مقابلات

د. دانا سليمان

الأخصائية في الغدد والسكري في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

د. دانا سليمان

نظرة الطب الى مريض السكري اليوم باتت أكثر شمولية

مع توالي العلاجات المتطورة من أدوية فموية وانسولين، يمكن القول إن مريض السكري بات اليوم أكثر حظاً عمّا كان عليه في السنوات الماضية؛ ورغم ان المرض لا شفاء منه إلا أن العلاجات المتطورة سهّلت حياة المريض وجعلتها أكثر مرونة. فاختلفت نظرة الطب الى مريض السكري وباتت أكثر شمولية بحيث أن الهدف ليس فقط خفض معدل السكري بل حماية سائر أعضاء الجسم من مضاعفات او تعقيدات صحية قد تواجهه في المستقبل. وفي اليوم العالمي للسكري، لابد من إلقاء الضوء على أبرز التطورات العلاجية لاسيما مع مرور مئة عام على اكتشاف الانسولين، وذلك في حوار خاص مع الدكتورة دانا سليمان الأخصائية في الغدد والسكري في مركز كليمنصو الطبي في بيروت.

بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري في 14 نوفمبر من كل عام، نود الإضاءة على أهم الإنجازات على مستوى تطور العلاجات لاسيما الانسولين مع مرور مئة عام على اكتشافه.

في اليوم العالمي للسكري في 14 نوفمبر، لا يمكن الحديث عن هذه المناسبة من دون الوقوف عند اكتشاف الانسولين وما أحدثه من تغير جذري في حياة مريض السكري بنوعيه الأول والثاني وبشكل خاص النوع الأول المعتمد على حقن الانسولين، وفي الأصل تحديد هذا اليوم يعود الى تاريخ ميلاد العالم الذي اكتشف هذه المادة الدكتور فريدريك بانتنج.

لقد مرّ الانسولين بتطورات نوعيّة طوال المئة عام الماضية ولا يزال العلماء في سعي دؤوب نحو المزيد من التطورات؛ لدى مريض السكري اليوم مروحة واسعة من الخيارات العلاجية المتعلقة بحقن الانسلوين والتي تحاكي عمل البنكرياس في إفراز هذه المادة، حيث يتوافر الانسولين بطيء المفعول الذي يعمل لمدة 24 الى 48 ساعة، ونوع آخر سريع المفعول يُحقن به المريض بالتوازي مع تناول وجبة الطعام ليعمل على تعديل معدل السكري بعد الوجبة مباشرة. تطور الانسولين لم يقف عند هذا الحد، بل يتوافر اليوم مضخة الانسولين التي هي أِشبه بـبنكرياس صناعيتعمل على مدار الـ24 ساعة لتزويد الجسم بحاجته من الانسولين مع مراعاة التوقيت ما بين الليل والنهار او بعد تناول الطعام او القيام بنشاط بدني وغيرها.

كيف اختلفت النظرة الى مرضى السكري ما بين الماضي والحاضر في ظل هذا التطور؟

في الواقع، ان فهم مرض السكري وما شهده الطب من تطورات متلاحقة على مستوى الأبحاث والدراسات والعمل الإكلينيكي عن قرب مع المرضى أفضى الى اختلاف النظرة نحو مريض السكري وكيفية التعامل مع الحالة المرضية.

في السابق، كان هدف الطبيب هو خفض معدل السكري بحسب ما يظهره الفحص سواء فحص المخزون او الوخز بالإصبع؛ لكن اليوم رؤيتنا للأمور اختلفت وبتنا نتعامل مع مريض السكر بشكل شمولي بعيداً عن خفض معدل السكري الذي لا يزال هو الهدف، فلم يعد ممكناً إهمال باقي أعضاء الجسم التي يؤثر عليها السكري مثل الكلى والقلب والعيون والأطراف حيث تبيّن مع مرور الوقت ان المضاعفات التي يعاني منها مريض السكري هي أكثر ضرراً عليه لما تتركه من أثر سلبي سواء على نوعية حياته او على الكلفة العالية.

يمكن القول ان مريض السكري اليوم أكثر حظاً مما كان عليه في السابق في ظل توافر مجموعات من الأدوية التي تعمل على الوقاية من المضاعفات الى جانب عملها الأساسي وهو خفض معدل السكر في الدم. اختلاف نظرتنا الى مرض السكري حثّت الطبيب على التعامل مع الحالة المرضية بشكل شخصي بمعنى ان الطبيب يحدد نوع الادوية الواجب اعتمادها للمريض بحسب حالته العامة، فبعض المرضى بحاجة الى نوع الدواء الذي يحمي عضلة القلب بينما آخرون يحتاجون الى ادوية تساعد في خفض الوزن. التوجه اليوم هو أنه كلما كان الطبيب أقسى في العلاج مع بداية اكتشاف الحالة كلما كانت النتائج أفضل، واليوم نحن أكثر جرأة على بدء العلاج بنوعين من الأدوية.

لا نزال في إطار التطورات العلاجية حيث يتوافر اليوم مجموعة كبيرة من الادوية الفموية لمرضى النوع الثاني. هلا حدثتنا عن أبرز هذه المجموعات وآلية عملها؟

ان مجموعات الادوية المتوافرة حاليا لمرضى النوع الثاني من السكري سهّلت حياة المريض بشكل كبير ووفّرت له الحماية من المضاعفات والتعقيدات الصحية التي يمكن ان تواجهه، مع التأكيد دوماً على اهمية اتباع نمط حياة صحي وممارسة الرياضة للحفاظ على معدل السكري.

مجموعة Metformin تبقى هي الاساس وخط الدفاع الأول في حماية مريض السكري؛ وحتى الآن أثبتت هذه الادوية فعالية عالية في توفير الحماية اللازمة لمريض السكري؛ بداية العلاج دائما هي بواسطة هذه الادوية على ان يرافقها أدوية من مجموعات أخرى يحددها الطبيب بحسب الحالة المرضية.

مجموعة sglt2 inhibitors تعمل على حماية القلب والكلى معاً؛ فهي تحمي الكلى من  خلال طرد السكر منها عبر البول فلا يمتصه الجسم وهي كذلك تحمي المريض من تدهور الكلى مع مرور الوقت؛ وفي الوقت نفسه تحسّن عمل عضلة القلب كما أثبتت الدراسات أنها تخفض من نسبة المضاعفات المتعلقة بالقلب لدى مرضى السكري.

مجموعة glp1 تعمل على حماية مريض السكري من المشاكل المتعلقة بالقلب كالذبحة القلبية، كما انها تخفف من نسبة الزلال في البول. والمريض الذي يعاني من السمنة وزيادة الوزن نعطيه هذا النوع من الأدوية للمساعدة في خسارة الوزن الزائد.

ما هي آلية التعامل مع مريض السكري فور اكتشاف المرض؟ ومتى تبدأ حاجته الى أدوية للوقاية من المضاعفات التي قد تنتج عن السكري؟

بالنسبة لمرضى النوع الاول، سرعان ما يتم اكتشاف الحالة بسبب غياب الانسولين من الجسم وما ينتج عن ذلك من رد فعل قوي على جسم المريض عموماً فيبدأ بالعلاج مباشرة بحقن الانسولين، وفي مثل هذا النوع تتأخر المضاعفات بالظهور ويمكن للمريض التأخر بعض الشيء في البدء بالفحوصات الدورية المعتادة لمرضى السكري.

أما مرضى النوع الثاني، فمن الممكن ان يكون المرض قد بدأ من دون ان يشعر المريض ما يعني ان الآثار السلبية بدأت على أعضاء الجسم. 

فور اكتشاف الحالة، على المريض ان يبدأ بمراجعة طبيب القلب والكلى والعيون بشكل دوري وعلى هذا الأساس نحدد نوع الأدوية التي يجب ان يتناولها بشكل دائم ونحاول ان لا نغيّر كثيراً في بروتوكول العلاج. وأود الإشارة هنا الى انه في بعض الأحيان نكتشف الحالة في البداية بمعنى ان المريض يكون في مرحلة ما قبل السكري، وفي مثل هذه الحالة يمكن الشفاء والتخلص من الحالة في حال اكتشافها من خلال تناول بعض الأدوية وخسارة الوزن.

لابد لنا من التركيز على اهمية العادات الصحية في حياة مريض السكري. ما هي الأهمية الصحية لذلك؟

اتباع نمط حياة صحي سواء عبر الغذاء او الرياضة هو نصف العلاج والنصف الآخر يعتمد على الدواء؛ كلما كانت حياة مريض السكري صحية كلما انعكس على استقرار معدل السكري وبالتالي يبقى في منأى عن المضاعفات ويعيش حياة هانئة مثله مثل باقي الأشخاص الأصحاء بعيداً عن التعقيدات الصحية. صحيح ان مرض السكري لا شفاء منه، ولكن وجود هذا الطيف الواسع من العلاجات سهّل حياة المريض وجعلها أكثر مرونة عمّا كانت عليه في الماضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى