مقابلات

الدكتورة شادية بعيني

رئيسة قسم أمراض الكلى في مستشفى ومركز بلڤو الطبي 

الدكتورة شادية بعيني

السكري والضغط أبرز أسباب الفشل الكلوي المزمن

كثيرة هي الأمراض التي تصيب الكلى التي تقوم بوظائف عدة في الجسم أهمها تنقية الدم من السموم والحفاظ على معدل ضغط الدم في الجسم. مع حدوث فشل كلوي، فذلك يعني أن هناك ضعف ما أصاب الكلى وأثّر على وظيفتها. الدكتورة شادية بعيني، رئيسة قسم أمراض الكلى الأخصائية في أمراض الكلى والضغط في مستشفى ومركز بلڤو الطبي، تحدّثت الى مجلةالمستشفى العربيعن الفشل الكلوي الحاد والفشل الكلوي المزمن وكيفية علاجهما مع أهمية الوقاية والحفاظ على ما تبقى من وظيفة الكلى. وفي ما يلي نص الحوار. 

نود الإضاءة في حوارنا على الفشل الكلى الحاد والفشل الكلى المزمن. كيف نميّز بينهما؟ ومتى ينتقل المريض الى مرحلة الفشل المزمن؟

إن وظيفة الكلى عديدة ومتنوعة من أهمها تنقية الدم وتصفيته من السموم والمعادن والسوائل الإضافية في الجسم؛ الكلى تعتبر العضو الأساسي المسؤول عن ضبط معدل ضغط الدم في الجسم، إضافة الى دورها في ضبط معدلات فيتاميندوالكالسيوم والهرمونات التي تسهم في تقوية الدم.  عندما نتحدث عن فشل كلوي فذلك يعني وجود ضعف معيّن في تلك الوظائف، هذا الضعف يمكن أن يكون مزمناً أو حاداً. 

الفشل الكلوي المزمن يعني أن الكلى بدأت تفقد تدريجياً ومع مرور الوقت الوظيفة الخاصة بها، بينما الفشل الحاد هو حدوث مشكلة حادة في الجسم بحيث تكون الكلى تعمل بطريقة منتظمة، أو ربما يكون المريض بمرحلة الفشل الكلوي المزمن، ولكن يصاب بمشكلة صحية ما تُضعف الكلى فيسوء وضعها بشكل حاد. عادة كل مشكلة صحية تكون مدّتها أقل من ثلاثة أشهر فذلك يندرج ضمن إطار الفشل الكلوي الحاد، ولكن أكثر من ذلك يكون المريض قد دخل في مرحلة الفشل الكلوي المزمن.

ما هي الأسباب؟

بالنسبة للفشل الكلوي المزمن، بشكل عام تؤثر الأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم ومرض السكري على وظيفة الكلى وشرايينها حيث يشكلان معاً حوالى 60 الى 70 بالمئة من أسباب الفشل الكلوي المزمن؛ هناك بعض الأسباب الأخرى مثل العامل الوراثي، أمراض على مصفاة الكلى، الحصى الكلوي الذي يحدث بشكل متكرر، التكيس الكلوي وهو مشكلة وراثية، التهابات الكلى المزمنة، وتناول بعض الأدوية التي تضر بصحة الكلى؛ هذه الأسباب تؤدي الى فقدان تدريجي في وظيفة الكلى.

أما أسباب الفشل الكلوي الحاد، فإن أي مشكلة تحدث في الجسم تتسبّب في هبوط معدل ضغط الدم مثل نزيف او التهاب او صدمة في القلب، فإن اول عضو يتأثر هو الكلى. فالكلى من أكثر أعضاء الجسم التي يصلها دم؛ مع حدوث مشكلة معيّنة في الجسم يحدث ردة فعل معينة تمنع وصول الدم الى الكلى لأنها ليست عضو مهم على قدر أهمية الدماغ والقلب؛ عندها تعمل شرايين الكلى بكل طاقتها من اجل عدم وصول الدم اليها ليستفيد الدماغ والقلب من هذا الدم. 

هناك أمراض أخرى على مصفاة الكلى ينتج عنها فشل كلوي حاد، بالإضافة الى بعض الأنواع من الادوية وأحياناً وجود حصى كانت قد أثرت على المجرى وتمت ازالتها قد تترك أثرا سلبيا؛ وربما تكون المشكلة بشرايين الكلى وسرعان ما تزول الحالة المرضية بمجرد علاج السبب.

إذن، في الحالات الحادة يعود المريض الى وضعه الطبيعي بعد أن يخضع للعلاج؟

يعود المريض الى الحالة التي كان عليها قبل المشكلة الصحية التي طرأت عليه، سواء الحالة الطبيعية او حالة الفشل الكلوي المزمن؛ ولكن هناك الكثير من الأبحاث والدراسات الطبية التي تقول انه حتى لو عادت الكلى الى وظيفتها وحالتها الطبيعية فإن هذا المريض هو عرضة أكثر من غيره في المستقبل للوصول الى الفشل الكلوي المزمن؛ ورغم تناقض بعض الدراسات في هذا الشأن، إلا أننا ننصح هذه الفئة من المرضى بالمتابعة الدورية لدى الطبيب المختص. 

ما هي أبرز مضاعفات الفشل الكلوي المزمن؟ 

إن خطورة الحالة هنا هي لكونها حالة مزمنة وإذا لم يتم تدارك الامر والسيطرة على الحالة قد يصل الامر الى نهاية عمل الكلى. والمشكلة تكمن في أن أمراض ومشاكل الكلى تتطور بصمت فلا يشعر المريض بأي عوارض أو ألم وهنا الخطورة الأكبر، لأنه ما إن تبدأ العوارض بالظهور يكون المرض قد تتطور ولا يمكننا اصلاح ما أُتلف من الكلى ووظيفتها. في المراحل المتقدمة يشعر المريض بالغثيان والتعب والضعف والتورم في الجسم، إضافة الى الحكة الجلد وقلة النوم والإرهاق وتشنج بالعضل، وصولاً الى عوارض أكثر خطورة في حال تراكم الماء في الجسم وعلى غشاء القلب ما يؤدي الى ضيق في التنفس؛ اذا لم يتدارك الأمر قد يدخل في غيبوبة جرّاء السموم العالية في الجسم. وما بين بداية الفشل الكلوي المزمن ونهايته أي مع بدء العوارض بالظهور، هنا تكمن أهمية الكشف المبكر.

ما هي الفحوصات المطلوبة لتشخيص الحالة؟

بداية الفحوصات تكون من خلال فحص دم لمعرفة معدل الزلال وهو فحص الكرياتينين وهي المادة التي يفرزها العضل وتتخلص منها الكلى في البول؛ عندما تكون نسبتها مرتفعة فذلك يعني ان الكلى لا تتخلص منها ( مع الإشارة أحيانا أن العضل يفرز هذه المادة من دون وجود مشكلة في الكلى ولكن طبعاً بنسبة معينة).

فحص البول ضروري كذلك لمعرفة معدل البروتين في البول. في حال كانت النسب والأرقام مرتفعة، نجري فحوصات أكثر دقة مثل صورة صوتية وصورة لشرايين الكلى، وربما يتطلب الأمر إجراء صورة CT Scan أو MRI. بعض الحالات الأخرى نجري فحوصات للمناعة أو نأخذ خزعة من الكلى لتشخيص أكثر دقة.

ماذا عن العلاج في هذه الفترة؟

في الواقع، إن ما أُتلف من الكلى لا يمكن إعادة إصلاحه والعلاج يعتمد على السبب، فإذا كان السبب هو مرض السكري او ارتفاع ضغط الدم ينبغي السيطرة عليهما من خلال العلاجات الدوائية المعتمدة بالإضافة الى تغيير أسلوب الحياة وتعديله ليصبح نمطاً صحياً يتماشى مع الوضع الصحي للمريض ن حيث الغذاء والنشاط البدني والإمتناع عن التدخين وعدم تناول أي دواء إلا بإشراف الطبيب. في بعض الأحيان، يكون السبب هو تناول المريض لبعض الادوية والعلاجات، عندها يجب التوقف فوراً عن تناولها للحفاظ على ما تبقى من وظيفة الكلى؛ ربما يكون السبب وجود إنسداد في مصافي الكلى فيتم علاجها لتحسين وضع الكلى.

في المرحلة المتقدمة، يعجز الجسم عن تصريف الفوسفور والبوتاسيوم فنطلب من المرضى اتباع نظام غذائي قليل البوتاسيوم والفوسفور. البوتاسيوم موجود بالفواكه وخصوصاً تلك التي نجدها في فصل الصيف بالخضراوات الخضراء والموز والبطاطا والحبوب، والفوسفور موجود بالسمك واللحمة والخبز والقمح واللبنة والجبنة.

كمية المياه التي يشربها المريض تختلف باختلاف الحالة، ففي الحالات العادية يجب أن يشرب المريض على الأقل ليتر ونصف في حال عدم وجود مشكلة في القلب؛ أما في حال تراكم المياه في الجسم فتكون النسبة أقل.

متى يصل المريض الى مرحلة غسيل الكلى؟

عندما تصل نسبة وظيفة الكلى الى ما دون 15 بالمئة يكون المريض قد وصل الى المرحلة النهائية من الفشل الكلوي المزمن ويجب ان نبدأ بالتفكير بالاستغناء عن وظيفة الكلى والتعويض عنها إما بالغسيل او الزرع. الغسيل الكلوي هو تعويض عن عمل الكلى ويكون بطريقتين: غسيل الدم أو غسيل البطن. غسيل الدم هو الأكثر انتشاراً ويتم من خلال آلة نسميها الكلى الاصطناعية وهي أشبه بفلتر غسيل الكلى. يوجد نوع محدد من المياه ultra pure water في كل مركز لغسيل كلى، حيث يوجد غرفة مخصصة لتنقيتها وفلترتها مرات عدة لتصبح مخصصة لمرضى غسيل الكلى. تدخل هذه المياه الى الآلة ومنها الى جسم المريض لتتم عملية التبادل بينها وبين دم المريض فتأخذ منه السموم وتعطيه كل ما جيد.

هناك طريقتين نتبعهما لإخراج الدم من الجسم وإتمام عملية التبادل بين الدم والمياه المخصصة؛ الطريقة الأولى هي أنبوب بالرقبة أو القدم أو أي عرق كبير في الجسم لتعمل الآلة ويخرج الدم، والثانية ربط الشرايين باليد فيصبح العرق مثله مثل الشريان لكي نتمكن من استخدامه لخروج الدم بضخ قوي وعودته. هذه الطريقة تحتاج الى التحضير المسبق بفترة ما بين أربع الى ثماني أسابيع وفي هذه الفترة نلجأ الى الطريقة الأولى.

إيجابيات هذا النوع ان المريض يأتي الى المستشفى والغسيل يتم في قسم مخصص وتحت اشراف الطبيب المختص، وسلبياته احتمال هبوط الضغط لان الدم يخرج من الجسم لكن الحالة تكون خفيفة وتحت اشراف الطبيب. قد يستمر غسيل الكلى لسنوات طويلة واليوم أصبح أفضل من قبل نظرا لتطور الأجهزة والمياه التي نستخدمها وفلاتر الغسيل التي باتت تسحب الكثير من السموم من جسم المريض.

غسيل البطن البريتوني وهو اسم غشاء البطن الذي يتم استعماله كفلتر لعملية التبادل بين المياه وبين الدم الموجود في البطن؛ يوجد كيس فارغ وآخر ممتلئ يربطه المريض ببطنه بطريقة معينة يتعلّمها من قبل الأخصائي، وتتم عندها عملية التبادل عبر تفريغ ما في الجسم من سموم واستبداله بالمياه لتبقى هذه المياه في البطن لبضع ساعات بحسب نوع الكيس وعندها يتم التبادل. ثم يقوم المريض بتفريغها وهكذا تتم عملية الغسيل. 

الغسيل البريتوني يتم يومياً، ولتسهيل حياة المريض يتوافر اليوم آلات حديثة تقوم بعملية التبادل هذه خلال ساعات الليل مع إمكانية وضع كيس واحد خلال النهار لزيادة نسبة التبادل.

من إيجابيات هذه الطريقة الإستغناء عن الذهاب الى المستشفى، ومن سيئاتها إمكانية حدوث التهاب في البطن مكان الكيس ولكن يمكن علاجها بسهولة. هذه الطريقة تخدم المريض لمدة معدلها خمس سنوات.

ماذا عن أهمية زرع الكلى ودورها في العلاج النهائي؟

العلاج الأفضل والحل النهائي لمرض الفشل الكلوي المزمن هو زرع الكلى، ورغم أن ليس كل الحالات يمكنها ذلك لكن على كل مريض أن يسعى لمعرفة ما إذا كان بمقدوره زرع الكلى أم لا. 

فالمرضى الذين يعانون من مشاكل في القلب والشرايين او التهابات مزمنة او مرضى السرطان المتقدم وكبار السن الذين يعانون من تصلب أو تكلس في الشرايين قد لا يكون بمقدورهم الإستفادة من عملية زرع الكلى. ولا يوجد عمر معين بل إن حالة المريض العامة هي التي تحدد إمكانية الزرع.

وهب الأعضاء ضروري خصوصاً أنه يمكن التبرع بالكلى من واهب حي او متوفى، لكن للأسف مسألة وهب الأعضاء غير ناشطة.  في لبنان وهب الأعضاء من متوفى دماغيا هي الطريقة المتوفرة فقط وليس في حال موت القلب. أما الواهب الحي فهو ممكن بعد إجراء الكثير من الفحوصات الدقيقة والاستماع الى المريض والتأكد من استعداده نفسياً وجسدياً ودائما نفضّل وجود صلة قرابة لتجنب مسألة تجارة الأعضاء والتأكيد على المريض بأن حياته يجب أن تكون صحية بعد عملية التبرع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى