زيادة الوزن والبدانة
زيادة الوزن والبدانة
حالة مرضية عالمية قابلة للوقاية
يعاني أكثر من 650 مليون شخص من السمنة في جميع أنحاء العالم، ومن المثبت علميا أن العلاقة بين السمنة والمضاعفات متداخلة، ومن الأمثلة على ذلك فإن حوالى 70 في المائة من حالات ارتفاع السكر في الدم تنتج عن السمنة، وكذلك تصلب الشرايين، والعقم، وارتفاع ضغط الدم. للأسف، فإن العادات الغذائية السيئة الآخذة بالانتشار في المجتمعات، مثل الوجبات السريعة والعادات الغذائية السيئة وعدم ممارسة أي نشاط بدني تسهم بشكل أساسي في الإصابة بالبدانة؛ ولدى بعض الحالات الأخرى يلعب العامل الوراثي دورا في الإصابة أيضا.
تجمع التقارير الطبية الحديثة على أن البدانة باتت اليوم واحدة من الأمراض المزمنة التي تحتاج الى تدبير طويل المدى في خطة علاجه انطلاقا من كونها مشكلة صحية معقدة ومتعددة العوامل منها الوراثية والنفسية والبيئية والفسيولوجية وترتبط كذلك بالكثير من العواقب الصحية. مؤشر كتلة الجسم BMI هو المقياس الأكثر انتشار لتحديد البدانة وقياسها (الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر). عندما يكون المؤشر ما بين 20 – 25 فهو طبيعي، اما اذا كانت النتيجة بين ما بين 25 إلى 30 فذلك يعني أن الشخص يعاني من زيادة في الوزن. والسمنة الزائدة من 30 إلى 40، والسمنة المفرطة من 40 إلى 50، أما إذا زادت كتلة الجسم إلى ما فوق الخمسين فالشخص المريض مصاب بالسمنة الخبيثة.
منظمة الصحة العالمية تعرّف زيادة الوزن والبدانة على أنها تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون، سببها الأساسي حصول اختلال توازن الطاقة بين السعرات الحرارية المستهلكة والسعرات الحرارية المتناولة. وينبغي للحكومات على جميع المستويات أن تعمل على معالجة مشكلة السمنة مثلما تفعل لمكافحة انتشار الأمراض المعدية أو لحماية السكان من مادة سامة في البيئة.
هناك ارتفاع كبير في حالات مرض السكر والسكتات الدماغية والنوبات القلبية مرتبطة بزيادة الوزن والبدانة في جميع أنحاء العالم، حيث كشفت بيانات جديدة في الآونة الأخيرة أن 2.1 مليار شخص أو حوالي 30% من سكان العالم يعتبرون الآن إما يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
ما هي أنواع السمنة
السمنة البسيطة
هي أكثر أنواع السمنة انتشارا على مستوى العالم، وهي الأقل خطورة على الصحة حيث ان الشخص في هذه الحالة بحاجة الى ان يفقد بضع كيلوغرامات تجعله في وضع صحي وجمالي أفضل.
في هذه الحالة، على المريض أن يتبع حمية غذائية تناسب حالته العامة بعد تحديد مؤشر كتلة الجسم لديه ومعرفة نسبة الدهون والماء والعضل في جسمه، يقوم أخصائي التغذية بوضع نظام غذائي متوازن؛ ومن الممكن تدعيم هذا النظام بالقيام ببعض التمارين الرياضية التي تزيد من نسبة حرق الدهون المتراكمة داخل الخلايا وعودتها الى الحجم الطبيعي. إن أهم ما في الأمر هو المتابعة الدورية مع الطبيب المعالج او أخصائي التغذية ليس فقط بهدف الوصول الى الوزن المثالي بل بهدف تثبيت هذا الوزن وعدم اكتساب اي كيلوغرام بعد ذلك، ما يعني أن هذا النظام الغذائي يجب ان يتحول الى نمط حياة يعيش عليه الشخص وإن اكتسب القليل من الكيلوغرامات عليه ان يسارع الى التخلص منها لكي لا يعود الى ما كان عليه.
السمنة المتوسطة
عندما تؤثر الكيلوغرامات الزائدة على المظهر الخارجي فيبدو بوضوح ان هذا الشخص يعاني من تشوهات في شكله الخارجي، فهو مصاب إذن بالسمنة المتوسطة. ينتج هذا النوع من السمنة بسبب خلل في توزيع الدهون في الجسم بشكل عام فتجدها تتمركز في مكان ما دون سواها الأرداف والفخذين لدى النساء والبطن لدى الرجال.
تلك هي السمنة المتوسطة او كما يُطلق عليها بـ”السمنة الموضعية” وسببها في الكثير من الحالات العوامل الوراثية. صحيح أنه يصعب التخلص منها بشكل نهائي، الا ان خسارة الوزن الزائد تؤدي الى التخفيف من تشوه المظهر الخارجي بشكل يسمح للمريض ان يشعر بالرضا بنسبة كبيرة؛ فالمرأة التي تعاني من نتوء الأرداف سرعان ما تتخلص من هذه المشكلة الجمالية مع خسارة الوزن الزائد لاسيما اذا عرفنا ان السبب الأساسي لزيادة الوزن في هذه الحالة هو الإفراط في تناول الدهون والسكريات لأنها هي التي تتمركز في مكان محدد في الجسم. خطورة هذا النوع من السمنة ليست فقط المظهر الخارجي المحرج بل ان الإهمال هو الأخطر لأنه سيؤدي الى زيادة إضافية في الوزن وبالتالي الوصول الى مرحلة السمنة المفرطة. علاج هذه الحالة يكون بداية عبر اتّباع نظام غذائي خاص يعمل على تكسير الدهون المتمركزة؛ إضافة الى اتّباع بعض التمارين الرياضية الخاصة والتي تتم تحت إشراف مدرب خاص يحدد التمارين المناسبة لإذابة الدهون. بعد خسارة جزء من الوزن الزائد، لا مانع من الخضوع الى بعض جلسات حقن الميزوثيرابي الموضعية التي تعمل على إذابة الدهون المتمركزة.
السمنة المفرطة
خطورة الإصابة بالأمراض التي تسببها السمنة يبدأ في هذه المرحلة بحيث يتعامل الأطباء مع هذه الحالة على أنها مرض فيه الكثير من الخطورة، لأنها يمكن ان تؤدي الى مشاكل في الركبة والعظام أو انقطاع التنفس أثناء النوم او أمراض القلب او السكري وارتفاع ضغط الدم أو الكوليسترول او السكتة الدماغية وصولا الى مرحلة قد يعاني فيها المريض من ضعف في الجهاز المناعي فيصبح عرضة للكثير من الأمراض الجرثومية والفيروسية.
هذه الحالة تحتاج إلى إشراف طبي لأن المريض قد يحتاج الى إجراء عملية جراحية لأن الحمية الغذائية وحدها لا تكفي، حيث ان الطبيب المتخصص فقط قادر على إجراء تقييم دقيق للحالة لوضع خارطة العلاج المناسبة لها.
أمراض تسببها السمنة
المخاطر الناجمة عن الاصابة بالسمنة حثّت منظمة الصحة العالمية على اعتبارها “وباء” ولكن هناك إمكانية معالجته والتخلص منه عبر خسارة الوزن الزائد وخفض معدل مؤشر كتلة الجسم. البدانة اليوم هي ضمن قائمة الأمراض المزمنة التي تستدعي العمل بجهد من أجل الحد من انتشارها والوقاية مما تسببه من أمراض. تبدأ بمشاكل في قدرة المريض على التحرك والمشي بعد التأثير السلبي على الركبة، ثم تظهر مشاكل في التنفس أثناء النوم والتي يمكن أن تؤدي بالتالي الى ارتفاع ضغط الدم وانقطاع النفس. من الأمراض والمخاطر الصحية التي يمكن أن يعاني منها الشخص البدين هي الإصابة بالسكري وهو من أخطر الأمراض لما يترتب عليه من مضاعفات تطال سائر اعضاء الجسم؛ كما ان الدهون الزائدة في الجسم تسبب الإصابة بالجلطات القلبية.
جاءت الدراسات الحديثة لتلقي الضوء على ما تسببه البدانة من تدهور وظائف الكلى، حيث تبين أن من يعاني السمنة المفرطة من البالغين يزيد خطر إصابته بضعف في وظائف الكلى بنحو ضعفين عن الشخص الذي لا يعاني من هذه الآفة.
السمنة كذلك تقف وراء الإصابة بداء السكري من النوع الثاني لأنها تؤدي الى زيادة مقاومة الأنسولين لاسيما في حال كانت السمنة متمركزة في منطقة البطن والخصر. بالإضافة الى ذلك، تساهم السمنة في إحداث بعض التغييرات الهرمونية تؤدي كذلك الى مقاومة الجسم للأنسولين. كما تدخل أمراض القلب ضمن دائرة الأمراض التي تسببها السمنة، وذلك لما تسببه من ارتفاع في معدل الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية وما ينتج عنها بالتالي من أمراض تؤثر على صحة القلب؛ تتمثل تلك المخاطر بسبب ما تفعله بالشرايين، حيث تسهم في زيادة نسب الدهون التي تختزن على جدار الشرايين ومن ثم يصاب الشخص البدين بأخطر أمراض القلب بالإضافة إلى زيادة خطر التعرض لجلطات القلب المدمرة والمفاجئة. يمكن أن يعاني الشخص البدين كذلك من اعتلال في الأعصاب، اضافة الى بعض الامراض التي تصيب الكلية، والضعف الجنسي. المريض يكون معرض إلى الإصابة بأمراض القلب التي تنتج عن زيادة نسبة الدهون في الجسم، والتي تنتج عن تناول نسبة كبيرة من الأطعمة التي تحتوي على السعرات الحرارية الزائدة، و يكون معرض إلى الآلام التي تصيب الظهر والدوالي في الساقين والإصابة بالإمساك ومشكلة عسر الهضم والصعوبة البالغة في التنفس وغيرها من الأمراض والمضاعفات الخطيرة التي تؤثر على صحة الإنسان.
آليات التخلص من السمنة
لا بد في البداية أن يقتنع الشخص بضرورة التخلص مما يعانيه من وزن زائد وما قد ينتج عنه من مخاطر ومضاعفات صحية، ليتوجه بعد ذلك الى الطبيب المختص فيتم تحديد حجم المشكلة وتحديد نوع البدانة؛ وعلى ضوئها يتم تحديد العلاج المناسب. ينتقل بعدها الطبيب الى مرحلة البحث عن الأسباب؛ صحيح أن نمط الحياة غير الصحي وتناول الكثير من الأطعمة له الدور الأساس، إلا أن الكثير من الحالات يعانون من أسباب مرضية فبعضها ناتج عن عوامل وراثية وهرمونية كالليبتين، وأحياناً أخرى عن اجتماع عوامل جينية، حيث تؤكد الدراسات الحديثة أن خمس جينات هي المسؤولة عن تنظيم الشهية. ومن الفحوصات التي يقوم بها هو فحص الهرمونات الذي يكشف وجود أي خلل فيها يسهم في الحد من قدرة المريض على خسارة الوزن، فيتم تحديد الخلل الحاصل الذي أسهم في حدوث زيادة الوزن وصعوبة خسارته للحفاظ على الوزن الصحي، بالإضافة الى سبب تباطؤ عملية الأيض وزيادة دهون الجسم.
الخطوة الأولى تكون دوما باتباع نمط غذائي صحي يرافقه برنامج رياضي يساهمان معا في الحد من زيادة الوزن؛ يحدد الطبيب المعالج او اخصائي التغذية نظاما غذائيا صحيا يتناسب مع جنس المريض وعمره ووزنه ونوعية النشاط الذي يقوم به، كما يحدد له برنامج منظم للنشاط والتمارين الرياضية على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً. إن أهم ما في ذلك هو عدم اليأس والاستسلام، فالشخص المصاب بالسمنة قد يفقد الأمل في خسارة الوزن. لكن، ما يجب أن يدركه الشخص في هذه الحالة أن ما يقوم به من خطوات هي سبيله نحو الوقاية من الامراض لاسيما المزمنة منها وفي مقدمتها مرض السكري، حيث أثبتت بعض الدراسات أن نمط الحياة الصحي كفيل في إبعاد شبح الأمراض المزمنة حتى في ظل وجود العامل الوراثي. ولعل هذا ما يؤكد أن نمط الحياة الصحي هو بالدرجة الأولى عامل وقاية.