مقالات طبية

الإستشفاء الراقي في المستشفى الفندقي

الإستشفاء الراقي في المستشفى الفندقي

ضيافة أعلى وخدمات أفضل ونتائج مُرضية للجميع

يتطوّر الطب بكل تقنياته وأساليبه وعناصر استمراره، ويتخذ مفهومُ الإستشفاء مع الوقت حللاً جديدة. وهذا ما يجعل القطاع الطبّي في تقدُّم دائم خدمة لصحة طالبي الإستشفاء ورفاه المرضى. تحت هذا المبدأ راحت المستشفيات تبتكر الأساليب الأرقى للعناية بالمريض، حتى في ما يخرج عن إطار العلاج الطبي البحت. فتوسّعت وتطوّرت في مفاهيم خدمة المرضى وتجهيزات الغرف وطرق تلبية راحة المريض ومتطلباته خلال فترة العلاج. فبتنا مع الوقت نشهد تحوّلًا في الخدمة وتبدّلًا في التجهيزات، لاسيما في ما كان يُعَد غير ضروري في غرف المستشفيات، ليتبيّن مع الوقت وبعد الدراسات العديدة في هذا الخصوص، أنه جزء لا يتجزأ من عملية الإستشفاء ورضى المرضى.

سؤال جديد بدأت تطرحه كليات الضيافة على طلابها لمعالجته في شكل مفصّل وهادف: أين يمكن استخدام اختصاص الضيافة اللائقة في غير قطاعات الفنادق والمطاعم والإستقبالات الإحتفالية والمؤسسات السياحية؟ والجواب الصحيح المطلوب عن هذا السؤال هو: في قطاع الإستشفاء الذي بات اليوم من أكثر القطاعات خارج المؤسسات الفندقية والسياحية طلبًا لاختصاصات الضيافة واعتمادًا على التجهيزات التي تجعل المريض راضيًا عن إقامته في المستشفى، باعتبارها نقاهة تؤمّن له أسباب الترفيه وليس  فقط العلاج المقرون بانطباعات الألم والإحباط. 

الضيافة من الفندق إلى المستشفى

بات الحصول على غرفة مستشفى كتلك الموجودة في الفنادق متوافرًا الآن في العديد من المستشفيات حول العالم. وهناك بعض الكماليات من وسائل الرفاهية مثل أحواض الإستحمام الرخامية، وخدّام وخادمات، وهي باتت أكثر طلبًا على الرغم من ارتفاع سعرها للّيلة الواحدة نظرًا لما تقدّمه من خدمات. قالت كورتني سوس رايسنافيتشي، الباحثة الرئيسية والأستاذة المساعدة في كلية إدارة الضيافة في جامعة بوسطن في دراسة أُعدّت بهذا الخصوص: “في ما مضىكما ساد العُرفكان تركيز صناعة الضيافة على المطاعم أو السكن أو الفنادق، أمّا الآن فأنا أعتقد أنَّ هناك تركيزًا متزايدًا من قبل المستشفيات بشأن إرضاء المرضى، وهذا ما حوّل المستشفيات إلى نموذج أكثر تركيزًا على عملائه. وكان هذا بمثابة تغيير كبير أدخل الكثير من الإهتمام على البيئة المادّية وكذلك الخدمية في المستشفى”. واستعرضت الدراسة آراء حوالى 400 شخص عبر الإنترنت، جميعهم ممن كانوا يقيمون بالمستشفيات خلال الأشهر الستة السابقة للإستطلاع، حيثُ قام المشاركون في الدراسة بفحص 40 نموذجًا من التصميمات التي أُعدّت خصيصًا لغرف المستشفيات، ويحتوي كل تصميم على مجموعات مختلفة من التجهيزات الفندقية. وقد أبدى كل من كورتني رايسنافيتشي، والباحث المشارك مكاراند مودي  الأستاذ المساعد بقسم تسويق الضيافةاهتمامهما بوسائل الراحة التي حازت على إعجاب أكثر من قِبَل المرضى. وهذا بعد اختبار ثمانية عشر عاملًا، من بينها التصميم الداخلي وخدمة الرعاية الصحية والخيارات الغذائية. 

فعلى سبيل المثال، احتوت واحدة من عيِّنات هذه الغرف على ملاءات سرير فاخرة، ومطبخ صغير بركن الغرفة، علاوة على رداء حمّام ناعم مزركش معلق بباب الحمام. وهناك أيضًا غرف تحتوي على سرير بسيط، لكن جدرانها مزيّنة بالرسومات الفنية وبها أيضًا أحد موظفي الرعاية الصحية المدرَّبين على تقديم خدمة الضيافة كما يجب. وقد تم توسيم جميع هذه المرافق لسهولة التعرف عليها. وقام المشاركون بتقييم الغرف لمعرفة أيّ منها قد حازت على اختيارهم إذا توجّب عليهم المكوث في المستشفى مستقبلًا. كما قام الباحثون بتحليل النتائج للتعرف على وسائل الراحة التي كان لها النصيب الأكبر من الأصوات.

حلّ في صدارة هذه القائمة التصميم الداخلي وفرق الخدمة والتجهيزات، حيث فضّل المشاركون غرف المستشفى ذات التصميم الحديث والطابع العصري كالتي بها حائط مطلي بلون مختلف، أو أرضيات خشبية رقيقة. كما شمل التقييم الفريق المدرّب على الضيافة في الغرف كعامل مطلوب في هذه القائمة، ولم يغِب عامل التكنولوجيا المتاحة عن اهتمامات المستطلَعين، مثل التلفاز ذي الشاشة المُسطحة عالية الجودة. فالعديد من المرضى باتوا يعتبرون أن وسائل الترفيه هذه لم تعد كماليات غير ضرورية الوجود، إنما من ضروريات تسلية المريض وترفيهه والتخفيف من آلامه من جهة، وإعطائه المزيد من فسحات الأمل عندما يكون في وضع نفسي غير مستقر وغير سليم، من جهة ثانية.

الاستشفاء بمفهوم جديد

للوهلة الأولى قد يجد البعض صعوبة في تصوّر العلاقة بين الرعاية الصحية والتصميم، ولكن الدراسات تشير في هذا السياق إلى أن الرعاية الصحية التي لطالما اعتمدت على كفاءة الأطباء وطاقم التمريض، إلا أنها بدأت اليوم تعتمد مفاهيم جديدة وأساليب مختلفة في مقاربة المسألة ورعاية رضى المرضى. وقد اعتمدت الدراسات المختصة على مجموعة من الأبحاث التي أوضحت أنَّ غرف المستشفيات المشابهة لغرف الفنادق والتي بها فريق مدرب على الضيافة، يمكن أن يُحسّن فعليًا من نتائج المرضى.

وقد تبين أن خيارات التصميم مثل النوافذ الكبيرة المشمسة، والمناظر الطبيعية أو المطلة على الحدائق، أو حتى مشاهد الطبيعة الفنية، تساعد في الحد من شعور المريض بالتوتر والألم، وذلك وفقًا للمراجعة التاريخية لعام 2008 التي أجراها روجر أولريشأستاذ الهندسة المعمارية بمركز هندسة الرعاية الصحية بجامعة تشالمرز للتقنية في السويدوفريق من زملائه. ويفيد الأطباء، بحسب الدراسة، بأن المرضى الذين كانوا يقيمون في الغرف الأكثر تعرّضًا لأشعة الشمس أبدوا شعورًا أقل بالألم، واستهلاكًا أقل للمسكّنات بنسبة 20% مقارنةً بالمرضى الذين يقيمون في الغرف غير المشمسة. وقد سأل الباحثون المرضى المشاركين في الدراسة عن مدى استعدادهم لدفع تكلفة أكبر لغرفة مثل تلك التي زُوِّدت بسبل الرفاهية كتلك التي في الفنادق مقارنًة بالغرفة العادية، وفي المتوسط، كانوا على استعداد لدفع 38% أكثر من الإنفاق المتعارف عليه. وهذا ما يُثبت بما لا يقبل الشك أهميّة التصاميم والخدمات الفندقية في المستشفيات بالنسبة إلى المرضى، كون تلك التصاميم والتجهيزات والخدمات باتت تعني لهم مزيدًا من التعافي وسرعة في الشفاء.

كما أظهر تحليل البيانات أيضًا تباينًا بين مجموعتين من المشاركين، مجموعةالأقل صحةومجموعةالأكثر صحة، حيث أظهر المشاركونالأقل صحةممن أمضوا وقتًا أطول في المستشفى والذين قُيِّمت صحتهم البدنية والعقلية بأنهم أقل من مجموعةالأكثر صحة، أنهم على استعداد لدفع نسبة 44% أكثر من أجل الحصول على غرفة مثل غرف الفنادق، بينما كانت مجموعةالأكثر صحةعلى استعداد لدفع نسبة 31% أكثر فقط. 

وتناولت الدراسة أهميّة المأكولات في المستشفى بحيث تطوّر هذا العامل من أمر روتيني عادي، إلى عامل ذي أهميّة يفرض الإعتناء بتحضيره على مستويين: الأول، تنوّعٌ أكبر في المأكولات المقدّمة ومراقبةٌ أكبر لجودتها وملاءمتها سلامة المرضى صحيّا. 

والثاني، توسيع الخيارات لدى المرضى لناحية نوع الوجبة ووقت تناولها بما لا يتعارض طبعًا مع الشروط الصحية للمريض. يضاف إلى ذلك بعض من وسائل الرفاهية المعتمدة في الفنادق كمطبخ صغير مزود بثلاجة وماكينة تحضير القهوة وغيرها من المتطلبات، ما يمثل أدوات قد ينتفع منها زائرو المريض إذا استغرقت زيارتهم له مدة طويلة.

نقلة نحو المستقبل

ثمّة أمر آخر تبيّنت أهميّته مع الوقت وبنتيجة الأبحاث المجراة على هذا الصعيد، وهو رائحة المركّبات الطبيّة وأدوات التعقيم في المستشفى. وهذا الأمر استحوذ على اهتمام المصمّمين ومطوّري التصاميم في المستشفيات بما يتلاءم مع إقامة فندقية للمرضى. واقتضى ذلك بأن يتم اعتماد مركّبات معدّلة ونشر روائح في المستشفى لا توحي للداخل إليه أو المقيم فيه بأنه في مكان للعلاج، بل ليشعر تمامًا وكأنه في إقامة نقاهة فندقية لا أكثر. وهذا العامل تبيّن أيضا أن له تأثيره النفسي على صحة المريض ورضاه.

وفي هذا الخصوص كتب أحد المرضى بريدًا إلكترونيًا تضمّن التالي: “اضطر معظمنا لزيارة المستشفيات من قبل؛ وكنا نضطر أيضا للتحديق في الديكور والجدران الباردة الكئيبة، وتحمّل رائحة التركيبات الطبّية، هذا بجانب الإنتظار بفارغ الصبر للسماع لما سيقوله الطبيب. ولا يخفى علينا أن هذه الأوقات تُعد مجهدة بالفعل لكل من المرضى وأسرهم”. وأضاف: “بدأ المزيد من المستشفيات وعلى نحو مطّرد يعمل ويبدو مثل الفنادق. ولا يقتصر الأمر عند حد التصميم؛ بل يتجاوزه إلى ناحية الخدمات المقدّمة. كما تزايدت نتائج رضى المرضى، وكذلك تصوّراتهم وأسرهم بشأن سبل الرفاهية داخل المستشفيات”.

وقد أجرت جامعة بوسطن مسحًا علميًّا على المرضى تبيّن بنتيجته مدى تركيزهم الكبير واهتمامهم المتزايد بمسائل الرفاهية والطعام والتصاميم في الغرف، بما يوازي اهتمامهم بشهرة الطبيب المعالج أو الخدمات الإستشفائية التقليدية. وتوضح دراسة جامعة بوسطن أن بعضًا من هذه التغييرات سيكون سهلًا تنفيذه على نطاق أوسع، كتغيير الإضاءة في المستشفى، وطلاء الجدران أو تزويدها بالرسومات الفنية، مما سيجعل منها تغييرات إيجابية تؤدي الى زيادة العائد المادي، وتحسين التصميم الداخلي للغرف، واكتساب رضى المرضى بل وحتى تحسّن صحتهم. 

وتضيف الدراسة أنه يمكن التأكيد من دون تردد أن هناك فرصة عظيمة للضيافة. نحن نود بالفعل أن نتحقّق من تأثير الإهتمام بالضيافة والرفاهية على الجانب الجسدي والعقلي والنفسي والاجتماعي للمرضى وأسرهم. وبعد هذا البحث تبيّنت لنا صحّة ذلك. وتساءلت: “أوليس الغرض من وجود المستشفى هو توفير النقاهة وتعزيز الراحة والصحّة بأفضل خدمة للجميع؟وهذا ما أثبتته الدراسة بالفعل.

واليوم نجد هذا النموذج من الإستشفاء الراقي ينتشر ويتعمم شيئًا فشيئًا حول العالم. وبدأت المستشفيات تتحوّل تباعًا إلى مستشفيات فندقية تصميمًا ومحيطًا خارجيًّا وتجهيزات وخدمة داخليّة. وبالتوازي أدّى هذا التحوّل الجذري إلى تحقيق أمرين أساسيين: رضى وراحة أكبر لدى المرضى مع نتائج صحيّة أفضل. ومَربَح أكثر للمستشفيات على الرغم من الإستثمار الأعلى الموظّف لتحقيق هذه النقلة النوعيّة. وهذا ما يبشّر بمستقبل أكثر إشراقًا في عالم الإستشفاء على مستوى العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى