مقالات طبية

الرياضة والصحة… حلبة واحدة وهدفان لعالم أفضل

الرياضة والصحة…  حلبة واحدة وهدفان لعالم أفضل

لطالما كانت الرياضة والصحة متلازمتين وتدعم الواحدة الأخرى. فالرياضة والصحة تسيران جنبًا إلى جنب، مما يوفر للناس في جميع أنحاء العالم، ومن مختلف القدرات والأعمار، فرصة لحياة أكثر سعادة وصحة وإنتاجية. وثمّة العديد من الدراسات التي تُظهر بدقة أهمية الرياضة في تأثيرها على الصحة البدنية منها والنفسية.

ونظرا لأهمية هذا التأثير أعدت منظمة الصحة العالمية برنامجًا للرياضة والصحة بغية الاستفادة من الإمكانات العظيمة لمساعدة الناس في جميع أنحاء العالم على عيش حياة صحية من خلال تعزيز المشاركة في الألعاب الرياضية والعمل مع المجتمع الرياضي للنهوض بالصحة للجميع. والهدف العام من البرنامج هو تسريع التقدم في الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة، وهو ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للجميع ومن جميع الأعمار، من خلال تنفيذ برنامج العمل العام الثالث عشر لمنظمة الصحة العالمية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، ومعالجة صحة الطوارئ وتعزيز صحة السكان. وتوصف الرياضة كمنصة للصحة، لذلك سعت منظمة الصحة العالمية إلى العمل على مجموعة عناوين صحية، منها زيادة الإرث الصحي للأحداث الرياضية الكبرى. وتتم ترجمة ذلك في زيادة القدرة الوطنية للمقاطعات التي تقام فيها الأحداث الرياضية الكبرى في ما يتعلق بالوقاية من تفشي الأمراض، وسلامة الغذاء والماء والهواء، وتعزيز الصحة والسلامة والأمن الصحي في التجمعات الجماهيرية.

ولغاية الحفاظ على الرياضة آمنة، ومواكبةً للفعاليات الرياضية في العالم العربي، لا سيما مونديال قطر، تفتح مجلةالمستشفى العربيهذا الملف سعيًا منها لتعزيز الأمن الصحي للأحداث الرياضية عالية المستوى، والتوعية حول السلامة المتعلقة بالفعاليات الرياضية والتجمعات الجماهيرية. وسعيًا منها إلى المساهمة في إنجاح الأحداث بذاتها بما في ذلك من نشاط وحركة ومردود مادي. كما إلى المحافظة على الصحة سليمة مهما تعرّض العالم للأوبئة والجائحات.

أهمية النشاط البدني في تعزيز الصحة.. نتائج باهرة بعلاجات بسيطة

معلوم أن للنشاط البدني أهمية بالغة في المحافظة على صحة سليمة. وهناك العديد من الحالات المرضية التي يطلب فيها الطبيب المعالج من مريضه القيام بنشاط رياضي محدد للشفاء من الحالة موضوع الشكوى أو الألم. ويشير النشاط البدني إلى جميع الحركات، بما في ذلك الرياضة وركوب الدراجات والمشي والاستجمام النّشِط واللعب. ويمكن القيام بهذه النشاطات على أي مستوى من المهارة ولإمتاع الجميع. وأيضا هناك العديد من الحالات البدنية وحتى النفسية التي تم الشفاء منها بمجرد ممارسة النوع المطلوب أو المناسب من الرياضة.

يساعد النشاط البدني المنتظم في الوقاية من الأمراض غير السارية وعلاجها مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري وسرطان الثدي والقولون. كما أنه يساعد في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم وزيادة الوزن والسمنة. ويمكن أن يحسّن الصحة العقلية ونوعية الحياة والرفاهية. ومع ذلك، فإن الكثير من العالم أصبح أقل نشاطًا مع تطور البلدان اقتصاديًا، مما زاد من مستويات الخمول. في بعض البلدان، يمكن أن تصل هذه المستويات إلى 70 في المئة، بسبب تغيّر أنماط النقل وزيادة استخدام التكنولوجيا والقيم الثقافية والتحضّر.

كيف نزيد نشاطنا البدني؟

تدعم المنظمات والجمعيات بقوة، سواء عبر برامج توعية مباشرة أو من خلال العمل في شراكات، المجتمعات والبلدان لتنفيذ نهج المجتمع بأكمله بهدف زيادة مستويات النشاط البدني لدى الأشخاص من جميع الأعمار والقدرات. وهذه المبادرات تساهم في تعزيز التنسيق والقدرة على الصعيدين العالمي والإقليمي والوطني لتلبية احتياجات الدعم التقني والابتكار والتوجيه. وترمي هذه البرامج القائمة على تحفيز النشاطات الرياضية المتنوعة، إلى تقليل الخمول البدني بنسبة 15 في المئة بحلول العام 2030. وقد أثبتت الرياضة أنها أداة فعالة ومنخفضة التكلفة ومرنة لتعزيز أهداف السلامة والتنمية. ومنذ بداية الأهداف الإنمائية للألفية في العام 2000، أدت الرياضة دوراً حيوياً في القرارات المتعددة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي القرار 70/1، بعنوانتحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030“، الذي اعتمد في العام 2015، استمر الإقرار بدور الرياضة في تعزيز التقدم الاجتماعي.

والرياضة هي أيضاً من العناصر التمكينية المهمة للتنمية المستدامة. وذات دور رائد بالمساهمة المتعاظمة التي تضطلع بها في تحقيق التنمية والسلام، بالنظر إلى دورها في تشجيع التسامح والاحترام ومساهمتها في تمكين المرأة والشباب والأفراد والمجتمعات وفي بلوغ الأهداف المنشودة في مجالات الصحة والتعليم والاندماج الاجتماعي. ولطالما قام مكتب الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام.

والمشاركة المنتظمة في الأنشطة الرياضية والبدنية توفّر فوائد اجتماعية وصحية شتى. فهي لا تؤثر على اللياقة البدنية تأثيراً مباشراً فحسب، بل تغرس أيضاً لدى الأطفال وصغار السن خيارات أساليب حياة صحية، وتساعدهم على أن يبقوا نشطين، وأن يكافحوا الإصابة بالأمراض غير السارية. وقد سلط عدد من الدراسات العلمية الضوء على قدرة التمارين البدنية على تنشيط الصحة العقلية الإيجابية والتطور الإدراكي. وتبيّن أن هناك ارتباطاً بين التمارين الرياضية وحدوث تحسنات في إحساس الإنسان وثقته بنفسه، فضلاً عن تأثيرات إيجابية لدى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق.

أمثلة وشواهد

تسهم الرياضة في السلامة بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الإثنية. ويرى الباحثون أن الجميع يستمتع بها، ومداها لا يضارعها فيه شيء آخر. فعلى سبيل المثال، أنشأ الاتحاد العالمي للتايكوندو، مؤسسة التايكوندو للعمل الإنساني، من أجل تشجيع الفنون الحركية في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء العالم. وتبيّن أن هذه المبادرات تخفف من محنة اللاجئين صغار العمر، وتنسجم تماماً مع أهداف التنمية المستدامة، لا سيما في ما يتعلق بالصحة.

ويستفيد الأطفال وصغار السن استفادة هائلة من النشاط البدني. فالأنشطة البدنية والرياضة المقترنة بمنهج مدرسي، ضرورية للتعليم الشامل. وتوفر الرياضة تعلماً مدى الحياة وتعليماً بديلاً للأطفال الذين لا يمكنهم الانتظام في مدرسة.

وبالاشتراك في الأنشطة الرياضية والبدنية، إلى جانب الدراسة في المدرسة، يتعلم التلاميذ القِيَم الرئيسية للرياضة، ومن بينها روح العمل كفريق، واللعب النظيف، واحترام القواعد والآخرين، والتعاون، والانضباط، والتسامح. وهذه المهارات أساسية للمشاركة المستقبلية في الأنشطة الجماعية وللحياة المهنية، ويمكن للرياضة أن تحفّز التماسك الإجتماعي داخل المجتمعات المحلية والمجتمعات الأوسع نطاقاً. وبالنظر إلى الفوائد التي تحققها من حيث نماء الشخص والتنمية الإجتماعية، تمثل إمكانية ممارسة الرياضة والمشاركة فيها هدفاً إنمائياً رئيسياً، سواء للمنظمات العالمية أو للجمعيات المحلية.

التجمعات الجماهيرية

ثمّة أمر آخر لا بد من الإنتباه إليه وهو تلافي الإصابات عندما تكون الأحداث الرياضية مكتظة المشاركين. وهذا يحصل في التجمعات الجماهيرية، مثل الأحداث الرياضية، وهي أنشطة مرئية للغاية يحضرها عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الأشخاص. ويمكن لهذه التجمعات أن تشكّل مخاطر على الصحة العامة وتضغط على موارد الصحة العامة للمجتمع أو المدينة أو البلد المضيف.

وتتطلب التجمعات الجماهيرية، مثل كأس العالم أو الألعاب الأولمبية، استعدادًا كبيرًا وقدرات استجابة من جانب المضيف. لذلك ترى المرجعيات المعنيّة وحمايةً للصحة العامة، أنه يجب على السلطات والمنظمين إجراء التخطيط المناسب من خلال اتباع نهج قائم على المخاطر في استعداداتهم بما في ذلك تقييم المخاطر والتخفيف من حدتها ومن مستوى الاتصال. 

كما يتطلب اتخاذ القرار بشأن عقد أحداث التجمعات الجماهيرية، وكيفية جعل الحدث أكثر أمانًا من خلال إجراء عملية استشارية تشمل جميع أصحاب المصلحة.

في هذا السياق وفي العديد من المجالات ذات الأولوية، تعمل منظمة الصحة العالمية على دعم الدول الأعضاء والشركاء لتحسين التخطيط لأحداث التجمعات الجماهيرية. وتشمل هذه المبادرات والتوجيهات:

  • ضمان تطبيق المعايير الصحيحة لتقييم المخاطر والمراقبة والاستجابة، بما في ذلك إدارة التفشي ومكافحة العدوى والتحصين.
  • دعم التخطيط لإدارة الإصابات الجماعية وحالات الطوارئ في المجتمعات المحلية، في أماكن الحدث.
  • ضمان وجود قدرات تشخيصية مناسبة، بما في ذلك الموارد البشرية وإجراءات النقل.
  • ضمان وجود إجراءات لتقديم مشورة وإرشادات صحية محدثة للزوار حول مواضيع مثل اللقاحات وسلامة الغذاء والماء وأرقام الإتصال في حالات الطوارئ. 
  • القيام بأنشطة قبل وأثناء التجمعات الجماهيرية لتشجيع السلوكيات الصحية، مثل زيادة النشاط البدني، والإقلاع عن تعاطي التبغ، وتجنب الإفراط في تناول الكحوليات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى