أمراض وعلاجات

دور مراكز التأهيل في السلامة المجتمعية

دور مراكز التأهيل في السلامة المجتمعية

الصّحة الذهنية تتقدّم فكيف تحقّقت النتائج؟

إعادة التأهيل النفسي الإجتماعي هي العملية التي تسهل الفرص للأشخاص الذين تعرّضوا لظروف صعبة وصدمات فأثرت في حياتهم، أو مدمني المخدرات ممن يتطلب علاجهم إعادة تأهيل في مراكز متخصّصة للتخلّص من الإدمان وآثاره من جهة ولإعادة الإنخراط في المجتمع من جهة ثانية. وهناك أيضاً من يعانون من مرض عقلي مزمن فتساعدهم مراكز إعادة التأهيل للوصول إلى المستوى الأمثل من الأداء المستقل في المجتمع ولتحسين نوعية حياتهم. ومعلوم أن عملية إعادة التأهيل تهدف إلى تحسين المهارات العاطفية والاجتماعية والفكرية اللازمة للعيش والتعلم والعمل في المجتمع بأقل قدر من الدعم المهنيفكيف تعمل هذه المراكز وما هي أهميتها الصحية والمجتمعية؟

توصي منظمة الصحة العالمية بإعادة التأهيل النفسي المجتمعي لتحسين نوعية الحياة وضمان إدماج ومشاركة الأشخاص المدمنين أَو أُولئك الذين يعانون من مشاكل نفسية أو عقلية. ومع ذلك، كان عدد مراكز إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي حتى الأمس القريب لا يزال محدوداً في بعض المناطق على الرغم من الارتفاع المقلق في معدلات المدمنين والمرضى. لكن مع الوقت تم إدراك أهمية هذه المراكز وبدأت تزداد انتشاراً وتتطوّر أداءً. وما دفع إلى هذين التوسّع والتطوّر هو زيادة أعداد المصابين ومن هم في حاجة لإعادة تأهيل من جهة، وزيادة قبول الناس لهذا النوع من العلاجات من جهة ثانية. وقد كان اللجوء إلى مراكز العلاج وإعادة التأهيل مرفوضاً في السابق ومحط خجل في المجتمع، لكن زيادة الوعي لدى الناس ذللت هذه العقبة وجاءت النتائج الجيدة المرجوة لتزيد العالم انفتاحاً على مراكز التأهيل النفسي والعقلي.

فوائد مراكز التأهيل

توفر مراكز التأهيل مساحة حيث يمكن لأفراد المجتمع العثور على المساعدة والمعلومات حول التعافي من الإدمان أو الإضطرابات النفسية والعقلية. يعالج الفريق السريري المصابين من خلال تثقيف العائلات وضمان حصول العملاء على الأدوات التي يحتاجونها ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع. بالإضافة إلى تحسين نوعية حياة طالبي العلاج بشكل عام، تضمن مراكز التأهيل أيضًا حصول المصابين على الموارد اللازمة لمعالجة مشكلاتهم الصحية.

ويرى المتخصّصون أن الخطوة الأولى في رحلة العلاج التأهيلي تبدأ بفهم مدى أهمية إعادة التأهيل كأمر أساسي جدّاً في مجتمع يواجه طفرة في تعاطي المخدرات والإضطرابات الناجمة عنه. فبرامج إعادة التأهيل المرتكزة على المبادئ العلمية، توفِّر مسارًا منتظمًا للتحرّر من الدورة المتكررة لتعاطي المخدرات، ومعالجة تداعيات الإدمان على الصحة الجسدية والعاطفية. يعد مركز إعادة التأهيل، وهو ملاذ لأولئك الذين يتصارعون مع الإدمان أو مع حالات نفسية أخرى، موردًا محوريًا في الجهود المبذولة للحد من تعاطي المخدرات وآثارها الضارة على الأداء الاجتماعي. وتكمن أهمية مراكز إعادة التأهيل في مواجهتها لتصاعد قضايا المخدرات والكحول على مستوى العالم. من هنا يصبح فهم أهمية إعادة التأهيل أمرًا بالغ الأهمية لدى المرضى أنفسهم أو لدى عائلاتهم. 

فبرامج التأهيل، المدعومة من قبل متخصصين طبيين، تستكشف القضايا الأساسية للإدمان، وتوفِّر المكان الملائم للعلاج حيث يمكن للأفراد العمل على كسر عادات التدمير الذاتي وتعزيز عادات جديدة ترتكز على الرعاية الذاتية. فهو المكان الذي يتعلم فيه المرء استبدال فقدان الانضباط بأعمال روتينية منظمة، مع التركيز على الأنشطة الإنتاجية التي تغذي الصحة العامة وتعيد تحفيز العقل واستنباط الأفكار المفيدة.

يكشف تفصيل الفوائد العديدة لإعادة التأهيل مدى تأثيرها العميق على الصحة الجسدية والعاطفية والنفسية. من هنا أهمّية ما تؤمّنه هذه المرافق، وهو أكثر من مجرد العلاج، فهي توفّر بيئة منظمة حيث يتعلم الأفراد بناء علاقات صحية مع أنفسهم ومع الآخرين واعتماد آليات التكيُّف الصحية. ويكمن فهم أهمية إعادة التأهيل عبر إدراك دورها الحيوي في كسر دائرة الإدمان المتكررة، وتوفير طريق للتعافي وإعادة الإنخراط في المجتمع. فإعادة التأهيل النفسي والعقلي ليست مجرد تعاط تقليدي مع الإدمان أو العوارض النفسية، بل تمثّل حلّاً شاملاً يعالج مجموعة واسعة من احتياجات الأفراد الذين يعانون من هذه الإضطرابات أو الحالات الخاصة. فالإدمان غالبًا ما ينبع من مشكلات عاطفية أساسية أو صدمة أو اضطرابات في الصحة العقلية لم يتم حلها. لذلك يعمد مركز إعادة التأهيل إلى توفير بيئة علاجية مثالية حيث يمكن للأفراد استكشاف هذه التحديات العاطفية ومواجهتها. ومن خلال الاستشارة والعلاج، يكتسب الأفراد الأدوات اللازمة للتعامل مع المحفزات العاطفية وتطوير مهارات التكيف الصحية.

ففي حالة إدمان المخدرات أو الكحول مثلاً، يُشرِف المتخصّصون الطبّيون على إزالة السموم، مما يضمن للأفراد إدارة أعراض الانسحاب منها بأمان. عندما يتكيف الجسم مع حالة خالية من المخدرات، تتحسن الصحة العامة، مما يقلل من خطر حدوث مضاعفات ناجمة عن تعاطي المخدرات أو الكحول. أثناء عملية إزالة السموم يتلقى الأفراد إشرافًا احترافيًا، مما يضمن أن العملية آمنة وتُدار بشكل جيد. وهذا أمر بالغ الأهمية لأن التخلص من السموم يمكن أن يكون مرحلة صعبة مع أعراض الانسحاب. كما يمكن للخبراء الطبيين إعطاء الأدوية، إذا لزم الأمر، لتخفيف الانزعاج وضمان انتقال أكثر سلاسة إلى حالة خالية من الإدمان. كما يمكن للأعضاء الحيوية في الجسم مثل الكبد والقلب والدماغ، أن تتعافى من الأضرار الناجمة عن الإدمان. وغالبًا ما يتمتع الأفراد بنوم أفضل، وتحسين الشهية، وتعزيز اللياقة البدنية عندما يتبنون أسلوب حياة خاليًا من المخدرات.

مسار علاجي متين

واحدة من الركائز الأساسية لإعادة التأهيل هي جلسات الاستشارة والعلاج. تم تصميم هذه الجلسات لتناسب احتياجات الفرد، وهي تركِّز على معالجة المحفزات العاطفية وتطوير مهارات التكيّف الصحية. فمن خلال العلاج، يمكن للأفراد فهم العوامل العاطفية التي تساهم في إدمانهم، وتَعلُّم استراتيجيات لإدارة هذه المحفزات من دون الجنوح إلى تعاطي المخدرات أو سواه من الموبقات. وإذا أدركنا أن الإدمان مرض نفسي، وإعادة التأهيل تبحث في أسبابه الجذرية، نتبيّن أهمية هذا المسار العلاجي ونتائجه الإيجابية على الصحتين النفسية والبدنية. فمن خلال دراسة العوامل النفسية التي تساهم في الإدمان، تعمل برامج إعادة التأهيل على تمكين الأفراد من بناء أساس متين للتعافي. وهذا يشمل فهم العلاقة بين الصحة العقلية واضطراب تعاطي المخدرات. لذلك فإن برامج إعادة التأهيل تدرس العوامل النفسية التي تساهم في الإدمان. وتقوم هذه العملية بالبحث الدقيق في أنماط تفكير الفرد وسلوكياته ومعتقداته المتعلقة بتعاطي المخدرات أو الكحول أو اعتماد سلوكيات تنم عن اضطراب نفسي. ويُعدّ تحديد هذه العوامل وفهمها خطوة حاسمة نحو التعافي الدائم.

وعليه، فمع هذه المراكز ومع متابعة المتخصصين فيها وبرامج العلاج من خلال معالجة العوامل النفسية، فإن إعادة التأهيل تمكّن الأفراد من بناء أساس متين للتعافي. فهو يساعدهم على التعرف على العلاقة بين صحتهم العقلية واضطرابات السلوك. وقد أثبتت الدراسات التقدّم الكبير الذي تحقِّقه ونسبة التعافي المرتفعة باطراد كما نسب اللجوء إلى هذه المراكز لتلقي العلاج. ومن خلال هذه المعرفة، يمكن للأفراد تطوير استراتيجيات للحفاظ على سلامتهم النفسية ومنع الانتكاس. وثمّة العديد ممن تلقوا العلاج في مراكز التأهيل وخرجوا منها أصحاء سليمين، باتوا منخرطين في المجتمع ومساهمين في دورتَي العمل والإنتاج.

مراحل العلاج ومتوجباته

إن رحلة التعافي من الإدمان ضمن برنامج إعادة التأهيل، عملية منظمة وعلمية ومتعددة الأوجه. إن فهم ما يمكن توقّعه أثناء عملية إعادة التأهيل أمر بالغ الأهمية للأفراد وأسرهم أثناء شروعهم في عملية العلاج. فهناك مراحل على المريض أن يجتازها بنجاح بجهد الإخصائيين وتعاون الأهل، والأهم تجاوب المريض نفسه. وتقوم برامج إعادة التأهيل بإنشاء خطط علاجية مصمَّمة خصيصًا لتلبية الاحتياجات والتحديات المحددة للشخص المريض. وغالبًا ما تتضمن هذه الخطط الاستشارة الفردية والعلاج الجماعي والعديد من العلاجات القائمة على الأدلة.

فالمرحلة الأولى مثلا بالنسبة إلى مدمن المخدرات تعمل على إزالة السموم، وهي مرحلة إعادة التأهيل الأولية. تنطوي هذه المرحلة على إزالة المواد من الجسم، وتمثّل خطوة حاسمة تتطلب الإشراف المهني. يقوم الإخصائيون بمراقبة الأفراد عن كثب للتأكد من سلامتهم خلال هذه المرحلة. وقد يقدمون لهم بعض الأدوية لتخفيف أعراض الانسحاب، مما يجعل العملية أكثر قابلية للإدارة. والجدير معرفته أن مرحلة التخلص من السموم هي فترة التكيف، جسديا ونفسيا. قد يعاني الأفراد من مجموعة من الأعراض حيث تتكيف أجسامهم مع غياب المادة. يمكن أن تكون هذه المرحلة صعبة ولكنها خطوة أساسية نحو التعافي.

تتعمق جلسات العلاج الفردية في المشكلات الأساسية التي تساهم في الإدمان. ويتضمن ذلك استكشاف الصدمات والتجارب السابقة والمحفزات العاطفية. ومن خلال معالجة هذه الأسباب الجذرية، يكتسب الأفراد فهمًا أعمق لإدمانهم ويطورون استراتيجيات للتعافي على المدى الطويل. هذا المسار الذي لا يتوفّر بهذه المهنية العالية إلا بمراكز التأهيل المتخصّصة، أعطى نتائج باهرة مما ساعد على شفاء نسب كبيرة من المرضى، كما دفع إلى زيادة أعداد هذه المراكز حول العالم ورفع مهنيتها إلى مستويات راقية وفعالة.

والجدير معرفته أن عملية إعادة التأهيل لا تنتهي بانتهاء البرنامج، لأن الرعاية اللاحقة والمتابعة مع المريض تعدّان عنصرًا حاسمًا يساعد الأفراد في الحفاظ على تقدمهم. وهو يتضمن دعمًا مستمرًا، بما في ذلك العلاج في العيادات الخارجية ومجموعات الدعم والفحوصات المنتظمة مع المستشارين للتأكد من أن الصحة الجسدية والعاطفية لطالب العلاج تساهم بشكل إيجابي في صحته النفسية والعقلية. وتركّز برامج الرعاية اللاحقة على منع الانتكاس من خلال تزويد الأفراد بالأدوات والموارد اللازمة للتعامل مع التحديات في المجتمع. وتُعتبَر هذه المرحلة ضرورية للحفاظ على المكاسب التي تكون قد تحققت أثناء إعادة التأهيل، وضمان عملية التعافي على المدى الطويل.

التأهيل ونسب النجاح

تتألف أنشطة إعادة التأهيل في المقام الأول من الأنشطة الروتينية وأنشطة التوعية وأنشطة كسب العيش والتي تم وصفها على النحو التالي:

  • الأنشطة الروتينية. وتشمل الروتين اليومي، الصلاة، واليوغا مع العلاج بالضحك والتمارين البدنية الخفيفة والمناقشة الجماعية والأنشطة الترفيهية، والتدريب على مهارات الحياة اليومية والمهارات الاجتماعية والمهارات الحياتية لإعادة دمج المرضى مع الأسرة والمجتمع. 
  • أنشطة التوعية. حيث تنظم المراكز بانتظام تدريبًا للموظفين، ومعسكرات توعية بالصحة العقلية في المجتمع لتثقيف الناس حول الصحة العقلية، وتشخيص وعلاج المرضى النفسيين، وإصدار شهادات الإعاقة للأشخاص المصابين بمرض عقلي للوصول إلى مختلف أشكال الحماية الاجتماعية.
  • أنشطة سبل العيش. من خلالها يشجع المركز المرضى على الانخراط في أنشطة كسب العيش وخاصة تصنيع المنتجات اليدوية. وبعد تسويقها يتم تقاسم الأرباح بالتساوي بين المرضى. 

أما النتائج الرئيسية لهذا المسار فيتم تصنيفها في ثلاثة مواضيع رئيسية: إعادة التأهيل والعودة إلى المجتمع، الاستعداد لورش عمل متخصّصة أثناء التدريب، والتسرّب لدى من لا يتجاوبون مع العلاج. واللافت أن نسبة 69 في المئة من المرضى النفسيين أو العقليين تم علاجهم بنجاح، وتمت إعادة تأهيلهم مرة أخرى للإنخراط في المجتمع. وكان ما يقرب من 16 في المائة منهم لا يزالون في التدريب بينما كان 9 في المائة جاهزين لورشة العمل. أما معدل تسرب المرضى فلم يتخطّى نسبة 6 في المائة فقط. ويعيد المختصون ارتفاع معدلات النجاح في إعادة التأهيل هذه إلى الأساليب المبتكرة لإشراك المرضى، وتقديم المشورة لهم ولأفراد أسرهم على أساس منتظم وآلية متابعة متينة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى