المستشفيات خضراء
المستشفيات خضراء
تحوّل عالمي ومنافع للمستشفى والمرضى والبيئة
بحسب الدراسات فإن المستشفى الواحد يستهلك من الطاقة بالقدر الذي تستهلكه مدينة صغيرة. كذلك ما يصدر عنه من نفايات طبية يوازي أو يزيد بتعريضه البيئة للتلوث، بمقدار ما يصدر عن شارع أو منطقة. من هنا أهمية السعي القائم من قِبَل إدارات المستشفيات لتحويلها إلى مراكز خضراء صديقة للبيئة، مع ما يستلزم ذلك من تغيير على مستوى أساليب العمل والتجهيزات والخدمات وحتى محيط المستشفى. فالمرافق الطبية تعمل على مدار الساعة لتقديم رعاية ممتازة للمرضى. وسابقاً كانت حماية البيئة ذات دور ثانوي في هذا المجال، حيث غالباً ما تكون معايير السلامة والصحة العالية غير متوافقة مع الاستخدام الأمثل للموارد. لكن مع تقدم مفهوم حماية البيئة سارعت المستشفيات إلى التحوّل بحيث باتت من أبرز القطاعات على هذا الصعيد. وقد حلّ مثلاً مستشفى صن شاين كوست الجامعي في أستراليا رابعاً بين أفضل 6 مباني خضراء حول العالم. ولأنه ثبت أن الإستدامة البيئية ممكنة ومفيدة فلنسرّع عملية الإنتقال إلى المستشفيات الخضراء.
أظهرت الدراسات أن صناعة الرعاية الصحية العالمية مسؤولة عن 4.4 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام. وهذا الرقم أعلى من انبعاثات الغاز من حركتي الطيران والشحن. ويستخدم مستشفى واحد في المتوسط 5000 ليتر من المياه يومياً، وينتج عشرات الكيلوغرامات من النفايات الخطرة جزئيًا. صحيح أن الكثير من هذا الاستهلاك لا مفر منه للالتزام بمقتضيات النظافة وضمان سلامة المرضى وتأمين الخدمات الصحية الكاملة لهم. لكن لا بد من ترشيده وتحويله بحيث يصبح أكثر حماية للبيئة وأقل تكلفة على المنشأة الصحية. قد تتلوث المحاقن البلاستيكية مثلاً أو الأنابيب أو الإبر بالمواد الكيميائية أو المواد البيولوجية بعد الاستخدام، ولهذا السبب يتم التخلص منها ولا يمكن إعادة تدويرها. وهذا الأمر ينطبق على العديد من النفايات الصحية، لذلك لا بد من إدارة سليمة لأداء أفضل وحماية أكبر، وهذا لا يتم إلا عبر تحوّل المستشفيات التقليدية إلى مستشفيات خضراء صديقة للبيئة.
فمخلفات الرعاية الصحية تحتوي على كائنات مجهرية قد تكون مضرّة ويمكنها نقل العدوى إلى المرضى في المستشفيات والعاملين الصحيين وعامة الناس. وقد تشمل المخاطر المحتملة الأخرى انتشار كائنات مجهرية مقاومة للأدوية من مرافق الرعاية الصحية إلى البيئة. ويقدر عدد الحقن المعطاة في العالم كل عام بما يصل إلى 16 مليار حقنة. ولا يتم التخلص بصورة مأمونة من كل الإبر والمحاقن، الأمر الذي ينطوي على مخاطر الجروح والعدوى واحتمالات إعادة استعمال الإبر والمحاقن، خصوصاً في بعض الدول النامية.
وقد انخفض معدل الحَقْن بالإبر والمحاقن الملوثة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل انخفاضاً كبيراً في السنوات الأخيرة لأسباب منها الجهود التي بُذلت من أجل الحد من إعادة استعمال أدوات الحقن. وبالرغم من هذا التقدم كانت الحقن غير المأمونة لا تزال تتسبب في 33 ألفاً و800 حالة عدوى بفيروس نقص المناعة البشري، و1.7 مليون حالة عدوى بالتهاب الكبدB ، و315 ألف حالة عدوى بالتهاب الكبد C1.
من هنا أهمية إنتقال المستشفيات إلى صديقة للبيئة، بغية توفير الحلول الصحية والإقتصادية لمعضلات الإستخدام والنفايات وغيرها. وبالنظر إلى نِسَب ما تستهلكه المستشفيات من موارد أو ما تنتجه من مخلفات يتبيّن إلحاح انتقالها إلى ضفة المباني الخضراء.
فمثلاً، تبلغ نسبة المخلفات غير الخطرة عموماً في المستشفيات 85 بالمئة من الكم الإجمالي لمخلفات أنشطة الرعاية الصحية. وتُعتبر النسبة المتبقية البالغة 15 بالمئة مواد خطرة يمكن أن تنقل العدوى أو أن تكون سامة أو مشعة. ويقدر عدد الحقن التي تعطى كل عام بنحو 16 مليار حقنة في جميع أنحاء العالم، وهي لا يتم التخلص منها بالطريقة السليمة بعد استعمالها. ويتم في بعض الأحيان حرق مخلفات الرعاية الصحية، وربما تنتج عن هذا الحرق انبعاثات في شكل ديوكسينات وفيورانات وغير ذلك من ملوثات الهواء السامة.
وعليه، يرى الخبراء أنه يجب على المؤسسة التي تقدم العلاج لتحسين الصحة، أن تأخذ بالاعتبار العوامل التي لها تأثير سلبي على المرضى، أي العوامل البيئية. وتدرك المستشفيات الخضراء تماماً أهمية العلاقة بين صحة الإنسان والبيئة. ولذلك فقد بدأ المزيد والمزيد من مديري المستشفيات في إشراك المهندسين المعماريين في عملية دمج المفاهيم الخضراء في تصميم المستشفى. ووفقًا لتقرير صادر عنSBI Energy ، ستشهد تجديدات المباني الخضراء زيادة كبيرة حتى العام 2030 وتزداد وتيرتها تسارعا حتى العام 2050.
مبادرات المستشفيات الخضراء
في مركز الرعاية الصحية النموذجي، تمثل الإضاءة وتسخين المياه وتدفئة المساحات أكثر من 65 بالمئة من استهلاك الطاقة. لذلك، لا يزال من الضروري عند بناء مرافق الرعاية الصحية، تضمين دمج التصاميم والمفاهيم الخضراء في عملية البناء والتجهيز لتقليل التأثير على البيئة، وخفض التكاليف التشغيلية، وزيادة كفاءة الطاقة.
ولطالما تعاونت إدارات المستشفيات مع المصممين والمهندسين المعماريين وشركات البناء لتحقيق الريادة في تصاميم توفير الطاقة وحماية البيئة. وهذا نظام تم تطويره من قبل مجلس المباني الخضراء في الولايات المتحدة لتصنيف أي مبنى واعتماده على أنه “أخضر” استنادًا إلى التصميم والبناء وعمليات التشغيل. فعلى سبيل المثال، بدأ مركز كاليفورنيا باسيفيك الطبي (CPMC) العديد من ميزات التصميم لتحقيق بيئة عمل خضراء. إحدى هذه الميزات هي استخدام نظام حنفيات المياه المنخفضة التدفق، في محاولة لتوفير ثلاثة ملايين جالون من المياه كل عام لولاية كاليفورنيا، والتي قال العديد من الخبراء إنها قد تتعرض لفترة طويلة من الجفاف.
ولدى CPMC أيضًا مبادرة تصميم لتجميع مياه الأمطار من الأسطح واستخدامها لري الحدائق والمسطحات الخضراء، وهو إجراء، كما يقولون، سيوفر 180 ألف جالون من المياه الصالحة للشرب كل عام. بالإضافة إلى ذلك، سيتم استخدام مياه الأمطار المجمّعة أيضًا لتشغيل أبراج التبريد التي يستخدمها المستشفى لنظام تكييف الهواء الخاص به.
ومن أجل زيادة كفاءة الطاقة، نفذت CPMC عددًا من مبادرات التصميم الأخضر لتحقيق استهلاك الطاقة بمستوى أقل بنسبة 14 بالمئة من متوسط استهلاك المستشفيات في الولايات المتحدة. وتتضمن بعض ميزات التصميم هذه استخدام نوافذ عالية الكفاءة، وأسقف فائقة العزل، واستخدام أجهزة استشعار تعمل تلقائيًا على إطفاء الأنوار أو تشغيلها في الغرفة اعتمادًا على ما إذا كانت مشغولة. بالإضافة إلى ذلك، تمت إعادة تصميم غرف المرضى للسماح بمزيد من التعرض للضوء الطبيعي والتهوئة.
فوائد المباني الصديقة للبيئة
في الإتحاد الأوروبي، يرتكز هذا التحوّل إلى توفير الموارد الطبيعية وحماية البيئة، على مبدأ أن المباني تُعدّ مسؤولة عن نحو 40 بالمئة من استهلاك الطاقة في الاتحاد، و36 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن استهلاك الطاقة. ولكن 1 بالمئة فقط من المباني تخضع لعملية تجديد تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة كل عام. وأن المستشفيات تأتي على رأس قائمة المباني الواجب العمل على تحويلها إلى صديقة للبيئة، نظرا إلى ما تحمله نفايات المستشفيات من مواد خطرة على البيئة وإلى ما يمكن أن يوفره التحول إلى مبانٍ خضراء من منافع صحية واقتصادية واجتماعية.
ومن أجل تحقيق الهدف الأوروبي في خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55 بالمئة على الأقل بحلول العام 2030، رأي القيمون على الأمر أنه يجب تقليل الإنبعاثات في المباني بنسبة 60 بالمئة، وخفض استهلاكها من الطاقة بمعدل 14 بالمئة. كما يجب خفض الطاقة المستخدمة في التدفئة والتبريد بنسبة 18 بالمئة.
وبفضل السياسة الأوروبية وتوفير التمويل، باتت المباني الجديدة تستهلك نصف الطاقة التي كانت تستهلكها الأبنية التي شُيّدت قبل 20 عاماً. ولكن 85 بالمئة من الأبنية القائمة حالياً في الاتحاد الأوروبي، وهي تبلغ حوالى 220 مليون مبنى، جرى تشييدها قبل سنة 2001. ومن المتوقع أن يبقى نحو 85 إلى 95 بالمئة منها قائماً حتى سنة 2050. من أجل ذلك، يعمل الاتحاد على دعم ما يصفه بـ”موجة تجديد المباني”، لتصبح أكثر انسجاماً مع المعايير البيئية، ولإيجاد فرص عمل جديدة، وتحسين نوعية الحياة.
وتتوقع المفوضية أن يؤدي تطبيق هذه الاستراتيجية إلى تحسين نوعية حياة الأشخاص الذين يعيشون ضمن المباني المجدّدة أو يستخدمونها، خصوصا في المستشفيات، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في أوروبا، وتعزيز الرقمنة وإعادة استخدام المواد وتدويرها. وترى المفوضية أنه بحلول العام 2030 يكون قد تمّ تجديد 35 مليون مبنى وخلق ما يصل إلى 160 ألف فرصة عمل خضراء إضافية في قطاع البناء. وستعطي هذه الاستراتيجية الأولوية للعمل في تجديد المباني العامة كالمستشفيات والمدارس والمباني الإدارية.
يقوم مجلس المباني الخضراء العالمي بتجميع فوائد المباني الخضراء في ثلاثة – الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية. ووفقًا لتقرير صادر عن المجلس، أدت المباني الخضراء في أستراليا التي حصلت على “شهادة النجمة الخضراء” من قبل المجلس المباني الخضراء الأسترالي إلى انخفاض بنسبة 62 بالمئة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مقارنة بالمبنى الأسترالي العادي. وتَبيّنَ أنه على المستوى العالمي، ستوفر المباني الخضراء ما يصل إلى 84 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2050.
يوفر البناء الأخضر أيضًا الكثير من الفوائد الاقتصادية على مستوى العالم وعلى مستوى الدولة وعلى مستوى البناء. تشمل بعض الفوائد توفير التكاليف على فواتير المرافق، وانخفاض تكاليف التشغيل، وارتفاع قيمة العقارات لمطوري العقارات، وخلق فرص العمل. وعلى هذا الصعيد، يلاحظ مالكو المباني، كما ورد في تقرير صادر عن Dodge Data & Analytics ، أن المباني الخضراء – سواء تم تشييدها حديثًا أو قديمة وتمّ تجديدها – أدت إلى زيادة بنسبة 7 بالمئة في قيمة الأصول مقارنة بالمباني التقليدية غير الخضراء.
أما من الناحية الاجتماعية، فيقدِّم المبنى الأخضر عددًا من الفوائد لشاغليه. وقد أظهرت الدراسات أن العاملين في المباني الخضراء أبلغوا عن تحسن بنسبة 101 بالمئة في الدرجات المعرفية. بالإضافة إلى ذلك، أفاد الموظفون في المباني الخضراء ذات المكاتب جيدة التهوئة أنهم ينامون بمعدل 46 دقيقة إضافية كل ليلة. وهذا ما أفاد به أيضاّ المرضى المنوّمون في المستشفيات، ملاحظين انعكاس هذه الميزات في المستشفيات الصديقة للبيئة على راحتهم النفسية والبدنية. كما أفاد نحو 55 بالمئة منهم أنهم على استعداد لدفع فاتورة أعلى في مستشفى صديق للبيئة نظراً لما يؤمنه لهم من امتيازات.
نجاحات وأمثلة من العالم
هنا يجدر السؤال عن الطرق التي يمكن أن تصبح فيها المستشفيات صديقة للبيئة؟ وما هي العقبات التي تعترض ذلك بغية العمل على تذليلها؟
بداية ولناحية هدف المستشفيات الخضراء، يرى الخبراء أنه “يجب أن يكون المستشفى الأخضر مستدامًا أينما كان هناك استخدام للموارد”. وأن الخطوة الأولى التي يجب اتباعها في مسار التحوّل إلى مستشفى أخضر، تتمثل في السعي لتحسين كفاءة الطاقة والتحوّل إلى الطاقة المتجددة مثل التكنولوجيا الكهروضوئية. ويعد العزل الموفّر للطاقة وأنظمة التدفئة الأكثر كفاءة طريقة أخرى لتوفير الطاقة. ويعتبر التعامل مع استهلاك المياه جانبًا مهمًا آخر من جوانب المستشفيات الخضراء. فالتقليل الناجح لاستخدام للمياه يعتمد بشكل أساسي على تغيير جميع مستخدمي المياه في المستشفى لعاداتهم. حتى التغييرات البسيطة في هيكل المبنى يمكن أن تؤدي إلى تأثير سريع وكبير.
من ناحية أخرى، تعد إدارة نفايات المستشفيات جانبًا آخر مليئًا بالتحديات. الفكرة هي تقليل النفايات في شكل عام، والنفايات الخطرة خصوصاً. والتعامل مع النفايات القابلة لإعادة التدوير فيستفاد منها في وجهات أخرى بدل أن تكون عبئاً على المستشفى. فيتم مثلا تحويل أصناف من النفايات المتولدة إلى سماد كلما أمكن ذلك. فبالنسبة إلى المستشفيات، يعني هذا السلوك تحقيق توازن دقيق بين حماية البيئة ومتطلبات النظافة وتأمين الخدمة الأفضل للمريض ولطاقم العاملين في المستشفى.
فالمستشفيات الخضراء تركز على إنشاء عمليات وأساليب مستدامة ناجحة على المدى الطويل. وهذا يشمل أيضًا الخدمات اللوجستية. فاستراتيجيات التسليم المثلى بما في ذلك الجداول الزمنية المحسنة للطلب والتسليم وتجنب عمليات النقل غير الضرورية، تساعد في تنفيذ هذه الإستراتيجية. ويتيح ذلك للمستشفيات توفير المواد وتجنب النفايات وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. كما تشمل تدابير المستشفى الأخضر أيضًا استخدام مواد البناء الصديقة للبيئة وتقليل استهلاك اللحوم من خلال إدخال يوم بلا لحوم مرة في الأسبوع.
“لا يتعلق الأمر فقط بالاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية”، كما تقول الخبيرة شونهايت مولر من Klinikum Lichtenfels. وتشرح: “من وجهة نظري، لا يزال الموظفون ومعرفتهم ودوافعهم تمثل الأصول الأكثر قيمة، لأن التزامهم يدفع جودة الرعاية الصحية قدماً. وكما هي الحال مع جميع الموارد القيّمة الأخرى، يساعد المستشفى الأخضر في إراحة الموظفين وجذبهم وحيازة الكفاءات ما يرفع من مستوى العمل والخدمة الصحيّة للمرضى ولمحيط المستشفى”.
تكمن أهمية المستشفى الأخضر، في أن العناية برفاهية البيئة لا تقل قدراً عن الحرص على سلامة المرضى. وفي هذا الإطار تُعتبَر مستشفى Lichtenfels مثالاً على أفضل الممارسات في ألمانيا. وكان قد تم افتتاحه في صيف العام 2018 بعد تسع سنوات من التخطيط والبناء. وعَمِلَ المصمّمون على تحسين غلاف المبنى الخاص بالمستشفى من خلال نظام نوافذ ثلاثي الزجاج، واستخدام استرداد الحرارة، والطاقة الحرارية الأرضية، والحرارة الشمسية، والغاز الحيوي، والكهرباء الخضراء، وتكامل الخلايا الكهروضوئية. وقد تُرجِمَ ذلك إلى انخفاض بنسبة 75 بالمئة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وانخفاض بنسبة 60 بالمئة في استخدام الطاقة بفضل إدخال إضاءة OLED وذلك من بين تدابير أخرى.
وهكذا وفّرت مبادرة المستشفى الأخضر في بايرن (مبادرة المستشفى البافارية الخضراء)، نموذجاً ناجحاً وخارطة طريق محددة للتدابير التي يجب على المستشفيات اتخاذها. وبعد استيفائه الشروط المطلوبة واعتماده كل المعايير البيئة بنجاح، حصل مستشفى بافاريا على لقب “المستشفى الأخضر في بفاريا”. ويشارك الاتحاد الألماني للبيئة والحفاظ على الطبيعة BUND في مشاريع حماية المناخ في المستشفيات في جميع أنحاء ألمانيا ويدعمها في إدارة المستشفيات الخضراء. ويمنح ما يسمى بعلامة “مستشفى توفير الطاقة” للمستشفى الذي يلتزم بالشروط البيئية المطلوبة. وكان مستشفى Hubertus Protestant Hospital في برلين أول مستشفى في ألمانيا يحصل على هذه العلامة. فهو خفض استهلاكه للطاقة بنسبة 37 بالمئة وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 2600 طن. ويعد BUND أيضًا المشارك الألماني الوحيد في التحدي المناخي للرعاية الصحية التابع لمبادرة “الرعاية الصحية بدون ضرر” العالمية، والتي تهدف إلى تقليل البصمة البيئية للمستشفيات.
المستشفيات الخضراء: العوائق والمنافع
ثمّة عقبة أساسية كانت تشكل سابقاً سبباً يعيق انتقال المستشفيات إلى خضراء قبل أن يكتشف أصحاب العلاقة أنها وهمية ولا يمكن اغعتداد بها لعدم تحويل المستشفيات إلى صدديقة للبيئة. وتمثّلت تلك الفكرة باعتبار التدابير التي تعزز الاستدامة باهظة الثمن في البداية، في حين أن آثارها على رعاية المرضى قد لا تظهر على الفور. وظهرت المشتريات المركزية كواحدة من أكبر العقبات التي تحول دون النجاح في هذا المجال. فكان يتم إعطاء الأفضلية للموردين الأقل تكلفة، على الرغم من أن المورد الإقليمي أو المحلي هو خيار أكثر استدامة. بصرف النظر عن ذلك، يجب أن تكون المستشفيات والعيادات مفتوحة على مدار الساعة ولا يمكن إغلاقها بسهولة للتجديدات.
من هنا كانت الحلول المبتكرة والمساعدة في التخطيط والتمويل والتنفيذ، ضرورية للتغلب على هذه الحواجز. يضاف إلى المتطلبات الأساسية للتغييرات المستدامة، مسألة التحوّل العقلي وتغيير العادات. فيجب مثلاً أن تكون هناك دائمًا جهود مستمرة لتثقيف وزيادة الوعي بحقيقة أن للمستشفيات الخضراء أيضًا تأثير إيجابي وفوائد ملحوظة على كل من صحة المرضى والموظفين ورضاهم. علاوة على ذلك، يمكن للتحسينات الذكية في استهلاك الطاقة أن تقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحافظ على انخفاض تكاليف الطاقة، والذي يصل إلى حوالى 1700 دولار أميركي في السنة لكل سرير. وطبعاً هذا يعزز كلا من النجاح الاقتصادي والاستدامة البيئية. وبصرف النظر عن التعليم والتوعية، نحتاج أيضًا إلى التزامات قانونية رسمية لتحقيق التنفيذ الشامل للاستراتيجيات المستدامة في أماكن الرعاية الصحية.
أما أبرز مظاهر التحول إلى مستشفى خضراء فيتجلّى بما يلي:
الإعتماد على التوريد المحلي:
تقدم كافيتريات المستشفيات الكثير من الطعام كل يوم. يمكن أن يكون لمصدر هذا الطعام تأثير كبير على الأثر البيئي للمستشفى. وبناءً عليه، يمكن للمستشفيات التعاقد مع منظمات شراء جماعية واستخدام المزيد من المنتجات الطازجة المزروعة محليًا، مما يقلل من المحروقات المستخدمة في شحن وتبريد الأطعمة المطلوبة من مواقع بعيدة. كما يمكن للمستشفيات أيضًا العمل مع شركة سماد محلية للتخلص من نفايات الطعام التي ستستخدمها المزارع المحلية لاحقًا كسماد. والمعلوم أن 70 بالمئة من نفايات المستشفيات غير الطبية يمكن إعادة تدويرها.
الحفاظ على المياه وترشيد استهلاكها:
هناك نموذج ساطع في إمكانية ومقدار توفير المياه عند ترشيد الإستهلاك منها ما أثبته مركز فيرجينيا ماسون الطبي في سياتل، وهو مستشفى غير ربحي تمكّن من توفير أكثر من ستة ملايين جالون من المياه سنويًا عن طريق إجراء العديد من التغييرات. فقد استبدل المستشفى أجهزة العلاج الإشعاعي بنماذج أفضل، واستبدال المراحيض والحنفيات وطرق الاستحمام والغسالات ببدائل أكثر كفاءة.
اساليب علمية لاستهلاك طاقة أقل:
على سبيل المثال، وفر مستشفى Greenwich في ولاية كونيتيكت أكثر من 1.7 مليون كيلوواط / ساعة، مما أدى إلى خفض تكاليف الكهرباء بمقدار 303 آلاف دولار سنويًا. وخفض استهلاكها الإجمالي للطاقة بنسبة 35 بالمائة. وأعاد المستشفى برمجة محطات التدفئة والتبريد الخاصة به، كما أعاد هندسة أنظمة التهوئة، وقام بتحديث المصابيح الكهربائية، ما أمكنه من تحقيق هذا الوفر الذي يمكن تحقيقه في أي مستشفى.
الطرق الأفضل للتخلص من النفايات:
تنتج المستشفيات الأميركية مثلاً أكثر من 5.9 مليون طن من النفايات سنويًا، وفقًا لـ Practice Greenhealth. والتحدي الكبير الذي يواجه المستشفيات هو تنوع النفايات التي تنتجها، مما يجعل التخلص الصديق للبيئة أمرًا متعبًا. على سبيل المثال، يجب على المنظمات تطهير النفايات الطبية قبل أن تذهب إلى مكب النفايات لضمان عدم وجود تلوث بيئي. في حين أن طرق التطهير، مثل الحرق، تستهلك الكثير من الطاقة ومعروفة بإطلاق انبعاثات ضارة، يمكن أن تختلف العمليات مثل التعقيم والمعالجة الكيميائية والميكروويف على نطاق واسع في لتكون صديقة للبيئة.
الإنتباه إلى سلامة المشتريات:
هناك العديد من تجهيزات المتستشفيات يمكن أن تدخل في صناعتها مواد مضرة للبيئة. ومن تلك التجهيزات: شاشات LCD ، ومصابيح الفلورسنت، ووسائد الكراسي المتحركة، وزجاجات الأطفال. فهذه المنتجات وسواها يمكن أن تحتوي على مواد كيميائية خطرة إذا تم شراؤها من جهة تصنيع خاطئة. ولذلك يقترح الخبراء أن تفكر المستشفيات في المنتجات التي تشتريها وأن تعيد تدوير السلع السامة مثل البطاريات بشكل صحيح.
في المحصّلة أثبتت الدراسات أن تحول المباني عموماً والمستشفيات على وجه التحديد إلى مراكز صديقة للبيئة، يعود في المنفعة عليها في نواح عديدة ومفيدة، وليس فقط على البيئة أو المحيط القائمة ضمنه. والمسألة لا تتطلب تكاليف مهدورة كما كان الإعتقاد سائداً في ما مضى، بل هي ذات مردود إقتصادي يُعتد به. فالوفر المحقق من التحول إلى مستشفى أخضر يمكن استخدامه في تحسين الخدمة وزيادة الأرباح، أو زيادة الإستثمار. لكن العامل الأساسي في عملية التحوّل هو إدراك أهميتها منطقياً وتقدير جدواها عملياً ومادياً وبيئياً، وبعد ذلك فكل المراحل اللاحقة تصبح بمثابة تفاصيل، أما النتائج فلا تقدّر بثمن.