مقالات طبية

السياحة العلاجية تعود رغم كورونا

السياحة العلاجية تعود رغم كورونا

حماية في المطارات وجهوزية عالية في مراكز العلاج

كانت معظم الدول المعتَبَرة مقصدًا سياحيًا للعلاج من بعض الأمراض، قد نشّطت هذا القطاع في السنوات الأخيرة نظرًا لأهميته الإستشفائية من جهة، والمادية الكبيرة من جهة ثانية. لكن انتشار جائحة كوفيد- 19 وارتفاع عدد الإصابات في شكل كبير حول العالم، استدعى إجراءات الحجر والإقفال، مما أثر في شكل كبير على هذا القطاع الحيوي، فكان لا بد من مخارج وحلول لإعادة تنشيطه وتفعيله. فحتى نهاية العام الماضي، أي قبل الإقفال العالمي، كانت السياحة العلاجية توفر للعالم 61,3 مليار دولار سنويا منها حوالى 10 مليارات دولار عائدات للعالم العربي. ومن المتوقع أن تتوسع بمعدل نمو سنوي يزيد عن 10.5 في المائة في الفترة ما بين عامي 2019 و2027. من هنا أهمية العودة إلى سابق عهده. فكيف تصرف العالم وخصوصا الدول العربية على هذا الصعيد.

تبذل العديد من الدول العربية جهودا حثيثة تستهدف تنشيط السياحة العلاجية بعد أن تسببت جائحة فيروس كورونا في تعطيل السفر إلى مراكز الاستشفاء في آسيا. ويشرح قاموس أكسفورد مصطلح ”السياحة العلاجية” بإنه “السفر إلى بلد أجنبي لتلقي العلاج الطبي، خاصة إذا كان أقل تكلفة من بلدك”. وفي الماضي، كان هذا المصطلح يشير عادة إلى أولئك الذين يسافرون من البلدان الأقل نموا إلى المراكز الطبية الرئيسية في البلدان المتقدمة للغاية لتلقي العلاج غير المتاح في أوطانهم. غير أن هذا المفهوم تطور بحيث بات العالم العربي مثلا منطقة جاذبة للسياحة العلاجية بعدما كانت أكبر مصدّر لها.

كورونا والسفر العلاجي

عطّلت أزمة إنتشار كوفيد- 19 العلاقة بين الصحة والسفر المتمثلة بالسياحة العلاجية والتي كانت عرفت ازدهارا لافتا في السنوات الأخيرة. هذا الواقع زعزع الأساس الذي قامت عليه العلاقة بين القطاعين، وهو حرية السفر الدولي. ومن المرجح أن تعيد هذه التطورات تشكيل سوق السياحة العلاجية بين دول الشرق الأوسط وآسيا.

والآن، تمضي الدول العربية بوتيرة سريعة في رفع مستوى قطاع الصحة لديها وسط تحديات كوفيد- 19 لتلبية احتياجات مواطنيها. وكانت بضعة دول عربية من بينها الأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة ضمن قائمة من حظوا بإشادة منظمة الصحة العالمية مع تسجيلهم معدلات شفاء عالية من كوفيد- 19 خلال النصف الأول من هذا العام. وعزا المحللون ذلك إلى الإجراءات العاجلة التي اتخذتها السلطات المحلية وجهودها في دفع بناء النظام الصحي. وثمة تجربة أخرى لتطوير السياحة العلاجية في منطقة الشرق الأوسط، تتمثل في زيادة الاستثمار الآسيوي في خدمات الرعاية الصحية في الدول العربية، ونقل الخبرة والضيافة مباشرة إلى المنطقة. هذا ليس بأي حال من الأحوال بالأمر الجديد، لكنه أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. وومن الأمثلة على ذلك مباشرة أحد المنتجعات التايلاندية الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المقرر أن يفتتح هذا المنتجع الآسيوي فرعا له في قطر في وقت لاحق من هذا العام، حيث سيصبح أول منتجع من نوعه في الشرق الأوسط.

شراكات صحية لكسب الرهان

على مدار عام 2020، أصبحت الرعاية الصحية وقطاع الضيافة تدريجيا أكثر ترابطا. وعلى الرغم من الآثار السلبية التي تركتها الجائحة، فإن القطاعات الصحية أظهرت مهنية عالية وتصميما ثابتا في التعامل مع الكوارث والأزمات بدليل خروج الدول والقطاعات الصحية شيئا فشيئا من الصدمة، والإنطلاق إلى التوسع وزيادة الحركة من جديد. ومع تزايد الاهتمام بالوقاية من كوفيد- 19 ليصبح أولوية قصوى لدى الناس، عملت المستشفيات والقطاعات الصحية عموما والمجموعات الفندقية بلا كلل على تطبيق إجراءات نظافة صحية ترتقي إلى الدرجة الطبية.

وذكرت مجموعة “كوليرز إنترناشيونال” أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تبدأ في الجمع بين مرافق الرعاية الصحية والفنادق. ولفتت في تقرير لها إلى أنه “بالنسبة لمدن رئيسية مثل دبي وأبوظبي والرياض وجدة والقاهرة وعمّان، يمكن لمنظمي الرحلات ومشغلي الفنادق العمل في شراكة مع المستشفيات المحلية المعروف عنها تقديم رعاية صحية ذات نوعية جيدة”. كما اقترح التقرير على “المنتجعات الكائنة خارج المدن الرئيسية مثل المنتجعات الساحلية في مصر والأردن وسلطنة عمان والإمارات، وكذلك مشروع البحر الأحمر السياحي في السعودية، ضرورة تضافر جهود مشغلي الفنادق لتوفير مرافق الدعم ورفع جودتها بما يعزز الجاذبية الشاملة للوجهة بالنسبة للسياح والأسر لقضاء العطلات فيها. 

وبغية توفير أسباب تنشيط قطاع السياحة الإستشفائية وتأمين أفضل وقاية للزائرين، تم العمل بين أكثر من جهة حكومية وخاصة وعلى أكثر من خط أبرزها:

  • حملات إعلانية تتوجه للزبائن المفترضين ترشدهم إلى طرق العمل وآلياته الآمنة.
  • توفير فحوص ال pcr على المطارات وفي الفنادق. إضافة إلى توفير وسائل الوقاية والتعقيم على أنواعها.
  • إستحداث أقسام في المستشفيات والمراكز الطبية وأماكن العلاج الطبيعي حيث وجودها، لتوفير العلاجات االلازمة لمصابين محتملين. وفي المقابل تأمين وقاية أي وافد أو سائح جاء بهدف العلاج، من تعرضه للعدوى، وذلك عبر عزل تلك الأقسام عن أي إمكانية لانتقال فيروس كورونا المستجد.

دول عربية إلى الواجهة

ذكر تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط، وهو مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن، في نهاية تموز/ يوليو الماضي أن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي والمقيمين فيها الآن، يتمتعون بـ أو سيتمكنون قريبا من الوصول إلى، خدمات رعاية صحية عالية الجودة داخل البلاد. وتعد منطقة دلمونيا الصحية بالبحرين والمدينة الطبية الدولية في سلطنة عمان مثالين على هذه المشاريع التي هي قيد الإنشاء. وفي الوقت ذاته، أصبحت الإمارات وجهة طبية، مع توافد المرضى إليها من دول الجوار وأيضا من روسيا والصين بفضل مشاريع مثل مدينة دبي الطبية، التي تعد “أكبر منطقة اقتصادية حرة للرعاية الصحية في العالم” وأهم وجهة للخدمات الصحية بالنسبة للمسافرين للعلاج في العالم، حسبما أفاد التقرير. وذكرت هيئة الصحة بدبي أنها تتوقع عودة قطاع السياحة الصحية في الإمارة بقوة بفضل الإجراءات السريعة المطمئنة التي اتخذتها المدينة ضد جائحة كوفيد- 19. وقبل تفشي الفيروس. وتوقعت دبي أن يساهم قطاع السياحة العلاجية باستقطاب نحو 500 ألف زائر في الإمارة بحلول عام 2021.

وقال الدكتور مروان الملا، الرئيس التنفيذي لقطاع التنظيم الصحي في هيئة الصحة بدبي، إن دبي عملت على إنشاء مرافق صحية جديدة على مدار العام، ما يساعد على جذب السياح العلاجيين المحتملين. و”قامت هيئة الصحة بدبي بترخيص ما مجموعه 3397 منشأة صحية في الإمارة، تم إنشاء 45 منها حديثا خلال النصف الأول من عام 2020.

وعقدت إدارة السياحة الصحية ندوة افتراضية، تحت عنوان “إعادة تنشيط السياحة العلاجية في دبي”، وذلك في تعاون مشترك بين تجربة دبي الصحية وشركة نايت فرانك للبحوث. ضمت الندوة التي استهدفت قطاع السياحة العلاجية، عدداً من المتحدثين المتخصصين. وخلال الندوة الافتراضية، أشار المتحدثون إلى أن مزودي خدمات الرعاية الصحية في دبي أظهروا نقاط قوتهم وقدراتهم على مواجهة “كوفيد – 19”، والتصدي له بنجاح، حيث تجلى ذلك بوضوح من خلال معدلات التعافي المرتفعة التي شهدتها إمارة دبي ودولة الإمارات بشكل عام.

كما قامت السعودية بإصلاح بنيتها التحتية للرعاية الصحية لتشمل أحدث مرافق العلاج. ووضعت المملكة نصب عينيها مسألة تحقيق تحول في مجال الرعاية الصحية من خلال تطوير برامج الصحة المحلية للمساهمة في تأهيل المهنيين الصحيين المتخصصين وفقا لرؤية السعودية 2030. وتسعى رؤية قطر الوطنية 2030 إلى بناء قوة عاملة وطنية ماهرة قادرة على توفير خدمات صحية عالية الجودة. كما قامت بالتشدد صحيا على الوافدين وتوفير أفضل الخدمات الصحية لهم بهدف حمايتهم من جهة ومنع انتشار العدوى من جهة ثانية.

ووضعت سلطنة عمان مسعى تنشئة كفاءات وقدرات وطنية مؤهلة ورائدة في مجالي البحث العلمي والابتكار الصحي، في المرتبة الثانية من أولويات رؤية عمان 2040.

وفي الأردن، قالت وزيرة السياحة والآثار مجد شويكة في تموز/ يوليو الماضي، إنه قد تم منح الأردن ترخيص السفر الآمن من منظمة السياحة العالمية. وتم إطلاق موقع إلكتروني تفاعلي لتنظيم العملية اللوجستية للسياحة العلاجية تتضمن الأسعار وكافة تفاصيل الرحلة العلاجية داخل الأردن من مستشفى ونقل وغيرها من الأمور. وأضافت شويكة، أنه مع تزايد الطلبات المقدمة من قبل الراغبين في القدوم إلى الأردن للعلاج، جرى وضع وتطوير منظومة متكاملة بين المريض والمستشفيات وبالتنسيق مع خلية الأزمة، تحكم عملية قدوم المريض براً أو جواً، موضحة أنه جرى وضع متطلبات لرحلة المريض قبل سفره وعند وصوله إلى المملكة وانتقاله للمستشفى لتلقي العلاج والتعافي.

وقال مدير عام هيئة تنشيط السياحة، عبد الرزاق عربيات، إن فتح المطارات جزئيا منتصف الصيف الحالي كان فقط للسياحة العلاجية كمرحلة أولى. وأضاف أن موقع “سلامتك” يتيح تقديم الطلبات مع الفحص الطبي الذي يؤكد خلو المريض من إصابته بفيروس كورونا المستجد، بحيث يكون الفحص من خلال مختبرات طبية معتمدة للأردن ويتبعها فحص في الأردن للتأكد من خلو المريض من الفيروس.

وبين عربيات أنه يجري وضع اللمسات الأخيرة على خطة متكاملة لجذب السياحة الخارجية وعلى وجه الخصوص السياحة العلاجية، مضيفا انه جرى تحديد الدول التي يمكن استقبال السياح منها والانفتاح معها بشكل مباشر، وذلك ضمن توصيات سيتم رفعها الى لجنة الاوبئة ووزارة الصحة ومجلس الوزراء للموافقة عليها. ولفت عربيات الى أن عدد الدول التي شملتها القائمة الخضراء مبدئيا 10 دول، سيتم الانفتاح معها مباشرة بعد اخذ الموافقات من الجهات المختصة، مؤكدا ان أمن وسلامة المواطن الأردني على رأس أولويات الخطة. ومن يتبين أن لديه الاصابة بكورونا بعد مجيئه للأردن ينقل لمستشفى الأمير حمزة، وفق عربيات الذي أوضح أن من يأتي للعلاج من الحدود البرية ويتبين أنه مصاب تجري إعادته لبلده. ولفت إلى أنه لا يمكن إبقاء المطارات مغلقة، مضيفا أنه يجب الاستفادة من سمعة الأردن حول العالم. وبين أنه يحق لمرضى السياحة العلاجية ومرافقيهم التجول في المملكة بعد انتهاء العلاج شريطة تطبيق تعليمات الحجر والوقاية الصحيتين المعمول بهما في الأردن. وأوضح أنه يحق للمغترب الأردني التقدم على منصة السياحة العلاجية “سلامتك” كونها لا تقتصر على جنسية محددة. وكانت الحكومة مؤخرا عن إطلاق موقع “سلامتك” الإلكتروني التفاعلي؛ تنفيذا لعودة السياحة العلاجية، ولتنظيم العملية اللوجستية المرتبطة بالسياحة العلاجية.

رئيس جمعية المستشفيات الخاصة فوزي الحموري قال إن المستشفى الذي يرغب باستقبال طالبي العلاج يجب عليه تفريغ طابق كامل لاستقبالهم. وأضاف الحموري أن المستشفيات الخاصة في الأردن 67 مستشفى بينما من حقق الشروط للسياحة العلاجية 20 مسشتفى قابلة للزيادة وبسعة اجمالية 3 آلاف سرير، يخصص منها نحو 500 سرير يمكن زيادتها حسب الحاجة.

والجدير ذكره أن نسبة الإشغال الإستشفائي قبل استئناف السياحة العلاجية كانت أقل من 50%. وأن المستشفيات الخاصة في الأردن خالية من الكورونا وفق القيمين عليها وتأكيد السلطات المختصة. ويجري استقبال المرضى عن طريق المطارات أو المعابر البرية من خلال سيارات مخصصة للمستشفيات، وكادر يتخذ الاجراءات الوقائية المطلوبة منه. كما إن شرم الشيخ لديها اتفاقيات توأمة مع 15 مدينة حول العالم، وقد ناقش محافظ جنوب سيناء مع بريطانيا وبلغاريا في العام الماضي سبل دفع التعاون في هذا الصدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى