الولادة القيصرية ما لها وما عليها
الولادة القيصرية ما لها وما عليها
الدكتورة أسماء عبد السلام، استشارية أمراض النساء والتوليد في المستشفى الأهلي / قطر
تعتبر العملية القيصرية العملية الأكثر شيوعاً في مجال أمراض النساء والتوليد، وهي في الأساس عملية اسعافية لانقاذ الأم والجنين؛ تقنياً، تُجرى العملية القيصرية لاستخراج الجنين عبر شق جراحي أسفل جدار البطن والرحم بدلاً من الولادة عبر المهبل بعد أخذ الموافقة من السيدة الحامل وبعد شرح خطوات العمل الجراحي والأسباب الداعية لإجراء العملية والاختلاطات المتوقعة.
للأسف، هناك ظاهرة عالمية بازدياد معدلات الولادة القيصرية بشكل غير مبرر في بعض البلدان في العالم. يكشف هذا الأمر عن تجاوزات وخلل في النظام الصحي حيث لا ينبغي عالمياً أن يتجاوز معدل القيصرية 23 %؛ ومع هذا فإن المعدلات المنخفضة جداً للقيصرية تعكس أيضاً خلل وقصور في جودة النظام الصحي وتوافر الموارد.
تُصنف العملية القيصرية الى اسعافية نتيجة لأمر طارئ يستدعي التدخل السريع لانقاذ الأم أو الجنين أو قيصرية مخطط لها سلفاً.
تصنف القيصرية بكونها:
- أولا: كلاسيكية إذا كان الشق الجراحي في القطعة العلوية من العضلة الرحمية وتقتصر حالياً على حالات خاصة جداً عندما يتعذّر شق الرحم في القطعة السفلية.
- ثانياً: القيصرية السفلية عندما يكون الشق في القطعة السفلية من الرحم سواء كان طولياً أو معترضاً وهو ما يتم إجراؤه بشكل شائع وروتيني في الوقت الراهن عند إجراء العملية القيصرية.
يعتبر التخدير الناحي النصفي فوق الجافية أو الشوكي الأفضل عند إجراء القيصرية حسب الطب المسند بالبراهين لأنه يتيح للسيدة التواصل المباشر مع الوليد والبدء فوراً بالإرضاع الطبيعي فور ولادة الطفل، كما أنه يتجنب خطر الاختناق أثناء التخدير الكامل وكذلك العطالة الرحمية الناتجة عن أدوية التخدير الكلي وبالتالي تجنّب نزوف الخلاص.
عادة مايكون شق الرحم في القطعة السفلية كما اسلفنا من قبل وذلك لضمان التئام الجرح بشكل جيد وتجنّب انفتاح الندبة في الحمول اللاحقة. يتم استخراج الجنين بالرأس أو المقعد حسب وضعية الجنين داخل الرحم ويسلّم لطبيب الأطفال لفحصه والعناية به مع ضمان التّماس المباشر مع الأم، على أن يتم بعد ذلك استخراج المشيمة وتنظيف جوف الرحم وخياطة القطعة السفلية مع اعطاء مقبضات للرحم لتقليل خسارة الدم ومنع العطالة الرحمية؛ ثم يتم بعد ذلك تنظيف تجويف البطن من الخثرات الدموية والتأكد من عدم وجود تجمعات دموية ومن وجود المبيضين وسلامتهما وكذلك إدرار البول بشكل جيد ورائق وعد الأدوات الجراحية والفوط المستخدمة وقطع الشاش قبل إغلاق جدار البطن.
النقاهة بعد القيصرية
من المفيد التسريع بعملية النقاهة بتشجيع السيدة على الحركة بعد الولادة القيصرية والإرضاع الطبيعي وتناول الطعام والتخريج من المستشفى بسرعة والعودة للحياة الطبيعية بأسرع ما يمكن طالما لا توجد حاجة طبية.
خدمات النفاس
ينبغي المتابعة المنزلية بعد الولادة لتقصي وجود أي شكاوى طبية مثل الألم والإمساك والتعب والوهن وكشف علامات الاكتئاب النفاسي باكراً ما أمكن، أو أي أعراض وعلامات لإختلاطات قد تكون خطيرة والتعامل معها بشكل صحيح قبل أن تتفاقم بالإضافة إلى الحث على الارضاع الطبيعي والتعامل مع أي عقبات قد تدفع السيدة للفطام الباكر للوليد.
استطبابات العملية القيصرية
- سوابق قيصرية أو أكثر أو أي تدخل جراحي سابق على العضلة الرحمية مثل استئصال نواة ليفية من العضلة الرحمية لأنها تتسبب في وجود ندبة على الرحم قد تكون ضعيفة وتؤدي لتمزق رحم في الحمل اللاحق مع بدء المخاض والتقلصات الرحمية.
- تضيق الحوض خلقياً أو بعد حادث أدى لكسر في الحوض والذي يمنع رأس الجنين من التدخل في الحوض والولادة من خلاله.
- وجود أورام ليفية أو أي كتل في القطعة السفلية تمنع رأس الجنين من النزول في الحوض.
- وجود عدوى لدى الأم مثل فيروس الهربس التناسلي بحالة نشطة أثناء الولادة فإنه ينبغي إجراء قيصرية لتجنّب انتقال العدوى للجنين أثناء مروره في المهبل والتي قد تؤدي لاختلاطات شديدة في مخ الجنين.
- وضعيات الجنين المعيبة مثل المقعدي أو المعترض.
- الحمل متعدد الأجنة، توأم ثنائي أو أكثر.
- الأجنة العرطل ( fetomegaly ) وهو الجنين الذي يتجاوز وزنه حين ولادته في أي عمرٍ من الحمل 4000غ.
- ولادة سابقة غير سليمة مثل سوابق تمزق عنق الرحم أو صعوبة ولادة جنين واستخدام ملقط الجنين أو المحجم.
- تألم جنين أو انسدال السرر.
- أسباب متعلقة بالمشيمة مثل ارتكاز المشيمة المعيب أو انفكاك المشيمة الباكر أو اندخال المشيمة.
اختلاطات القيصرية
بالرغم من أن القيصرية آمنة إلى حد كبير وهي تُجرى لتحسين الإنذار لدى كل من الأم والجنين ولكن تبقى أكثر خطورة من الولادة الطبيعية من حيث النزف وتَشكل أورام دموية وما يتبعه من حدوث فقر الدم ونقل الدم.
كما أن التدخل الجراحي على السيدة الحامل يزيد من خطورة تكوّن الجلطات والصمة الرئوية وما يتلوه من دخول العناية المشددة؛ ومثل أي عمل جراحي قد تتسبب القيصرية بأذيات للمثانة والحالبين والأمعاء.
على المدى الطويل قد تتسبب القصرية بالتصاقات وآلام حوضية مزمنة ومع تعدد القيصريات تزداد نسبة انفتاح الندبة وتمزق الرحم وحدوث ارتكاز مشيمة معيب وتداخل المشيمة في الحمول اللاحقة، كما تتسبب بحدوث ما يسمى بتجويف جرح القيصرية والحمل داخل الندبة.
الاستراتيجيات المتبعة للإقلال من وتخفيض معدل العملية القيصرية
توصي الهيئات العلمية والصحية باتباع العديد من السياسات في محاولة لخفض معدل القيصريات حول العالم ومنها تحسين خدمة رعاية الحوامل لكشف ومنع حدوث اختلاطات ومعالجتها باكراً قبل أن تتفاقم، ونخص بالذكر داء السكري في الحمل وضبطه بشكل كامل قبل الولادة وكذلك الوقاية من حدوث تسمم الحمل وفقر الدم وتقديم النصائح للتغذية السليمة وتجنّب البدانة وتدريب الحوامل وتثقيفهن وتحضيرهن وتدريبهن على مراحل المخاض وذلك وفقاً للطب المسند بالبراهين. كما توصي بتجنّب التداخلات الباكرة وغير الضرورية ما أمكن ومنها تحريض المخاض ما لم يكن هناك استطباب صريح وواضح وكذلك تجنّب إجراء القيصرية بناءً على طلب السيدة وفي غياب أي سبب طبي عن طريق تقديم التثقيف الصحي اللازم وشرح المخاطر الآنية والآجلة المترتبة على العمل الجراحي.
تشجيع الممارسات الطبية المفيدة مثل محاولة تحويل الجنين المقعدي بالأعمال الخارجية والولادة الطبيعية عن طريق المهبل بعد قيصرية واحدة.
إتباع سياسة توحيد أجور الكوادر والمؤسسات العلاجية لكل من الولادة الطبيعية والقيصرية.
محاولة الولادة الطبيعية بعد قيصرية واحدة
تعتبر محاولة الولادة الطبيعية بعد قيصرية أحد الممارسات الجيدة من الناحية الطبية وكواحدة من الإستراتيجيات لخفض معدل القيصريات، ولكن ينبغي أن تخضع المحاولة لتقييم ومعايير دقيقة ومناقشة وشرح وافٍ للسيدة الحامل قبل الدخول فيها لأنها تحمل في ثناياها خطورة انفتاح الندبة وتمزق الرحم وما يترتب عليه من خطورة على حياة الأم والجنين.
بكل الأحوال لا بد من وجود السيدة داخل مستشفى مجهز بغرف عمليات وعناية مشددة وخدمات نقل الدم وتوافر الجرّاحين القادرين على التدخل في أي مرحلة بكفاءة عالية.
تزداد نسبة نجاح المحاولة إذا كان هناك سوابق ولادة طبيعية وأن يكون قد مرّ على الأقل مدة 18 شهراً بين القيصرية والحمل الجديد وسوابق نجاح ولادة طبيعية بعد قيصرية وإذا كانت القيصرية السابقة لسبب مؤقت مثل المجيء المقعدي.
لا يُفضّل المحاولة اذا كانت القيصرية بسبب عدم تقدم مخاض شاق وعسير وأن تكون أجريت في الطور الثاني من المخاض أو بعد قيصرية على القطعة العلوية من الرحم أو بسبب تمزق رحم أو سوابق قيصريتين أو أكثر.