كيف يمكن للفنادق الطبية تحسين نتائج المرضى؟
كيف يمكن للفنادق الطبية تحسين نتائج المرضى؟
مع تطوّر مفهوم الطب في العالم، إختبر الباحثون والمعنيون أهمية الإقامة الراقية في المستشفيات ودورها في مساعدة المريض على التعافي أو حتى على تقبّل الإقامة لفترة طويلة من دون أن يتسبب ذلك له بمضاعفات سلبية. وقد اعتُبرت المستشفيات الحديثة المرفّهة أو ما يعرف بـ “فنادق المرضى”، بديلاً راقياً لإقامات المستشفى، نظراً لما تتمتّع به من ميزة تحسين نتائج المريض وفترة التعافي وقدرة على توفير الأجواء والخدمات المناسبة لذلك. وفي حين أن مفاهيم الضيافة الطبية لا تزال في مهدها، فإن مستقبل هذا النوع من الرعاية الصحية يبدو واعداً، حيث يتم اكتساب كفاءات الرعاية الصحية أكثر من خلال التقنيات المتطورة والتركيز المتجدِّد على المريض، علاوة على العمليات الطبية.
تَجمَع هذه المنشآت الهجينة بين الوصول المستمر إلى الرعاية الطبية الممتازة ووسائل الراحة عند الطلب في الفنادق الفاخرة. ولا تشكّل كلفة الإستشفاء عائقاً أمام طالبي العلاج والرفاهية معاً، لأنها مدروسة بحسب قدرة وطلب كل مريض وما يُقدَّم له. بالتوازي يحفِّز تدفق البيانات إعادة التفكير في كيفية تقديم الرعاية الصحية لتحقيق أقصى استفادة للمريض عبر جميع مستويات الدخل. وفي تطور غير مسبوق حيث الأغنياء بدلاً من الفقراء هم المستهدفون في هذا التوجّه الإستشفائي المتقدِّم، توفِّر فنادق المرضى أرض الإختبارات المثالية لنماذج الرعاية الصحية الجديدة والتقنيات والإجراءات الطبية. من الطب التخصّصي إلى الروبوتات والتصوير الطبي ثلاثي الأبعاد، حيث يصبح النظري مسألة تطبيقية فعلاً، خصوصاً أن معظم البيئات في هذه المستشفيات الفندقية غنية بالموارد الكفوءة.
بدايات ونماذج من العالم
بدأت هذه المستشفيات الفندقية في الإنتشار خصوصاً في البلدان الراقية. وبدأت تحتل حيّزاً واسعاً من القطاع الطبي حول العالم. وقد قادت الدول الاسكندنافية إلى حد كبير الطريق إلى هذا المفهوم الجديد في قطاع الإستشفاء.
فمستشفى جامعة لوند في السويد افتتح مستشفى فندقياً في عام 1988 كوسيلة لتحرير المزيد من أسرّة المستشفيات للمرضى الوافدين للعلاج. ووفقاً لتقرير مختص، يُعتبَر المستشفى السويدي أول فندق مرضى متكامل على نطاق واسع. وفي عام 2015 تم افتتاح مستشفى رعاية متخصص في الدنمارك. ويضم مرضى الرعاية الطويلة الأجل، ومرضى السياحة الطبية الذين يبحثون عن رعاية وعلاجات عالية الجودة غير متوفرة في بلدانهم. والجدير بالذكر أن أماكن الإقامة في فنادق المرضى في بعض البلدان يمكن حجزها من قبل أي شخص: المريض، قريب من المريض، مسافر تجاري، أو سياحي. ما يجب التركيز عليه، أن فنادق المرضى هذه أو المستشفيات الفندقية هي منشأة طبية ولكن بمفهوم رفاهية وعناية مختلف. فاعتبارات التصميم تفرض نفسها، من أماكن إقامة فاخرة وخدمة مميزة وراحة تامّة. فالأسطح مثلا يجب أن تكون سهلة التنظيف والتعقيم. وتصميم الحمامات يجب أن يراعي العمل الوظيفي بدلاً من ميزات النوع المعماري. أيضاً، تحتاج الإتصالات بين الضيوف والموظفين إلى أن تكون في كل مكان، والوصول السهل والسريع إلى غرفة الموظفين ضروري في حال الطوارئ. فأماكن الإقامة تشبه أكثر خصائص الفندق التقليدية. فهي عادة مع مطعم داخل المبنى، صالات، خدمة الواي فاي المجانية وغيرها.
مثلا Atehouse Capital هو مثال لشركة أميركية تمتلك وتستثمر في فنادق المرضى، وهي معروفة بشركة الضيافة الطبية. في عام 2017، افتتحت جيت هاوس هوم عدد 2 سويت عدد 2 بالتعاون مع هيلتون أوتيل في حرم دالاس في مركز جامعة بايلور. ومعلوم أن الضيافة الطبية في الولايات المتحدة هي أكثر من مجرد مصطلح لفندق المرضى. فالمستشفيات الأميركية تميل إلى دمج وسائل الراحة والضيافة لكسب درجات أعلى لرضا المرضى، والتي تؤثر بشكل مباشر على تسديدات المستشفيات من التأمين.
ويأتي هذا التركيز على المستشفيات الفندقية بعدما تبين مدى الطلب عليها. ويقول الدكتور جون روملي، أستاذ وباحث في مركز “ليونارد دالس شيفر” في مركز السياسة الصحية والاقتصاد في جامعة كاليفورنيا: “وجدنا أن طلب المرضى يرتفع بشكل ملحوظ على وسائل الراحة أكثر إلى جانب جودة الرعاية. وهذا يعني أن المستشفيات يمكن أن تحسن سمعتها من خلال التركيز على الضيافة أكثر.”
الرعاية الصحية الفندقية
في حين يرى البعض أن المستشفيات الفندقية أمر نظري أو سطحي، إلا أنها في الواقع أثبتت كفاءة عند التطبيق ونجاحاً في تقديم خدمة أفضل للمرضى. فالإصابات المرتبطة بالرعاية الصحية هي في ارتفاع وغالباً ما تكون مقاومة للمضادات الحيوية، مما يجعلها صعبة العلاج. من هنا فإن المستشفى الفندقي بإمكانه تجنُّب هذه الثغرات، نظراً للعناية العالية التي تتوفّر في أرجائه. ووفقاً لتقرير مكتب الوقاية من الأمراض والترويج الصحي في الولايات المتحدة، فإن حوالى واحد من كل 25 مريضاً لديهم عدوى تتعلق بطرق العناية في المستشفيات. وهذه الالتهابات تؤدي إلى خسارة عشرات الآلاف من الأرواح، وتكلِّف نظام الرعاية الصحية مليارات الدولارات كل عام.
هذه الأحداث السلبية في إعدادات المستشفيات شائعة عالمياً. ويقدِّر تقرير حديث من منظمة الصحة العالمية (WHO) بشأن سلامة المرضى، أن ما يصل لواحد من كل 10 مرضى يتضرر أثناء تلقي رعاية المستشفيات حتى في البلدان المرتفعة الدخل. وإن ما يقرب من 50 في المائة من هذه الحوادث يمكن تجنّبها والوقاية منها. وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن معدل الحدث السلبي في المستشفيات هو 8 في المائة، حيث تعتبر 83 في المائة من هذه الأحداث يمكن الوقاية منها، و30 في المائة قد تكون مميتة. فالإلتهابات المكتسبة في المستشفى والمضاعفات الإجرائية سبب لمعظم الوفيات، وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية. وتضيف المنظمة، “هناك قلق متزايد من أن بيئة المستشفيات المجهدة قد تؤدي إلى متلازمة ما بعد المستشفى أو متلازمة الفيزيولوجية المرضية للضعف وزيادة الضغط الذي قد يترك المرضى عرضة للأعراض السلبية السريرية”. من هنا تأتي أهمية الخدمات التي يقدمها المستشفى الفندقي، نظراً لمساهمتها في حماية المريض من التقاط الفيروسات من جهة وتجنيبه المضاعفات النفسية وغير النفسية للإقامة في المستشفى العادي من جهة ثانية. بالنظر إلى مثل هذه المشاكل، فإن ظهور بديل لبيئات المستشفيات المجهدة والذي يهدف إلى تحسين نتائج المرضى أمر لا مفر منه. علاوة على ذلك، فإن الظروف السلبية المشتركة للمستشفيات ليست مستدامة في توفير المال وتأمين الربح. قد تتبع المستشفيات في مرحلة ما مساراً ثابتاً بالفعل لزيادة الإيرادات وخفض المخاطر: التركيز على الكفاءات الأساسية والاستعانة بمصادر خارجية للوظائف الأخرى، وكذلك زيادة معدلات التبنّي للتعلم الآلي والروبوتات والأتمتة. حتى ميزانيات البلدان بأكملها تعاني من المشاكل المرتبطة بالأحداث السلبية في المستشفى. على سبيل المثال، في كندا، تم إنفاق ما لا يقل عن 1 دولار من كل 7 دولارات “معالجة آثار ضرر المريض في رعاية المستشفيات”. من هنا تبدو فنادق المريض أكثر قدرة على تحمّل أحدث التقنيات الطبية وتكنولوجيات التقنيات الأكثر تطوراً في السوق.
خدمة أفضل بكلفة أقل؟
بعد نجاح هذا القطاع وتوسّعه، ونظراً لحاجته لخبرات محدّدة في مجال الضيافة الإستشفائية، بدأت تظهر مدارس ومعاهد لتعليم هذا النوع من الكفاءة. كذلك ظهرت نظريتان في شأن ما إذا كان الأفضل أن يتم تطوير وتقديم الخدمة الفندقية في المستشفيات من خلال الشراكة مع الفنادق التي تبني المستشفى الفندقي في حرمها، أو عن طريق زيادة خدمات المستشفيات مع وسائل الراحة الفندقية في جميع أنحاء الفندق.
في السيناريو الأول، يُعِدّ المستشفى خدمات المرضى ويقدمها إلى كيان أعمال آخر، والذي يمكن أن يكون مملوكاً جزئياً أو كلياً من قبل المستشفى. يتيح هذا النهج لكيان المستشفى الأساسي التركيز بدقة على الرعاية الحادة الطارئة والجراحية أثناء حصول تدفقات جديدة للحالات المرضية من الكيان الآخر. وفي السيناريو الثاني، يمكن للمستشفى رفع درجات رضا المرضى بسرعة وبالتالي تسريع تسديدات التأمين لتحسين التدفق النقدي. ومع ذلك، فإن التركيز على وسائل الراحة حول جودة الرعاية، يمكن أن يرتِّب في نهاية المطاف إعادة تسديد مدفوعات أخرى، من خلال ما يترتب عن مشاكل مثل الالتهابات المكتسبة في المستشفى ومعدلات ألم عالية.
لكن في كلتا الحالتين، فإن تَوفُّر خدمات الإستشفاء الفندقي والتقنيات الطبية المتطورة له آثار إيجابية على التطورات الطبية طويلة الأجل. فقد أثبتت التجربة أنه علاوة على حصول المريض على خدمات أفضل، فإن الفاتورة المعتبرة عالية لهذا النوع من الإستشفاء هي في المحصّلة النهائية أقل من فاتورة الإستشفاء العادي، لأنه لا يتبع طريقة الإستشفاء هذه مراجعات كثيرة ولا مضاعفات جانبية تتطلب بدورها تكلفة إذا أضيفت إلى تكلفة الإستشفاء العادي يصبح المجموع أكبر مما يتطلبه الإستشفاء الفندقي.
كذلك، فإن الإستخدام الإستراتيجي لمجموعة من التقنيات يمكن أن يحسّن نتائج المرضى ويوفّر الارتياح. فهناك تطبيقات الهاتف مثلاً التي توفر رعاية صحية عبر متابعة الأشعة السينية والصور الطبية الأخرى، بالإضافة إلى العديد من نتائج المختبر مباشرة على هاتف المحمول. وتقدم رقمنة هذه المعلومات أيضا نتائج أسرع لرعاية المرضى وتقليل أوقات الانتظار. وهذه التطبيقات يمكنها حتى اقتراح التشخيص والعلاج. كما يمكن أن تسهِّل تطبيقات المرضى جلسات التطبيب عن بعد، مما يؤدي إلى خفض التكاليف وأوقات الانتظار، علاوة على الراحة الفندقية للمريض ومفاهيم الضيافة الطبية. كما يمكن للضيافة الطبية إحضار التقنيات المتطورة إلى مجموعة أوسع من المرضى.