مقالات طبية

المستشفيات الفندقية في استطلاعات الرأي

المستشفيات الفندقية في استطلاعات الرأي

هذا ما يريده المرضى

أدى توسُّع اعتماد المستشفيات الفندقية حول العالم إلى اتساع شريحة الزبائن أو المرضى الذين يرغبون في ارتياد هذا النوع من المستشفيات والحصول على خدماتها المميزة. ومع أن نسب من يفضلون المستشفيات الفندقية أثناء فترة تلقي العلاج، متفاوتة بين بلد وآخر أو بين منطقة وأخرى عالمياً، إلا أن هذه النسب بمجملها هي في ارتفاع. وقد بيّنت الدراسات المجراة في هذا المجال أن شريحة طالبي الخدمات الإستشفائية الفائقة العناية والرفاهية تكبر عاماً بعد عام، من دون أن يعيقها ما يمكن أن يرتِّب ذلك على المريض من زيادة في التكاليف. لا بل إن العديد بات يطلب توفير هذه الخدمات في حال عدم توفّرها، ما جعلها في اتساع مطّرد. وقد قطع العالم العربي شوطاً متقدماً على هذا الصعيد.

أكدت استطلاعات رأي أجريت في أوروبا والولايات المتحدة، أن عدداً متزايداً من المرضى على استعداد تام لإنفاق 38% أكثر من التكاليف المعتادة مقابل الحصول على غرفة مستشفى كتلك الموجودة في الفنادق. وأن 41% من المستطلعين أيدوا فكرة أن تنتقل المستشفيات التقليدية إلى مستشفيات فندقية. ويُنقل في هذا الإطار عن كورتني سوس رايسنافيتشي، الباحث الرئيسي والأستاذ المساعد في كلية إدارة الضيافة في جامعة بوسطن، قولها أنه في ما مضى كان تركيز صناعة الضيافة على المطاعم أو التسكين أو الفنادق، أمّا الآن فيظهر أنَّ هناك تركيزاً متزايداً من قبل المستشفيات بشأن إرضاء المرضى. وهذا حوّل المستشفيات إلى نموذج أكثر تركيزًا على عملائها، وشكّل تغييراً كبيراً أدخل الكثير من الإهتمام على البيئة المادية وكذلك الخدمية. وبالتالي حقق أرباحاً مضافة للمستشفيات التي أدخلت هذا النوع من الخدمات. 

واستعرضت دراسة أجريت حديثا آراء حوالى 400 شخص عبر الإنترنت، جميعهم ممن كانوا يقيمون بالمستشفيات خلال الأشهر الستة الماضية، حيثُ قام المشاركون في هذه الدراسة بفحص أربعين تصميماً من التصميمات التي وُضعت خصيصاً لغرف المستشفيات، ويحتوي كلٌّ منها على مجموعات مختلفة من التجهيزات الفندقية. وقد أبدى كل من رايسنافيتشي، والباحث المشارك مكاراند مودي الأستاذ المساعد بقسم تسويق الضيافة، اهتمامهما بوسائل الراحة التي حازت على إعجاب أكثر من قبل المرضى. وهذا بعد اختبار ثمانية عشر بندا، من بينها التصميم الداخلي وخدمة الرعاية الصحية والخيارات الغذائية. أما بحسب المناطق فقد تبيّن أن أوروبا حلّت في المرتبة الأولى لناحية نسبة طالبي الإستشفاء في المستشفيات الفندقية، تأتي بعدها الولايات المتحدة، وحلّت أوستراليا في المرتبة الثالثة ومن ثم الدول الغنية الأخرى. ويتبين في دراسة منفصلة أن العالم العربي يتقدم بسرعة على هذا الصعيد لاسيما الدول الخليجية ومصر. لكن اللافت أنه في المنطقة العربية بدأت المستشفيات تتجه بقوة إلى هذا النوع من الإستشفاء الفاخر، قبل أن تبدأ أو تتوسّع مطالبات الناس بذلك.

آراء المرضى المستطلَعين

من ناحية آراء المرضى المستطلعين تبيّن أنها تركزت أكثر على التصميم الداخلي للمستشفيات، إضافة إلى أشياء أخرى مثل الطعام والخدمة. فعلى سبيل المثال، احتوت واحدة من عينات الغرف المختارة في التصاميم، على أغطية أسرّة فاخرة، ومطبخ صغير بركن الغرفة، علاوة على رداء حمام ناعم مزركش معلق بباب الحمام. 

وهناك أيضاً نوعٌ من الغرف فيها سرير بسيط، لكن جدرانها مزينة بالرسومات الفنية وفيها أيضاً أحد موظفي الرعاية الصحية المدرَّبين على تقديم خدمة الضيافة بالمواصفات الفندقية الراقية. وقد تم توسيم جميع هذه المرافق لسهولة التعرف إليها، وقام المشاركون بتقييم الغرف لمعرفة أيٍّ منها قد حازت على اختيارهم إذا توجب عليهم المكوث في المستشفى مستقبلاً. كما قام الباحثون بتحليل النتائج لمعرفة وسائل الراحة التي كان لها النصيب الأكبر من الأصوات. وبنهاية البحث تبين أن التصميم الداخلي حلّ في صدارة هذه القائمة، حيث فضّل المشاركون غرف المستشفى ذات التصميم الحديث والطابع العصري كالتي بها حائط مطلي بلون مختلف، أو أرضيات خشبية. بينما أتى الفريق المدرب على الضيافة في الترتيب الثاني من هذه القائمة، أما الترتيب الثالث فكان لعامل التكنولوجيا المتاحة، مثل التليفزيون ذي الشاشة المُسطحة عالية الجودة، أو مثيل ذلك من التجهيزات.

وأوضحت الدراسة أهمية علاقة الرعاية الصحية بالتصميم التي قد يستغرب لها البعض. وكشفت أنه لطالما اعتمدت الرعاية الصحية على كفاءة الأطباء وطاقم التمريض، ولكن في الحقيقة تم الإعتماد على مجموعة من الأبحاث التي أوضحت أنَّ غرف المستشفيات المشابهة لغرف الفنادق والتي بها فريق مدرب على الضيافة يمكن أن يُحسن فعليا من نتائج المرضى. وأظهرت الدراسة أن خيارات التصميم مثل النوافذ الكبيرة المشمسة، والمناظر الطبيعية أو المطلة على الحدائق، أو حتى مشاهد الطبيعة الفنية، تساعد في الحد من شعور المريض بالتوتر والألم، وذلك وفقًا للمراجعة التاريخية لعام 2008 التي أجراها روجر أولريش أستاذ الهندسة المعمارية بمركز هندسة الرعاية الصحية بجامعة تشالمرز للتقنية في السويد وفريق من زملائه. وتناولت الدراسة آراء عدد من الأطباء حول ما لاحظوه، سواء من مسار تعافي المرضى أو رضاهم، وكان الجواب أن المرضى الذين كانوا يقيمون في الغرف الأكثر تعرضا لأشعة الشمس كانوا أقل شعوراً بالألم، وأقل استهلاكاً للمسكنات بنسبة 20% مقارنةً بمن يقيمون في الغرف غير المشمسة. 

وقد سأل كل من رايسنافيتشي ومودي، المشاركين عن مدى استعدادهم لدفع تكلفة أكبر لغرفة زودت بسبل الرفاهية كتلك التي في الفنادق مقارنةً بالغرفة العادية. وفي المتوسط، كانوا على استعداد لدفع 38% أكثر من الإنفاق المتعارف عليه مقابل الحصول على غرفة إستشفاء فندقية. وكان تشديدهم واضحاً على أن مثل هذه الخدمات تبيّن بالبرهان القاطع أنها ليست أمراً تفصيلياً أو لمجرّد الترفيه، إنما تدخل في صلب العمل الإستشفائي بالمفهوم الحديث. وفي سياق استطلاع آراء المرضى تبيّن أيضاً أن هناك فرقاً في الخيارات بين مجموعتين من المشاركين: “الأقل صحةوالأكثر صحة”.  فقد أظهر المشاركونالأقل صحةممن أمضوا وقتاً أطول في المستشفى والذين قيّمت صحتهم البدنية والعقلية بأنهم أقل من مجموعةالأكثر صحة، أنهم على استعداد لدفع نسبة 44% أكثر من أجل الحصول على غرفة مثل غرف الفنادق، بينما كانت مجموعةالأكثر صحةعلى استعداد لدفع نسبة 31% أكثر فقط. وشددوا على أنَّ بعضاً من وسائل الرفاهية بالفنادق كمطبخ صغير مزود بثلاجة وماكينة صنع القهوة، تمثل أدوات قد ينتفع منها زائرو المريض إذا استغرقت زيارتهم له مدة طويلة.

أمثلة من العالم العربي

ولكن ماذا عن تكلفة تحويل الغرف العادية إلى غرف فندقية في المستشفيات وكيف تنظر إداراتها إلى هذا التغيير، حيث يشهد العالم العربي تطوراً مهماً على هذا الصعيد؟

يرى المتخصصون أن بعضاً من هذه التغييرات ليس صعب التنفيذ ولا عالي التكلفة كتغيير الإضاءة في المستشفى، طلاء الجدران أوتزويدها بالرسومات الفنية، مما سيجعل منها تغييرات إيجابية تؤدي الى زيادة العائد المادي، وتحسّن التصميم الداخلي للغرف واكتساب رضا المرضى، بل وحتى تحسن صحتهم. وتؤكد إدارات المستشفيات أنها تود بالفعل أن تتحقق من تأثير الإهتمام بالضيافة والرفاهية على الجانب الجسدي والعقلي والنفسي والاجتماعي للمرضى وأسرهم.

وعلى مستوى العالم العربي بدأ العديد من الدول لا سيما الخليجية منها التحوّل بقوة إلى المستشفيات الفندقية تصميماً وتجهيزاً وخدمات. ففي المملكة السعودية مثلا بدأ يتنامى منذ سنوات تعيين طاهيات سعوديات لإعداد وتحضير الوجبات الغذائية للمرضى بتطبيق النظام الفندقي، ومنح الفرصة للمريض باختيار وجبته الغذائية المفضلة بشكل يومي، وعلى مدار أوقات وفترات الوجبات الثلاث الرئيسية، بعد أن يتم تقييم الحالة الغذائية المناسبة له وفق توصيات الطبيب المعالج وأخصائية التغذية العلاجية، حيث يطبّق المجمع الطبّي النظام الإلكتروني في قياس رضا المريض بخدمات التغذية، تماشياً مع رؤية وزارة الصحة في تحقيق أحد أهدافها برفع مستوى رضا المريض. ويجري باستمرار تحديث التجهيزات بإنشاء غرف ضيافة في كل دور من أدوار التنويم العادية تعمل على مدار الساعة خدمة للمريض ومرافقه.

وفي الإمارات، أضافت هيئة الصحة بدبي خدمة طبية فندقية مميزة في مستشفى لطيفة للنساء والأطفال، حيث أسست الهيئة ما أسمتهأجنحة البستان، لإحاطة النساء بالمزيد من الرعاية والعناية الفائقة قبل وبعد العمليات الجراحية وخلال عمليات الولادة، في خطوة مهمة تمضي فيهاصحة دبينحو تقديم خدمات تنافسية عالية الجودة، وخيارات متعددة أمام المتعاملين مع مستشفياتها بشكل عام. وتتسمأجنحة البستانبأجواء فندقية من حيث الإقامة ونوعية وطريقة تقديم الوجبات الغذائية، والمناخ العام ومستوى التأثيث رفيع المستوى، إلى جانب توفير المزيد من الوسائل الترفيهية، مع تلبية أية احتياجات شخصية أخرى تتفق والبروتوكولات المعمول بها داخل مستشفيات الهيئة. والجدير بالذكر أن الإستفادة منأجنحة البستانالبالغ عددها 15 جناحاً يعد اختيارياً. 

وكذلك اعتمدت مصر مبدأ الخدمة الفندقية في مستشفياتها منذ سنوات، حيث بدأت بتوزيع وجبات فندقية مغلفة على مرضى الأقسام الداخلية وكذلك على العاملين من الأطباء والتمريض والفنيين والفئات المعاونة لهم، فى 15 مستشفى عام ومركزي وتخصصي في الإسكندرية، بحيث يستفيد من الخدمة حوالى 60 ألف مريض سنوياً. وطبعا الأمر نفسه ينطبق على مناطق أخرى في البلاد. كما أن هناك دولا أخرى تعتمد الأمر نفسه بينها قطر والأردن.

هذه مجرد أمثلة على بعض ما يتم تحقيقه في العالم العربي على مستوى المستشفيات الفندقية التي يتوسع اعتمادها أكثر فأكثر في مختلف هذه الدول وبتصاميم وتجهيزات وخدمات جد مميزة. وهي تواكب في هذا المنحى ما بات عليه العالم من اعتماد واسع لشبكات من المستشفيات الفندقية التي باتت تشغّل معها قطاعات واسعة من صناعة التجهيز إلى المطاعم وغيرها. وكل ذلك بعدما تبيّن مدى رضا المرضى عن هذه الخدمات ومردودها الإيجابي الصحي والنفسي عليهم، كما مردودها المادي على القطاع ككل. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى