مستشفيات

أمراض القلب: النساء أكثر عرضة للخطر

أمراض القلب: النساء أكثر عرضة للخطر

ينبض القلب حوالى 2.5 مليار مرة خلال الحياة ليضخّ ملايين الليترات من الدّم المُحمّل بالأوكسجين والأغذية والهرمونات الأساسية لوظائف الجسم. لذلك إذا توقف القلب عن أداء مهمّته، تتعرّض الأعضاء والأنسجة إلى التلف على الفور، وتنتهي الحياة. 

تُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أنّ أمراض القلب والأوعية الدموية تُمثّل واحدة من الأسباب الرئيسية للوفيات في جميع أنحاء العالم، وخاصة السكتة الدماغية، وإقفار عضلة القلب المسؤولة عن 16٪ من إجمالي الوفيات بسبب أمراض القلب في العالم. تشير الدراسات إلى أنّ عدد الوفيات بسبب أمراض القلب لدى الرجال قد انخفض بشكل ملحوظ خلال السنوات الـ 25 الماضية، في حين لم تتغيّر نسبة الوفيات التي تعود للسبب نفسه بين النساء.

قبل بلوغهن سنّ اليأس، وبفضل التأثيرات الإيجابية للأستروجين على نشاط القلب والأوعية الدموية، فنسبة النساء اللاتي يعانين من هذه الأمراض أقل من نسبة الرجال في هذه الفئة العمرية، ويختفي الفرق بين الرجال والنساء مع بلوغهن سن اليأس، حتى يبدو أن معدل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بين النساء أعلى بقليل ممّا هو عليه بين الرجال. هناك أيضاً حالات عندها ميول للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مع التقدم في العمر لأسباب جينية وغيرها، وتظهر عليها العوارض بعد إنقطاع هرمون الأستروجين. 

عوامل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عند النساء

تُعدّ السمنة والتدخين وارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع الكوليسترول وقلة النشاط من الأسباب الرئيسية التي تؤدّي إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. تُشكّل السمنة مشكلة مهمة تعاني منها النساء، وتؤثر مباشرة أو من خلال التسبب في ارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم بشكل سلبي على صحة القلب. غالبًا ما يصاحب ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول، ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية. عند إضافة حالات مرضية مثل مقاومة الأنسولين وارتفاع الكوليسترول واختلال وظائف جدار الأوعية الدموية، يزداد خطر الإصابة بأمراض القلب بشكل كبير. على عكس الرجال، فلدى النساء عوامل خطر إضافية مثل انقطاع الطمث، وتسمم الحمل، وسكري الحمل، وارتفاع ضغط الدم خلال الحمل، وتكيّس المبيضين، وسرطان الثدي، والعوامل النفسية والاجتماعية وهي أسباب إضافية قد تؤدّي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء بشكل مباشر.

الأستروجين والحمل وانقطاع الطمث

هرمون الأستروجين هو الهرمون النسائي من الدرجة الأولى. يساعد الأستروجين على حماية خلايا جدار اللأوعية الدموية ويحول دون سماكة الجدار. بمعنى آخر، يمنع ظهور تصلب الشرايين. كما أن له تأثيراً تنظيمياَ على تخثر الدم، ويزيد بشكل غير مباشر من مستويات البروتين الدهني مرتفع الكثافة، وهو الكوليسترول المفيد للجسم، ويقلّل من مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة، وهو الكوليسترول الضار. انخفاض مستويات هرمون الأستروجين لدى النساء بعد انقطاع الطمث يعرضهن لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ويهدّد خاصة الأوعية الدموية الصغيرة، حيث يؤدي إلى إنسدادها فتحول بدورها دون تدفق الدم إلى الأعضاء. إنقطاع الطمث لا يسبب أعراضًا مباشرة في معظم الأحيان، إلا أنه يهيئ الظروف لأمراض القلب والأوعية الدموية لدى النساء. تعدّ وسائل منع الحمل التي تعتمد على الهرمونات من العوامل التي ترفع من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لأنها تحتوي على هرمون الأستروجين وكذلك البروجيسترون الذي له تأثير معاكس لهرمون الأستروجين. حبوب منع الحمل وحدها تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. هذه الزيادة هي 7 مرات أعلى لدى المدخنين الذين يستخدمون حبوب منع الحمل. يعد القضاء على عوامل الخطر المتعددة عند النساء أمرًا مهمًا للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية من أجل تقليل الوفيات. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أنه لا يعتبر سببا مباشرا لتطور أمراض القلب، إلى أنّ التغيرات الفزيولوجية التي يُحدثها الحمل على جسم المرأة قد تضع الأرضية المناسبة لظهور مشاكل صحية لدى بعض النساء. 

أمراض القلب عند النساء

فيزيولوجياً، قلوب النساء أصغر حجماً من قلوب الرجال، بينما معدل ضربات القلب مرتفع لديهن. وحجم النفضة، وهو كمية الدم المتدفق من القلب إلى الشريان الأبهر خلال ضربة واحدة، أقل بنسبة 10 في المائة لدى النساء مقارنة بالرجال. من جهة أخرى، تسبب الدورة الشهرية تغيرات في تخثر الدم ونتائج تخطيط القلب. 

على الرغم من أن بنية الأوعية الدموية أرق عند المرأة، إلا أن قابلية تضيق الأوعية أعلى مقارنة مع الرجل، ينتج عن ذلك أنّ سبب النوبة القلبية عند النساء لا يكمن في انسداد أوعية القلب بل في إصابتها بالتشنج أو التمزق.

خلافاً للإعتقاد الشائع، تسبب أمراض القلب والأوعية الدموية وفيات لدى النساء أكثر من سرطان الثدي. ومع ذلك، فإن النساء لا يفهمن أعراض النوبة القلبية في الوقت المناسب لكونها مختلفة عما هو متوقع. ومع ذلك، فإن التشخيص المبكر لأمراض القلب مهم من خلال الكشف عن أعراضها. إنّ أكثر أعراض النوبة القلبية شيوعًا هو الإحساس بألم يشبه ضغطا على الصدر، إلا أن هذا الإحساس لا يظهر لدى النساء اللاتي يُصبن بنوبة قلبية لأول مرة، بل تعاني هذه الفئة من آلام على مستوى الظهر والفك، مع إحساس مفاجئ بإرهاق شديد وضيق في التنفس. في بعض الحالات، تشتكي النساء من التعرق والإحساس بالألم في الجزء العلوي من البطن وكأنه تشنج للمعدة.

باستثناء النوبات القلبية، أي عندما يموت جزء من عضلة القلب بسبب توقف تدفق الدم إليه، يمكن أن تصاب النساء بأي نوع من أمراض القلب تماما مثل الرجال. وأكثر أنواع أمراض القلب شيوعًا بين النساء هو مرض الشريان التاجي مثل الذبحة الصدرية، وهو ألم في الصدر بسبب نقص تدفق الدم، وفشل القلب وهو عندما لا يتمكن القلب من ضخ الدم الكافي لتلبية احتياجات الجسم، وعدم انتظام ضربات القلب وهي مشكلة في معدل ضربات القلب أو إيقاعها. كما أنّ هناك أنواع معينة من أمراض القلب أقل شيوعًا، ولكنها تصيب النساء أكثر من الرجال. نذكر منها مرض الأوعية الدموية الدقيقة التاجية، حيث تشعرالمرأة بألم في الصدر ناتج عن تضيق مفاجئ يمنع تدفق الدم في أصغر شرايين القلب. ونشير أيضا إلى متلازمة القلب المكسور، حيث تشعر المرأة بألم شديد في الصدر أو تعيش نوبة قلبية ناتجة عن ضغوط نفسية قوية مثل الحزن العميق أو الغضب أو الحيرة، وهي مشاعر غالبًا ما تصيب النساء بعد انقطاع الطمث. وكمثال أخير نذكر الذبحة الصدرية المتغيرة، والتي تتجلّى في آلام حادة نادرة على مستوى الصدر ناتجة عن تقلصات في شرايين القلب أثناء النوم.

الحماية من أمراض القلب والأوعية الدموية

أفضل شيء للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية هو تغيير العادات اليومية إلى روتين أكثر صحة. إذ ينبغي أولاً تحديد الوزن المثالي، ومراقبة ضغط الدم ومستويات الكوليسترول، يجب التوقف عن التدخين فعليا. إذا تواجد في العائلة تاريخ صحي لإصابات بأمراض القلب أو قصور القلب أو اعتلال عضلة القلب أو أمراض القلب الأخرى، فيجب إخبار الطبيب المتابع بهذه التفاصيل. عند الإحساس بالعلامات التحذيرية مثل ألم الصدر وضيق التنفس والتعب غير المبرر والإغماء والدوخة وأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، يجب استشارة الطبيب فورا. يجب إجراء فحص مراقبة كل ثلاث سنوات حتى سن الأربعين، وأربع مرات بين سن الأربعين والخمسين، وخمس مرات بين سن الخمسين والستين، ومرة واحدة كل عام بعد سن 60. إذا تم اكتشاف أي خلل في القلب أو على مستوى الشرايين، سينصحك الطبيب بافضل الحلول الطبية لحالتك.

يقلّل التمرين الرياضي المنتظم من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ويوصى بممارسة التمارين متوسطة الشدة لمدة 150 دقيقة في الأسبوع أو 75 دقيقة من الأنشطة المكثفة التي تتطلب جهدا أكبر. يجب أن يُفضل اتباع نظام غذائي صحي للقلب جنبًا إلى جنب مع التمارين الرياضية.

على الرغم من أن أمراض القلب والأوعية الدموية ترتبط أساسًا بالرجال، إلا أنها “كارثة المرأة”، لأنها أقل شيوعًا بين النساء، لكنها أكثر فتكًا. لسوء الحظ، يُنظر إلى أمراض القلب والأوعية الدموية في الغالب على أنها أمراض ذكورية ولا يتم التأكيد على أهميتها لدى النساء بشكل كافٍ. يجب أن تكون المرأة على دراية بأمراض القلب والأوعية الدموية التي تهدّد صحّتها وأن تتعلم وتنفذ الاحتياطات الضرورية لتقليل عوامل الخطر التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين. إذا كنا ندرك الخطر، فيمكن منع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية بين النساء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى