أمراض وعلاجات

عيوب القلب الخلقية

عيوب القلب الخلقية

تطوّر وسائل التشخيص ساعد على الكشف المبكر

كثيرة هي عيوب القلب الخلقية، البعض منها يتم اكتشافه في الرحم والبعض الآخر بعد الولادة أو في سن البلوغ؛ غالباً ما يكون السبب مجهولاً لكن في بعض الحالات يصاب بها الطفل بسبب إصابة الحامل بأحد الأمراض المعدية خلال شهور الحمل الثلاثة الأولى كالحصبة الألمانية أو الهربس.

يولد الطفل وهو يعاني من عيب في بينة القلب والأوعية الكبرى ناتج عن تكوين غير طبيعي للقلب أثناء نمو الجنين فيؤدي إلى خلل في تركيب القلب ووظائفه، وله آثار ضارة على أجهزة الجسم الأخرى ما يؤثر سلبياً على صحة الطفل، وهناك أنواع متعددة من عيوب القلب الخلقية معظمها تعوق تدفق الدم في القلب أو الاوعية المحيطة به.

ولكن، كيف تحدث؟

يبدأ تكوّن قلب الجنين خلال الأسابيع الستة الأولى من الحمل. وتتكوّن الأوعية الدموية الرئيسية التي تمتد من القلب وإليه خلال هذه الفترة أيضاً.

يتكون الجنين في الرحم حيث لا يوجد هواء ليتنفّس لكنه يحصل على دم غنيٍّ بالأوكسجين من مشيمة الأم عبر الحبل السري، وتكون رئتاه ممتلئتين بسائل؛ ونتيجةً عدم تنفُّس الجنين للهواء، لا يحتاج إلَّا لمرور كمية صغيرة من الدَّم عبر الرئتين. وبذلك فإن المسار الذي يدور فيه الدم عبر القلب والرئتين يختلف عند الجنين.

قبل الولادة، يتجاوز الكثير من الدم القادم عبر الأوردة الجانب الأيمن من القلب والرئةَ المملوءة بالسوائل، وينتقل من خلال مجازتين قصيرتين مختلفتين للوصول إلى جسم الجنين هما الثقبة البيضوية بين الحجرتين العلويتين للقلب أي الأذين الأيمن والأذين الأيسر، والقناة الشريانية وهي وعاء دموي يربط بين الشريانين الكبيرين الخارجين من القلب، وهما الشريان الرئوي والشريان الأبهر.

تسمح هاتان المجازتان القصيرتان باختلاط الدم الوريدي بالدم الذي انتقل بالفعل إلى الرئتين. وبما أنَّ الدم الذي يصل إلى القلب عند الجنين قد تلقى الأوكسجين من المشيمة، يكون الدم الوريدي والدم الشرياني محتويين على الأوكسجين؛ لذلك اختلاط الدم الشرياني والدم الوريدي لا يؤثر في كمية الأوكسجين التي تمَّ ضخُّها إلى الجسم. 

لكن، تتغيَّر هذه الحالة بعد الولادة مباشرةً فخلال المرور عبر قناة الولادة، ينضغط السائل ويخرج من رئتي المولود. ومع أول نفس لحديث الولادة، تمتلئ الرئتان بالهواء الذي يجلب الأوكسجين. عندما يجري قطع الحبل السري، لا تعود المشيمة مرتبطة بالدوران لدى الوليد، ويأتي كل الأُوكسِجين لحديث الولادة عبر الرئتين. وبذلك تزول الحاجة إلى وجود الثقبة البيضية والقناة الشريانية، حيث تُغلقان عادةً خلال الأيام أو الأسابيع الأولى من الحياة، ما يجعل الدورة الدموية لحديثي الولادة مماثلة للبالغين. لكنَّ الثقبة البيضوية لا تُغلَق في بعض الأحيان، إلَّا أنَّها لا تتسبَّبُ في حدوث أيَّة مشاكل صحيَّة عادة.

أكثر الأنواع شيوعاً

تكون بعض حالات عيوب القلب الخلقية شديدة، ولكن غالبيتها ليس كذلك. يمكن أن يكون العيب الخلقي في جدران القلب أو الصِّمامات أو الأوعية الدَّمويَّة التي تدخل أو تغادر القلب.

أكثر الأنواع شيوعاً الصمام الأبهري ثنائي الشرف الذي يفتح مع كل نبضة قلب للسماح بتدفق الدم من القلب إلى الجسم. لا تلاحظ الأم أي مشاكل في الرضاعة أو الطفولة، فيتأخّر التشخيص إلى حين وصول الطفل إلى مرحلة البلوغ. 

أكثر عيوب القلب شُيُوعًا التي يجري تشخيصها في مرحلة الرضاعة والطفولة هي: 

عيوب الحاجز الأذيني والبطني من الحالات التي يتم تشخيصها خلال مرحلة الرضاعة والطفولة وهي عبارة عن وجود ثقوب بين حجرات القلب.

من أبرز الأمثلة على أمراض القلب الخلقية رباعية فالو التي تجمع بين أربعة عيوب خِلقية وهي    ثقب في الجدار بين الغرفتين السفليتين للقلب (البطينان)، تضيّق المجرى الواصل بين البطين الأيمن والشريان الرئوي، إزاحة منطقة اتصال الشريان الأورطي بالقلب، وزيادة سُمك عضلة البطين الأيمن.

تضيق الشريان الأورطي فمن المحتمل أن يولد الطفل بصمام أورطي يحتوي على شرفة واحدة أو اثنتين بدلاً من ثلاثة في الحالات الطبيعية. ينتج عن ذلك فتحة صغيرة ضيقة يمكن للدم المرور من خلالها. ويكون على القلب العمل بجهد أكبر لضخ الدم عبر هذا الصمام. ويتسبب ذلك في تضخم القلب وزيادة سُمك عضلة القلب في نهاية الأمر.

 انسداد الصمام ثلاثي الشرفات الخلقي من أنواع العيوب الخلقية التي تحدث بسبب عدم تكوين الصمام ثلاثي الشُرَف. وبدلاً منه، يتكون نسيج صلب بين الأذين، غرفة القلب العلوية اليمنى، والبطين، الغرفة السفلية اليمنى. يعيق هذا العيب الخلقي في القلب تدفق الدم ويتسبب في عدم اكتمال نمو البطين الأيمن.

التضيّق الرئوي حيث يتسبب بحدوث عيب في الصمام الرئوي أو بالقرب منه فيؤدي ذلك إلى تضييق فتحة الصمام الرئوي وإبطاء تدفق الدم من خلاله. 

تبدُّل وضع الشرايين الكبيرة وهي من أخطر عيوب القلب الخِلقية ولكنها نادرة الحدوث، وفيها يتبدل موضع الشريانين الرئيسيين الخارجين من القلب. ويوجد نوعان لهذا العيب. أولهما تبدل الشرايين الكبرى الكامل، والذي يُكتشف عادةً أثناء فترة الحمل أو لاحقًا بعد الولادة. وثانيهما التبادل اليساري لمواضع الشرايين الكبيرة، وهو حالة أقل شيوعًا. وقد لا تُلاحَظ الأعراض فورًا.

رتق الرئة والمقصود هنا وجود عيب خلقي بالصمام الذي يسمح بضخ الدم من القلب ليصل إلى الرئتين (الصمام الرئوي). لذا، لا يتمكن الدم من التدفق في مساره الطبيعي للحصول على الأوكسجين من الرئتين.

متلازمة نقص تنسُّج جانب القلب الأيسر وهي حالة تؤدي إلى عدم نمو جزء كبير من القلب بصورة سليمة. فمثلاً في متلازمة نقص تنسُّج جانب القلب الأيسر، لا ينمو الجانب الأيسر من القلب بما يكفي لضخ كمية كافية من الدم بقوة إلى سائر أجزاء الجسم.

عوامل مُؤثّرة

رغم عدم وجود سبب لغالبية امراض القلب الخلقية، توصّل العلماء إلى بعض العوامل التي تزيد من نسبة حدوثها.

ومن أبرز العوامل التي تؤثر على قلب الجنين:

  • إصابة الأم بالحصبة الألمانية أثناء فترة الحمل؛ لتجنب هذه الحالة، يمكن إجراء فحص دم قبل حدوث الحمل لتحديد ما إذا كانت الأم محصَّنة ضد الحصبة الألمانية أم لا ويتوفر لقاح للسيدات غير المحصَّنات ضد الحصبة الألمانية.
  • تناول أنواع معينة من الأدوية، وبالتالي يجب إعلام الطبيب المتابع للحمل بالأدوية التي تتناولها الحامل لاسيما في حال وجود أمراض مزمنة او غيرها من الأمراض التي تتطلب علاجات طويلة، وعلى الطبيب إعلامها ما إذا كانت تؤثر على الجنين أم لا، ويتم التصرف بحسب ما تقتضيه الحاجة.
  • إصابة الأم بداء السكري ولكن يمكن تقليل احتمالية إصابة الجنين بعيوب خلقية في القلب عن طريق التحكم الدقيق في مستوى سكر الدم قبل فترة الحمل وخلالها. ينبغي القول هنا إن الإصابة بالسكري أثناء الحمل (السكري الحملي) لا تزيد من خطر حدوث عيوب خلقية في قلب الجنين.
  • التدخين أثناء فترة الحمل يزيد من مخاطر حدوث عيوب خلقية في قلب الجنين.
  • توافر العامل الوراثي، ففي بعض الأحيان تنتقل عيوب القلب الخلقية في بعض العائلات، وقد تكون مرتبطة بالإصابة بإحدى المتلازمات الوراثية. فمثلاً أغلب الأطفال الذين لديهم نسخة زائدة من كروموسوم 21 (متلازمة داون)، مصابون بعيوب خلقية في القلب. كما يتسبب فقدان جزء من المادة الوراثية للكروموسوم 22 في حدوث عيوب القلب الخلقية.

تشخيص أمراض القلب الخلقية

تطوّرت وسائل التشخيص لأمراض القلب لدى الأطفال والمواليد الجدد بشكل كبير وكذلك اكتشاف الحالات المرضية قبل الولادة.

 ومن بين أبرز وسائل التشخيص:

  •  فحص القلب بالموجات فوق الصوتية  Echocardiography 

يساعد في الحصول على صور لنشاط القلب، وتبيان مدى قوة عضلة القلب، وشكل البنية التركيبية، والتأكد من سلامة أماكن الشرايين المحيطة بالقلب أو وضعية الصمامات.

 في حال وجود أي من أمراض القلب الخلقية يُمكن اكتشافها، وكذلك يمكن عن طريق فحص الموجات الصوتية اكتشاف بعض حالات عيوب القلب الخلقية قبل الولادة.

  •  تخطيط كهربية القلب  ECG- Electrocardiogram

يساعد الطبيب في التعرف على المشاكل الوظيفية المرتبطة بنبضات القلب، حيث يتم تحويل الإشارات الكهربائية الصادرة عن القلب إلى رسم تخطيطي، ومن خلاله يمكن التعرف على أي انحرافات في وظيفة القلب.

  • القثطرة

تساعد في تحديد العيوب الموجودة في القلب، حيث يتم إدخال سلك ينتهي بكاميرات دقيقة إلى قلب المريض من خلال الشرايين في منطقة الذراعين أو الفخذين.

  • قياس نسبة التأكسد في الدم:

يساعد ذلك في تشخيص أمراض القلب الخلقية التي ترتبط بحدوث الزرقة في الجسم، حيث يقيس الطبيب نسبة الأوكسجين في الدم.

  •  التصوير بالأشعَّة المقطعية:

من بين وسائل تشخيص أمراض القلب الخلقية استخدام الأشعَّة المقطعية؛ حيث يمكن من خلالها التعرف على بعض الأسباب التي تؤدي لمشاكل القلب.

  •  التصوير بموجات الرنين المغناطيسي:

يساعد تصوير منطقة القلب والرئتين عن طريقة موجات الرنين المغناطيسي في الحصول على تفسيرات مناسبة لما يعانيه المرضى من أعراض، ومن ثم اختيار الطرق العلاجية المناسبة.

العلاجات

جراحة القلب المفتوح 

تتطلّب بعض الحالات جراحة القلب المفتوح، يقوم خلالها الجرّاح المتخصص في هذه الحالات بإصلاحٌ الكثير من عيوب القلب الخطيرة. تحديد خيار الجراحة وتوقيته يعتمد على نوع العيب وشدة أعراضه، حيث يتوافر اليوم تقنيات طبية وتكنولوجية متطورة تساعد الجرّاح على إجراء مثل هذه العمليات الدقيقة بأقل قدر ممكن من المضاعفات وبنسبة نجاح عالية جداً.

قثطرة القلب 

بعض الأنواع من العيوب الخلقية يمكن علاجها بواسطة القثطرة بدلاً من جراحة القلب المفتوح أو لتأخيرها، ويجري خلالها نفخ بالون لتوسيع التضيق الحاصل في أحد الصمامات أو الأوعية الدموية. 

 الأدوية 

تتوافر اليوم مجموعة من الأدوية التي تساعد في تخفيف الأعراض الناجمة عن اضطرابات صمامات القلب وضيق التنفس والتورم بسبب تراكم السوائل في أجزاء مختلفة من الجسم باستخدام مدرات البول وأدوية أخرى تساعد في التخلص من السوائل الزائدة.

 هناك أدوية تساعد في تخفيف عبء العمل على القلب، كما يمكن علاج حالات الخفقان أو عدم انتظام ضربات القلب باستخدام مجموعة أخرى من العقاقير، ويمكن لخفقان القلب أن يسبب تجلطاً للدم، لذا يتم استخدام مضادات التخثر التي تزيد من سيولة الدم وتحد من مخاطر التخثر.

أجهزة لدعم عمل القلب 

تطور طب القلب بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة وبات هناك مروحة واسعة من الخيارات العلاجية؛ ففي حال عدم تجاوب الطفل مع العلاجات الدوائية أو القثطرة، يمكن اللجوء إلى الأجهزة الميكانيكية المتطورة لدعم القلب عند الأطفال حيث تحتوي على مضخة تساعد على إرسال كمية كافية من الدم إلى الرئتين وإلى الجسم عندما يكون القلب غيرَ قادر على الضخ بشكلٍ فعال. يمكن استخدامها لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر للسماح لقلب الطفل بالتعافي من عدوى فيروسية أو من جراحة كبرى للقلب المفتوح أو للمساعدة على استقرار حالة الطفل حتى يمكن إجراء عملية زرع قلب.

زرع القلب 

المسألة هنا تحتاج إلى متبرع، لذلك فإن نقص قلوب المتبرّعين يحد من هذا الخيار؛ ففي حالات نادرة وعندما تفشل كل المعالجات لا يبقى هناك من خيار سوى إيجاد قلب من متوفي لزرعه وإنقاذ حياة الطفل.

تدابير طويلة الأمد

يحتاج بعض الأطفال والرّضع إلى استعمال الأدوية للحد من عبء عمل القلب، وبالنسبة للأطفال الأكبر سناً يجب مراعاة النظام الغذائي لهم من خلال الحد من الحليب الصناعي الغني بالسعرات الحرارية وكذلك الحد من ملح الطعام.

بعض الأطفال الذين لديهم عيوب كبيرة في القلب أو الذين خضعوا لعمليات جراحية لإصلاح عيوبهم في القلب يتوجب عليهم تناول المضادات الحيوية قبل زيارة طبيب الأسنان، وقبل بعض العمليات الجراحية (مثل جراحة الجهاز التنفسي) وذلك للوقاية من حدُوث حالات عدوى قلبيَّة خطيرة تُسمَّى التِهاب الشَّغاف. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى