مقابلات

كيرتيس لايتنن

المدير المشارك لقسم الرعاية الصحية بشركة ايكوم ميدل إيست (الشرق الأوسط): مدينة الحسين الطبية

كيرتيس لايتنن

“سجل حافل وسمعة مرموقة في المنطقة”

يشغل كيرتيس لايتنن منصب المدير المشارك لقسم الرعاية الصحية بشركة ايكوم ميدل إيست، وهو أحد المختصين الخبراء في مجال تخطيط المنشآت الطبية وتصميمها. وقد تولَّى كيرتيس قيادة فريق تصميم الرعاية الصحية لشركة ايكوم التي تقع في إمارة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة على مدار السنوات الخمسة الأخيرة. أثناء هذه الفترة وضع هذا الفريق الأُسس الخاصة بتنفيذ تصميم متكامل الأركان؛ بما في ذلك تخطيط العناصر المعمارية، والطبية، والديكورات الداخلية من خلال فريق متكامل متخصص في هندسة المباني، ووضع الأسس الخاصة بالسلامة من الحرائق، وسلامة الأرواح، وتحديد استشارات التكلفة، وإدارة المشروع، والاستدامة، وخدمات البناء الخاصة بمجال الرعاية الصحية. 

تطورت هذه التجربة من خلال العمل مع عملاء من القطاعين الخاص والحكومي لتستحوذ على بعض مشروعات الرعاية الصحية الأكثر طموحاً في المنطقة؛ بما في ذلك مستشفى الحسين المُقرر طرح المناقصة الخاصة به قريباً، والتي ستكون اللَّبِنَةُ الجديدة في مدينة الحسين الطبية، والتي ستُقام لصالح القوات المسلحة الملكية الأردنية.  في ما يلي المقابلة كاملة:

ماذا تعني بعبارة “تنفيذ تصميم متكامل الأركان”؟

تتمتع الشركات العريقة التي شكَّلت معاً كيان “ايكوم” بسجلٍّ تاريخي وحافل من خلال العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة والشرق الأوسط على مدار أكثر من 50 عاماً، حيث ضمَّت هذه المسيرة مشروعات خاصة بالرعاية الصحية. 

وقد جرى بالفعل ضم مختلف فرق العمل في شركة واحدة، ولكنَّ الأمر الجديد بالنسبة لهذا الكيان هو الاضطلاع بدور قيادي في إدارة مشروعات التصميم، واستكمال التصميمات من الألف إلى الياء. وقد تمثلت الأولوية حينئذٍ في تكوين فريق خبراء من الطراز العالمي في جميع التخصصات ودمجهم مع مديري المشروعات الذين يتميزون بدراية كبيرة بالأسواق المحلية وتثبيت أركان هذا الفريق في “مركز تصميم” إقليمي؛ مما يؤدي إلى تمتُّع العملاء بالأفضل على صعيدَيِ التعرفِ على الممارسات العالمية المُثلى والتواصل مباشرة وبصفة متكررة مع فريق التصميم. كما يتيح لهم ذلك الحصول على فريق مُكون خصيصاً للمشروع الخاص بهم، حتى تكون هناك نقطة مسؤولية واحدة لجميع جوانب التصميم. بالطبع، فإن وجود العديد من الكوادر المتخصصة بالقرب من بعضها في المكتب نفسه يؤدي أيضا إلى تحسين مستوى التواصل والتعاون، ما يسفر عن إيجاد حلول مبتكرة وأسرع للمشكلات علاوةً على إنشاء مبانٍ أكثر تطوراً وأفضل تنسيقا.

ما هي التغييرات التي طرأت على تصميم منشآت الرعاية الصحية من وجهة نظرك؟ 

على مدار مسيرتي المهنية شهدتُ تغيرات مذهلة طرأت على تصميم المستشفيات، ويُعد تطبيق “التصميم القائم على الأدلة البحثية” أبرزَ هذه التغيرات، ويتمثل هذا في استخدام الدراسات الإحصائية على السلوك البشري والآثار النفسية لبيئات الرعاية الصحية على النتائج الصحية للمرضى، وفاعلية أطقم العمل لتعزيز تجربة المريض.  يُعد الاستدلال المكاني أحد العناصر المهمة حالياً في تصميم المنشأة، حيث يُراعَى هذا العنصر بدايةً من مرحلة التصميم الأوَّلية؛ نظراً لأنه يُعد عنصراً جوهرياً للحد من توتر المرضى. وهناك أيضا تركيز متزايد على خصوصية المرضى؛ وهو ما أثر على تصميم الأماكن العامة، وأجهزة الصوت، وخطوط الرؤية، وفصل المناطق الآهلة بعامة الجمهور عن مناطق العلاج. 

أما على صعيد الحدِّ من العدوى فقد أصبح يحظى بمزيد من الإدراك، وأضحى أكثر تطوراً. هناك الآن العديد من المنتجات الجديدة التي تستخدم خامات تتميز بخصائص مضادة للجراثيم والبكتيريا، وقد أدَّت الدروس المستفادة من الصناعات العالية التقنية, بما في ذلك الصناعات الدوائية، وصناعة شرائح الكمبيوتر, إلى إنتاج مرشحات الهواء الجزيئية العالية الكفاءة والبيئات التركيبية الفائقة النظافة؛ مثل: السقوف التي تضم تجهيزات الإضاءة، والمعدات، والأجهزة، والمرافق. وقد شهد تنوع خيارات التصميم المرتبطة بهذه النُّظم تحسينات مطَّردة بل وتتميز بشيوعها في الوقت الراهن في أقسام الجراحة، والرعاية المركزة، والتعقيم المركزي. 

والاستفادة من مجال تصميم المكاتب التجارية دأبت جهات التصنيع على توسيع عروضها لتضم حلولاً خاصة بمجال الرعاية الصحية؛ إذ تقدم شركتا هيرمان ميلر (Herman Miller) وديرت (DIRTT) على سبيل المثال حلولاً لغرف الفحص والعلاج في العيادات الخارجية. وقد راعينا هذه النظم في تصميم مناطق تصنيف المرضى في قسم الطوارئ في مدينة الحسين الطبية في مدينة عمَّان الأردنية، وهو قيد التصميم حالياً. كما أضاف مصممو منشآت الرعاية الصحية تطورات مثيرة تجسدت في نقل الممارسات المُثلى المستقاة من قطاع الضيافة إلى قطاع الرعاية الصحية. وقد أثر هذا في تنظيم الأقسام -وراء الكواليس- علاوةً على العناصر الأكثر وضوحاً وتفاعلية في تجربة المريض والزائر. وقد تطورت الأمور في الوقت الحالي إلى الحد الذي يُنظر فيه إلى التصميمات الداخلية للمستشفيات بوصفها جزءاً من الهُوية المميزة، بل وتُصنف وسائل الراحة بها بصورة مشابهة لما يحدث في الفنادق. وقد طبَّق فريقنا هذه المنهجية مع مركز كليمنصو الطبي الدولي من خلال اثنين من المستشفيات التابعة للمركز في المنطقة، حيث يُعد كلاهما قيد الإنشاء في الوقت الراهن. 

أضف إلى ذلك أجهزة الكمبيوتر، والسجلات الطبية الإلكترونية، والتصوير الرقمي، والجراحة باستخدام الروبوت، فقد أصبح جليا أن وتيرة التغيير تسير على قَدم وساق. وفي ظل تطور العلاج الجيني، والتقنية الحيوية، وتقنية النانو، والطباعة الثلاثية الأبعاد للأنسجة والأعضاء وغير ذلك أتوقع أننا سنشهد مزيداً من التغيير على مدى السنوات العشرين القادمة؛ ولهذا أضحت فكرة التصميمات المرنة للمستشفيات مهمة للغاية في ظل هذا التغيُّر المستمر والتعقيد المتزايد. ويشير مفهوم “التصميم المرن” هذا إلى ضرورة مراعاة عدم اقتصار تصميم البنية التحتية لأي مستشفى على مواءمة التقنيات الحالية فحسب بل ينبغي مجاوزة ذلك إلى دمج الابتكارات المستقبلية، حتى وإن اقترن ذلك بأساليب عمل جديدة وإنشاء أقسام جديدة تماماً.

www.aecom.com

ما العناصر الجوهرية الأخرى لضمان تصميم منشآت الرعاية الصحية بشكل جيد؟ 

مبدئياً، يتشابه المبدأ الأول في تصميم منشآت الرعاية الصحية مع المهمة الجوهرية لجميع الأطباء التي يذكرونها في قسم أبقراط، ألا وهي “عدم التسبب في أضرار، أو إيذاء أحد”. وفي أي مستشفى، عندما يكون الأمر حيويا فهو ليس هيناً على الإطلاق. ولكن هناك طرق أقل وضوحاً تشير إلى أهمية هذا الأمر؛ وهذا يعني أن ذلك الأمر يتجسد مثلاً في إنشاء مبنى آمن، والمحافظة على النظافة، والحد من انتشار العدوى من شخص إلى آخر. وتبدأ تلك العملية مع كل مريض ثم تنتقل إلى الإطار الأوسع لتشمل طاقم توفير الرعاية الصحية، وبيئة رعاية المريض داخل المبنى، والبيئة الأوسع نطاقاً. لتوضيح الأمر بصورة إيجابية أكثر يقترن تصميم منشآت الرعاية الصحية بفكرة توفير “بيئة تساعد في التعافي والاستشفاء”، وتعمل على تعزيز العناية بالصحة والارتقاء بحياة الأشخاص الذين يتعاملون معها. إن منشآت الرعاية الصحية تُعد شاهدة على اللحظات التي لا تُنسى في الحياة. إن المستشفيات والعيادات يمكن أن تتكامل مع عملية التثقيف الصحي وتعزِّز المجتمع المحيط من خلال توفير مساحات يسهل للعامة الوصول إليها، وإمكانيات لإدارة الموارد، وأن تكون بوجه عام القلبَ النابض للمدن التي تتمتع بالصحة والعافية. 

كيف يمكن أن يساعد مركز الرعاية الصحية المُصمَّم جيداً في الارتقاء بمستوى رفاهية المرضى وعافيتهم؟ 

إن التوجُّه نحو “التصميم القائم على الأدلة البحثية” كان له أثر هائل؛ نظرا لأنه أضاف إلى مجال التصميم دراسات إحصائية على السلوك البشري والآثار النفسية لبيئات الرعاية الصحية على النتائج الصحية للمرضى وفاعلية أطقم العمل. 

وقد أدى هذا بدوره إلى الارتقاء بجودة بيئة المستشفيات؛ مما جعل الأجواء بها أكثر سعادة وراحة، هذا بالإضافة إلى الوسائل الإيجابية لصرف الانتباه مثل المناظر الطبيعية واللوحات الفنية التي تُعلق على الجدران. وقد أدَّى هذا الحدُّ من الضغوط البيئية إلى إيجاد ما يُطلق عليه “البيئات التي تساعد في التعافي والاستشفاء”؛ مما يسفر عن تحقيق معدلات شفاء أسرع ونتائج صحية أفضل للمرضى.

كما أن المنشأة المُصممة جيداً تسفر عن تجارب أقل توتراً وأكثر إيجابية لعائلات المرضى والزائرين الآخرين؛ فالعائلة تُعد جزءا فاعلا من عملية رعاية المريض، بل أحد العناصر المهمة في عملية التعافي، ومن ثَمَّ فإن الإستراتيجيات المذكورة أعلاه يمكن أن تساعد هذه العائلات أيضاً. ويتضمن التصميم الذي يدور حول العائلات توفير مساحات كافية مزودة بمرافق ملائمة؛ مثل المقاعد، والوصول إلى شبكة الواي فاي، وتوفير مكان يمكن شراء وجبات خفيفة منه في حالة قضاء العائلات أوقاتاً طويلة في المستشفى.  تمتد هذه الاعتبارات بدايةً من باب الاستقبال وصولاً إلى غرفة المريض؛ ففي مدينة الحسين الطبية على سبيل المثال تتضمن المناطق العامة العديدَ من المقاعد، والشرفات الداخلية، والشرفات الخارجية أعلى السطح، علاوة على مقهى وكافيتيريا لعامة الجمهور من مختلف المستويات. وستستفيد هذه العناصر جميعها من موقع المستشفى أعلى التلال، حيث ستطل على بعض المناظر المذهلة لمدينة عمَّان.

كما أدى “التصميم القائم على الأدلة البحثية” إلى تحسين البيئة للأشخاص العاملين في هذه المنشآت بصفة يومية، ما يجعل عملهم يسير بشكل فعَّال أكثر، ويوفر بيئة عمل خاليةً تقريباً من التوتر والضغط. على سبيل المثال: هناك أدلة تشير إلى أن وجود نافذة في غرفة العمل الخاصة بالعاملين في مجال توفير الرعاية الصحية يؤدي إلى التقليل من الأخطاء الطبية بصورة هائلة. وهناك بيئات عمل تؤدي إلى زيادة معدلات التوتر والضغط مثل قسم الطوارئ، ولكن التمتع باستراحة لتناول القهوة والاستمتاع بإطلالة مميزة يساعد طاقم العمل في استعادة الصفاء الذهني والعودة إلى العمل بتركيز أكبر على المهمة المنوطة به. 

www.aecom.com

فلتحدِّثنا عن عملك الحالي. لقد ذكرتَ في حديثك مستشفى الحسين في العاصمة الأردنية عمَّان. 

يُعد مستشفى الحسين الحالي المستشفى العام في مركز مدينة الحسين الطبية الذي يضم العديد من المستشفيات التخصصية والعيادات الخارجية الأخرى. وتتولى إدارة هذا المستشفى الخدمات الطبية الملكية الأردنية، وهي تُعد المركز الطبِّي الأكبر التابع للقوات المسلحة الملكية الأردنية. 

إضافة إلى خدمة الأفراد العاملين في القوات المسلحة وعائلاتهم في المقام الأول، يُعد هذا المستشفى أيضاً من المستشفيات العامة الرئيسية في مدينة عمَّان، وهو يتمتع بسجل حافل وسمعة مرموقة في المنطقة. ووفقاً للمخطط الرئيسي للمشروع، من المقرر أن يكون مستشفى الحسين الجديد المرحلةَ الأولى من بين عدة مراحل بدايةً من إجراء نقلة نوعية في مبنى المستشفى لضمان استمراره بوصفه أحد المراكز الطبية الرائدة في القرن الحادي والعشرين. 

ما هي أكبر التحديات التي واجهت التخطيط المكاني لمستشفى الحسين الجديد؟ 

في حالة إنشاء أي مستشفى هناك بعض العوامل الجوهرية التي يتعين مراعاتها:

التغيير: فلا يمكن أن يقتصر تفكيرنا على يوم افتتاح المستشفى؛ نظراً لتغيُّر التقنيات، وحاجة الأجهزة والمعدات إلى الاستبدال، فضلاً عن تطوير وسائل علاج جديدة، وظهور مؤسسات ناجحة جديدة في هذا المجال؛ ما يعني أن مصممي منشآت الرعاية الصحية ينبغي أن يضعوا المستقبل نُصب أعينهم، وأن يصمموا البنية التحتية للمبنى بقدرٍ من المرونة يسمح باستيعاب التغيير ومقاومة عامل الزمن في ما يتعلق باستثمار العميل. 

التعقيد: تتطلب المستشفيات بصفتها أحد أنواع المباني قدراً هائلاً من الحنكة الهندسية لدعم جميع الأجهزة، والمعدات، والأفراد، والأنشطة التي تشغل هذه المباني، والتي تعنى بتوصيل المرضى، وطاقم العمل، والتوريدات، والتجهيزات، والعقاقير، والأدوية، والمعلومات إلى المكان الصحيح، وفي الوقت المناسب، وبصورة فاعلة.

الأفراد: فالمستشفى ليس مجرد مصنع للإنتاج، وبصرف النظر عن النظم الهندسية فإن المستشفيات تُعنى في المقام الأول بالبشر؛ إذ يمثل المريض جوهر أي عملية تُجرى داخل المستشفى. ويرتكز التخطيط المكاني لأي مستشفى على توصيل المرضى للمكان الأمثل الذي يتناسب مع حالتهم، وإعادتهم إلى مكانهم ثانية، واكتشاف مواطن الخلل، وتوفير العلاج لهم، فضلاً عن المحافظة على راحتهم واستقرار حالتهم خلال جميع هذه الخطوات. وهذا هو جوهر الرعاية الصحية.

سيتمثل التحدي الأول في مستشفى الحسين في حجمه الهائل؛ إذ يضم المستشفى 940 سريرا، من بينها 144 سريراً في وحدة العناية المركزة، ووحدة الحروق الجديدة التي تضم 16 سريراً، إضافة إلى 43 غرفة عمليات، والمركز الرئيسي لعلاج الإصابات والحوادث من المستوى الأول في الدولة الذي يتضمن 125 غرفة للعلاج والفحص. ومن المقرر أن يوفر المستشفى بعض خدمات العيادة الخارجية، ولكن غالبية العيادات سيجري إنشاؤها في المراحل المستقبلية. سيكون هذا مستشفًى عاماً ضخماً للغاية، وستشمل المساحة الإجمالية التي تربو على 330000 متر مربع مكاناً مُخصصاً لركن سيارات الموظفين والعاملين.

يتمثل التحدي الثاني في الارتفاع الشاهق لمبنى المستشفى؛ نظراً لأن مدينة عمَّان قد توسعت للغاية في المنطقة المحيطة بمبنى المستشفى، ما جعل الأراضي المتوفرة في هذه البقعة نادرة للغاية؛ ومن ثَمَّ صار من المحتَّم أن يكون مبنى المستشفى الجديد شاهق الارتفاع لتوفير باقي الأراضي التابعة للمبنى للمراحل المستقبلية. وفي ظل التخطيط لإقامة 30 طابقاً ومهبطٍ لطائرات الهليكوبتر في الأعلى سيختلف هذا المبنى تماماً عن المبنى الحالي للمستشفى الذي يتراوح ارتفاعه غالباً من طابقين إلى أربعة طوابق.

يتمثل التحدي الثالث في الموقع الشديد الانحدار من قمة التلال، الذي يوفر إطلالة رائعة على آفاق المدينة المحيطة بالمبنى، ولكنه يمثل تحدياً هائلاً لوصول المرضى ذوي القدرات المحدودة على التنقُّل ومغادرتهم. وقد تمكَّنَّا من التعامل مع طبيعة الأراضي واستغلالها لصالحنا في ظل وجود مناطق كبيرة لاستيعاب إنزال الوافدين إلى المستشفى بمحاذاة التلال المنحدرة؛ مما يسمح بدخول أعداد غفيرة على مستويات متعددة. 

لذا سيكون هذا المشروع مشروعاً حضارياً للغاية يجسد مدينة عمَّان المعاصرة بالصورة المُثلى: مستشفى عام ضخم يضم العديد من الأقسام الكبرى في بناية شاهقة الارتفاع؛ لذا كان لزاماً علينا أن نحافظ على تنسيق هذا المبنى، وفاعليته، وسهولة صيانته، وسهولة التنقل داخله، وأن يكون مريحاً للزائرين.

www.aecom.com

أن يكون مريحاً للزائرين؟ كيف؟ يرجى توضيح هذه النقطة بمزيد من التفصيل. 

يُعد عنصر الاستدلال المكاني أحد العوامل التي ينبغي مراعاتها بدايةً من مرحلة التصميم الأوَّلية؛ لذا كان لزاما علينا أن نجعل الشكل العام للمبنى والخدمات المتوفرة به واضح المعالم، وظاهراً، وميسَّراً لجميع الأفراد المتعاملين معه؛ إذ يُعد الاستدلال المكاني الجيد أحد العناصر الجوهرية للحد من التوتر والإجهاد. ومن أمثلة ذلك:

  • وضوح معالم الطريق إلى المستشفى. فعلى الرغم من إمكانية رؤية البرج الشاهق الارتفاع عن بُعد، ولكن هناك مساحات هائلة من الزجاج تغطي ردهة المدخل الرئيسي والأماكن العامة الأخرى. 
  • وجود مناطق هائلة مغطاة مُخصصة للوصول والإنزال لكي تستوعب العديد من السيارات الخاصة بالمرضى النظاميين ومرضى الطوارئ.
  • الممرات مستقيمة تماماً حتى لا يبدو المستشفى من الداخل كما لو كان متاهة. 
  • استخدام المناظر الطبيعية في الخارج للمساعدة في توجيه الأشخاص داخل المبنى. 
  • وجود معالم ولافتات بارزة داخلية لمساعدة الأشخاص في تذكُّر مسارهم داخل المبنى. 
  • استخدام العديد من الإشارات والدلالات البصرية مثل الأشكال والمواد والألوان التي تشير إلى الأقسام والمناطق داخل المبنى.
  • تجنُّب ضرورة المرور من قسم ما للوصول إلى قسم آخر. وهذا أيضاً يساعد في الحدِّ من حركة السير العكسية والضوضاء، وزيادة مستوى الخصوصية التي يتمتع بها المرضى. 
  • دمج التقنيات لدعم عملية الاستدلال المكاني وتحرُّك المرضى بديناميكية ومرونة داخل المبنى. على سبيل المثال: تتوفر لافتات رقمية وإدارة إلكترونية لحركة المرضى في جميع أنحاء المبنى.

على الرغم من أهمية وجود كبائن استعلام في أماكن يسهل الوصول إليها إلا أن الأمر الأكثر أهميةً يتمثل في دمج عملية الاستدلال المكاني في تصميم الأماكن العامة؛ مما يجعل وجود اللافتات أمراً ثانوياً في الغالب. عادة ما يتم إغفال الجانب الخاص بكيفية التعامل مع عائلة المريض. تكون عائلة المريض عادة مُعرضة لقدر هائل من الضغط والتوتر العصبي، ويريد أفرادها أن يكونوا قريبين من المريض قدر الإمكان؛ ولذلك من الأهمية أن يوفر المستشفى أماكن انتظار لهم تكون قريبة ومريحة، ولا تتعارض في الوقت نفسه مع طرق مرور أطقم العمل. وقد تكون هذه الأماكن داخل غرفة المريض أو في مناطق الانتظار المجاورة المخصصة لعائلات المرضى والتي قد تكون مطلة على مناظر خارجية، أو بها أعمال فنية، أو غيرها من وسائل الإلهاء الإيجابية.

علاوة على ذلك، فإن فصل الأماكن العامة عن الهرج والمرج الناجم عن أنشطة النظافة وخدمة الغرف يتيح للزائرين المرور بتجربة مريحة في المستشفى. 

لذا تُعد مناطق الانتظار الخاصة بعائلات المرضى والزائرين من التجارب الأساسية أثناء وجودهم في المستشفى. كما تُعد المتانة والنظافة من العناصر الضرورية بكل تأكيد. ولكنَّ مناطق الانتظار في المستشفيات الشبيهة بمناطق الانتظار في محطات الحافلات قد عفا عليها الزمن، حيث أصبحت المقاعد الطويلة أو المقاعد المنفصلة المتراصة صورة من الماضي. فاليوم، يسعى المرضى وعائلاتهم للتمتع بمساحة منفصلة تضم بضعة مقاعد في مكان واحد تتيح لهم الشعور بقدر من الخصوصية والراحة. ليس هناك نوع معين من المقاعد أو الجلسات المريحة للجميع. وبالاستفادة من قطاع السياحة على صعيد التصميم ندرك أن الأشخاص يفضلون وجود خيارات عديدة، وبهذا تحتم علينا توفير مجموعة متنوعة من المساحات الصغيرة التي تتيح عدة خيارات تلبي احتياجات مختلف الفئات العمرية والشخصيات، وتتواءم مع مختلف المتطلبات البدنية. تشتمل مناطق الانتظار مثلاً على أماكن هادئة بها مجموعة من الأرائك. هناك أيضاً مساحتان للجمهور بهما مقاعد تشبه المقاعد الخاصة بالمقاهي حيث يمكن للوالدين احتساء مشروب وتصفُّح الإنترنت باستخدام الحاسوب المحمول، علاوة على المناطق المخصصة للأطفال التي تتضمن العديد من قطع الأثاث المُصممة على شكل دُمًى للأطفال، والتي تبعد مسافة كافية عن الأماكن الخاصة بالكبار حتى تتمكن العائلات من مراقبة هؤلاء الأطفال.  كما جرى استغلال وسائل التكنولوجيا لتحسين مستوى الراحة داخل المستشفى؛ فهناك شاشات التتبع الخاصة بالمرضى التي ستتيح للمريض التعرُّف على مواعيد الزيارة، ويمكن الاتصال بالعائلات عبر الهاتف المتحرك عند إجراء عملية ما، كما يمكن عرض لقطات فيديو أو مقاطع موسيقية مسجلة عبر شاشات العرض لتوفير أجواء هادئة.  يتمثل أحد جوانب التحدي الذي يواجهنا كمصممين في توقع احتياجات الأشخاص المقرر علاجهم في هذه المنشأة أو محاولة تلبية هذه الاحتياجات. 

وماذا عن غرف المرضى؟ ما عوامل التصميم التي تسهم في شعور المرضى بالتعافي والاستشفاء؟

تتمثل إحدى المزايا الرائعة في المستشفى الحالي في أن أجنحة المرضى مستقلة ومُحاطة بباحة في صورة حديقة. وقد أثبتت الدراسات الإحصائية أن المناظر الطبيعية تساعد في تحسين النتائج الصحية للمرضى. وقد كانت فكرة إحاطة غرف المرضى بمناظر طبيعية من بين أولوياتنا في تصميم مستشفى الحسين الجديد، فقد تقرر أن تكون جميع الغرف في المبنى الجديد ذات سرير واحد مع إطلالة على المدينة أو وجود شرفة على السطح. تتيح هذه الغرف الفردية مزيداً من الخصوصية، وتتميز بتوفير قدر أكبر من الراحة للمريض، وتتيح التحكُّم في انتقال الأمراض المعدية. وقد راعينا في تصميم جميع الغرف توفير مساحة بالقرب من النافذة للعائلة حتى يتمكن أفراد العائلة من الجلوس في مكان لا يتعارض مع عمل طاقم التمريض والأطباء. هذا ويمكن الوصول إلى جميع غرف المرضى والحمامات الداخلية الملحقة بها وفقاً لتوجيهات قانون الأميركيين ذوي الإعاقة باستثناء الجناح الوحيد الذي يضم 24 سريراً والمُصمم خصيصاً لاستيعاب عدد هائل من مرضى “البدانة” الذين لهم متطلبات فريدة من نوعها. ومن الجوانب التي تمثل تحدياً في عملية التصميم إيجاد أماكن مناسبة وقريبة للمؤن، والتجهيزات، والمعدات، والمناطق المخصصة لتدوين الملاحظات ومراجعة خطط العلاج، وغرف التخلص من النفايات.

ونظراً لأنه يمثل أحدى المستشفيات العسكرية ينبغي أن تكون التشطيبات واللمسات النهائية عمليةً للغاية، ومتينة، وسهلة التنظيف. وعند إجراء فحص ما ينبغي أن تتوفر إضاءة ساطعة في غرفة المريض حتى توضح درجة الحرارة اللونية اللونَ الصحيح للبشرة.  بوجه عام، يعكس التصميم الداخلي لغرف المرضى في مركز الحسين الطبي الجديد مستوى الرعاية الصحية المتطورة المقرر تقديمها للمرضى، وهو نمط دولي معاصر يجري من خلاله دمج العناصر والخامات التي من شأنها توفير أجواء للمرضى تجعلهم يشعرون كما لو أنهم يقيمون في منازلهم، ومزج الخامات النظيفة البراقة بلمسات طبيعية للإحساس بالتباين، والعمق، وتجسيد المناظر الطبيعية الخلابة المتنوعة والتراث الثقافي الثري للأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى