؟

بصفتي خبيراً في الإحصاءات الأحيائية، تلقيت مراراً طلبات من أصحاب مهن صحية يطلبون فيها تقديم الدعم لهم. ثمة نقص في الإحصائيين الأحيائيين في الأوساط الأكاديمية، لا في قطر وعموم المنطقة فحسب، بل أيضاً في الولايات المتحدة وأوروبا وشتى أنحاء العالم. وأدركت أن ثمة مشكلة معطِّلة تتمثل في النقص العام في تدريب أصحاب المهن الصحية بكافة فئاتهم في مجال الإحصاءات الأحيائية، وأن هذه المشكلة تعطّل مسار قدر كبير من البحوث العلمية وتعطّل التوصل إلى فهم عميق ودقيق في المجالات المعنية. ومن هذا المنطلق، بدأت مع زملاء لي في قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطبقطر بتصميم برنامج يعالج هذا الخلل. ويكمن هدفنا من وراء ذلك في تمكين أصحاب المهن الصحية من تنظيم بياناتهم وإدارتها وتحليلها، وهو ما يسهم في تعزيز مخرجاتهم البحثية في قطر وخارجها، ومن ثم تحسين الرعاية المقدّمة للمريض والنهوض بمعايير الصحة السكانية.

هل لكم أن تصفوا لنا هذا البرنامج؟

سلسلة الجلسات التدريبية المعنيّة بالأساليب البحثية لدينا مصمّمة بما يتناسب مع المستويات المختلفة، انطلاقاً من المفاهيم الأساسية ووصولاً إلى المواد والأساليب الأكثر تقدماً، مع تركيز كبير على تطوير المهارات العملية المفيدة على أرض الواقع. تتناول هذه السلسلة الإحاطة بالنتائج الإحصائية المقدّمة في المقالات العلمية وتفسيرها، وتقييم مثل هذه المقالات العلمية بطريقة نقدية، وصولاً إلى تصميم الدراسات وتحليلها. ومحور هذه السلسلة هو برنامجشهادة الاعتماد في تحليل البيانات الطبيةالذي أطلقناها في عام 2019، وهو يتألف من ثلاث حلقات عمل: تمهيدية ومتوسطة ومتقدمة، ويجمع البرنامج بين المحاضرات التعليمية والتدريبات العملية مع الاستعانة ببرمجيات تحليلات إحصائية مكرّسة تطبّق دراسات حالة.

ما هي العوامل التي تؤثّر في نوع التدريب الذي تقومون بإعداده؟

الفكرة أننا نريد فعلياً تمكين أصحاب المهن الصحية من إجراء بحوثهم العلمية بأنفسهم، فليس من المفروض أن تظّل المعرفة نظرية بحتة. ووجدنا أن المشاركين متحمّسون كثيراً لأنهم يعملون بالفعل في مجال الرعاية الصحية ويريدون أن يفهموا كيف يمكنهم أن يخدموا مهنتهم ومرضاهم على حدّ سواء بأكبر قدر من الفعالية. المشاركون هم من الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والممرضين والعاملين في مجال المهن الطبية المساندة، أي أنهم جميعاً مدرَّبون تدريباً عالياً ومطّلعون على مجالاتهم. لكنهم خلال سنوات دراستهم الأكاديمية لا يتلقون تدريباً كافياً في مجال الأساليب البحثية أو تحليل البيانات لأن تدريبهم يركّز، في العادة، على المريض أكثر من التركيز على البحوث العلمية لأسباب واضحة.

تمثّلت فكرتنا في إطلاق سلسلة تدريبية تتناول في البداية المبادئ الأساسية، أي أن يبدأ المشاركون بفهم الإحصاءات الأحيائية وتحليل البيانات، ومخرجات المقالات العلمية والمفردات المستخدمة في مجال الإحصاءات الأحيائية، بحيث إذا ما ذكرت أمامهم مصطلحاً مثلالقيمة الاحتمالية P-value” أو “95% مجال الثقة – 95% confidence interval” أو عندما أتحدّث أمامهم عن المصطلحينالدقة accuracy” والتكرارية precision” وأوجه الفرق بينهما، أضمن أنهم يفهمون تماماً ماذا أقصد، وسرعان ما يتكيّفون مع هذه الطريقة الجديدة للتفكير في البيانات. وبعد الإلمام بمثل هذه المبادئ الأساسية يمكننا الانتقال إلى مواد متقدمة، منها على سبيل المثال،تحليل البقاء – survival analysis”. وبذلك نصل إلى نقطة يمكن عندها أن أحثّهم على تصميم دراساتهم الخاصة، مثل التجارب الإكلينيكية.

ما الفوائد المحققة لأصحاب المهن الصحية من المشاركة في مثل هذه الجلسات التدريبية؟

بفعل جائحة كوفيد– 19 وتبعاتها، بدأنا نشهد العديد من التجارب الإكلينيكية اللازمة للتثبّت من فاعلية وسلامة اللقاحات الجديدة والعقاقير الدوائية القائمة والجديدة. لذلك، أدركنا بطريقة حثيثة ومكثفة الأهمية البالغة لإجراء التقييمات النقدية للتجارب الإكلينيكية وكذلك الأهمية البالغة لفهم التحليلات الإحصائية، فذلك يساعد المهنيين الصحيين على أن يعرفوا بالسرعة اللازمة ما يفيد وما لا يفيد مرضاهم، والقيام بمهامهم على نحو متقن بما يتفق مع ذلك. لهذه الغاية، عقدنا حلقة دراسية عبر الإنترنت من جزأين عن التقييمات النقدية للتجارب الإكلينيكية لم تقتصر على فهم نتائج التجارب الإكلينيكية فحسب، بل أيضاً تفسير البحوث القائمة بشكل أفضل، والإجابة عن تساؤلهل هذه الدراسة جيدةوتساؤل آخر هوهل لنا أن نثق بهذه النتائج؟”. وبصرف النظر عن النتائج، عند الإجابة عن الأسئلة الحاسمة في ما إذا كانت الدراسة قد وظّفت منهجية جيدة وفي ما إذا كانت قد أُجريت كما يجب، أعتقد أنه حالما نبدأ بانتقاد دراسة ما فإننا ننظر في الكثير من تفاصيل تلك الدراسة برمّتها، وبذلك يمكننا أن نقيّم أهمية نتائجها ومخرجاتها، بدلاً من التركيز على أسطر معدودة في الجزء المخصّص لنتائج الدراسة ومحاولة فهم الدراسة البحثية من هناك بطريقة مبسّطة إلى حد ما. 

يكتسب الأطباء، عندما يصبحون قادرين على تقييم البحوث بطريقة نقدية، الفهم اللازم لمتطلبات وضع منهجية بحثية رصينة. وهذا الأمر يمكّن أصحاب المهن الصحية ومرضاهم وقطاع الرعاية الصحية بأكمله من الاستفادة من البحوث الطبية القائمة، مثلما يمكّنهم من إثراء تلك البحوث الطبية بإجراء بحوثهم الخاصة. وإتاحة مثل هذه المعرفة العلمية للمهتمين والمعنيين وتيسير الوصول إليها، أمر يفيد قطاع الرعاية الصحية إلى أبعد حد.

كيف تنتقلون من مرحلة إحاطة أصحاب المهن الصحية بهذه المعرفة من الناحية النظرية إلى مرحلة تمكينهم من إجراء بحوثهم الخاصة؟

المسألة بسيطة للغاية. على سبيل المثال، خلال حلقات العمل المنعقدة في إطار برنامجشهادة الاعتماد في تحليل البيانات الطبية، أقوم بإلقاء محاضرات نظرية ونطبّق معاً ذلك على دراسات حالة. وأقدّم للمشاركين بعض البيانات لتحليلها كما أقدّم لهم تمارين عملية لدراستها بالتعاون مع القائمين على تيسير المادة. بعد كل حلقة عمل أرسل لهم تقييماً، ويتعيّن عليهم اجتياز 3 تقييمات كاملة للتأهل للحصول على شهادة الاعتماد. والفكرة هنا أن نتأكد من أن المشاركين يعرفون تماماً ما يجب عليهم فعله، وأنهم قادرون على القيام بذلك. ولتلك الغاية، أعطيهم مجموعة بيانات أخرى وأطلب منهم تحديد نوع التحليلات الواجبة للأسئلة البحثية المختلفة. ونستخدم منصة برمجيات متخصصة مستخدمة على نطاق واسع في أنحاء المنطقة والعالم.  

نسترشد أيضاً بالتعقيبات التي نتلقاها من المشاركين، وأحد الأسئلة الكثيرة التكرار التي يطرحها الباحثون والمشاركون في جلساتنا التدريبية هو عن عدد المرضى في دراسة ما. وللإجابة عن هذا السؤال أقول إنّ حجم عيّنة الدراسة إنما يعتمد على أمور عدّة منها تصميم الدراسة ونوع المحصلة. واستجابة لهذا الطلب، أعددنا وعقدنا جلسة تدريبية لمدة نصف يوم مسترشدين بما طلبه المشاركون، ومثل هذا الأمر يساعدنا في جعل التدريب عملياً وشديد التركيز إلى أبعد حدّ ممكن. 

كيف تعتزمون تطوير هذا التدريب في المستقبل؟

سنطلق هذا العام حلقتي عمل تدريبيتين إضافيتين، وسنعقد واحدة عن تحليل البيانات باستخدام منصة برمجيات مختلفة استجابة لتوصية مشاركين سابقين وهي منصة معروفة في أرجاء المنطقة. إلى جانب ذلك، أقوم بإعداد مقدّمة عن الكتابة العلمية بحافز من المشاركين في جلساتنا التدريبية السابقة. فلدى بعض الباحثين بيانات قاموا بتحليلها، غير أنهم لا يعرفون أصول كتابة ورقة بحثية علمية ولا يعرفون محتويات كل قسم منها وكيفية تحريرها وتقديمها للنشر وكيفية اختيار الدورية العلمية المناسبة وكيفية معرفة تأثير دورية علمية ما. ولدينا خطط أيضاً لعقد أنشطة أخرى ونأمل أننانسدّ الفجوةللباحثين المتطلعين لإجراء بحوثهم الخاصة من حيث تمكينهم من التخطيط لبحوثهم وتحليلها وكتابتها.

من الأمور التي أسعدتنا جداً أننا أرسلنا دراسة مسحية للمتابعة بعد مرور عامين كاملين على عقد أول برنامج شهادة اعتماد بهدف معرفة تأثير البرنامج وجلساته في المحصلة العلمية الفعلية للمشاركين. وطلبنا من المشاركين السابقين تحديد ما إذا كان التدريب قد ساعدهم بالفعل في كتابة ورقة بحثية وتقديمها للنشر وما إذا كانت قد نُشرت بالفعل. 

كانت النتيجة أن 70% من المشاركين السابقين أجابوا بــنعمعند سؤالهم إذا كانت حلقات العمل قد ساعدتهم بالفعل على كتابة ورقة بحثية أصلية، وأن 56% قد أجابوا بـنعمعند سؤالهم إذا كانت حلقات العمل قد ساعدتهم على نشر مقالة علمية، فيما قال قرابة 86% إن حلقات العمل قد حسّنت قدراتهم على صعيد العديد من مهارات التحليلات الإحصائية، وعزّزت فهمهم للإحصاءات الأحيائية على وجه العموم. وهذا يشجّعنا كثيراً على المضي قدماً لأن تدريبنا يحقق النتائج المرجوّة منه ونحن متحمسون جداً لما سيثمر عنه هذا المشروع في المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى