مقالات طبية

القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬لبنان

القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬لبنان

إستعادة‭ ‬المبادرة‭ ‬وعودة‭ ‬الحياة

تعرّض‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لنوبة‭ ‬ضيق‭ ‬حادة‭ ‬بنتيجة‭ ‬تأزم‭ ‬الوضع‭ ‬الإقتصادي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وتراجع‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للعملة‭ ‬الوطنية‭. ‬ومن‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬أموال‭ ‬بالنقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمة‭ ‬المصرفية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الوافدين‭ ‬الأجانب‭ ‬طلباً‭ ‬للعلاج‭ ‬تراجعت‭ ‬أعدادهم‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬أعداد‭ ‬الوافدين‭ ‬عموماً‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬بسبب‭ ‬التوترات‭ ‬التي‭ ‬زادتها‭ ‬فترة‭ ‬كورونا‭ ‬اشتداداً‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬والإستشفائي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

هذا‭ ‬الواقع‭ ‬أفقد‭ ‬المستشفيات‭ ‬أبرز‭ ‬عنصرين‭ ‬ضروريين‭ ‬لنهوضها‭ ‬وتطورها‭ ‬وهما‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬الكفوء‭ ‬الذي‭ ‬غادرها‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬مردود‭ ‬أفضل،‭ ‬والأموال‭ ‬الكافية‭ ‬التي‭ ‬تحتاجها‭ ‬المستشفيات‭ ‬للتحديث‭ ‬والتوسّع‭. ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬شقّت‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ونفضت‭ ‬عنها‭ ‬رماد‭ ‬الأزمة‭ ‬كطائر‭ ‬الفينيق،‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬العناية‭ ‬الفائقة‭ ‬إلى‭ ‬العناية‭ ‬بمرضاها‭ ‬سعياً‭ ‬لتبوؤ‭ ‬مركزها‭ ‬الرائد‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المنطقة‭.‬

ليس‭ ‬سهلاً‭ ‬أن‭ ‬تشق‭ ‬المستشفيات‭ ‬اللبنانية‭ ‬طريقها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬النهوض‭ ‬الناجح،‭ ‬وسط‭ ‬منافسة‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وإمكانيات‭ ‬ذاتية‭ ‬ضعيفة‭ ‬وغياب‭ ‬أي‭ ‬مساندة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬أبسط‭ ‬المتطلبات‭ ‬وسط‭ ‬الشلل‭ ‬الذي‭ ‬أصابها‭ ‬وتسبب‭ ‬بالعدوى‭ ‬لسائر‭ ‬القطاعات‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الصحية‭ ‬منها‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬ليس‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬القطاع‭ ‬الإستشفائي‭ ‬اللبناني‭ ‬وسط‭ ‬الصعوبات‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تمرّس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬وتحدّي‭ ‬النكبات‭ ‬وبلسمة‭ ‬جراح‭ ‬الآخرين،‭ ‬فكم‭ ‬بالحري‭ ‬جراحه‭ ‬التي‭ ‬عمّقتها‭ ‬الظروف‭ ‬القاهرة‭ ‬وزادها‭ ‬تفجير‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬آب‭ ‬ألماً‭ ‬ونزفاً‭ ‬خصوصاً‭ ‬لمستشفيات‭ ‬العاصمة‭. ‬واليوم‭ ‬يشهد‭ ‬القطاع‭ ‬ملامح‭ ‬نهوضه‭ ‬الثابت‭ ‬ويشق‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬النابضة‭ ‬ويرسم‭ ‬مسار‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الريادة‭ ‬مثالاً‭ ‬للتعافي‭ ‬من‭ ‬الصعاب‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الشدائد‭ ‬كبيرة‭.‬

بين‭ ‬الصعوبات‭ ‬والنجاحات

يعتمد‭ ‬القطاع‭ ‬الإستشفائي‭ ‬اللبناني‭ ‬على‭ ‬المستشفيات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬أساسي‭ ‬وعلى‭ ‬المبادرة‭ ‬الفردية‭ ‬للتطور‭ ‬والتوسع،‭ ‬متَّكئاً‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬ساحق‭ ‬من‭ ‬التراكم‭ ‬العلمي‭ ‬والمهني‭ ‬وإلى‭ ‬مهارات‭ ‬فريقه‭ ‬الطبي‭ ‬والتمريضي‭ ‬والإداري‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُجارى‭. ‬وفي‭ ‬صلب‭ ‬مهامه‭ ‬كانت‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية

تشكل‭ ‬عاملاً‭ ‬أساسيّاً‭ ‬وحيويّاً‭ ‬نظراً‭ ‬للمميزات‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬تمتّع‭ ‬بها‭ ‬لبنان‭ ‬كمقصد‭ ‬سياحي‭ ‬عريق‭ ‬وموقع‭ ‬مميّز‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬قربه‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬كمنهل‭ ‬لأحدث‭ ‬الإبتكارات‭ ‬العلمية‭ ‬ومن‭ ‬الشرق‭ ‬كرافد‭ ‬لطالبي‭ ‬العلاج،‭ ‬وكفاءة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬الضيافة‭ ‬وحسن‭ ‬الإدارة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬الجديد‭.‬

وفيما‭ ‬تعرّضت‭ ‬القطاعات‭ ‬الصحية‭ ‬والمستشفيات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬بلدان‭ ‬كبيرة‭ ‬ومتقدمة‭ ‬لأزمات‭ ‬حادة‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬تعرّض‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لأزمات‭ ‬إضافية‭ ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬لشل‭ ‬أي‭ ‬قطاع‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬المبادرة‭ ‬اللبنانية‭ ‬كانت‭ ‬أقوى‭ ‬وخبرات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬راكمتها‭ ‬القطاعات‭ ‬اللبنانية‭ ‬والأفراد‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬لتجنيب‭ ‬المستشفيات‭ ‬السقوط‭ ‬والقطاع‭ ‬الصحي‭ ‬عموماً‭ ‬فقدان‭ ‬المبادرة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

وفي‭ ‬عرض‭ ‬سريع‭ ‬لما‭ ‬تعرّض‭ ‬له‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬وشدائد،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بلغ‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة‭ ‬حد‭ ‬فقدان‭ ‬الأوكسيجين‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الطبية،‭ ‬وندرة‭ ‬الأدوية‭ ‬الضرورية‭ ‬لعلاجات‭ ‬مزمنة‭ ‬وحادة،‭ ‬وغياب‭ ‬كامل‭ ‬للكهرباء‭ ‬العامة‭ ‬وكهرباء‭ ‬الإشتراك،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬الإعتماد‭ ‬على‭ ‬مولداتها‭ ‬الخاصة‭ ‬ما‭ ‬رتّب‭ ‬عليها‭ ‬تكلفة‭ ‬تشغيل‭ ‬عالية‭ ‬جداً‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬المازوت‭ ‬لتشغيلها‭ ‬فوصل‭ ‬مرضى‭ ‬الحالات‭ ‬الحرجة‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬الموت‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬دفعت‭ ‬أزمة‭ ‬انهيار‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للعملة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬صعباً‭ ‬وقاسياً‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬المغادرة‭ ‬وكفاءاتها‭ ‬العالية،‭ ‬إنما‭ ‬أيضا‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬الفئة‭ ‬المغادرة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬متوسطي‭ ‬العمر‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬الحلقة‭ ‬الضرورية‭ ‬والعنصر‭ ‬الأساس‭ ‬لإدخال‭ ‬المتخرجين‭ ‬الجدد‭ ‬إلى‭ ‬حلقة‭ ‬العمل‭ ‬الناجح‭. ‬فالفئة‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬لها‭ ‬الخبرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بهذا‭ ‬الدور،‭ ‬والفئة‭ ‬الشابة‭ ‬من‭ ‬المتخرجين‭ ‬حديثا‭ ‬والمتدربين‭ ‬توفرها‭ ‬الكليات‭ ‬الطبية‭ ‬العريقة‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تتمتّع‭ ‬بالخبرة‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬لكنه‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬حقيقة‭ ‬مسيرة‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬ريادته‭ ‬السابقة‭ ‬ودوره‭ ‬المعروف‭ ‬ورسالته‭ ‬المعهودة‭.‬

مساعٍ‭ ‬واتصالات‭ ‬وحلول‭ ‬

يقول‭ ‬نقيب‭ ‬المستشفيات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬سليمان‭ ‬هارون‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬خاص‭ ‬لمجلة‭ ‬“المستشفى‭ ‬العربي”‭ ‬إن‭ ‬“المستشفيات‭ ‬الخاصة‭ ‬تعمل‭ ‬جاهدة‭ ‬لتخطي‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬فعليا‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬وهي‭ ‬أساسا‭ ‬أزمة‭ ‬مالية،‭ ‬وكما‭ ‬أصبح‭ ‬معلوما‭ ‬فإن‭ ‬انهيار‭ ‬الوضعين‭ ‬الإقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أثر‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬المستشفيات‭. ‬وكانت‭ ‬الصعوبة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬هجرة‭ ‬الطواقم‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬أطباء‭ ‬وممرضات‭ ‬وممرضين‭ ‬وإخصائيين”‭. ‬

ويشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“هذه‭ ‬المستشفيات‭ ‬تبذل‭ ‬اليوم‭ ‬جهوداً‭ ‬كبيرة‭ ‬ومثمرة،‭ ‬أحياناً‭ ‬ننجح‭ ‬وأحيانا‭ ‬تظهر‭ ‬عوائق،‭ ‬ولكن‭ ‬الجهود‭ ‬مستمرة‭ ‬والأمل‭ ‬كبير‭. ‬وعندما‭ ‬تتحسّن‭ ‬ظروف‭ ‬البلد‭ ‬فإن‭ ‬الأكثرية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬المهاجرة‭ ‬ستعود‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬المستشفيات‭ ‬الأوكسجين‭ ‬الضروري‭ ‬لاستعادة‭ ‬النشاط‭. ‬ويتم‭ ‬التواصل‭ ‬معهم‭ ‬والتنسيق‭ ‬للخروج‭ ‬بحلول‭ ‬لكل‭ ‬العوائق‭ ‬والمشاكل‭ ‬القائمة”‭.‬

ويضيف‭: ‬“بالنسبة‭ ‬لموقع‭ ‬لبنان‭ ‬كمستشفى‭ ‬الشرق،‭ ‬وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬التسميات،‭ ‬لبنان‭ ‬يبقى‭ ‬منارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشرق‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطبابة‭ ‬والإستشفاء‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬الطبي‭ ‬اللبناني‭ ‬يختزن‭ ‬خبرة‭ ‬تراكمية‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬القطاع‭ ‬الإستشفائي‭ ‬بافتتاح‭ ‬كليات‭ ‬للطب‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬افتتاح‭ ‬المستشفيات‭. ‬وكانت‭ ‬كبرى‭ ‬الجامعات‭ ‬العالمية‭ ‬أتت‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬وفتحت‭ ‬جامعات،‭ ‬ومنها‭ ‬كلّيتا‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأميركية‭ ‬وفي‭ ‬جامعة‭ ‬القديس‭ ‬يوسف”‭. ‬

ويؤكد‭ ‬هارون‭ ‬أن‭ ‬“هذا‭ ‬لا‭ ‬يذهب‭ ‬سدىً‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنشأ‭ ‬صعوبات‭ ‬بنتيجة‭ ‬بعض‭ ‬الأوضاع‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التراكم‭ ‬العلمي‭ ‬لا‭ ‬يندثر‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬الطواقم‭ ‬المتخصصة‭ ‬المهاجرة‭ ‬هي‭ ‬خسارة‭ ‬للقطاع‭ ‬الإستشفائي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬كليات‭ ‬طب‭ ‬عريقة‭ ‬وذات‭ ‬مستوى‭ ‬عالٍ‭ ‬يواصل‭ ‬رفد‭ ‬القطاع‭ ‬بمتخرجين‭ ‬جدد،‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بالصمود‭ ‬بانتظار‭ ‬انتهاء‭ ‬الأزمة‭. ‬وهذا‭ ‬الجانب‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬للقلق‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التمويلية‭ ‬فطبعا‭ ‬علينا‭ ‬انتظار‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬للّحاق‭ ‬بركب‭ ‬القطاعات‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بدعم‭ ‬مالي‭ ‬كبير‭ ‬يخولها‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬المعدات‭ ‬وأحدثها،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬مثلاً،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننافسها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬علما‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬معها‭ ‬ولا‭ ‬هذا‭ ‬هدفنا‭ ‬أصلاً،‭ ‬بل‭ ‬هدفنا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مرجعية‭ ‬علمية‭ ‬للمنطقة‭ ‬بأسرها‭. ‬وأعتقد‭ ‬أننا‭ ‬سنبقى‭ ‬كذلك‭ ‬طالما‭ ‬لدينا‭ ‬الجامعات‭ ‬ذات‭ ‬المستوى‭ ‬العالي‭ ‬والعنصر‭ ‬البشري‭ ‬الطموح‭ ‬والكفوء”‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭ ‬فيقول‭ ‬“إن‭ ‬التواصل‭ ‬قائم‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬نجد‭ ‬فيها‭ ‬فرصة‭ ‬لذلك‭ ‬والتي‭ ‬يرغب‭ ‬مواطنوها‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬للعلاج‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭. ‬طبعا‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬عالية‭ ‬جدا،‭ ‬كون‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تنشيط‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭ ‬لديها،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬تتمتّع‭ ‬بكفاءات‭ ‬وقدرات‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دولاً‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬كلفة‭ ‬مجمل‭ ‬الرحلة‭ ‬العلاجية‭ ‬إليها‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬لبنان”‭. ‬

ويلفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“دول‭ ‬الخليج‭ ‬بات‭ ‬لديها‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الكاملة‭ ‬لقطاع‭ ‬إستشفائي‭ ‬مزدهر‭ ‬وبالتالي‭ ‬باتت‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬تتطلب‭ ‬مجهوداً‭ ‬كبيراً‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الحقبات‭ ‬السابقة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬الأشقاء‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الخليجية‭ ‬منها‭ ‬يقصدون‭ ‬لبنان‭ ‬طلبا‭ ‬للعلاج‭. ‬وكذلك‭ ‬فإن‭ ‬الأردن‭ ‬شهد‭ ‬تقدماً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإستشفاء‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬شديدة”‭.‬

مجدداً‭ ‬إلى‭ ‬الضوء‭ ‬والحياة

هل‭ ‬تخطت‭ ‬المستشفيات‭ ‬اللبنانية‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الصعبة‭ ‬واستعادت‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬لها‭ ‬ولطالبي‭ ‬العلاج‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الخارج؟

كل‭ ‬المؤشّرات‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تخطتها‭ ‬فعلاً‭. ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬العوائق‭ ‬تم‭ ‬تذليلها‭ ‬ومنها‭ ‬مثلاً‭ ‬استقرار‭ ‬السوق‭ ‬لناحية‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬ولو‭ ‬نسبياً‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬مرتفع‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وعودة‭ ‬ساعات‭ ‬التغذية‭ ‬بالكهرباء‭ ‬ما‭ ‬يوفر‭ ‬على‭ ‬إداراتها‭ ‬قسماً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬التشغيلي‭. ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬تخطّت‭ ‬ولو‭ ‬نسبياً‭ ‬وجزئياً‭ ‬مرحلة‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬الطاقم‭ ‬الطبي‭ ‬سواء‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬عادوا‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬بمبتدئين‭ ‬سمحت‭ ‬لهم‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬بالتمرّس‭ ‬في‭ ‬المهنة‭ ‬وكسب‭ ‬الخبرات‭ ‬والمهارات‭ ‬الطبية‭ ‬الكافية‭. ‬بالتوازي‭ ‬فإن‭ ‬الهيئات‭ ‬الضامنة‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬استعادت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬المبادرة‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة‭ ‬وعادت‭ ‬إلى‭ ‬تغطية‭ ‬المضمونين‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬منتظم‭ ‬ما‭ ‬يؤمّن‭ ‬للمستشفيات‭ ‬تمويلاً‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإداري‭ ‬تم‭ ‬القيام‭ ‬ببعض‭ ‬التبديلات‭ ‬وسد‭ ‬الفراغات‭ ‬لإعادة‭ ‬عمل‭ ‬الإدارة‭ ‬بالمستوى‭ ‬والكفاءة‭ ‬الّلتين‭ ‬كانت‭ ‬عليهما‭ ‬قبل‭ ‬الأزمة‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬التمريضي‭ ‬عمدت‭ ‬المستشفيات‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬حوافز‭ ‬للعناصر‭ ‬التمريضية‭ ‬ما‭ ‬ساعدها‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬نقصاً‭ ‬أو‭ ‬تقصيراً‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬المتوجب‭ ‬تقديمها‭ ‬للمرضى‭. ‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الطبي‭ ‬والذي‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يتطلب‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬تعويضاً‭ ‬عمّن‭ ‬غادروا‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تجري‭ ‬معالجته‭ ‬وقد‭ ‬تلقّفت‭ ‬المستشفيات‭ ‬الأمر‭ ‬وتعالجه‭ ‬بالطريقة‭ ‬المناسبة‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الأدوية‭ ‬والأمصال‭ ‬والمستحضرات‭ ‬الطبية‭ ‬كلّها‭ ‬عادت‭ ‬مؤمّنة‭ ‬بالقدر‭ ‬اللازم‭. ‬وقد‭ ‬أدّت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬والنتائج‭ ‬المسجّلة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬أخرجت‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬اللبناني‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‭ ‬وسكة‭ ‬التقدم‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

ووفقًا‭ ‬لدراسات‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬فإن‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حوالى‭ ‬40‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ولبنان،‭ ‬وتمثل‭ ‬الجراحة‭ ‬التجميلية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭ ‬فيه‭. ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬يُعتبَر‭ ‬منصة‭ ‬إقليمية‭ ‬للرعاية‭ ‬الطبية‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬لبنان،‭ ‬أطباء‭ ‬ومستشفيات‭ ‬وخبرات،‭ ‬يتميّز‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭ ‬المتمثّل‭ ‬بالجراحات‭ ‬التجميلية‭. ‬

وقد‭ ‬تطوّرت‭ ‬جراحات‭ ‬التجميل‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬ واستثمرت‭ ‬المراكز‭ ‬الطبية‭ ‬الخاصة‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬ مراكز‭ ‬التجميل‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تتنافس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬يتمتع‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بالحس‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬الجمال،‭ ‬والذي‭ ‬يساعد‭ ‬طالب‭ ‬العلاج‭ ‬العربي‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة‭ ‬المرجوة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬التكلفة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬منخفضة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬تنافسي‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬الأزمة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬اليوم‭ ‬باتت‭ ‬تُعتبَر‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المنافسة‭ ‬الحادة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭.‬

بات‭ ‬معروفاً‭ ‬عن‭ ‬القطاعات‭ ‬اللبنانية‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬مهما‭ ‬تعاظمت‭ ‬الصعاب‭ ‬وكثرت‭ ‬المهالك‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬النشاطات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬فكم‭ ‬بالحري‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الطبي‭ ‬الإستشفائي‭ ‬الذي‭ ‬يحترف‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬وإزالة‭ ‬الآلام‭ ‬وتضميد‭ ‬الجراح‭ ‬وفتح‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬التعافي‭.. ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يتابع‭ ‬العلاج‭ ‬وإلى‭ ‬السلامة‭ ‬والنهوض‭ ‬والمنافسة‭ ‬من‭ ‬جديد‭!‬

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى