إضطرابات الأطفال السلوكية
إضطرابات الأطفال السلوكية
عوامل البيولوجيا والسوسيولوجيا.. وجديد الطب!
تؤثر الإضطرابات السلوكية على تصرفات الطفل بشكلٍ لا يتماشى مع الأساليب المعتادة بين الأقران، فيكون الطفل إما عنيداً متمرداً يثور ويغضب بسرعة وتنتابه نوبات من الغضب والعصبية لأسباب تافهة أو يكون انطوائياً ومعزولاً عن أقرانه، كما يميل بعض الأطفال المضطربين سلوكياً إلى السرقة أو الكذب.
الطفل الذي يعاني من اضطراب السلوك ليس بمقدوره أن ينشئ علاقات إجتماعية فعّالة وطبيعية مع غيره، ويتّصف سلوكه بأنه غير مرغوب فيه، فهو مضطرب إنفعالياً وعاجز عن إنشاء علاقة سليمة سواء مع نفسه أو حتى مع غيره. أكثر فئات إضطرابات السلوك لدى الأطفال تتراوح ما بين البسيطة والمتوسطة، فتظهر على الطفل مظاهر سلوكية متنوعة تشمل العناد وسرعة الغضب والمزاج الحاد والمشاجرة مع الآخرين إلى حد إيذائهم والنشاط الزائد وسرعة تشتت الإنتباه، أو الخجل الشديد والإنطواء؛ ربما يعاني البعض من جنوح في الإضطراب السلوكي فتجده يميل إلى السرقة والكذب والعدوانية. غالباً ما يكون الطفل المضطرب سلوكياً أقل تحصيلاً من غيره نظراً لانخفاض قدراته العقلية، وقد يكون ذلك ناجماً عن الجو العام الذي يعيش فيه الطفل سواء في البيت أو المدرسة وتأثير ذلك على حالته النفسية والإنفعالية.
عوامل تسبب إضطرابات السلوك لدى الطفل
يوجد عدد كبير من الأسباب والعوامل التي ينتج عنها إضطرابات سلوكية لدى الأطفال.
عوامل عقلية
يعاني الطفل المضطرب سلوكياً من ضعف في قدراته العقلية فلا يكون لديه الذكاء الكافي كما باقي الأطفال من الفئة العمرية ذاتها؛ يظهر ذلك من خلال عدم القدرة على التركيز والإنتباه وضعف في تحصيله الدراسي فلا يكتسب القدرة اللغوية أو الحسابية.
عوامل إنفعالية
طبع الطفل ومزاجه وطبيعة شخصيته بشكل عام وتعرضه لعوامل غير مألوفة أثناء نموه مثل مشاكل الأهل، وعدم إشباع حاجاته العاطفية، كلها عوامل قد ينتج عنها سوء النمو الإنفعالي. والنتيجة رد فعل غير سليم مثل الغضب السريع والغيرة والعدوانية التي يمكن أن تنتج عن رغبة الطفل الملحة في الإستقلالية أو شعوره الزائد بالنقص وعدم الكفاءة أو الإحباطات المتكررة لرغباته.
عوامل جسدية
المقصود هنا العوامل الوراثية والعاهات الجسدية حيث أن العلاقة بين النمو الجسدي وسلوك الإنسان هي علاقة وطيدة جداً ومترابطة، وقد تبيّن أنه عند وجود اختلال مصادر النشاط في الجسم بازدياد الإفرازات الغدية، يكون الطفل غير مهيأ للقيام بالنشاط الكافي لتصريف الطاقة المتدفّقة. كل ذلك يؤدي إلى ظهور إضطرابات سلوكية عند الأطفال على شكل المشاجرة أو العدوانية.
عوامل إجتماعية
تنقسم العوامل الإجتماعية ما بين الأسرة والمدرسة. العوامل الأسرية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تكوين شخصية الطفل وغالبية الإضطرابات السلوكية سببها سوء المعاملة التي يتلقاها الطفل أو نشأته في بيئة مليئة بالمشاكل والشجار والتفكك الأسري والطلاق، ونشأة الطفل في ظل غياب أحد الوالدين.
إن فقدان التوازن العاطفي يؤدي إلى إرباك في نفسية الطفل تظهر آثاره على شكل عدم الشعور بالأمن والحاجة إلى جذب انتباه الآخرين والصراع النفسي، وعدم الثقة بالنفس والقلق والتوتر والعزلة والخوف. النتيجة تظهر بسلوك غير مألوف.
على صعيد المدرسة، فإن أساليب تعامل المدرّسين مع الطفل مثل العقوبات وما يصاحبها من شدّة وعدم احترام شخصية الطفل، قد ينتج عنها رد فعل يدفعه إلى السلوك الشاذ.
أنواع الإضطرابات السلوكية
تظهر الإضطرابات السلوكية بأنماط مختلفة، ومن أبرزها:
اضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط
تنشأ هذه الحالة في مرحلة الطفولة حيث يعاني الطفل من اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه Attention deficit hyperactivity disorder- ADHD فيعجز عن البقاء جالساً في مكانه أو التركيز في أمر ما.
التحرك السريع والقفز والتسلق هي السّمة البارزة لهذا المرض، بحيث لا يمكن لهذا الطفل أن يلعب بهدوء أو ينتظر دوره؛ وهناك مجموعة أخرى من الأعراض تتعلق بعدم التركيز وقلة الإنتباه؛ كما يعاني الأطفال المصابون بهذا الإضطراب من الإندفاعية الزائدة وعدم القدرة على تنظيم مشاعرهم. تتمثل الأعراض على النحو التالي:
- صعوبة في التركيز.
- صعوبة في التفاعل الإجتماعي.
- عدم القدرة على البقاء في المكان نفسه لوقت طويل.
- صعوبة الإلتزام بالقواعد لفترة زمنية طويلة.
- حركة مستمرة ولكن بدون هدف.
- تشتت في الإنتباه وعدم القدرة على إنجاز أي عمل.
- لا ينتبه للتعليمات وينسى الأوامر.
- لا ينتظر دوره في الصف ولا يشارك بالأنشطة.
- ضعف في التحصيل الدراسي.
- التصرف باندفاعية وإنفعال.
- عدم إكمال الحوار حتى نهايته.
- غير منظم.
هذه السلوكيات تستدعي التعاون في ما بين فريق متعدد الإختصاصات يضم أخصائي في الإضطرابات السلوكية وطبيب أمراض نفسية وأخصائي في النطق والّلغة، مع ضرورة عدم التسرّع في التشخيص حيث يتطلب ذلك الكثير من الوقت والملاحظة من متخصصين يحتاجون للكثير من المعلومات من الأهل والمعلمين.
إضطراب طيف التوحد
هو إضطراب في النمو تبدأ أعراضه في مرحلة الطفولة المبكرة، يتميز بالإنعكاسات السلوكية والتواصلية ليتسبب بسلوك متكرر ومقيّد.
يواجه المرضى الذين يعانون من طيف التوحد صعوبة في التفاعل الإجتماعي، ومشاكل في التواصل اللفظي وغير اللفظي، ولديهم مجموعة محدودة من الإهتمامات والأنشطة.
يعاني مرضى التوحد من مشاكل سلوكية وصعوبة في التفاعل مع المجتمع والتواصل مع الآخرين، إضافة إلى ضعف إكتساب اللغة وصعوبات في التعلم وضيق نطاق أوجه الإهتمامات والأنشطة لديه. قد يعاني مرضى التوحد كذلك من إعتلالاتٍ أخرى مصاحِبة مثل الصرع والإكتئاب والقلق وإضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط.
كما يعاني الطفل من صعوبة الإتصال البصري أو إجراء محادثة، ونوعية الإهتمامات الضيقة والمكثّفة، فضلاً عن ضعف المهارات الحركية. الطفل المصاب بالتوحد لا يحب اللعب مع أقرانه، ويفضل البقاء وحيداً، وفي بعض الحالات لا يأبه طفل التوحد بشعور الألم أو درجة الحرارة.
يمكن تحديد أعراض طيف التوحد على النحو الآتي:
- خلل بالتفاعل الإجتماعي.
- خلل بالتواصل.
- محدودية الأنشطة والإهتمامات.
- عدم الإستجابة لوسائل التعليم العادية.
- تصرفات عدوانية أو مؤذية للذات.
- زيادة ملحوظة في الفعالية والنشاط.
- نوبات من الغضب.
- قصور في مدى الإنتباه.
- النوم والأكل بشكل غير طبيعي.
- الّلعب بطرق شاذة وغير معتادة.
- إرتباط غير طبيعي بالأشياء.
التدخل المبكر ضروري لفعالية العلاج نظرًا لأن الدماغ يتطور في سن مبكرة، والتشخيص والعلاج المبكر يؤديان إلى تحسّن أفضل على المدى الطويل. يتمثّل العلاج بالتدخلات النفسية والاجتماعية مثل معالجة السلوكيات للحد من صعوبات التواصل والسلوك الاجتماعي، ما من شأنه أن يؤثر تأثيرًا إيجابيًّا في عافية مرضى التوحد ونوعية حياتهم.
إضطراب الإكتئاب الجزئي
هو إضطراب عاطفي يظهر على شكل تغيّرات في المزاج، ويمثّل شكلًا أقل حدة ولكن مزمن أكثر من الإكتئاب السريري. ينطوي هذا الإضطراب على احتداد المزاج المتكرر الذي لا يتوافق مع العمر النمائي للطفل.
يعاني الطفل في مثل هذه الحالة من اختلال في المزاج ونوبات متكرّرة من الغضب الشديد، وقد يكون الطفل غير مبالٍ لما يحدث من حوله أو لديه فرط نشاط وعدوانية.
يتم تشخيص الحالة بعد الإستماع إلى شهادات من الأهل والمدرسة ومن ثم يخضع الطفل لاختبارات تهدف إلى التحري عن إضطرابات أخرى يُمكنها أن تُسبب تلك الأعراض.
بالنسبة إلى المراهقين الذين يُعانون من الإكتئاب، يكون العلاج عبارة عن توليفة من العلاج النفسيّ ومُضادات الإكتئاب وهي أكثر طرائق المعالجة فعالية، ولكن بالنسبة إلى الصغار تجري محاولة العلاج النفسي وحده في العادة.
تشخيص إضطراب الإكتئاب يظهر عندما يعاني الأطفال من شعور بالحزن أو الإهتياج أو فقدان الإهتمام أو المتعة في جميع الأنشطة والشعور بالملل. ينبغي أن تكون هذه الأعراض قد ظهرت عند الأطفال معظم الوقت وبشكلٍ يومي تقريبًا، كما ينبغي أن تظهر عند الأطفال أعراض الإكتئاب مثل ضعف الشهيَّة ونقص الوزن ومشاكل في النوم.يسعى الأطباء خلال مرحلة التشخيص إلى معرفة الوضع العائلي أو الإجتماعية الذي يعيش فيه الطفل لما له من دور في تسريع الإصابة بالإكتئاب، كما يسألون أيضًا وبشكلٍ محدَّد عن السلوك الإنتحاري، بما في ذلك الأفكار والحديث عن الإنتحار.
إضطرابات الأكل
يشير هذا الإضطراب إلى حالات متنوعة تنعكس على سلوكيات الأكل غير الطبيعية عند الأطفال، وهما فقدان الشهية العصبي، والشره المرضي العصبي. ينطوي ذلك على مخاطر صحية كثيرة ويكون لها تأثير مباشر على كل من النمو البدني والنفسي لديهم، كما ترتبط في كثير من الأحيان بأمراض كالسمنة أو النحافة الشديدة، والعديد من الأمراض الأخرى التي تشكّل مصدر قلق صحي رئيسي.وقد يرجع السبب في هذا الإضطراب إلى عوامل جينية أو بيئية أو إلى الضغط النفسي. بالنسبة لحالة فقدان الشهية، فسوف يتناول الطفل كميات قليلة من الطعام متعمدًا لأنه يرغب في جسم رفيع جداً بصورة مبالغ فيها كما لو كان هيكلًا عظميًا. أما في حالة اضطراب الأكل بشراهة، يحب الطفل الأكل بشدة ويتناول كميات كبيرة ولا يتمكن من التوقف عن ذلك وقد يتناول وهو ليس جائعًا.
إرشادات وبرامج علاجية
لكل حالة من حالات إضطراب السلوك لدى الأطفال برنامج علاجي موجّه بحسب الحالة لمساعدة الطفل على التخلص من هذا الإضطراب والعودة إلى حياته الطبيعية.
يحرص القيّمون على إعداد هذه البرامج على ضرورة تواجد الطفل في بيئة تتوافر فيها أجواء مفعمة بالحب وتقبّل الآخر والدفء العاطفي؛ بالنسبة للتحصيل الدراسي، فينبغي أن يكون بشكل متدرّج من البسيط إلى الأكثر تعقيداً مع إدخال الأنشطة الترفيهية والرياضية التي تشبع حاجة الطفل. تتضمن البرامج العلاجية كذلك تشغيل الطفل في عمل يحتاج إلى جهد جسمي أكثر من الجهد العقلي إذا كان نشاطه الجسمي زائداً عن المعتاد. على الفريق المتخصص في رعاية الطفل الكشف عن العوامل المكبوتة لديه لتعويض ما هو بحاجة إليها، ولإحاطته بالحب والعطف وإعادة الثقة والطمأنينة، مع ضرورة العمل على إشباع رغباته وتلبية حاجاته الأساسية.
من أساسيات البرامج العلاجية تحسين المعاملة الأسرية وعناية الأبوين بالطفل والحد من المنازعات الأسرية أمام أطفالهم، والمعاملة الحسنة والهادئة معهم، وعدم إهمالهم وإهمال مطالبهم.
توجيه ميول الطفل نحو الأمور التي تزيد من خبرته، وتشجيع رغباته وميوله، وتنمية روح العمل لديه، وتحقيق الذات بما لا يعارض قواعد السلوك المتبعة في مجتمعه.
من الإجراءات المتبعة خلال متابعة حالات إضطراب السلوك لدى الأطفال التركيز على الوضع الصحي وإخضاع الطفل لفحوصات طبية سنوية ورعاية طبية مستمرة لمعالجة العاهات المسببة لهذه المشكلات، وتوفير التوازن الغذائي وزيادة النشاط والحيوية لديهم.