مقالات طبية

اضطراب الشخصية النرجسية… صفاتها وأسبابها وطرق علاجها

اضطراب الشخصية النرجسيةصفاتها وأسبابها وطرق علاجها

الدكتور قيس عثمان، استشاري الطب النفسي في مركز ماربل الطبي في قطر

اضطرابات الشخصية بشكل عام هي مجموعة من السّمات والطّباع الموجودة بشكل دائم لدى الشخص، تشمل طريقة تفكيره وسلوكه وردود أفعاله وعلاقته بالآخرين إضافة إلى تقييمه لنفسه بشكل لا يتناسب مع الحقيقة ومع ثقافة البيئة المحيطة.

تبدأ ملامح هذه الصّفات بالظهور منذ الطفولة وتستمر بالمراهقة لتبدو جليّة واضحة عند بداية الشباب وهنا يتم وضع التشخيص النهائي.

هذه الإضطرابات لا تنجم عن مرض عضوي ولا تكون موجودة في سياق اضطراب نفسي آخر كالفصام والإكتئاب رغم أنها في بعض الحالات قد تتحول إلى اضطراب نفسي، كما أنها لا تنشأ بسبب تناول مواد دوائية أو مخدّرة وتكون ثابتة وموجودة بشكل دائم في كل الظروف والمواقف.

يعتبر اضطراب الشخصية، بغض النظر عن نوعه، إنحرافاً عن مسار النضج النفسي الطبيعي للشخصية؛ لذلك تُصنّف اضطرابات الشخصية على أنها شخصيات غير ناضجة وتؤثر على الأداء المهني والإجتماعي للشخص مسبّبةً له إعاقات مختلفة في هذه المجالات، كما أنها تسبب ضيقاً ذاتياً للشخص ومن حوله. في بعض أنواع اضطرابات الشخصية، يشعر المريض بالإضطراب ويمكن أن يلجأ للعلاج كاضطراب الشخصية التجنبية أو الوسواسية؛ ولكن في أنواع أخرى، كاضطراب الشخصية النرجسية والهستيرية، لا يستبصر المريض باضطرابه ولا يعترف به بل يلوم الآخرين ويتّهمهم بعدم فهمه ولا يمكن أن يلجأ للعلاج إلا إذا دُفع ممن حوله.

الشخصية النرجسية 

تعود تسمية النرجسية إلى الأساطير الإغريقية، حيث كان نرجس أو نرسيس صياداً شديد الوسامة والجمال من نسل الآلهة، لكنه كان مغرورًا ومعتدًا بنفسه لدرجة أنه كان يتكبّر على كل من يحبه أيضاً. لاحظت الإلهة نمسيس غروره وكبريائه، فقرّرت أن تعاقبه بأن أخذته إلى بحيرة حيث رأى انعكاس صورته على صفحة الماء، فوقع على الفور في حب نفسه؛ وقد وصل إعجابه بصورته إلى أنه عجز عن ترك البحيرة وبقي يحدق في صورته إلى أن مات.

تتميز هذه الشخصية بالتمحور حول الذات والإنشغال الشّديد بالنفس والحاجة الملحة إلى المديح والثناء والإعجاب من الآخرين. لدى المصابين باضطراب الشخصية النرجسية ثقة زائدة بالنفس لا تتناسب مع الواقع والإمكانيات، ويتوقعون دائما نيل الإعجاب والتقدير ممن حولهم؛ كما يرون أنفسهم أشخاصاً فريدين واستثنائيين قلّ مثيلهم ويستحقون برأيهم مكانة خاصة ومعاملة إستثنائية.

لا يستطيع المصاب بهذا الإضطراب الشعور بمشاعر الآخرين واحتياجاتهم والتعاطف معهم وقد يصل الأمر به ليصبح قاسي القلب عديم الشفقة.

صفات الشخصية النرجسية 

  • الغرور الشديد والإعلاء من المكانة واعتبار نفسهم في منزلة أعلى من الآخرين.
  • الحاجة الدائمة للمديح والإشادة من الآخرين للشعور بالرضا عن ذاتهم والإعتراف بقيمتهم الخاصة.
  • التمحور حول الذات والإنشغال بالإحتياجات الخاصة لهم بغض النظر عن الآخرين. 
  • عدم القدرة على الشعور باحتياجات الآخرين ومشاعرهم والتعاطف معهم مع انعدام الشفقة.
  • عادة ما يكون ارتباط النرجسي بالآخرين سطحيًا بهدف استغلالهم للحصول على ما يريد، فهو ينظر إليهم على أنهم مجرد أشياء خُلقوا لخدمة احتياجاته فلا يتردّد في استغلال الآخرين سواء بشكل مباشر وصريح أو 
  • بطرق ملتوية.
  • يبالغ النرجسي في الحديث عن إنجازاته، ومهاراته، ومواهبه حتى لو بالكذب لإثبات تفوقه على الجميع.
  • يحرص النرجسي على امتلاك أفضل شيء دائمًا، مثل ركوب أفخم سيارة، واقتناء أفضل الملابس لأن ذلك يعزّز من إحساسه بالأفضلية والتفوّق على الجميع. لا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن من صفات الشخصية النرجسية النظر إلى الآخرين بدونية واحتقار واعتبارهم أدنى منزلة منه. بالإضافة إلى ذلك، لا يتعامل النرجسي إلا مع من يرى أنهم مميزون مثله.
  • يرفض الشخص النرجسي الإعتراف بأخطائه أو تقبّل النقد من الآخرين، بل يتعامل دائمًا على أن الخطأ ليس خطأه، فعندما تسير الأمور على ما يرام الفضل يعود إليه، ولكن عندما لا يحدث ذلك يلقي باللوم على الآخرين.
  • يشعر النرجسي بالتهديد ممن لا يقعون تحت سيطرته. 

أسباب اضطراب الشخصية النرجسية 

هناك عدة عوامل تلعب دوراً في تشكّل الشخصية النرجسية، نذكر منها:

البيئة المحيطة: مثل تعرض الشخص للمدح المفرط وتجاهل النقد أو الإهتمام الزائد بالمظاهر الخارجية والنجاح المادي فتتشكل بذلك صورة مشوّهة عن الذات.

العوامل الوراثية والعصبية: تشير بعض الأبحاث إلى دور الوراثة في تكوين الشخصية النرجسية، فحدوثها يكون أكثر تواتراً في العائلات التي تحوي أشخاصاً يعانون من هذا الإضطراب؛ وقد يكون هنالك تغيّرات بنيوية في الدماغ ووظائفه تسهم في حدوث ذلك.

العوامل النمائية: تلعب فترة الطفولة وطريقة التربية دوراً في تشكيل الشخصية النرجسية، كتعرض الطفل للحرمان العاطفي والإساءة والإهمال، مما يكون له تأثيراً سلبياً على تكوين شخصيته ومن المحتمل هنا أن تظهر ملامح الشخصية النرجسية.

آليات التكيف: قد يستخدم الشخص سمات الشخصية النرجسية كآلية دفاع لتغطية الصعوبات النفسية والعاطفية كنقص الثقة والهشاشة الداخلية.

علاج اضطراب الشخصية النرجسية 

يعتبر علاج هذه الشخصية صعب جداً كون المصاب بهذا الإضطراب غير مستبصر بمرضه ولا يعتبر نفسه بحاجة للعلاج بل يلوم الآخرين على الصعوبات المهنية والإجتماعية ويعتبر نفسه دائماً على حق.  ولكن في بعض الحالات إذا لجأ الشخص للعلاج فمن الممكن أن يستفيد من العلاجات التالية:

العلاج العقلاني المعرفي: يمكن لهذا النوع من العلاج أن يغيّر المخطط المعرفي لآليات تفكير الشخص النرجسي ويعدّل الأفكار التلقائية المشوّهة والإفتراضات النمطية عن الذات مع تعزيز القدرة على التعاطف مع الآخرين، ما يؤدي بالنهاية لتعديل المشاعر والسلوك.

العلاج الجماعي: يمكن لجلسات العلاج الجماعي أن تكون مفيدة للمصابين بهذا الإضطراب حيث يتعلّمون من تجارب وملاحظات الآخرين كيف يعدّلون نمط تفكيرهم الذي يؤدي بدوره لتغيير سلوكهم.

العلاج الأسري: يعزّز هذا النوع من العلاج العلاقات العائلية الإيجابية كما يعزّز الإهتمام والتعاطف مع الآخرين وفهم احتياجاتهم.

العلاج الدوائي: يمكن للعلاج الدوائي أن يخفف الأعراض المترافقة مع اضطراب الشخصية النرجسية كالقلق والشدة النفسية والكآبة، ويُستخدم عادة العلاج الدوائي ضمن خطة علاجية شاملة تشمل أكثر من نوع من العلاجات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى