النشاط البدني والسرطان… دراسات وتوجيهات لحياة أفضل
النشاط البدني والسرطان
دراسات وتوجيهات لحياة أفضل
بات ثابتًا لدى العلوم الطبية أن التمارين الرياضية ذات علاقة وثيقة بانخفاض مخاطر الإصابة بـ 13 نوعًا من السرطان. وينصح الأطباء بممارسة تمارين معينة ما ينشّط الدورة الدموية في الجسم وينظّم عمل الغدد ويحسّن وظائفها. الأمر الذي يساعد على تجنّب، أو التخفيف من آثار العديد من الأمراض بحسب مراحل الإصابة أو شدتها. طبعًا هذه المعلومة معروفة لدى الجميع ربما، ولكن في مفهومها العام من دون إدراك المنافع الجمة كلها التي تؤديها ممارسة التمارين الرياضية، لمرضى السرطان. ويعتقد الأطباء بأن العديد من الناس لا يعلمون مدى الأثر الإيجابي الذي تتركه الرياضة على المصابين أو من لديهم الإستعداد البدني أو الوراثي أو البيئي للإصابة. لذلك، تُقدِّم “المستشفى العربي” هذه المجموعة من الإضاءات على أهمية الرياضة بالنسبة للصحّة عموما ولا سيما لمرضى السرطان.
مما بات معلومًا لدى الجميع أن السرطان ليس مرضًا واحدًا له نوع واحد من العلاج. ففي الواقع، هناك أكثر من 200 نوع من السرطان تنطوي على نمو غير طبيعي للخلايا في أجزاء مختلفة من الجسم. وتشير التقديرات إلى أن 40% من جميع أنواع السرطان يمكن الوقاية منها باتباع نظام غذائي صحي وممارسة النشاط البدني والإمتناع عن التدخين. وهنا لا بد من التركيز على أهمية النشاط البدني للصحة. فالتمارين تكون مهمة جدًا عندما يتعلق الأمر بالسرطان: فهي تقلّل من خطر الإصابة من خلال المساعدة في التحكم بالوزن وتقليل الهرمونات الجنسية أو الأنسولين وتقوية جهاز المناعة؛ ويمكن أن تعزز نوعية الحياة قبل العلاج واثناءه وبعده، للتخلص من آثاره الجانبية المؤذية في بعض الحالات.
نتائج مفاجئة للخبراء
ربطت دراسة حديثة أجراها باحثون في الجمعية الأميركية للسرطان والمعهد الوطني الأميركي للسرطان، بين ممارسة الرياضة وانخفاض مخاطر الإصابة بـ 13 نوعًا محددًا من السرطان. وكانت دراسات عديدة سابقة حقّقت في الصلة بين النشاط البدني وخطر الإصابة بالسرطان، وجاءت النتائج غير حاسمة بالنسبة لمعظم أنواع السرطان، باستثناء سرطانات القولون والثدي وبطانة الرحم.
وتوصّلت الدراسة الأميركية، (التي شملت 1,4 مليون مشارك)، أن النشاط البدني في أوقات الفراغ أدّى إلى انخفاض ملحوظ ليس فقط في خطر الإصابة بهذه السرطانات الثلاثة، ولكن أيضًا بسرطان المريء وسرطان الكبد وسرطان المعدة وسرطان الكلى وسرطان الدم النخاعي… بالإضافة إلى ذلك، ارتبط النشاط البدني ارتباطًا وثيقًا بانخفاض خطر الإصابة بالورم النخاعي المتعدد وسرطان الدم، وكذلك سرطانات الرأس والرقبة والمستقيم والمثانة والرئة (لدى المدخنين الحاليين والسابقين). قد يبدو أمر ممارسة التمارين الرياضية صعبا للوهلة الأولى بالنسبة لمرضى السرطان.. لكن يقول الأطباء، “ليس عليك أن تكون عداء ماراثون حتى تعتبر نفسك نشيطًا بدنيًا. فالمشي بسرعة 3 أميال في الساعة (أو 20 دقيقة لكل ميل) يعتبر معتدلا نسبيا”. وتوصي جمعية السرطان الأميركية بأن يحصل البالغون على 150 دقيقة على الأقل من النشاط المعتدل الشدّة أو 75 دقيقة من النشاط العالي كل أسبوع. كما يمكن الوصول إلى مستويات النشاط الموصى بها بمجرد المشي في استراحة الغداء لمدة 30 دقيقة، 5 أيام في الأسبوع.
وتشير الدراسة إلى أن التمارين الرياضية مرتبطة بانخفاض مخاطر الإصابة بالسرطان، بغض النظر عن حجم الجسم. وتتمثل إحدى الطرق التي قد يقلل بها النشاط البدني من خطر الإصابة بالسرطان، عبر الحفاظ على الوزن. ومع ذلك، يتأثر العديد من العمليات البيولوجية الأخرى بالنشاط البدني المستقل عن وزن الجسم. على سبيل المثال، يرتبط النشاط البدني بانخفاض مستويات هرمون الاستروجين والأنسولين، وكلاهما قد يقلل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
وتعترف الدراسة بأن معدّيها لم يكونوا يتوقعون تقليل المخاطر إلى هذا الحد. فبعض الرياضات تقلل المخاطر بنسبة تصل إلى 20 في المئة. وكان لافتا اكتشافها التأثير الإيجابي للرياضة على 10 أنواع إضافية من السرطان، إلى جانب سرطانات القولون والثدي وبطانة الرحم، والتي قد تستفيد من النشاط البدني. وكان من المثير أيضًا أن نرى أن النتائج كانت قابلة للتعميم على نطاق واسع للأشخاص من جميع الأوزان وبغض النظر عن حالة التدخين (باستثناء سرطان الرئة). ويأمل المتخصصون والخبراء الصحيون في أن تحفز الرياضة الناس على أن يصبحوا نشيطين، سواء أكان ذلك في نزهة على الأقدام، أو السباحة، أو ركوب الدراجة، أو الركض، أو الرقص أو غير ذلك… ويقولون: إختر ما تحب أن تفعله ولكن كن نشيطًا. فكل الدراسات المجراة في هذا المجال تعزّز بشكل كبير قاعدة الأدلة التي تشير إلى أن النشاط البدني قد تكون له فائدة بعيدة المدى في الوقاية من السرطان. وتضيف أن على الإخصائيين الصحيين تشجيع جميع الأفراد على تبني أسلوب حياة نشط بدنيًا.
خارطة طريق لحياة أفضل
تؤكد الأبحاث أن ممارسة الرياضة آمنة ومفيدة لمعظم الناس قبل الإصابة بالسرطان وأثناء العلاج وبعده. وأكثر من ذلك قد يساعد النشاط البدني في التغلب على الآثار الجانبية للعلاج بالنسبة للمصابين، وربما يقلل من خطر الإصابة بسرطانات جديدة في المستقبل. ولذلك تحث العديد من فرق الرعاية الطبّية المتخصّصة مرضى السرطان على أن يكونوا نشطين بدنيًا قدر الإمكان قبل العلاج وأثناءه وبعده.
ويعطون أمثلة توضح للمرضى كيف يمكن لممارسة التمارين الرياضية بانتظام، أن تساعدهم في كل مراحل الإصابة والعلاج، وأهمها:
- مساعدة الجسم والعقل على العمل بشكل أفضل
- تقليل الشعور بالتعب الناتج عن المرض
- المساعدة في تقليل الاكتئاب والقلق
- المساعدة على النوم بشكل أفضل
- الحافظة على قدرة المريض الجسدية على إنجاز الأشياء أو تحسّنها
- تحسين قوة العضلات وصحة العظام ونطاق الحركة
- تقوية جهاز المناعة
- زيادة الشهية
- المساعدة في الوصول إلى وزن صحي والحفاظ عليه
- المساعدة في علاج الوذمة اللمفية المرتبطة بسرطان الثدي (والحدّ من خطر الإصابة به)
- تقليل فرصة عودة بعض أنواع السرطان
- تقليل الآثار الجانبية للعلاج
من جهتها تدعو جمعية السرطان الأميركية التي لديها دليل التغذية والنشاط البدني للناجين من الإصابة، إلى:
- تجنَّب الخمول والعودة إلى الأنشطة
- اليومية العادية في أسرع وقت ممكن بعد التشخيص والعلاج.
- شارك في نشاط بدني منتظم.
- إبدأ النشاط البدني ببطء وزد مقداره مع
- مرور الوقت.
- قم بنشاط معتدل لحوالى 150-300 دقيقة (أو 75-150 دقيقة من النشاط المرتفع) كل أسبوع.
طبعا هذه إرشادات عامة. ويمكن لأي مصاب أن يمارس أنواعًا أخرى من النشاط البدني المفيد إستنادًا إلى توجيهات طبيبه، أو الولوج إلى مصادر المعلومات الموثوقة في هذا المجال، بما في ذلك مقدار التمارين التي يجب أن يمارسها لعلاج آثار جانبية محددة متعلقة بالسرطان.
أهداف برنامج التمرين
يحقق برنامج التمارين الموصى به من قبل الأطباء، نتائج تُعتَبر مقبولة جدًا ومساعدة، سواء أكان ذلك قبل العلاج أو أثنائه أو بعده.
قبل العلاج:
تُظهر الأبحاث أن النشاط قد يقلّل قدر الإمكان من مضاعفات الجراحة، وقد يساعد ذلك في التعامل مع العلاج بشكل أفضل. أيضًا، قد يساعد النشاط البدني في التعامل مع الضيق والقلق، والحصول على مزيد من الطاقة، والنوم بشكل أفضل عند بدء العلاج. فاعتماد التمارين الرياضية قد يساعد في أن يصبح المصاب أكثر نشاطًا، أو أن يظل في المستوى الحالي من النشاط البدني قبل العلاج، ما يساعد في التكيّف مع مضاعفاته، أو التعافي منها بسهولة أكبر. يجد الكثير من الناس أنه عند بدء العلاج، قد تكون القدرة على النشاط أكثر صعوبة. لذا، فإن البدء في حالة بدنية أفضل يعني أنه يمكنك تحمل المزيد من النشاط أثناء العلاج وبعده.
أثناء العلاج:
يمكن أن تؤثر أوضاع أو حالات معينة على قدرة المريض على ممارسة الرياضة أثناء العلاج، مثل: نوع الإصابة ومرحلتها، أو علاج السرطان الخاص بالمريض، ومستوى قدرته على التحمّل والقوة واللياقة البدنية قبل العلاج وأثناءه.
ومن التوجيهات التي يشدِّد عليها الأطباء أنه إذا كان المريض يمارس الرياضة قبل العلاج، فقد يحتاج إلى ممارسة التمارين الرياضية بشكل أقل أو بكثافة أقل أثناءه. والهدف هو أن يظل نشيطًا قدر الإمكان، علما بأن البعض يجد صعوبة في ممارسة الرياضة نظرًا للإنهاك الجسدي والنفسي، لذلك يوصي الأطباء بضرورة تشاور المريض مع فريق رعاية مرضى السرطان حول ممارسة الرياضة أثناء العلاج، وما إذا كانت هناك أي حدود لما يمكنه القيام به؟ ويقولون: “تذكر أن الشيء الأكثر أهمية هو أن تتحرك بقدر ما تستطيع”.
وتشير دراسات قيّمة إلى تأثير النشاط البدني على عدم تكرار الإصابة بالسرطان. (تكرار السرطان هو السرطان الذي يعود بعد العلاج.) وقد ثبت أن التمارين الرياضية تحسن لياقة القلب والأوعية الدموية، وقوة العضلات، وتكوين الجسم، والتعب، والقلق، والاكتئاب، والعديد من عوامل جودة الحياة لدى الناجين من السرطان.
وتؤكد الأبحاث التي أجريت على الأشخاص المصابين بسرطان الثدي والقولون والمستقيم والبروستاتا، أن الناجين من السرطان النشطين بدنيًا لديهم مخاطر أقل لتكرار الإصابة، بل وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة مقارنةً بأولئك غير النشطين.وأظهرت أن الوصول إلى وزن صحي والبقاء عليه، وتناول الطعام بشكل صحيح، وممارسة النشاط البدني قد يساعد في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة خطيرة أخرى، فضلاً عن خطر الإصابة بسرطان ثانٍ. فنمط الحياة الصحي قد يقلل أيضًا من خطر عودة بعض أنواع السرطان.
وتضيف أن النشاط البدني قد يساعد أيضًا الأشخاص الذين انتشر سرطانهم أو تقدّم ولا يمكن علاجه. وقد تؤدي التمارين الرياضية في هذه الحالة إلى تحسين الوظيفة البدنية وتقليل التعب وتحسين نوعية الحياة. لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أنه قبل البدء في أنشطة جديدة أو زيادة النشاط، على المريض أن يراجع فريق رعاية مرضى السرطان، لمعرفة ما إذا كان من الآمن القيام بذلك أم لا، خصوصا إذا كانت لدى المصاب أمراض القلب أو الرئة أو التعب الشديد، أو عدم الثبات، أو مشاكل في التوازن والعظام الضعيفة، أو النقائل العظمية (السرطان الذي انتشر إلى العظام).
ولا بد من التحقُّق أيضًا مما إذا كان أي من الأدوية التي يتناولها قد يؤثر على مدى نشاطه البدني. وطبعًا الحصول على موافقة الطبيب المعالج، لأنه لا يمكن ممارسة الرياضة إذا شعر المريض بالدوار أو عدم الثبات على قدميه، أو إذا لاحظ تورمًا أو ألمًا أو تشوش الرؤية. وفي هذه الحالة عليه أن يتصل بطبيبه على الفور.
نتائج ليست من البديهيات
وتعتبر أساليب التمرين والاسترخاء رائعة لتخفيف التوتر، فيما يعد تقليل التوتر جزءًا مهمًا من التعافي والبقاء بصحة جيدة. ومن هذه التمارين ما يمكن فعله من دون استباق ذلك بزيارة الطبيب: المشي بعد العشاء، ركوب الدراجة، جز العشب أو جرف الأوراق بدلًا من استخدام المنفاخ، غسل السيارة في المنزل، تمشية مع الكلب، إستخدام دراجة تمارين رياضية أو ماكينة المشي، أو القيام بتمرينات لف الذراعين، والقرفصاء، والاندفاع، وتمارين البطن أثناء مشاهدة التلفزيون، اعتماد المشي عند التوجه لتناول الغداء، وركن السيارة في أبعد مكان لوقوف السيارات في العمل والتوجه مشيًا إلى المبنى، واستخدام الدرج بدلاً من المصعد أو السلم المتحرك.
في هذا السياق يشدد المتخصصون لـ”المستشفى العربي” أن هذه التوجيهات والممارسات ليست بديهية ومعلومة النتائج من الجميع، ولكن على العكس ثمّة من يميل إلى الإعتقاد بأن الراحة بعد الإنهاك العلاجي هي الأفضل.
لكن في الواقع وبعد ثبوت الأثر الإيجابي للرياضة على الصحة، فإن المزيد من الدراسات الحديثة يؤكد أن ممارسة التمارين الرياضية أو أي نوع من النشاط البدني بالنسبة إلى مرضى السرطان، هو عنصر مساعد على تخفيف الألم وتقليل مخاطر الإصابة وتأمين الراحة البدنية والنفسية معًا.
في العدد المقبل: (النشاط البدني والنظام الغذائي)