البدانة… رفيق داء السكري الدائم
البدانة… رفيق داء السكري الدائم
يعتبر السكري من النوع الثاني أحد أكثر انواع الأمراض المزمنة انتشاراً في العالم وما يزيد في انتشاره هو السمنة، ما يعني أن الحد من انتشار هذا الداء يعتمد على نوعية الوقاية وذلك عبر وضع آليات تكافح هذا المرض ولعل أهمها هو التوعية الهادفة الى مكافحة السمنة والمحافظة على النشاط الجسدي والتغذية السليمة.
إن خسارة خمسة بالمائة من الوزن الزائد كافية كمحاولة لمنع الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وفق ما توصلت اليه الدراسات العلمية والإحصاءات التي تؤكد ان تمركز البدانة في محيط الخصر وفي منطقة البطن يعرّض الشخص لخطر الإصابة بداء السكري.
ويكون سبب الإصابة بالسكري هو قلة إنتاج الإنسولين وعدم استجابة الجسم للكميات التي تفرزها غدة البنكرياس عند مرضى السمنة. كما أن تناول سعرات حرارية بشكل أكبر من حاجة الجسم يؤدي إلى تكوّن الأنسجة الدهنية البيضاء التي تقاوم نسبة الإنسولين بالجسم.
وفي هذا الإطار، يجمع الاطباء، وكذلك الدراسات الطبية، على ان مراقبة الوزن والتخفيف من الوزن الزائد هي من اهم الخطوات الواجب اعتمادها لإبعاد شبح الإصابة بداء السكري بنسبة تصل الى حوالى 50 بالمائة على الأقل.
والبداية تكون بإحداث تغيير جذري في نمط الحياة من حيث مراقبة الغذاء واتباع حمية سليمة وصحية على ان يرافقها النشاط البدني وممارسة الرياضة، ليتم بذلك تأخير ظهور السكري من النوع الثاني بالدرجة الاولى في حال لم يكن الشخص البدين يعاني منه؛ اما في حال كان مصابا بالسكري، فإن هذه الخطوات الوقائية سيكون لها الدور الأساس في الحد من مضاعفات مرض السكري على أعضاء الجسم كافة بشكل كبير وكلما كان نمط الحياة صحيا كلما تفادى المريض تلك المضاعفات وما يترتب عليها من مخاطر صحية.
ينبغي الإشارة هنا الى ان داء السكري من النوع الثاني هو غير معتمد على الانسولين ويصيب الكبار ولكن أصبح اليوم منتشرا بين الشباب بسبب نمط الحياة غير الصحي؛ أما النوع الاول، فهو يعتمد على الانسولين كعلاج اساسي ويصيب غالبا الأطفال والبالغين دون سن الثلاثين. وبما أنه لا يوجد علاج شاف حتى الآن، فإن إمكانية السيطرة على المرض والحد من مضاعفاته أمر ممكن من خلال تجنب البدانة والوزن الزائد، ما يسهم بالتمتع بحياة طبيعية من دون التعرض للمضاعفات وذلك من خلال اتباع نمط حياة صحي والالتزام بالإرشادات الطبية الجيدة مع استخدام العلاج المناسب.
العلاقة بين السكري والبدانة
يوجد على كل خلية مستقبلات خاصة تستقبل هرمون الأنسولين الذي يحرق الجلوكوز لينتج الطاقة هذه المواد تسمى مستقبلات الأنسولين وإذا لم توجد هذه المستقبلات أو قل عددها فإن الأنسولين لن يعمل على هذه الخلية وبالتالي لن يُستفاد من الجلوكوز فترتفع نسبته في الدم، وهذه المستقبلات نسبتها ثابتة على الخلية الدّهنية العادية فإن زاد حجم الخلية كما هي الحال في البدين فإن عدد المستقبلات تكون قليلة بالنسبة لمساحة الخلية الكبيرة الحجم.
قلة الحركة تعد أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالسكري من النوع الثاني، لذا تسهم ممارسة الرياضة في الوقاية من هذا النوع؛ فالعلاقة بين داء السكري والبدانة وثيقة، وخسارة الوزن هي بداية العلاج الأمثل لمرضى السكر من النوع الثاني.
من ضمن الخطوات الواجب اعتمادها ممارسة الرياضة بشرط ان لا تكون رياضات عنيفة؛ ولا مانع هنا من ممارسة رياضة المشي بانتظام او غيرها من الرياضات الخفيفة التي تسهم مع الوقت في حرق الدهون والتخلص من السعرات الحرارية الزائدة، فضلا عن أنها تساعد على تمثيل السكر بشكل طبيعي في الجسم.
على مريض السكري ان يدرك ان تأثير الرياضة والنظام الغذائي على جسمه يوازي تأثير الدواء ما يعني انها خطوات متكاملة في ما بينها. ثم ان الأمر له فوائد أبعد بكثير من الحفاظ على معدل السكري، بل ان ذلك يجعل المريض في مأمن من الإصابة بارتفاع ضغط الدم او الكوليسترول؛ فضلا عما لذلك من اهمية في اكتساب المزيد من الطاقة والتمتع بمزاج أفضل.
النصيحة لكل بدين هي تخفيض الوزن لأنه يؤدي إلى تحسين حالة إفراز الأنسولين واستقباله عند هؤلاء المرضى. ورغم اهمية العلاج الدوائي لمثل هذه الحالات، إلا ان تغيير نمط الحياة يأتي مكملا لدور العلاج الطبي؛ كلما كان نمط الحياة صحي كلما استفاد المريض أكثر واستقر معدل السكري لديه وتجنب كذلك المضاعفات المتأتية من عدم استقرار معدل السكري على المدى الطويل.
التمارين الدوريّة والمنتظمة تساعد على حرق الدهون التي يختزنها الجسم، ما يعتبر من الحلول المثالية لعلاج السمنة والتخلص من الدهون مقابل بناء عضلات والتمتع بصحة جيدة. كما أن النشاط البدني اليومي يساعد على تسريع عملية التمثيل الغذائي، ما يعزز الفرص في الوصول الى وزن طبيعي.
الرياضة إذن تزيد من فرص خسارة الوزن على المدى الطويل نظرا لدورها في تسريع عملية التمثيل الغذائي وبناء كتلة عضلية والقضاء على الدهون المتراكمة خصوصا اذا ما ترافقت مع حمية غذائية منخفضة السعرات الحرارية.
رعاية متكاملة لمريض السكري
يحتاج مريض السكري الى رعاية متكاملة تطال مختلف المجالات سواء العلاجات الدوائية او حقن الانسولين او حتى نمط الحياة، حيث ينبغي شرح دور التغذية السليمة وضبط الوزن في الحد من مضاعفات السكري والسيطرة عليه ضمن المستويات الطبيعية.
التغذية العلاجية
تمثل التغذية العلاجية لمرضى السكري حجر الزاوية وأولى الخطوات نحو استقرار الحالة، فمرض السكر ليس مرضًا واحدًا ولكن عدة أمراض وتؤثر في الجسم مع السكر.
الهدف من اتباع نظام غذائي صحي لمرضى السكري هو الحفاظ على معدلات الجلوكوز، وتحسين معدلات الدهون في الدم، وتقليل مستوى ضغط الدم، الى جانب الوقاية من مضاعفات مرض السكري وأبرزها أمراض القلب والعين والكلى.
النظام الغذائي لداء السكري يجب أن يشمل تناول الطعام الصحي الغني بالعناصر المغذية الطبيعية ومنخفض الدهون والسعرات الحرارية. ومن عناصر هذا النظام الرئيسية تناول الفاكهة والخضراوات والحبوب الكاملة.
من القواعد الأساسية للتغذية العلاجية لمرضى السكري تجنب الإسراف في الطعام والإلتزام بالكمية الموصى بها من قبل اخصائي التغذية، وتعتبر هذه الخطوة أولى خطوات السيطرة على السكري في الدم. ثم ينبغي توزيع كمية الطعام المسموح بها على مدار اليوم ليصبح هناك وجبات عدة بدلا من وجبة واحدة وهو ما سيساعد في السيطرة على معدل السكري في الدم، مع ضرورة الإلتزام بمواعيد الوجبات.
من الخطوات والقواعد الأساسية أيضاً أن يحتوي النظام الغذائي على جميع العناصر الغذائية من نشويات وبروتينات ودهنيات ولكن بنسب متوازنة يحددها أخصائي التغذية تبعا لحالة كل مريض ووضعه الصحي العام ومدى خلوّه من أمراض ومضاعفات صحية أخرى.
لابد أن يحتوي النظام الغذائي لمريض السكر على الهرم الغذائي، قائمة البدائل الغذائية وتحديد كمياتها (قائمة القياس)، وقياس الكربوهيدرات.
على صعيد الهرم الغذائي، فقد تم تطويره ليضمن توافر جميع العناصر الغذائية لمرضى السكري وغيرهم من الأشخاص، لأن الجسم بحاجة الى جميع العناصر الغذائية والتي تشمل النشويات والدهون والبروتينات بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن. تشكل النشويات قاعدة الهرم أو الجزء الأكبر من كمية الطعام اليومية، تليها الخضروات والفواكه ثم الألبان واللحوم، بينما تشكل الدهون والزيوت والحلوى قمة الهرم أو الجزء الأصغر من كمية الطعام اليومية.
النشاط البدني
النشاط البدني المنتظم ضروري للمساعدة في الحفاظ على مستويات الجلوكوز في الدم تحت السيطرة، ويكون أكثر فعالية عندما يترافق مع نظام غذائي صحي.
تشمل فوائد النشاط البدني لمرض السكري:
- مساعدة الجسم على استخدام الأنسولين بشكل أفضل.
- السيطرة على ارتفاع ضغط الدم.
- تحسين معدلات الكوليسترول.
- تسهيل إنقاص الوزن والتخلص من السمنة.
- المساعدة على النوم.
- الحد من التوتر وتحسين المزاج.
- تحسين مستويات السكر التراكمي لدى مرضى السكري من النوع الثاني.
على مريض السكري ممارسة التدريبات المناسبة لتنشيط الدورة الدموية بما في ذلك السباحة وركوب الدراجات والمشي وتمارين عناصر اللياقة البدنية، على ان يتم ذلك لمدة 40 دقيقة وخمس مرّات بالأسبوع. عندما يصعب أداء التمرين يتم التدرّج به في البداية بأداء 5 دقائق وتزداد تدريجاً كل أسبوع؛ ويساعد ذلك على إفراز الجسم للانسولين، ومن الضروري البدء بتمرينات الإحماء قبل التمارين الرياضية. تُحسِّن التمارين البدنية من كفاءة العضلات ومن قوّة تحمّلها، بشرط تجنّب رفع الأثقال ذات الأوزان الكبيرة.
على مرضى السكري بذل مجهود كبير للإعتياد على القيام بالتمارين الرياضية المسموح بها بانتظام، لما لها من دور في منحهم أقصى المنافع وأهمها التحكّم بالمرض.
في المقابل، إن ممارسة الرياضة بالنسبة لمريض السكري ليست كسائر الناس إذ ينبغي الاخذ بعين الإعتبار أمور عدة قبل الشروع بذلك.
في البداية، على المريض ان يسأل الطبيب المعالج ما هو البرنامج الرياضي المناسب لحالته خصوصا إذا كان غير نشيطاً عند تشخيصه.
في العادة، من أكثر الرياضات المسموح بها بالنسبة لمرضى السكري هي المشي السريع او السباحة او ركوب الدراجة.
يوصي الأطباء فحص مستوى السكري قبل البدء بالتمرين وشرب الكثير من السوائل خلال ممارسة الرياضة لتجنب الجفاف، ومن الضروري ارتداء جوارب قطنية وحذاء رياضي مناسب مع تفحص القدمين بعد الإنتهاء تجنباً لأي إصابة. فحص السكري ضروري أيضاً بعد الإنتهاء من التمرين. خلال التمرين، على المريض التنبّه لعوارض انخفاض السكري والتوقف فوراً عن أداء التمارين وتناول أي قطعة من الحلوى لتعديل مستوى السكري. تجدر الإشارة الى أن حُدوث انخفاض في معدل السكري مُمكنًا حتى في فترةٍ تتراوَح ما بين 4 الى 8 ساعات بعد التمرينات الرياضية؛ لذلك، ينبغي الإستمرار في مراقبة السكري وتناول ما يمكن ان يرفع من معدلات السكري مع ضرورة الإحتفاظ بالبسكويت او الفاكهة في الحقيبة تجنباً لأي موقف صحي طارئ.
حقن للتنحيف… والسكري
هي حقن تُستخدم لعلاج السكري والتنحيف معا وهي دلالة على الرابط القوي بين المرضين ومدى تأثير أحدهما على الآخر. تعمل هذه الحقن تماما كهرمون طبيعي يُفرز داخل الجسم المسؤول عن تنظيم الشهية من خلال تنشيط مناطق معينة في المخ مسؤولة عن الشعور بالشبع والجوع، فتجعل الشخص يشعر بالشبع والامتلاء بعد تناول كميات قليلة من الطعام.
توصف هذه الحقن عادة لمن لديه مؤشر كتلة الجسم اكثر من 30، او في حال كان المؤشر 27 ولكنه يعاني من امراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
تشبه هذه الحقن هرمونًا يوجد بشكل طبيعي في الجسم يسمى “GLP-1” يتم إفرازه من الأمعاء الدقيقة بعد الأكل استجابةً لوجود النشويات والدهون والبروتينات؛ هذا الهرمون عندما يصل إلى مجرى الدم فإنه يساعد على إنقاص مستوى السكر بالدم، ولكن لا يستطيع إنقاص مستوى السكر بالدم مباشرة كما يفعل الأنسولين، وإنما يقوم بذلك بطريقة غير مباشرة، إذ إنه يقوم بتحفيز خلايا بيتا في البنكرياس لإفراز الأنسولين، ويؤخر تفريغ المعدة من محتوياتها ما يسهم في الحد من الارتفاع العالي لسكر الدم بعد الوجبة الرئيسة، كما يمنع إفراز هرمون الجلوكاجون من البنكرياس وهو هرمون يعطي مفعولًا عكس الأنسولين، أي يزيد السكر في الدم، فهذا الهرمون يُمنع إفرازه، وبالتالي يعمل على إنقاص السكر بالدم. هذه العوامل تجعل هذا الهرمون هرمونًا جيدًا في إنقاص السكر بالدم، لكنه أيضًا يعمل على مستقبلات في الدماغ تتحكم في الشهية وتنقصها.