كليات الطب

زراعة خلايا جزر البنكرياس من جامعة شيكاغو للطب تعفي مرضى السكري من الإنسولين لسنوات

زراعة خلايا جزر البنكرياس من جامعة شيكاغو للطب تعفي مرضى السكري من الإنسولين لسنوات

من مستشفى جامعة شيكاغو

من اليسار: بيوتر باتشول الدكتور وزميل البحث في زراعة خلايا جزر البنكرياس، لورينسيا بيريا بكالوريوس في العلوم ممرضة مسجلة، ليندسي باستو ماجستير في العلوم الطبية ممرضة مسجلة، مارك موريسون المتلقي لزراعة جزر البنكرياس، الطبيب الزائر ميشال كومورنيتشاك، الدكتور وبيوتر فيتكوفسكي

يعيش العديد من الأشخاص المصابين بالسكري من النوع الأول في خوف من هبوط مستويات السكر في الدم فجأة إلى حدٍ منخفض جداً. وإذا لم يتم علاج هذه الحالات، يمكن أن تتسبب باضطرابات وفقدان الوعي، وقد تتسبب أحياناً بالموت.

وفيما يمكن لمعظم مرضى السكري التحكُّم في مستويات الجلوكوز لديهم بواسطة الإنسولين، إلا أن البعض يعتبرون أن ذلك غير كاف لخفض مستويات الجلوكوز والتي يمكن أن تتقلّب بشكل جنوني، وغالبًا ما تنخفض بدون ظهور المؤشرات والعوارض المعتادة مثل الإرتجاف أو التعرُّق.

مارك موريسون الذي كان يعاني من السكري قبل عشر سنوات، أي منذ كان فتى بعمر 16 عامًا، لم يتمكّن من ملاحظة انخفاضات السكر لديه. وقد عرّضه ذلك لحادثين مروريين أثناء القيادة. في أحدهما اصطدم بشجرة بسبب فقدان الوعي، وأدى ذلك إلى كسر إحدى عظمات القفص الصدري. وفي الحادث الآخر، اشتعلت النار في سيارته.  ويقول موريسون، الذي يبلغ من العمر اليوم 64 عامًا: “كنت أستطيع أن أتناول أنواع الطعام نفسها، وأمارس المستوى نفسه من النشاط البدني، وأتناول جرعة الإنسولين المحدّدة كل يوم. وعلى الرغم من ذلك سيكون لدي ذات يوم مستويات سكر عالية في الدم، وفي يوم آخر مستويات منخفضة”.

أما مالوري، المصابة أيضاً بالسكري، فتم تشخيصها عندما كانت تبلغ من العمر 5 سنوات، وتبيّن أن مستوى السكر في دمها كان يتراجع من الحالة الطبيعية إلى حالة منخفضة بشكل خطير خلال ساعة. وفي بعض الأحيان، كانت مستويات الجلوكوز تنخفض لديها حتى يصل بها الأمر إلى النوم اللاإرادي. وقالت مالوري: “ما عدت أشعر بهبوط السكر في الدم”، مضيفة “كان ذلك مخيفًا بالفعل”.

لكن هذا الواقع لم يعد كما كان من قبل بل شهد تطورا لافتا، فموريسون لم يتناول الإنسولين منذ 9 سنوات بعد خضوعه للإجراءات السريرية في جامعة شيكاغو للطب لتلقي علاج مبتكر: وهو معروف بـزراعة جزر البنكرياس”. والجزرهذه، هي عبارة عن تجمعات من الخلايا في البنكرياس، تحتوي على أنواع متعددة، بما في ذلك خلايابيتاالتي تنتج الإنسولين. في حالة السكري من النوع الأول، يقوم جهاز المناعة الخاص بالشخص المصاب بتدمير خلايابيتا، مما يجعل مرضى السكري بحاجة إلى الإنسولين يوميا للتحكم بمستويات الجلوكوز في الدم.

تعملزراعة جزر البنكرياسعلى نقل خلايا من متبرع إلى جسم مريض السكري. من خلال هذا الإجراء، يضخ الأطباء المعالجون خلايا المتبرع عبر قسطرة صغيرة إلى كبد المريض من دون الحاجة إلى الجراحة. تبدأ خلايابيتاداخل جزر البنكرياس في إنتاج الإنسولين، وتعمل كبنكرياس. لكن، وكما هو الحال مع أي زراعة أعضاء، يجب أن يستمر المرضى في تناول الأدوية المضادة لرفض الجسم، بعد الإجراء.

أجرى موريسون هذه الزراعة في نوفمبر 2013، وبعد ثلاثة أسابيع فقط، توقّف تماماً عن تناول الإنسولين. ويقول في هذا الإطار: “كنت أستطيع أن أتناول عشاء الشكر من دون القلق حول كمية الإنسولين التي أحتاجها، ولقد توقّفتُ عن تناول الإنسولين منذ ذلك الحين،مضيفاًكان هذا نعمة كبيرة بالنسبة إلي. وأشعر بالحظ العظيم نتيجة ما حدث لي”.

أبرز مراكز زراعة الجزر

منذ العام 2005، قام الجراحون في جامعة شيكاغو للطب، بقيادة الجراح المختص في الزراعة بيوتر فيتكوفسكي، بإجراء 79 عملية زراعة جزر البنكرياسبما في ذلك 11 عملية زراعة في العام الحالي. وهذا يجعل جامعة شيكاغو المركز الأكثر نشاطاً في مجال زراعة جزر البنكرياس من بين المراكز الثلاثة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تقوم بهذه العمليات حالياً. وكان يمكن لهذا العدد أن يكون أكبر، لكنالتكلفة المرتفعة التي تغطيها التمويلات البحثية فقط، تقيِّد عدد عمليات الزراعة والوصول إلى هذه العلاجات الحديثة للمرضى، بحسب فيتكوفسكي.

وهو يقول إنهؤلاء المرضى غالباً ما يعيشون في خوف دائم من الموت”. ويضيف أنهذا الإجراء أقل تدخلاً من زراعة البنكرياس وقد يساعد مئات الأشخاص الأكثر يأساً، من بين ما يزيد على 1.5 مليون مريض مصاب بالسكري من النوع الأول في الولايات المتحدة”.

وعلى الرغم من أن الإجراء تمت الموافقة عليه في عدة دول أوروبية بالإضافة إلى كندا وأستراليا، لا يزال يُعتبَر تجريبيًا في الولايات المتحدة. وعلى عكس الدول الأخرى، تُصنِّف إدارة الغذاء والدواء الأميركية عمليات زراعة جزر البنكرياس كعلاج بيولوجي، وليس كأنسجة أو أعضاء للزراعة، ولم تمنح هذا الإجراء الموافقة الكاملة. ولأنها لم تُعتمَد رسمياً، يقوم فيتكوفسكي بإجراء العملية في التجارب السريرية فقط، وبالتوازي يواصل العمل للحصول على الموافقة حتى يتمكن أي مريض مؤهل من تلقي العلاج. وقد نشر مؤخراً مقالاً في مجلة Frontiers in Endocrinology يدعو فيه إلى إدراج زراعة جزر البنكرياس في الإطار التنظيمي الحالي لزراعة الأعضاء.

على رغم أنه ثبت على مدى العشرين عامًا الماضية أن زراعة جزر البنكرياس آمنة وفعّالة، إلا أنه من المؤسف أن اللوائح الحالية في الولايات المتحدة لم تسمح بعد باعتماد هذه الزراعة والتعويض عنها للأميركيين المصابين بالسكري، قال فيتكوفسكي. وتابع: “نحن في حاجة إلى هذا كمعيار للرعاية.”

مواصلة تحسين هذا الإجراء

بعد تلقيها لزراعة جزر البنكرياس في العام 2014، توقفتكونعن استخدام الإنسولين في غضون أشهر. بدايةً، شعِرَت بالضعف لستة أشهر بنتيجة العملية، وكانت تشتهي الأطعمة الدسمة. لكن هذا الشعور لا يقارن مع ما كانت تعانيه قبل العلاج حيث كانت تشعر بالقلق بشأن مستويات الجلوكوز في دمها بينما كانت تسافر نصف العام للعمل. وتصفكونالتي كانت تبلغ من العمر 35 عامًا، وضعها بالقول: “كنت أضطر لحمل عبوّة عصير إحتياطاً في حقيبتي، والآن يمكنني الخروج من دون أن أقلق بشأن انخفاض سكر الدم أو حَمل الإنسولين. صرت أتطوع لمزيد من المشاريع في العمل لأنني أعرف أن لا موجب للتوتر بشأن سكر الدم أثناء الإجتماع أو السفر إلى الخارج.”

كذلك وجد موريسون أنه استطاع أن يضاعف المسافة التي يستطيع اجتيازها جرياً بعد فترة وجيزة من الزراعة، حتى أنه أصبح يستطيع الركض نصف ماراثون. كما اكتشفَ أن الألم العصبي في يديه وقدميهوهو أحد أعراض السكريتوقف عن التقدم. وأثناء عمله في توصيل قطع غيار السيارات، لم يعد لدى موريسون من سبب للقلق بشأن حوادث السير مخافة الهبوط الحاد في سكر الدم.

أعلم أنني سأتمكن من الحفاظ على قدمي، وأن توقعات العمر لدي ارتفعت بشكل كبير، قال موريسون. “سكر الدم الآن دائمًا تحت السيطرة. في الواقع، هو أفضل من مستوياته لدى معظم الناس”.

في الخريف الماضي اجتمع موريسون وكون ومريض آخر للإحتفال بمرور 8 سنوات بدون الإنسولين وتبادل ملاحظاتهم حول حياتهم الجديدة. كلهم لا يزالون يقصدون عيادة ويتكوفسكي لزيارات المتابعة، وكلهم يبقون على اتصال دائم بممرضي زراعة جزر البنكرياس ليندسي باستو، (وهي ممرضة مسجلة حائزة على ماجستير)، ولورينسيا بيريز، (هي أيضاً ممرضة مسجلة وحائزة على بكالوريوس). “إنه الرجل الأذكى الذي قابلته على الإطلاق، قال موريسون عن ويتكوفسكي.

أما ويتكوفسكي فيواصل دراسة طرق أفضل لتحسين النتائج في زراعة جزر البنكرياس، مثل إعطاء المرضى أدوية مضادة للإلتهاب. وفريقه يتعاون حاليًّا مع شركة مختصّة لاختبار إجراء وضع جزر البنكرياس في جهاز داخل جدار بطن المريض بدلاً من الكبد. ويشير ويتكوفسكي إلى أنمالوري ومارك هما نموذجان للمرضى الذين استفادوا من تقدمنا في علاج زراعة الجزر، واستمتعوا بحياة خالية من السكري طويلة الأمد بعد حقنة واحدة فقط من الجزر وبشكل عملي من دون أعراض جانبية مرتبطة بالتثبيط المناعي”. ويضيف: “ظلت وظائف الكلى والقلب والأعضاء الأخرى، فضلاً عن تغيرات الشبكية السكرية والأعصاب، مستقرة بل تحسنت مع مرور الوقت”. ويؤكد: “ثَبُتَ أن زراعة جزر البنكرياس آمنة وفعالة، ونحن نواصل السعي لتحسين النتائج من خلال هذه السبل المختلفة. وبما أن التكنولوجيا موجودة، فيجب أن تكون زراعة جزر البنكرياس متاحة للكثير من المرضى حتى نتمكن من التقدم في هذا المجال، وتعزيز الفعالية والحد من الأعراض الجانبيةوختم بتوجيه نداء: “نأمل أن تتم الإستجابة لدعوتنا الملحة لتحديثات تنظيمية وتنفيذها، بهدف تحقيق المزيد من النجاح”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى