تكنولوجيا

التحفيز العميق للدماغ

التحفيز العميق للدماغ

مرضى داء باركنسون أكثر المستفيدين

التحفيز العميق للدماغ  Deep Brain Stimulation  «DBS» هو عبارة عن جهاز يُزرع في الدماغ عن طريق التدخل الجراحي لعلاج بعض الأمراض العصبية أو التخفيف من الأعراض المصاحبة لها؛ على المريض أن يعرف بداية أن هذه التقنية لا توفر العلاج النهائي للحالة المرضية بل تسهم في السيطرة على أعراض المرض قدر المستطاع، على أن يتم اختيار المرضى الذين يمكن أن يتجاوبوا مع هذه التقنية بدقة من قبل فريق من الأطباء المتخصصين.

يتم زرع جهاز طبي يقوم بإيصال نبضات كهربائية لأجزاء معينة من المخ، بحيث تنطوي هذه العملية على زرع قطبين كهربائيين داخل المخ، يتم توصيلهما بجهاز مولد النبض الكهربائي أو المحفّز العصبي، وهو جهاز صغير يشبه جهاز تنظيم ضربات القلب، يحتوي على بطارية ومكوّنات إلكترونية، يتم زرعه تحت الجلد في أعلى الصدر أو في منطقة البطن، ويقوم بتوليد النبضات الكهربائية اللازمة للتحفيز.

غالبا ما تستغرق العملية حوالي خمس الى ست ساعات، يتم خلالها عمل فتحة في الدماغ لإدخال جهاز التحفيز؛ وبعد تحديد موضع الدماغ المراد تحفيزه يتم زرع الجهاز فيه من دون أن يشعر المريض بالألم. بعد زرع الجهاز في الدماغ يتم تثبيت جهاز التحكم به تحت الجلد إما في اليد أو في الترقوة ويتم توصيل كابل تحت الجلد بين جهاز التحكم وجهاز التحفيز العميق للدماغ.

من المهم الإشارة الى أن التحفيز العميق للدماغ لا يعتبر علاجا نهائيا للمرض ولكنه يساعد في تخفيف الأعراض. فالأقطاب الكهربائية تقوم بعد ذلك بتنظيم نشاط الدماغ عن طريق إرسال إشارات كهربائية إلى المِهاد، وهي منطقة صغيرة في قاعدة الدماغ، تتسبب بالرعشة والتصلب والحركة البطيئة لدى مرضى باركنسون. تُستخدم هذه التقنية في الحالات المرضية لمرضى باركنسون الذين لم يظهروا أي استجابة للعلاج ويصابون بنوبات شديدة من الرعشات؛ تعتبر تقنية التحفيز العميق للدماغ أحد الطرق العلاجية المتبعة التي تسيطر على مثل هذه الحالات وتعيد ضبطها. كما تُستخدم لعلاج نوبات الصرع لتحد من تواترها وتسيطر عليها. 

مرضى باركنسون يستفيدون من هذه التقنية، حيث يفسد هذا المرض حياة المريض ويقلبها رأسًا على عقب كونه من الأمراض التي تستمر طويلا وتزداد سوءا مع التقدم في العمر مع استمرار تناول العلاج الدوائي. تقنية التحفيز العميق للدماغ تهدف الى جعل حياة هؤلاء المرضى أكثر سهولة بحيث يتمكنوا من القيام بالأنشطة اليومية من خلال منحهم المساندة بتنشيط كهربائي للتكوينات العميقة داخل الرأس والتي تكفل التوافق والتنسيق للحركة بزرع بطارية التحفيز الدماغي.

بعد أن يحدد طبيب المخ والأعصاب وجراح الدماغ طبيعة الحالة المرضية من خلال تقييم عام يشمل احتياجات المريض ومشاكل الحركة التي نتجت لديه جراء مرض باركنسون والتاريخ العائلي والوسائل العلاجية التي يخضع لها، يحددون ما إذا كان وضعه مناسبا لهذه العملية ام لا.

يقوم الطبيب المختص بوضع مخدر موضعي لتثبيت الإطار المستخدم على رأس المريض وتؤخذ الصور التنظيرية بالرنين المغناطيسي والأشـعّـة المقطعية على أن يتم تحليلها بهدف تحديد النقاط المستهدفة التي ستوضع فيها أقطاب البطارية. 

بعدها يتم أخذ المريض لغرفة العمليات ويتلقى تخديرا خفيفا كي يضمن أن لا يشعر بالألم خلال العملية، ويتم تعيين الموضع المستهدف المعلوم الذي سيتم مباشرة العمل منه على الجلد، كما يتم تحضير المـنـطِـقـة التي سيعبر من خلالها أسلاك الأقطاب أو مسرى موصل التـحفـِيز. يتم وضع أسلاك موصلات الأقطاب للنقاط المستهدفة، ثم بعد هذه المرحلة يتم تخدير المريض تماما بالتخدير العمومي وتزرع البطارية تحت الجلد مباشرة تحت عظمة الترقوة ويتم تمديد أسلاك من هذة البطارية لداخل الرأس.

العلاج بواسطة التحفيز العميق للدماغ أظهر تحسنًا ملموسًا في حركة المريض وقدرته على استعادة نشاطه، حيث شهد المرضى الذين يعانون من اعتلال باركنسون معدّل زيادة في فترات الوظيفة الحركية الجيدة وتخفيف حدة الأعراض. في بداية الأمر، وبعد إجراء العملية، على الطبيب أن يقوم ببرمجة جهاز المحفز الكهربائي على أن يزيد من عيار التحفيز بشكل تدريجي ويتم التحكم في الأعراض في نهاية المطاف؛ يقوم الطبيب بهذه الخطوة باستخدام جهاز لاسلكي. قد يحتاج الأمر الى برمجة الجهاز مرة او مرتين في الشهر، ويخف الأمر تدريجيًا ليصل الى أربع مرات في السنة.

الصرع

التحفيز العميق للدماغ هي خيار علاجي آخر لمرض الصرع لاسيما عند حدوث نوبات متكررة لا يمكن السيطرة عليها. يتم اختيار هذا العلاج بحسب نوع النوبات التي تصيب مريض الصرع ومدى تجاوبه مع الادوية وعمره وغيرها. يتم تركيب أقطاب كهربائية داخل نويات عميقة في الدماغ لتحفيزها على التخفيف من حدة الصرع، حيث تبيّن أن التحفيز الكهربائي لهذه النويات يساعد في تخفيف نوبة الصرع. الصرع هو إختلال عصبي ناتج عن إضطراب الشحنات الكهربائية في خلايا المخ، فتتحرك تلك الشحنات المضطربة إلى جزء معين من الدماغ وتقوم بتنشيط الأجزاء المجاورة الأخرى ما تسبب حالة الصرع. وفي حالات الصرع، يتم هذا الإجراء الجراحي لزرع أقطاب كهربائية متخصصة في الدماغ، ثم يتم زرع مولد إشارات كهربائية في الصدر، ويرسل المولد نبضات كهربائية إلى الدماغ للمساعدة في تقليل النوبات.

يمكن علاج نوبات الصرع كذلك بواسط تحفيز العصب الحائر، يلجأ اليها الأطباء عند فشل إجراء جراحة لإزالة البؤرة الصرعية من الدماغ نظرًا لوجود عدة بؤر. تحفيز العصب الحائر كهربائيًا يؤثر على أجزاء كثيرة من الدماغ بما في ذلك قشرة الدماغ وكهربائيته، وقد أظهرت التجارب أن تحفيز هذا العصب يسهم في تقليل الشحنات الكهربائية الصرعية، فيقلل بالتالي عدد نوبات الصرع وحّدتها.

يتكون جهاز تحفيز العصب الحائر من القطب الذي يوضع حول العصب الحائر في الرقبة في الجهة اليسرى يلتف حول العصب ويرتبط بسلك يمد تحت الجلد الى البطارية التي تزرع في منطقة تحت عظم الترقوة، ويتم زراعة الجهاز تحت التخدير العام ويستغرق وقت العملية حوالي الساعة.العلاج بتقنية تحفيز العصب الحائر يعتبر علاجًا مثاليًا للمرضى الذين لا يتجاوبون مع العلاجات الدوائية وتصل نسبتهم الى حوالى 30 بالمائة؛ الهدف هو السيطرة على النوبات من دون الآثار الجانبية التي تتركها الأدوية مثل الاكتئاب وزيادة الوزن وغيرها.

من المهم برمجة البطارية بين الحين من دون تدخل جراحي، حيث يقوم  الطبيب المعالج بضبط البطارية بشكل تدريجي لإيجاد الجرعة الملائمة للمريض وتوفير أعلى درجة من السيطرة على النوبات مع أقل قدر ممكن من الآثار الجانبية.

تجدر الإشارة الى أن الصرع هو اضطراب مزمن يصيب الدماغ، يتميز بنوبات متكررة هي عبارة عن نوبات وجيزة من الحركة اللاإرادية التي قد تخص جزءاً من الجسم (جزئية) أو الجسم كله (عامة)، ويصاحبها أحياناً فقدان الوعي والتحكم في وظائف الأمعاء أو المثانة. تنجم هذه النوبات عن فرط الشحنات الكهربائية التي تطلقها مجموعة من خلايا الدماغ، تنطلق هذه الشحنات من أجزاء مختلفة من الدماغ، وقد تتراوح النوبات بين غفلات الانتباه ونفضات العضلات الخاطفة وبين الاختلاجات الممتدة. كما أن النوبات قد تختلف من حيث مدى تواترها، من أقل من مرة واحدة في السنة إلى عدة مرات في اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى