تكنولوجيا

الروبوت والقطاع الطبّي

الروبوت والقطاع الطبّي

موظف نشِط في المستشفى الأخضر

باتت الاستدامة البيئية في مقدمة أولويات الإهتمامات العالمية لما لها من أهمية بيئية وتقنية وصحيّة أثبتت التجارب فعاليتها في شكل واسع. وفي هذا الإطار جاء معرض CES 2023 في الولايات المتحدة، حيث حرص العارضون على الكشف عن الابتكارات الخضراء التي من المقرر أن تغيِّر العديد من الصناعات بما في ذلك صناعة الإستشفاء والحفاظ على البيئة. ويتم تسليط الضوء في هذه الفعاليات على طبيعة سلاسل التوريد المستدامة في بناء المستشفيات الخضراء وصيانتها، حيث يُعد الحصول على المواد البيئية واستخدام تقنيات الطاقة المتجددة أمرًا أساسيًا. فالرعاية الصحية عالية الجودة والممارسات المستدامة تعد جزءًا لا يتجزأ من ضمان بقاء البشرية، وأهمّية المستشفيات الخضراء أن بإمكانها القيام بالأمرين معًا.

تُعتبر كمية النفايات الطبية وغير الطبية الناتجة عن عمل المستشفيات والمراكز الطبية مذهلة جداً. فعلى سبيل المثال تُنتج مستشفيات الولايات المتحدة وحدها، أكثر من 7000 طن يوميا من هذه النفايات المعتبرة خطرة ومضرّة بالبيئة. ويزيد في ارتفاع هذا الحجم من النفايات حول العالم، إرتفاع عدد السكان من جهة، وارتفاع الطلب على الإستشفاء من جهة أخرى. وبالتالي فقد باتت الحاجة إلى إضفاء الطابع الأخضر على نظام المستشفيات واضحة للغاية. 

من هنا، ينبغي للممارسات الخضراء أن توجِّه كل جانب من جوانب نظام الرعاية الصحية، بدءًا من مصادر المواد الصديقة للبيئة وحتى مراقبة إدارة النفايات واستخدام الطاقة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة والممارسات، أن الشركات ملتزمة بجعل التكنولوجيا أكثر مراعاة للبيئة وسلاسل التوريد أكثر استدامة. ومع انتشار هذه التكنولوجيا على نطاق أوسع، فإن المستشفيات الخضراء ستنتشر كذلك، ومعها الروبوتات الآخذة في الإعتبار حماية البيئة والمحافظة على الإستدامة الخضراء. 

هذا الواقع، لم يعد بنظر خبراء الصحة والبيئة، ترفاً أو مجاراة لتطورات النظم الإدارية، بل بات حاجة وضرورة يفرضها المزيد من القوانين على هذا الصعيد ويسهّل اعتمادها الوعي الجماعي بضرورة التركيز على سلامة البيئة والصناعة الإستشفائية الخضراء، المعتبرة أبرز أسس مستشفيات المستقبل. فالمستشفيات الخضراء تعد جزءًا لا يتجزأ من خلق مستقبل مستدام للعالم. كذلك تعد التكنولوجيا شريكا أساسيا في هذه النقلة النوعية. فالمستشفيات بدأت تعتمد بقوة على التكنولوجيا ولا سيما الروبوتات في إدارة العديد من الإجراءات الطبية وتنفيذها، خصوصاً بعد انتشار جائحة كفيد19 في العام 2020 وما بعد، ونشرها الرعب حول العالم. 

وما تنتجه المستشفيات من مخلفات ضارّة بالبيئة بات كبيراً، لذلك وجد قادة القطاع الصحي وكذلك المهتمّون بقضايا الأستدامة، أنه لا بد من الإسراع في المعالجة فكانت التكنولوجيا خير مُعين على ذلك. وعندما نعلم بأن مرافق الرعاية الصحية من مستشفيات وعيادات خارجية ومراكز متنقلة تنتج 5% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، نُدرك أهميّة الإسراع في هذا التحوّل. ولحسن الحظ أن عدد المستشفيات المستدامة آخذ في الإرتفاع. وتتوقع BCC Research أن يرتفع إجمالي سوق المستشفيات الخضراء بنسبة تصل إلى 6.1٪ خلال سنوات قليلة، ليصل إلى قيمة 14 مليار دولار بحلول عام 2027.

من التخطيط إلى التحقيق

منذ مدّة لم يكن العالم ينظر إلى الروبوتات على أنها “صديقة للبيئة”. ولكن استخدام هذه التكنولوجيا لتحقيق الاستدامة بدأ يُصبح حقيقة واقعة، وذلك بفضل الروبوتات الخضراء. فمسألة تغيُّر المناخ وارتفاع نسبة النفايات المضرّة وغازات الدفيئة، باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وقد بدأ العالم بالفعل في الاستفادة من التكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء لمكافحة تغير المناخ. في هذا الإطار يمكن للروبوتات الخضراء أن تدعم المعركة الكونية ضد تغيُّر المناخ. ويجري بالفعل تطوير مجموعة متنوعة من الروبوتات التي يمكنها المساعدة في الحفاظ على البيئة بطرق مختلفة، بدءًا من المساعدة في إدارة النفايات، وتنظيف المحيطات والمسطحات المائية الأخرى، وصولاً إلى المستشفيات والمراكز الطبية. وهذا الأمر لم يعد حكراً على دول بعينها، بل إنه يتوسع شيئاً فشيئاً حول العالم ولو بدرجات استخدام متفاوتة واعتماد تقنيات أكثر أو أقل تطوراً. 

المهم أن الفكرة انطلقت والوعي بحماية البيئة لم يعد تمنّياً، والمستشفيات تنطلق كقائدة لهذه المسيرة نظراً إلى دورها وفلسفة عملها القائمة أصلاً على توفير الحماية للمجتمعات. في شكل عام وخارج إطار الخدمة الطبّية يتوسّع عمل الروبوتات أيضاً على صعيد حماية البيئة عبر المساهمة في إطفاء حرائق الغابات والمساعدة على تجنّب المخاطرة بحياة رجال الإطفاء. وهنا يمكن الإستفادة من الروبوتات المسلحة بمطافئ الحريق وعوامل الدفع المائي لاحتواء حرائق الغابات. ويمكن تجهيز هذه الروبوتات بتقنيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وأجهزة استشعار الحرارة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما يمكن لهذه التقنيات التحكم في الروبوت عن بعد، ويمكنها اكتشاف الحرائق وإطفاؤها بكفاءة. 

إلى جانب ذلك بدأ استخدام الروبوتات أيضاً في إدارة المخلفات ومعالجة النفايات الخطرة والسامة. فالبشر يستهلكون الموارد وينتجون كميات كبيرة من النفايات، والتي تحتاج إلى إدارتها والتخلص منها بطريقة صديقة للبيئة. فالاستخدام المتقدم للروبوتات لإدارة النفايات يشمل استخدامها لأغراض معالجة النفايات وفرزها وإعادة تدويرها. ويمكن أن تساعد أتمتة العمليات المرتبطة بإدارة النفايات ومعالجتها في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بهذه الإجراءات. 

ووصولاً إلى المستشفيات، تبيّن أنّ هناك فائدة مالية وبيئية ولوجستية ضخمة تتمثل في عدم الإضطرار إلى “إلباس” الروبوتات معدات الحماية الشخصية، مثل الأقنعة والقفازات والأردية الواقية، لعدم تعرضهم للعدوى من المرضى. وهذا يعني أن الروبوتات تسمح للأطباء بالتحدث مع المرضى عن بعد، من دون تعريض أنفسهم للخطر. ومع ذلك، في هذه النقطة، ينبغي التأكيد على أن العلاقة بين موظفي الرعاية الصحية والمرضى تظل في قلب كل شيء، فهذه العلاقة موجودة لتبقى. وتعد الروبوتات مثل Tommy الإيطالي في قطاع الرعاية الصحية، أفضل مثال على المقصود بالتكامل الآلي في مكان العمل.

إجراءات صحّية لبيئة أفضل

من الأمثلة الجديرة بالذكر على مساهمة التكنولوجيا في الإدارة الخضراء للمستشفيات، قيام الروبوتات المعروفة باسم “TUGs” بتزويد فرق الخدمات البيئية EVS بمستشفى ستانفورد في كاليفورنيا بالمساعدة لإنجاز مجموعة متنوعة من المهام التي تتطلب جهدًا بدنيًا والمتكررة، بما في ذلك نقل الإمدادات وإزالة النفايات. ومع وجود 23 مجموعة قاطرات على الأرض في مستشفى ستانفورد وخمسة في مستشفى لوسيل باكارد للأطفال، أصبح لدى فرق EVS في كلا المرفقين المزيد من الوقت والطاقة لمواصلة التركيز على رعاية المرضى والمساعدة السريرية. كما أنها تتحرك بسرعة وقادرة على سحب كميات كبيرة من النفايات في اليوم. وهي مصمّمة للحفاظ على الموارد عبر التوفير في العمالة. وهذا لا يعني استبدال أي عامل، ولكن بات يمكن استخدام الموارد البشرية بطرق أكثر فعالية وجدوى. 

واللافت أن هذه الروبوتات تتوقف عن الحركة بمجرد لمسها لعدم إعاقة عمل الفريق الطبي. 

وإذا تم إطلاق إنذار الحريق، فإنها تتجه على الفور إلى جانب الردهة لإخلاء ممر المشاة. وعليه فالسؤال كيف يمكن للروبوتات والأتمتة المساعدة من أجل مستقبل أكثر استدامة ونظافة وصحة؟

بحسب تقرير لـ BCC Research، هناك خطوات عدة لا بد منها لتنفيذ الممارسات الخضراء في مجال الرعاية الصحية. ومن هذه الخطوات:

  • زيادة الاستثمارات في التكنولوجيا والممارسات الخضراء من قبل إدارة المستشفى، كما أن هناك حاجة أيضًا إلى فرق داخل المستشفى لتولي المبادرة. 
  • عند إنشاء المستشفى أو تجديده وصيانته لا بد من الأخذ في الإعتبار الموارد والمواد الصديقة للبيئة. 
  • المستشفيات هي مبانٍ كثيفة الاستهلاك للطاقة وتعمل على مدار النهار والعام، ويجب أن تحافظ على معايير عالية للغاية من النظافة. ومعروف أن الطاقة هي السبب الأكبر للتلوث والضرر البيئي، وهو ما يجعل إدارتها ضرورية للمستشفيات الخضراء.
  • كمية النفايات التي تنتجها المستشفيات هائلة ويجب إدارتها وفقًا لذلك. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 75% إلى 90% من النفايات التي تنتجها المستشفيات غير خطرة، في حين أن الرقم المتبقي خطِر.
  • الاستدامة الغذائية بإدارة النفايات خطوة بالغة الأهمية للمستشفيات الخضراء. إذ إن 29% من الوجبات يتم تناول أقل من نصفها والباقي يتحول إلى نفايات. 
  • تعد النظافة أمرًا بالغ الأهمية لظروف المستشفى الآمنة، ولكن الحفاظ على معايير عالية من النظافة يتطلب إدارة فاعلة باتت اليوم مؤمّنة أفضل بفضل الروبوتات.

تُعتبّر إدارة المواد جزء أساسي من أي مبادرة خضراء. التخطيط والشراء والتخزين ومراقبة المخزون والرعاية والحفظ وإصدار المواد والمحاسبة والتخلص من الخردة، وغيرها. فهذه مجتمعة تشكل العوامل الرئيسية لاعتماد الأساليب الحديثة لإدارة المستشفيات. وقد يكون أبرز ما تحقق حتى الآن في هذا المجال هو استخدم الروبوتات لاستدامة بيئية ومستشفيات عصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى