كليات الطب

الدكتور رافيندر مامتاني

الدكتور رافيندر مامتاني

أستاذ علوم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطب – قطر

أستاذ الطب (مركز الصحة العالمية)

نائب العميد للصحة السكانية وطب نمط الحياة 

“القسم يدعم البرامج الرامية إلى الحدّ من الوفيات المبكرة والوقاية من الأمراض”

حققت وايل كورنيل للطب – قطر طوال مسيرتها إنجازات لافتة متتالية حيث تعمل على دعم قطر في تطبيق سياستها الوطنية المتوازنة من خلال وضع مشاريع أو الإسهام في مشاريع الغاية منها الوقاية من الأمراض والنهوض بالصحة. مجلة “المستشفى العربي” أجرت حواراً مع الدكتور رافيندر مامتاني، أستاذ علوم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطب – قطر وأستاذ الطب (مركز الصحة العالمية) نائب العميد للصحة السكانية وطب نمط الحياة، وفي ما يلي نص الحوار.  

حققت وايل كورنيل للطب – قطر لنفسها سمعة ومكانة مرموقتين، ولها إنجازات متميّزة على صعيد تعليم الطب والبحوث العلمية. ما الذي جعل الكلية تصبّ جانباً من اهتمامها على برامج الصحة العامة؟

نعم، بفضل الدعم التام الذي تتلقاه وايل كورنيل للطب – قطر من مؤسسة قطر وأيضاً من وايل كورنيل للطب – نيويورك، حققت الكلية طوال مسيرتها إنجازات لافتة متتالية. ونحن فخورون بأن الكلية تخرّج أفواج الأطباء البارزين وبأن نسبة كبيرة من خرّيجينا هم مواطنون قطريون، وفخورون بالقدر نفسه بالإنجازات المتميّزة لبرنامج البحوث لدينا. لكننا كنا نشعر على الدوام بأن رسالة وايل كورنيل للطب – قطر لا تقتصر فقط على تدريب الأطباء وإجراء البحوث العلمية الرصينة، بل تشمل أيضاً التواصل مع مجتمعها وتمكين الإنسان من خلال إتاحة المعرفة الكفيلة بحماية صحته وصحة أسرته على حدّ سواء.

يقترب متوسط العمر المتوقع في قطر من 81 عاماً، وهو مؤشر ممتاز يعكس الاهتمام الكبير الذي أولته دولة قطر لتطوير قطاع رعاية صحية يلائم القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، وكما هو الحال في سائر البلدان المرتفعة الدخل مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والكثير من البلدان الأوروبية، ثمة العديد من تحديات الصحة العامة في قطر المتعلقة بالأمراض غير السارية مثل السمنة والسكري من النوع الثاني. وبفضل رؤية عميد الكلية الدكتور جاويد شيخ، نعمل على دعم قطر في تطبيق سياستها الوطنية المتوازنة من خلال وضع مشاريع، أو تنفيذ مشاريع، أو الإسهام في مشاريع الغاية منها الوقاية من الأمراض والنهوض بالصحة وبذل جهود مجتمعية منظّمة – وهذا هو تعريفنا للصحة العامة. ونودّ أن نشكر العميد الدكتور شيخ على تأسيسه قسم الصحة السكانية في الكلية. 

بالحديث عن إنشاء قسم الصحة السكانية الذي نعرف أنه أنجز الكثير من المهام في قطر، هل لكم أن تشرحوا لنا طبيعة مبادرات وأنشطة الصحة السكانية لديكم؟

تماشياً مع رسالة وايل كورنيل للطب – قطر ورؤيتها وأهداف الاستراتيجية الوطنية للصحة لدولة قطر التي وضعتها وزارة الصحة العامة القطرية، يدعم قسم الصحة السكانية ويشارك في البرامج الرامية إلى الحدّ من الوفيات المبكرة، وزيادة متوسط العمر المتوقع للإنسان، والوقاية من الأمراض، وتعزيز صحة الإنسان، بما في ذلك نوعية حياته. ونقوم بذلك من خلال إعداد وتنفيذ برامج تعليمية وتثقيفية تناسب الاحتياجات الفعلية لأصحاب المهن الصحية والطلاب، وإجراء بحوث صحة عامة قائمة على احتياجات محددة، وإعداد برامج المشاركة المجتمعية و/أو المشاركة فيها.

فعلى صعيد التعليم، نقدّم برامج التعليم الطبي المستمر لتزويد أصحاب المهن الصحية بالمهارات العملية والمعرفة العلمية في مجالات مثل البحوث العلمية، والكفاءة الثقافية، والذكاء العاطفي، والتغذية العلاجية، والطب التكاملي، وعافية الطلاب، وطب نمط الحياة. وعلى صعيد البحوث، نجري دراسات ومراجعات استعراضية علمية ونكتب تعقيبات على الجوانب الوبائية وجوانب الصحة العامة للأمراض المزمنة والأمراض المعدية وإصابات حوادث السيارات، الصحة العالمية/الإقليمية، اتجاهات الرعاية الصحية الناشئة، موضوعات الصحة العامة المعاصرة مثل تقديم الرعاية الصحية عن بُعد وطب نمط الحياة. وأما على صعيد المشاركة المجتمعية، ننفّذ الحملات التثقيفية وحملات التوعية في ما يتعلق بالعديد من قضايا الصحة، وتستهدف مثل هذه الحملات فئات سكانية مختلفة منها الجمهور العام وطلاب المدارس ومجموعات دعم النساء إلى جانب المؤسسات الكبرى. وتتمّ مشاركة هذه الرسائل عبر المحاضرات ومن خلال قنوات التواصل الاجتماعي التي تحظى بمتابعة واسعة ومتنامية.

ثمة الكثير من التقارير عن تأهّب الصحة العامة في مواجهة جائحة كوفيد-19. هل لكم أن توضحوا لنا مقدار الاهتمام الذي نوليه للصحة العامة في أنحاء العالم؟

من وجهة نظر عالمية، من الواضح أن جائحة كوفيد-19 قد غيّرت بطريقة جوهرية كيف ينظر كلّ من الجمهور وأصحاب المهن الصحية للصحة العامة. فقد تسببت الجائحة في تعطُّل قطاع الرعاية الصحية على أكثر من صعيد، بما في ذلك تأخير تقديم الرعاية الصحية للمصابين بأمراض مزمنة، مثلما تسبّبت بتفاقم مشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق، وخلقت ارتباكاً وغموضاً في ما يتعلق بالإجراءات الوقائية البسيطة مثل ارتداء الكمامة وغيرها. وبطبيعة الحال، تسبّبت الجائحة في إغلاق المدارس والجامعات، وهو ما أثّر في التعليم وفي صحة وتغذية الأطفال بالقدر نفسه، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

يبدو جلياً من هذه التحديات أن أنظمة الرعاية الصحية حول العالم لم تكن قد تأهّبت كما يجب لمثل هذه الجائحة. وأعتقد أن الجائحة قد كشفت عن مشكلة كنّا على دراية بها في قسم الصحة السكانية منذ حين، وهي أن الصحة العامة تظلّ مهملة في بلدان عدة، وبالفعل نشرنا ورقة بحثية تبيّن ذلك في الدورية العلمية Journal of Global Health في عام 2021. يُضاف إلى ذلك أن مواد الطب الوقائي وسياسات الصحة وطب نمط الحياة قلما تدرّس ضمن مساقات أغلب كليات الطب، وتمويل بحوث الصحة العامة محدود، ومما أظهرته دراستنا أن بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) تنفق 2.8% لا أكثر من إجمالي نفقاتها الصحية على الصحة العامة. ومع ذلك، خلصت مراجعة استعراضية حديثة نُشرت في الدورية الطبية البريطانية Journal of Epidemiology and Community Health إلى أن تدخلات الصحة العامة فعّالة ومجدية للغاية من حيث التكلفة ويقارب العائد على الاستثمار منها 14:1. وقد كنّا في وايل كورنيل للطب – قطر حريصين على إدخال تعليم الصحة العامة في منهجنا إيماناً منا بأهميته البالغة.

عند التفكير في برامجكم، من الواضح أن وايل كورنيل للطب – قطر قد حققت إنجازات هائلة خلال فترة وجيزة. هل ثمة أنشطة أو برامج أخرى يمكن الاضطلاع بها لتعزيز زخم النهوض بالصحة وتحسين نوعية حياة سكان بلدان المنطقة وسكان العالم أجمع؟

أودّ أن أشير في هذا الصدد إلى أكثر مبادراتنا التعليمية نجاحاً وهي “شهادة في طب نمط الحياة” المخصصة لأصحاب المهن الصحية. وقد تسألون: لماذا أعددنا وطرحنا هذه الدورة؟ العلم صريح وواضح بأن أغلب الأمراض المزمنة، مثل داء السكري والسمنة وأمراض القلب، وبعض مشكلات الصحة النفسية، تعود إلى أنماط الحياة غير الصحية مثل سوء التغذية والتدخين وقلة أو انعدام الأنشطة البدنية والتوتر وقلة النوم والعزلة الاجتماعية، إلى جانب عدد آخر من السلوكيات غير الصحية. ويكتسب المهنيون الصحيون المشاركون في هذه الدورة مجموعة من المهارات والكفاءات التي تتيح لهم تقييم طرق تأثير أنماط حياتنا في صحتنا، وتوضّح لهم كيفية تصميم تدخلات فعّالة للوقاية من مثل هذه الأمراض وعلاجها، بل وتغيير مسارها نحو الشفاء بتغيير أنماط حياتنا. وسنواصل توسيع نطاق هذه الدورة التي حظيت باهتمام كبير لتلبية الطلب المتزايد للالتحاق بها.

نحن أيضاً في المراحل المبكرة من إعداد دورة شهادة اعتماد جديدة تتناول الصحة السكانية والعافية. وسنصمّم هذه الدورة على نحو يزوّد المشاركين المهتمين بالإسهام في مبادرات الصحة السكانية بالمهارات والمعرفة العلمية الضرورية لتحقيق ما يتطلعون إليه. ونحن نعتقد أن هذه الدورة ستعزّز أكثر فأكثر مكانة قطر كدولة ريادية، إقليمياً وعالمياً، في وضع معايير رفيعة لصحة وعافية مواطنيها والمقيمين فيها.

وبالإضافة إلى ذلك، نعكف على توسيع نطاق مبادراتنا الحالية، وتقديم الدعم لجهود إطلاق مشروعات جديدة تركز على تعزيز محو الأمية الصحية بين الأطفال. باعتقادنا أن علينا النظر إلى الوعي بالصحة والعافية كمعرفة أساسية للأطفال من السنوات الأولى من تعليمهم، وأن علينا أيضاً تكريس مثل هذه الدروس مع نموهم من أجل تعزيز مفهوم الرعاية الذاتية وأنماط الحياة الصحية طوال حياتهم. فنحن نعلّم الأطفال القراءة والكتابة، ونعلّمهم كيف يعاملون الآخرين باحترام، ونعلّمهم مواد العلوم والرياضيات، فلماذا لا نعلمهم كيفية الاعتناء بصحتهم؟ ونشعر أن ثمة فرصة رائعة سانحة للتواصل مع جيل الشباب لمساعدتهم على اكتساب المهارات المطلوبة للحفاظ على صحتهم وتجنّب الآثار المدمرة للأمراض الناجمة عن أنماط الحياة مثل داء السكري من النوع الثاني. لذا، ينبغي أن تكون الصحة والعافية جزءاً من مناهجنا المدرسية.

كيف يضمن قسم الصحة السكانية أن مبادراته الخاصة بالصحة العامة فعّالة وتستهدف المشكلات والتحديات الصحية الأكثر إلحاحاً في قطر وعموم بلدان المنطقة؟

مبادراتنا وأنشطتنا كافة مصمّمة استجابة لحاجة أو مجموعة احتياجات محددة، ونحن نضمن فعاليتها بطرق عدة. وبالنسبة للأنشطة الموجهة لأصحاب المهن الصحية، نصمّم دراسة استقصائية لاحقة نقيّم من خلالها إجابات المشاركين، ومن ثم ندخل التعديلات اللازمة بما يتوافق مع تعقيباتهم. وفي الوقت نفسه، نقوم بإجراء دراسات استقصائية في أوساط أصحاب المهن الصحية لتحديد أي ثغرات في الممارسات الصحية تستلزم الاهتمام. كما نقوم بمراجعات استعراضية موسّعة للدراسات والأوراق البحثية المنشورة في دوريات طبية وعلمية محكّمة لرصد الاحتياجات الناشئة لأصحاب المهن الصحية وإعداد أنشطة جديدة أو إدخال تغييرات في الأنشطة القائمة.

أما بالنسبة لعملنا وتواصلنا مع مجتمعنا، نحن في حوار دائم مع المشاركين، من خلال الحوارات والمناقشات غير الرسمية، وأيضاً من خلال الاستبيانات الرسمية اللاحقة لانعقاد فعالياتنا وأنشطتنا. وبالإضافة إلى ذلك، نأخذ في الحسبان محصلة المؤلَّفات العلمية المحكَّمة ذات الصلة، مع إيلاء الاهتمام الوثيق للمناقشات الجارية فيما بين المشاركين بأنشطتها عبر قنوات وشبكات التواصل الاجتماعي. ونستمد من كل ذلك فهماً دقيقاً لكيفية استهداف مبادرات الصحة العامة لدينا للفئة المعنية بما يحقق القدر الأكبر من الفعالية المرجوة.

هل لديكم من تعليق أخير، لا سيما في ما يتعلق بجائحة كوفيد-19 ومسار الجائحة في المستقبل؟

تعلَّمنا من جائحة كوفيد-19 الكثير من الدروس المستفادة من تجارب بلدان العالم كافة. فقد اكتشفنا أن الكثير من بلدان العالم غير متأهبة كما يجب لأزمات الصحة العامة، وأن استجاباتنا تعتمد إلى حدّ بعيد على خطوط الإمداد التي يمكن أن تتعطَّل بسهولة. وأصبحنا نقدّر بشكل أفضل تأثير تدهور التنوع البيولوجي، وتدمير الموائل، وصحة الحيوان، وكيف تؤثر تلك العوامل مجتمعة في صحة الإنسان، وهو ما يمكن أن نسمّيه بمنهج “الصحة الواحدة”، حيث ننظر إلى الصحة العامة كأحد جوانب ووظائف صحة بيئتنا المشتركة. كذلك رأينا كيف يمكن أن تتسبّب الجوائح في تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وفي دفع كثيرين نحو براثن الفقر، وكيف أن المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة يمكن أن تعوق الاستجابات الفعالة لأزمات الصحة العامة الطارئة. ونحن ممتنون أن استجابة قطر للجائحة كانت فعّالة إلى أبعد حدّ ما قلّل إلى حدّ بعيد من الوفيات والمعاناة التي رأيناها في العديد من بلدان العالم.

وبشأن مسار الجائحة في المستقبل، يبدو جلياً أن مرض كوفيد-19 لن يكون مصيره الاختفاء، بل من المرجح أن يأخذ مساراً مشابهاً لمسار الإنفلونزا، وأن نشهد تفشّيات متفاوتة الشدّة من حين لآخر مع ظهور طفرات جديدة. وسيصبح كوفيد-19 جزءاً من النموذج الجديد للصحة والمرض، وعلينا أن نأخذ على محمل الجدّ أهمية عدم التقليل من مخاطر الإصابة بأمراض جديدة أو المبالغة بتلك المخاطر. وأودّ أن أقتبس هنا ما جاء على لسان خبير قانون الصحة العالمية الأميركي لورنس غوستن من جامعة جورجتاون، فقد كتب في عدد صدر مؤخراً من الدورية العالمية JAMA Health Forum: “لن نشهد لحظة واحدة تعود عندها حياتنا الاجتماعية فجأة إلى طبيعتها. وبدلاً من ذلك، تدريجياً، ومع مرور الوقت، سينظر أغلب الناس إلى كوفيد-19 كخطر محتمل وسيتخلون عن مظاهر الحذر من الجائحة”.   

ونحن في قسم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطب – قطر نعتقد أن بإمكاننا الاستناد إلى الأسس المتينة والراسخة للصحة العامة في قطر، وهو ما سيمكّن من التغلب على التحديات المستقبلية بالاعتماد على العلم والشواهد العلمية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى