أهمية الإختبارات الجزيئية في تشخيص اضطرابات الغدد الصماء وعلاجها
أهمية الإختبارات الجزيئية في تشخيص اضطرابات الغدد الصماء وعلاجها
د. محمد هاني، الأخصائي في المنتجات الطبية في مختبرات ExpressMed في مملكة البحرين
عقيدات الغدة الدرقية من اضطرابات الغدد الصماء الشائعة التي شهدت تزايداً في عدد الحالات على مدى العقود الماضية؛ تظهر هذه العقيدات لدى النساء أكثر من الرجال، ويزداد خطر الإصابة لدى كلا الجنسين مع التقدم بالعمر حيث تكون غالبية العقيدات حميدة وحوالى 4-6٪ فقط أوراماَ خبيثة.
يلجأ الأطباء للفحص بواسطة الشفط بالإبرة الدقيقة (FNA) وهي طريقة فعّالة تُستخدم في المراحل المبكرة لتقييم حالات المرضى الذين يعانون من عقيدات الغدة الدرقية وفرزهم. تساعد هذه التقنية في تشخيص حوالى 70-75٪ من الحالات بشكل نهائي عن طريق دراسة الخلايا تحت المجهر.
لكن 20% من الحالات لا يمكن تشخيصها بشكل واضح بواسطة هذه التقنية، وهي تسمى مجموعة الآفات غير المحددة (Bethesda III, IV) حيث تمثل تحدياً صعباً لدى الأطباء خلال الفحص السريري وإدارة الحالة المرضية بسبب عدم وضوح المعطيات ما يؤثر على دقة التشخيص وكذلك الخطة العلاجية. لذلك، وبسبب هذا التحدي، قد يخضع العديد من المرضى لعملية جراحية غير ضرورية تؤدي إلى فقدان الغدة الدرقية أو جزء منها.
لقد تطورت الإختبارات الجزيئية والجينية على مدى السنوات الماضية فانعكس ذلك على دقة التشخيص والعلاج ليصبح أكثر فعالية. هذه الاختبارات الجزيئية مُعترف بها بشكل واسع كخيار من قِبل الجمعية الأميركية للغدة الدرقية (ATA) منذ عام 2015 ، حيث يمكن أن تساعد في تحديد الأورام الحميدة وتشخيص السرطان في عقيدات الغدة الدرقية بدقة عالية وكذلك التنبؤ بمدى عدوانية السرطان بناءً على ما يظهره الفحص الجيني في العقيدات.
وضعت الجمعية الأميركية للغدة الدرقية ATA قائمة توصيات وإرشادات مبنية على أدلة طبية توضح أهمية الإختبار الجزيئي والإجراءات الواجب إتخاذها في الإدارة العلاجية للعقيدات الحميدة والسرطانية للغدة الدرقية. تمثل هذه التوصيات الرعاية المثلى للمرضى الذين يعانون من هذه الإضطرابات في الوقت الراهن.
تم كذلك إجراء دراسات أكاديمية وسريرية للتحقق من دقة الإختبارات الجزيئية المعتمِدة على تقنية الـ Next Generation Sequencing) NGS) وهي تقنية حديثة ومتقدمة للكشف عن جينات وجزيئيات الانسجة للوصول للتشخيص الدقيق للعقيدات الدرقية، كالتحليل المسمى بـ ThyroSeq V3 Genomic classifier، حيث استُخدمت في هذه الدراسات سلسلة واسعة من العيّنات التي تمثل جميع أنواع سرطانات الغدة الدرقية المهمة والتي تشمل أيضًا سرطانات خلية هورتل (Hurthle cell) بشتى أنواعها. فائدة هذه الدراسة تكمن في أن تحليل ThyroSeq V3 GC لديه قدرة تشخيصية عالية جداً لتحديد ما إذا كان الورم حميداً أم سرطانياً، وهو أيضاً يساعد على تحديد الجينات المرتبطة بمدى عدوانية السرطان ومدى احتمالية عودة السرطان من جديد فيسهم في تحديد تفاصيل تشخيص المريض، مما سيمكن الأطباء من إدارة خطة علاج المريض بكفاءة. لقد أظهر تحليل ThyroSeq V3 GC إمكانية تشخيص جميع أنواع الطفرات الجينية قبل الجراحة بحساسية 94٪ وخصوصية 82٪ بين عقيدات مجموعة الآفات غير المحددة (Bethesda III, IV) حيث يتم فحص 112 جينًا بخمس فئات مختلفة من التغيرات الجزيئية مثل: طفرات النوكليوتيدات المفردة (Point mutations)، الإدخال / الحذف (indels)، الاندماج الجيني (Gene fusion)، تعديلات رقم النسخ (Copy Number Alteration)، والتعبير الجيني غير الطبيعي (Abnormal Gene expression).
يتيح هذا الإختبار للطبيب الإختيار من أنواع العينات التي يمكن تقديمها لعمل التحليل، مثل عينات أنسجة الغدة الدرقية في القالب الشمعي (FFPE) أو قالب الإبرة الدقيقة (FNA Cell block) أو على شرائح الزجاجية (FNA Cytology smear).
الجزء المثير للدهشة هو أنه ليس مطلوبًا إعادة عملية الشفط بالإبرة الدقيقة إذا كانت الشرائح الزجاجية السابقة متوفرة، ما يتيح إمكانية الحصول على تشخيص أكثر دقة من خلال هذا الفحص في الممارسة العملية.
بالتأكيد، يمكننا اليوم الاعتماد على نتائج فحص ThyroSeq V3 GC التي تقدم الراحة للعديد من المرضى وإعفائهم من الخضوع لعمليات جراحية غير ضرورية، وأيضاً تقديم توصيات للأطباء لإتخاذ القرارات العلاجية للمرضى بدقة ووضوح.
وها نحن الآن نشهد تطوراً في البحرين ودول الخليج العربي كافة في مجال علم الجزيئيات والجينوم حيث ان العديد من الإختبارات الجزيئية أصبحت متوفرة وتُستخدم للكشف عن العديد من الأمراض وعلاجها في الوقت الراهن من ضمنها تحليل الـ ThyroSeq الذي يعد من أفضل الإختبارات الجزيئية للتشخيص الدقيق لعقيدات الغدة الدرقية.