مقالات طبية

الأمن الصحي… الدول العربية مجتمعة قادرة على تحقيق أمن صحي بما تملكه من قدرات

الأمن الصحي

الدول العربية مجتمعة قادرة على تحقيق أمن صحي بما تملكه من قدرات

د.علي المبروك أبوقرين

يتعلق الامن الصحي بالأنشطة الاستباقية والتفاعلية لتقليل التعرض لأحداث الصحة العامة والحادة التي تعرض الصحة الجماعية للسكان، الذين يعيشون عبر المناطق الجغرافية والحدود الدولية، للخطر (تعريف عام).

في ظل العولمة التجارية والانتقال والسفر، وهي عوامل زادت من احتمالية إنتشار الأمراض، وفي ظل ظهور أمراض معدية جديدة وانتشارها، وظهور مسببات الأمراض المقاومة للأدوية والمسببة للأمراض، واحتمال التسرب العرضي لمسببات الأمراض الخطيرة أو سرقتها أو استخدامها غير المشروع؛

ونظرا للتغيرات المناخية والبيئية التي يعيشها العالم مع إنتشار الأوبئة والامراض وتصاعد الصراعات والحروب التي أدت جميعها الى تردي الأوضاع الاقتصادية لمعظم الدول والتي تهدد بتفاقم الأزمات والكوارث بسبب التصحر والحرائق وشح المياه والمجاعات والفقر، مما ينعكس على الأوضاع الصحية والاجتماعية والإنسانية للشعوب وهو ما يدفع الى تزايد أعداد الهجرة واللجوء والنزوح.

والدول العربية تتوسط كل القارات وبعض الدول العربية أماكن سياحية ترفيهية وعلاجية ودينية وتجارية للملايين من كل شعوب العالم، وبعضها للأسف ممر لعبور الهجرات غير القانونية من كل أصقاع الدنيا. بعض الدول أصبحت تعج بملايين اللاجئين من دول الجوار.

 تشكل هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات، ضغوطا كبيرة على النظم الصحية العربية والتي يعاني بعضها من ضعف الإمكانيات ما جعلها ضعيفة في مجابهة الأوبئة والأمراض المعدية التي تنتشر في العالم في هذه الفترة العصيبة، مما فاقم من صعوبة الاستجابة لعلاج الأمراض المزمنة والحوادث وخصوصًا الدول التي تمر بصراعات داخلية والدول متوسطة الدخل والتي تعاني من أزمات اقتصادية.

النظم الصحية القوية والمتماسكة التي تستطيع التعامل مع الأمراض المزمنة بإمكانها الاستجابة والتعامل مع الأمراض المعدية فتحقق الامن الصحي المنشود؛ المبادرات الصحية المصرية وموسم الحج لهذا العام واكسبو 2020 خير دليل بالإضافة الى بعض التجارب العربية الاخرى المشرفة.

ونظرا للتطور في التقنية والتكنولوجيا الحديثة في التشخيص والعلاج المبكر والتي تستلزم تبني سياسات صحية صحيحة تتبنّاها الحكومات وصناع القرار في بلادنا وتمكّن المجتمعات من السيطرة على صحتها وتحسينها والحفاظ عليها، ووضع الإستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذية لدعم صحة المجتمع والرعاية الصحية بالتوعية والتثقيف الصحي ومحو الأمية الصحية، وتسخير كل إمكانيات الدول والمجتمعات في تغيير بيئات السكن والعمل وتغيير السلوكيات الغذائية والمعيشية التي بها تعزز صحة المجتمعات وتحسنها.

وإنشاء وتطوير منصات الإنذار المبكر والترصد والتقصي ومراكز التحكم والمراقبة الصحية في المنافذ والمطارات والموانئ والتجمعات ومراكز الهجرة واللاجئين ودعم الأنظمة الصحية بكل الإمكانيات اللازمة من مرافق وتجهيزات وكوادر كافية ومدربة جيداً في مؤسسات تعليمية وتدريبية صحية معتمدة، ومتحصنة بكل وسائل الحماية وخصوصا أقسام الاستقبال والطوارئ والإسعاف والاخلاء الطبي بكل الوسائل، والفلترة والعزل والرعاية المنزلية، وجميع المرافق الصحية بكل مستوياتها، ومنظومة مختبرية عالية في التجهيز، والكوادر المؤهلة، ومرتبطة ببعضها إلكترونيا، وقادرة على تشخيص كل الوبائيات. 

على الدول تطوير مراكز وهيئات ومؤسسات الرقابة الصحية على البيئة والأغذية والأدوية ، وتطوير مراكز مكافحة الأمراض وهيئات ومراكز البحوث الطبية والدراسات السريرية والدوائية، ووضع الإستراتيجيات التنفيذية لبرامج التمنيع والتحصين للمجتمعات باللقاحات اللازمة بإمكانيات لوجيستية ثابتة ومتنقلة متقدمة بحلقاتها الباردة وكوادر مؤهلة وكافية بما يحقق برامج التحصين في سرعة وسهولة ويسر وكفاءة وعدالة لكل المستهدفين، وتقديم العلاجات الكاملة لجميع المرضى المعرضين لخطر الإصابة بالعدوى .

وعلى الحكومات وضع السياسات والإستراتيجيات والإجراءات والتدابير الاحترازية اللازمة للتعامل مع الأزمات الصحية مع إعتماد برامج تدريب وتأهيل مستمر لجميع العاملين الصحيين،  والجهات ذات العلاقة، وتأمين سلاسل الإمداد الطبي من التجهيزات والأدوية والمستلزمات واللقاحات بمخزون استراتيجي، ووضع السياسات والإستراتيجيات اللازمة  واتخاذ الاجراءات والتدابير مع كل القطاعات ذات العلاقة لضمان التوازن الصحي والاقتصادي والاجتماعي . 

إن الاوبئة لن تنتهي عند الايدز والايبولا والسارس والكوفيد- 19 وجدري القردة وفيروس ماربورغ وغيرها.

والأمراض المزمنة سوف تتزايد والتحديات التي تواجه النظم الصحية العربية كبيرة ومعقدة وتحتاج لإعطائها الأولوية في الدعم وإلزام كل القطاعات الأخرى بالسياسات الصحية التي تدعم مكافحة الأمراض، وتحسن البيئة، وتعزز الصحة، وتضمن التغطية الصحية الشاملة، وتحقق العدالة الصحية والاجتماعية.

 

إن السياسات الصحية والإستراتيجيات والاجراءات التنفيذية عليها أن تكون قابلة للتنفيذ في حينها بقوى عاملة قادرة على تنفيذها في بيئة عمل سليمة وآمنة وتطبق بها المعايير الصحية المعتمدة معززة بتشريعات وقوانين وقرارات رسمية، وموازنات مالية ثابتة ومستمرة بحيث تتزايد وفق الظروف والحاجة وتطور الأحداث. 

بالسياسات الصحية السليمة والصحيحة، تتطور الأنظمة الصحية وتصبح قوية ومرنة وقادرة على مجابهة الأزمات الصحية ويمكنها منع تهديدات الأمراض المعدية وكشفها والاستجابة لها أينما حدثت في العالم وتحقق الامن الصحي المحلي والعربي والدولي. 

تهديد المرض في اي مكان هو تهديد المرض في كل مكان.

يواجه العالم العربي تحديات صحية كبيرة لها أبعاد إجتماعية واقتصادية وسياسية ومن الأهمية المشاركة العربية الفعالة في صناعة القرار بشأن الصحة العالمية والقضايا التي تؤثر على الصحة، ما يستوجب في زمن الجوائح وانتشار الأوبئة التعاون العربي المشترك والدائم على مدار الوقت وتوحيد الجهود والسياسات، وتبادل المعلومات والخبرات، وتعزيز الدور الموحد في الإقليم ومع المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية،  وجميع المنظمات والهيئات المنوطة، ودعم الصناديق العربية ذات العلاقة، ودعم إدارة الصحة والشؤون الإنسانية بالجامعة العربية للقيام بدورها في دعم معسكرات اللاجئين والدول العربية الضعيفة  والتي تعاني أنظمتها الصحية من نقص الإمكانيات والكوادر مما يهدد أمنها الصحي.

 كل ذلك يتطلب من كل الدول العربية تعزيز دورها الدولي والإقليمي بتطوير منظومة الدبلوماسية الصحية، وتنمية القدرات التفاوضية، والمشاركة في صنع القرارات المصيرية، ووضع اللوائح والانظمة والإجراءات التنفيذية الدولية، وضمان حقها في الحصول على المعلومات والبيانات الصحية بمصداقية، وحقها في الحصول على اللقاحات اللازمة، ومراجعة كافة الاتفاقات والتدفقات التجارية، وانتقال البشر والسلع، والحصول على الأدوية والمستلزمات، ورفع القيود عن الملكية الفكرية وبراءات الاختراع واحتكار المعلومات، وحقها في المشاركة بنتائج البحوث والدراسات، والحصول على الأدوية الحديثة وإمكانية تصنيعها محليًا .

لن يتوفر الأمن الصحي إلا بأنظمة صحية قوية وقيادات قادرة وحوكمة، وتعتمد على بنى تحتية متطورة، وقدرات مخبرية عالية وقوى عاملة صحية مؤهلة وأكثر من كافية، ومنظومة معلومات صحية متكاملة، وأنظمة مراقبة صحية مجتمعية، وتغطية صحية شاملة، وتمويل كاف ومستمر، وبحوث علمية، واكتفاء ذاتي من ما تحتاجه الأنظمة الصحية من أدوية ومستلزمات ولقاحات ومعدات وغيرها .

إن الدول العربية مجتمعة قادرة على تحقيق أمن صحي عربي بما تملكه من قدرات وإمكانات متحدة .

إن الأمن الصحي يحتاج الى تكثيف الجهود مجتمعة وقدرة الحكومات على تنسيق الأنشطة واستراتيجيات التكيف والعمل على توحيد الجهود والإستراتيجيات من أجل الصحة الواحدة ومنها البيئة والصحة والزراعة والصحة الحيوانية.

إن تحسين الصحة يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويحقق الأمن والسلامة والرفاه .

على القيادات الصحية العربية أن تعجل بتوحيد جهودها في بناء منظومة الأمن الصحي العربي، وتطوير قدراتها الدبلوماسية الصحية، والمشاركة بفاعلية في كل المحافل الصحية الدولية، وزيادة الاستثمارات في العلوم والمعرفة والبحوث والتنمية البشرية، وذلك لتطوير قدرات النظم الصحية العربية الدولية وزيادة الاستثمارات في العلوم والمعرفة والبحوث والتنمية البشرية، لتطوير قدرات النظم الصحية العربية وتعزيزها بشبكة معلوماتية صحية تتجاوب مع كل الاحداث والتطورات والبيانات الصحية العالمية، وقدرات مختبرية عالية قادرة على تشخيص كل الأمراض ومسبباتها .

الأمن الصحي ضرورة لشعوب تنشد الصحة والرفاه .

من يملك الصحة يملك الأمل 

د.علي المبروك أبوقرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى