مقالات طبية

العافية المفقودة والتحديات الصحية 

العافية المفقودة والتحديات الصحية 

تعددت المفاهيم عن الصحة والعافية مع التقارب في التعريفات عن الصحة والأمراض وتصنيفاتها وطبيعتها وأسبابها ومخاطرها، وإمكانيات وطرق وأساليب علاجها؛ وبناء عليها تحددت القطاعات الصحية، واختلف في هياكلها ونظمها وإدارتها، ولكن بعد جائحة كورونا وما ترتب عنها من ازمات صحية واجتماعية واقتصادية تفطن العالم الى القصور الحاد في الأنظمة الصحية وتقييمها، وتباين الاختلافات بينها إن كانت في الدول الغنية أو الفقيرة أو المتوسطة الدخل أو بين الدول المتقدمة علميًا وثقافيًا ولها قدرات عالية في انظمتها الصحية أو غيرها من باقي دول العالم ، وإنما في المجمل هناك فجوات كبيرة في كل الأنظمة الصحية ، وتحتاج إلى وقفات جادة للإصلاح الصحي الحقيقي. 

لإنشاء أنظمة صحية قوية متماسكة مرنة، قادرة على التنبؤ بالازمات والتعزيز المستمر، والوقاية السليمة، والتشخيص المبكر لكل الأمراض وأسبابها، والعلاج الناجع في وقته بالطرق والأساليب العلمية والمسندة بالادلة والبراهين والدراسات السريرية والبحوث الطبية المتقدمة، وكوادر مؤهلة تأهيل حقيقي من مؤسسات تعليمية أكاديمية متقدمة ومعتمدة بمعايير عالمية .

*حياة الانسان وجودتها الأهم في هذه الدنيا*

 والتي بها تتحقق التنمية والنمو والتقدم الإنساني الحضاري.

إن العالم تهدده مخاطر صحية عديدة مسببة لملايين الوفيات والاعاقات سنويا، ومنهكة لاقتصاديات كل الدول ومن أهم المخاطر الصحية الرئيسية .

  1. الأمراض النادرة 

الأمراض النادرة وهي وراثية أو غير وراثية بطبيعتها ويكون السبب بيئيًا ناجمًا عن عدوى بكتيرية أو فيروسية او مسببات أخرى .

الأمراض الوراثية هي التي يسببها خطأ أو طفرة في الحمض النووي للشخص تتسبب في بناء البروتينات بشكل غير صحيح، ووفق لبحوث الجينوم البشري هناك أربع طرق يحدث بها الاضطراب الوراثي 

  • طفرة في جين واحد – ( مونوجينك ).
  • طفرة في جينات متعددة. 
  • مزيج من الطفرات الجينية والعوامل البيئية. 
  • الأضرار الهيكلية للكروموسومات. 

الأمراض النادرة ليست نادرة كما يُعتقد ومنها الكثير صار مألوف ، وحيث يتأثر أكثر من 10 % من سكان العالم بالأمراض النادرة والمؤكد أن الأعداد أكثر بكثير من ما هو معلن ، نظرا للتقصير في البيانات الصحيحة والمتكاملة ، وعدم وجود طرق وأساليب وإمكانيات للتشخيص ، وكذلك إنعدام وجود تنسيق دولي بالخصوص . 

وما هو معلوم ان الأمراض النادرة تفوق 7000 مرض ولكن فقط 5% من المصابين لهم علاج، و 80 % أسبابها وراثية و 30 % يموتون قبل بلوغ السن الخامسة، وكثير منهم يموتون من دون تشخيص، والباقي للأسف الشديد من دون علاج أو فرص للتحسن.

وقد يحتاج الوقت من 5 الى 8 سنوات للحصول على التشخيص لمعظم المرضى.

وغالبا ما يقع المرضى ضحايا التشخيص المتأخر والحصول على العلاج المتأخر أو التشخيص الخاطئ الذي يؤدي الى علاج خاطئ وعالي التكاليف ، وآثار صحية متعددة تحتاج لعلاجات أخرى مكلفة .

والأمراض النادرة تنهك الحياة وتهددها من شدة المرض ، وعدم اليقين من التشخيص ، ونقص العلاج الفعال له تأثير إجتماعي قوي يعتمد إلى حد كبير على المرضى وأسرهم ، وتؤدي كذلك إلى مجموعة من الآثار السلبية على نوعية حياة المرضى وعائلاتهم بسبب تأخير التشخيص ، والتكاليف الباهظة جدا ومعظمها من الجيوب الخاصة مع أعباء التنقل والسفر للحصول على الرعاية المتخصصة المفقودة مع فقدان الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي وازدياد حدة الوصمة ، وانخفاض المشاركة في الأدوار الاجتماعية ، مع الأعراض المصاحبة من تعب وقلق واكتئاب وخصوصا للبالغين .وكذلك العبء الزمني لإدارة وتنسيق الرعاية اليومية لمرضى وعائلات الأمراض النادرة كبير جدا .

تشكل الأمراض النادرة تحديات حقيقية للشخص المتأثر وأسرته ، والذين يتحملون مسؤولية تقديم الرعاية له . ومن التحديات الأخرى المعرفة بالأمراض النادرة نادرة ونقص المعرفة التامة بالأمراض النادرة وطبيعتها وتشخيصها ، وطرق علاجها عند المهنيين الصحيين على عكس فرق العلاج المتخصصة أو الاخصائيين مع ندرتهم ، مما فاقم من تأخر التشخيص السليم والمعلومات المتضاربة حول تشخيص المرض والإعتماد على المرضى لتوفير المعلومات للمهنيين الصحيين مما ادى الى فقدان الثقة في الاطباء ونظام الرعاية الصحية ، وانعدام الأمان، والشعور بالخوف واليأس والعزلة والاكتئاب والتمييز والاذلال ، وللأسف النقص المعرفي بالأمراض النادرة أنعكس حتى على الإطار الاجتماعي والتعليمي والوظيفي ، مما فاقم من الآثار السلبية على المرضى ، وهذا ما جعل معظم المرضى وعائلاتهم خبراء في تشخيص أمراضهم، ومدافعين عن صحتهم ، وبنوا ثقة بأنفسهم بأنهم أكثر دراية ومعرفة بظروفهم من المهنيين الصحيين ، وهذا أنعكس بالسلب على المرضى وذويهم ، وما يصاحب ذلك هو معاناة المرضى وعائلاتهم من مسألة الكشف عن التشخيص ، ومتى وكيف ولمن يجب ، وكيفية المخاطرة بالعواقب الاجتماعية السلبية نظرا للمفاهيم الخاطئة مما يسبب العزلة والابتعاد والوصمة .

تشكل الأمراض النادرة والظروف التي تحيط بها عبئًا اقتصاداً كبيرًا ، واعباء مالية مرهقة للمرضى وعائلاتهم ، وتشمل التكاليف الطبية المباشرة والتكاليف الغير مباشرة ومنها فقدان الإنتاجية ، والخروج من العمل أو الإيقاف المتكرر ، وهناك عوامل كثيرة تدفع لعبء التكاليف مثال التشخيص المتأخر ، والتقدير الكمي الغير دقيق لاستغراق زمن طويل من السنين ، وبعضها يستغرق عقود ، وكذلك تكاليف الرعاية الشخصية للمرضى مدفوعة الآجر ، والتعديلات المطلوبة على السكن لجعله متاحا ، ونفقات الانتقال والتعليم الخاص وغيرها كثير . 

لذلك هناك حاجة ماسة لفهم واضح للانماط الحالية لاستخدام الموارد والتكاليف للمرضى الذين يعانون من أمراض نادرة من أجل المساعدة في التخطيط المناسب للخدمات الصحية ، مع تحديث دراسات تكلفة المرض لفهم اقتصاديات الأمراض ، وهياكل تكاليفها المتغيرة لتمكين واضعي السياسات من فهم العوامل التي تؤثر على النفقات المتعلقة بالأمراض بشكل افضل ، وضرورة التوسع في المشاريع البحثية التي تركز على عبء الأمراض النادرة لأنها ستكون حاسمة حول فعالية التكلفة ، وتفضيلات المرضى للعلاجات الجديدة ، أو التشخيص أو الرعاية الصحية الأفضل للمرضى الذين يعانون من أمراض نادرة ، وهذا يتطلب كذلك زيادة الجهود المكرسة لتحسين المعلومات عن الأمراض النادرة بالنظر للتكاليف الاجتماعية ، والتأكيد على زيادة الموارد المخصصة للدعم الاجتماعي للأسر بما في ذلك تعزيز الرعاية الرسمية ، والحماية الاجتماعية لمقدمي الرعاية غير الرسمية ، والاعتراف بهم رسميًا واجتماعيًا . 

ومن المهم أن تتوفر المعلومات الصحيحة والمتكاملة والموثوقة للعاملين الصحيين ، والمتخصصين والمرضى وذويهم ومدارسهم ومجتمعهم ، وبيئية عملهم ومحيطهم ، ومنظمات الدعم للمرضى مع ضرورة إيجاد علاقة تعاونية وثيقة بين مقدمي الرعاية والمهنيين الصحيين والمرضى وعائلاتهم ، ودمج المرضى كشريك أساسي في الرعاية الصحية .

وبالامكان التقليل من التحديات التي تتجاوز القضايا الطبية من خلال المزيد من المعرفة ، والوعي بالامراض والاضطرابات النادرة في المجتمع ، وزيادة التركيز على الصحة النفسية ، والأوضاع الاجتماعية ، واستراتيجيات المواجهة ، والاهتمام بالأبحاث حول التأثير النفسي والاجتماعي للعيش مع مرض نادر مع ضرورة إنشاء رموز محددة لكل الأمراض النادرة ، وتعريفها وحصرها وتدوينها ، وتوسيع قاعدة المعرفة بها.

لأن التصنيف الدولي للأسف غير مكتمل وينقصه الكثير ولا يوجد تنسيق حقيقي ، ويتطلب إنشاء قاعدة بيانات ، وتسجيل وطني للأمراض النادرة والمرضى المصابين بها ، وإعتماد السجلات الإلكترونية لها ، وشبكات مرجعية للدول العربية . 

ضرورة توفير جميع وسائل التشخيص المتقدمة للأمراض النادرة ، ودعم المختبرات الجينية ، وتحسين وصول المرضى للتشخيص الفعلي ، والمعلومات الصحيحة ، والرعاية الصحية الكاملة، وإنشاء وحدات رعاية ذو خبرة ومهنية عالية متخصصة ومرتبطة بمستشفيات مرجعية متخصصة، وتوفير جميع الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية اللازمة للعلاج ، وتحسين الحياة للأشخاص الذين يعيشون مع مرض نادر ، وتطوير التشخيص والعلاج من خلال البحث والابتكار والتعليم والتدريب المستمر .

وضع البرامج والآليات الواضحة لتقييم السياسات، والتدخلات العامة للأمراض النادرة لتحديد العواقب الحالية للأمراض النادرة على المجتمع ، وتقييم السياسات والتدخلات الجديدة لدراسة فعالية تكلفة العلاجات الجديدة ، مع الوضع في الاعتبار أن تهدف التدخلات إلى تعزيز إستراتيجيات التكيف للافراد ، والتقييم الذاتي للمرضى بالاضافة إلى رؤيتهم للمتابعة الطبية لحالاتهم وتطورها مما يعزز لديهم مشاعر السيطرة على عواقب الأمراض وتأثيرهما.

إن الأمراض النادرة المعلوم منها يسير وغير المعلوم كثير والتكلفة باهظة جدا على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة؛ على الجميع التكاتف محليًا وعربيًا واقليميا ودوليًا للحد من الأمراض النادرة وآثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

الصحة والعافية والرفاه كل ما نرجوه 

للمقال بقية

د.علي المبروك أبوقرين 

عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى