أمراض وعلاجات

الصحة العقلية… الممر الآمن لحياة مستقرّة

الصحة العقلية

الممر الآمن لحياة مستقرّة

تشكل الصحة العقلية حيّزاً بالغ الأهمية وتوازي الصحة الجسدية بمكوناتها كافة؛ إنها الحالة الجيدة للعقل التي تعكس العافية على الصعيد النفسي والعاطفي والاجتماعي، فتؤثر على حياة الشخص وتفاعله مع محيطه وتأقلمه مع الحياة وأحداثها وتعكس كذلك حالته الصحية والجسدية بشكل عام.

عندما تكون هذه العناصر الثلاثة متوازنة ومتناسقة فيما بينها، تكون الصحة العقلية إيجابية، وعند حدوث العكس من الممكن ان يواجه الشخص اضطرابات ومشاكل قد تشمل القلق، والاكتئاب، وسوء العلاقات الاجتماعية وغيرها الكثير.

في الواقع ليس هناك حد فاصل بين الأمراض العقلية والنفسية، فكلاهما يؤثر في الآخر، فقد يتحول مرض نفسي مثل الوسواس القهري أو الاكتئاب إلى مرض عقلي والعكس صحيح. المرض العقلي مرتبط باضطرابات أو عطل في خلايا أو كيمياء المخ بينما المرض النفسي هو اضطراب وجداني مرتبط بالمشاعر والنظرة للحياة. وعليه، يُطلق على المرض النفسي وجود اضطرابات في الصحة العقلية، حيث يوجد مجموعة كبيرة من أمراض الصحة النفسية تؤثر على المزاج والتفكير والسلوك. هناك مجموعة كبيرة من  الاضطرابات التي تندرج ضمن الأمراض العقلية والنفسية، منها:

الاكتئاب

مرض عقلي يتميز بتعكُّر المزاج لفترة طويلة، وهو يتجاوز مجرد الحزن، ويؤثر على سلوك المصاب واستعداده للعمل والحياة؛ اما أعراضه، فتتمثل بالشعور بالحزن الدائم والتشاؤم وفقدان الرغبة في التحدث مع الآخرين وتفضيل العزلة وفي الحالات المتقدمة يبدأ المريض بالتفكير بالانتحار.

 كما يعاني مريض الاكتئاب من فقدان للشهية او العكس فإما يصاب بالبدانة او يشكو من فقدان الوزن، كما يشكو من الأوجاع والإعياء الدائم واضطرابات في النوم سواء الأرق او فرط النوم وفقدان الرغبة في ممارسة أي نشاط. ينجم الاكتئاب عن تفاعل فيما بين العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية. فالأشخاص الذين عاشوا تجارب سلبية مثل فقدان شخص عزيز هم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. ويمكن أن يؤدي الاكتئاب بدوره إلى مزيد من التوتر واختلال الأداء وأن يفاقم حالة حياة الشخص المصاب والاكتئاب نفسه. وهناك علاقة وثيقة بين الاكتئاب والصحة البدنية. فمثلا، يمكن أن تؤدي أمراض القلب والأوعية الدموية إلى الاكتئاب والعكس صحيح.

اضطرابات القلق

يشعر الشخص بالقلق والتوتر بشكل مستمر ومن دون أي مبرر منطقي، ومن أعراضه الشعور المستمر بالخوف والهلع، وصعوبة النوم، وخفقان القلب، والشعور بتوتر في العضلات. ومن أنواعه الرهاب الاجتماعي واضطراب القلق العام.

فالقلق يبقى طبيعيا طالما انه استجابة طبيعية ينتاب الشخص عند تعرضه لتهديد او موقف ما، بحيث يحفزه على المواجهة أو الهروب؛ وخلال هذه الإستجابة الطبيعية، تحدث مجموعة من التغيرات الجسدية تشمل زيادة تدفُّق الدَّم إلى القلب والعضلات بما يمنحه الطاقة والقوَّة للتعامل مع الحالات التي تهدِّد الحياة.ولكنَّ يتحول القلق الى اضطراب عندما يحدث في أوقات غير مناسبة وبشكل متكرّر، ويكون شَديدًا جدًّا وطويل الأمد بحيث يتعارض مع الأنشطة المألوفة للشخص.

اضطرابات ثنائية القطب

وتسمى أيضا اضطرابات “الاكتئابالهوس”، حيث يعاني الشخص من تقلبات حادة في المزاج والنشاط والسلوك بين الاكتئاب الذي يتميز بانخفاض الطاقة والانسحاب، إلى الهوس وفيه يكون الشخص نشيطا للغاية ولكن بشكل غير طبيعي، إذ يتسارع كلامه ويعاني من تواثب الأفكار التي تحضره بكثرة، ويعاني من صعوبة في النوم أو قد لا يشعر بالتعب، وقد يؤمن بقناعات غير منطقية حول قدراته، وهذا قد يقوده إلى اتخاذ قرارات متسرعة خاطئة مثل استثمار جميع أمواله في مشروع مشكوك في جدواه.

الفصام

 اضطراب عقلي يؤثر في طريقة تفكير الشخص وشعوره وسلوكه، فمثلا يسمع المصاب أصواتا أو يرى أشياء غير موجودة، ويكون لديه قناعات غير صحيحة مثل أن الآخرين يستطيعون قراءة أفكاره. والفصام مرض مزمن شديد يؤدي إلى إعاقة الشخص المصاب في حياته.

يعتبر هذا المرض الأصعب والأكثر تقييدًا من بين جميع الأمراض النفسية المعروفة حيث يعاني المصاب من مشاكل وظيفية في المجتمع. قد يُسبب مرض الفصام للمصابين به الخوف والانطواء على النفس، والفصام هو مرض مزمن يُلازم المصاب به طوال فترة حياته، ولا يُمكن معالجته لكن يُمكن السيطرة عليه بواسطة العلاجات الدوائية المناسبة.

اضطرابات الأكل

عند التعرض لموقف غير طبيعي قد ينتج عنه اضطراب على مستوى الشهية فيتغير سلوك الشخص وعاداته في الاكل ويكون ذلك إما بفرط تناول الطعام او فقدان الشهية. وينطوي ذلك عادة على تغييرات في نوعية الطعام او كميته.

تصنيف هذه الحالة على انها اضطراب غذائي يستدعي ان يبقى الشخص فترة من الوقت وقد تسبّبت له هذه الحالة بضرر على صحته الجسدية وقدرته على أداء أعباء العمل أو الدراسة، أو أن انعكس هذا السلوك الغذائي سلبياً في تعاملاته مع الآخرين وعلاقته معهم.

الأمراض النفسيةعلاقة وطيدة مع الأمراض الجسدية 

الأمراض النفسية الجسدية هي عبارة عن أعراض جسدية ليس لديها أي تفسير طبي عضوي وتؤثر على أي جزء أو جهاز في الجسم. هي تلك الأمراض التي يشكو فيها المريض من أعراض جسمانية ولكن السبب الحقيقي وراءها هو نفسي وليس عضوياً. الجسد والنفس يشكلان وحدة متكاملة داخل جسم الإنسان فيؤثر كل منهما على الآخر، ما يسبب ظهور تغيرات وأعراض جسدية عديدة بسبب مرض نفسي ما.

الأعراض الجسدية قد تطال أي جهاز من أجهزة الجسم وتختلف من شخص لآخر، فعلى سبيل المثال قد يعاني البعض من أعراض مثل التعب المزمن من دون سبب، آلام في البطن وانتفاخ القولون، صداع متكرر، ارتفاع ضغط الدم، تسارع في نبضات القلب، وغيرها الكثير. وبالتالي،

فإن أعراض الأمراض النفسية الجسدية يمكن أن تؤثر على:

  • أمراض القلب.
  • أمراض الجهاز الهضمي.
  • أمراض الجهاز التنفسي.
  • أمراض جهاز الغدد الصم.
  • الأمراض الجلدية.

الكآبة واضطرابات النوم

مرض الكآبة اليوم لم يعد محصورا بالجانب النفسي أو الحالة النفسية العامة للمريض، بل هو مرض يحمل في طياته آثارا سلبية على صحة المريض عموما وربما يحدث بسبب وجود مشكلة صحية ما. 

حوالى 80 بالمائة من مرضى الإكتئاب يواجهون مشاكل في النوم تتمثل في الأرق وصعوبة الخلود للنوم والاستيقاظ كثيرا خلال الليل والأحلام المزعجة أو الاستيقاظ خلال ساعات يعاني مرضى الكآبة من الأرق وقلة النوم والأحلام المزعجة، كما يمكن للمريض أن ينام لساعات طويلة، تصل لـ17 ساعة، لكن نوم متقطع وغير مريح. في بعض الأحيان الأخرى، قد يعجز المريض عن النوم ويخاف من تلك الكوابيس التي تطارده خلال نومه؛ وعلى العكس تماما تجد البعض يستغرقون في النوم بشكل غير طبيعي لكي يهرب من الواقع ويبعد عن الحياة القاتمة. هناك فئة أخرى من المرضى على العكس من ذلك تكثر ساعات النوم بالليل عن الحدود الطبيعية، ويزيد عندهم النعاس والخمول خلال النهار، وفي كلتا الحالتين اضطراب النوم يؤثر تـأثيرا سلبيا في المرض ويساهم في زيادته.

الصداع والمرض النفسي

الصداع هو أكثر الأعراض الجسدية المقترنة بالاكتئاب، فأكثر الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب غالبًا ما يشكون من الصداع. كما تتضاعف إمكانية الإصابة بالصداع النصفي ثلاث مرات للأشخاص الذين يعانون من الكآبة مقارنة بالأشخاص العاديين.

تغيرات في الوزن

تختلف هذه المشكلة من شخص إلى آخر، فالبعض يشعر برغبة شديدة في تناول الطعام فيكسب كيلوغرامات زائدة، والبعض الآخر يرفض تناول الطعام فيصبح أكثر عرضة للنحافة الشديدة.

فقد يلجأ البعض للأكل بنهم أثناء الحالة النفسية السيئة ما يؤدي لزيادة ملحوظة في الوزن تصل في بعض الأحيان للإصابة بالسمنة؛ الخطر هنا يكمن في ما قد يصاب به المريض من أمراض أخرى نتيجة إصابته بالسمنة.

اضطرابات الجهاز الهضمي

تكثر اضطرابات الجهاز الهضمي عند الشعور بالقلق والتوتر الذي يصاحب مرض الكآبة، فالكثير منا يسمع عن القولون العصبي بحيث يصاب المريض بهياج شديد بالقولون فيؤثر على العادات الغذائية؛ وكذلك يمكن أن يصاب مريض الكآبة بعسر الهضم لأن القناة الهضمية لا تعمل بشكل منتظم، ما يجعل عملية الهضم غير منتظمة هي الأخرى. والأخطر من ذلك قرحة المعدة والأمعاء، ذلك نتيجة للتغيرات الهرمونية الحاصلة كنتيجة للتوتر والقلق النفسي. ترتبط آلام البطن ارتباطاً وثيقاً باضطراب الاكتئاب، وتشير بعض الدراسات في هذا المجال أن نسبة عالية من الأشخاص الذين يعُانون من الاكتئاب يشكون في الوقت ذاته من آلام في البطن حيث يكون ألم في جميع نواحي البطن وهذا لا يتفق مع التوزيع التشريحي لآلام البطن والتي تكون تتوزّع حسب توزيع محدد للآلام التي تحدث في البطن حسب التشريح، ولكن الآلام التي تكون نتيجة اضطرابات نفسية تكون غير متناسقة مع هذا التخطيط التشريحي لهذه الآلام. 

آلام البطن النفسية تكون عبارة عن شكوى عائمة غير محددة بمكان معين وتتنقل من مكانٍ إلى مكانٍ آخر ولا تثبت في منطقة معينة في البطن. 

آلام في الصدر وأمراض القلب

يعاني مريض الكآبة من أمراض الجهاز القلبي الوعائي مثل حدوث احتشاء في عضلة القلب، وتشوش في أداء جهاز الغدد الصماء، وزيادة ترسب صفائح الدم، وحدوث هبوط في القلب، وخلل في عمليات استقلاب الدهون في الجسم، والإصابة بأمراض القلب التاجية. كما يمكن أن يشعر مريض الكآبة بآلام في الصدر ويعتقد بأن هذا الألم نتيجة اضطرابات في القلب. يعتقد المريض أنه يعاني من مرض ما في القلب  إلا ان واقع الحال هو أنه يعاني من الكآبة. 

آلام المفاصل والعضلات

قد يشكو مريض الكآبة من آلام متعددة بالمفاصل والعضلات؛ عند الفحص لا يجد الطبيب أي سبب عضوي للمرض، ولكن عند التمعن في تاريخ المريض والاضطلاع على ملفه الطبي يتضح أن السبب الكامن وراء تلك الآلام هو نفسي.

يؤدي التوتر الشديد والاكتئاب في كثير من الأحيان إلى تشنج في عضلات الجسم، ما ينتج عنه بالتالي آلام في الظهر والمفاصل وآلام في عضلات العمود الفقري من العنق وحتى أسفل الظهر، وهناك الكثير من الأطباء يرشدون المرضى لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب للتخلص من الألم، حيث إنها تؤثر على إشارات الألم في الجسم.

اكتئاب الدورة الشهرية

يرجع سبب الاكتئاب خلال الدورة الشهرية بشكل أساسي للتغيرات الهرمونية التي تحدث في الجسم، يؤثر ذلك على إنتظام الدورة الشهرية لدى السيدات فيشمل ذلك تغيرات في كمية الدم والمدة الزمنية للحيض. اكتئاب الدورة الشهرية أو اضطراب انزعاج ما قبل الحيض هي متلازمة ما قبل الدورة الشهرية تتعرض فيها المرأة إلى مجموعة واسعة من الأعراض الجسدية أو العاطفية التي غالبا ما تحدث قبل حوالي 5 إلى 11 يوم قبل أن تبدأ الدورة الشهرية، وفي معظم الحالات، تتوقف الأعراض عندما تبدأ الدورة الشهرية، أو بعدها بقليل. النساء اللواتي يعانين من اكتئاب الدورة الشهرية يشعرن بالقلق والاكتئاب حاد والحزن أو اليأس، إضافة الى الرغبة الشديدة في الطعام أو تناول الطعام، وكذلك تقلب المزاج، الانتفاخ، وآلام الثدي، والصداع، وآلام المفاصل أو العضلات، مشاكل النوم وصعوبة في التركيز.

الخمول والكآبة

الشعور الدائم بالتعب والخمول وعدم القدرة على فعل أي شيء هي مشاعر تترافق دائما مع مرض الإكتئاب حيث يتميز هذا المرض بالشعور الدائم بالحزن وفقدان الاهتمام في الأنشطة التي يقوم بها الشخص عادة، وهو يقترن بالعجز عن أداء الأنشطة اليومية لمدة أسبوعين على الأقل.

ويعتبر الاكتئاب والخمول من الأعراض النفسية العصبية التي غالبا ما يصعب تمييزها، ويسبب الاكتئاب تغيرات في المزاج والتفكير والراحة الجسدية والسلوك في حين أن الخمول هو فقدان الدافع غير المرتبط بالإحساس بالاكتئاب أو الحزن.

آليات العلاج

هناك العديد من الطرق المتبعة لعلاج الاضطرابات والأمراض النفسية تنقسم ما بين العلاج بالأدوية والعلاج النفسي. لكن مدّة العلاج تختلف من مريض لآخر، ويعتمد طول مدة العِلاج على طبيعة المشكلة النّفسية، وشدة الصعوبات التي يواجهها المريض. يشمل العلاج الدوائي أدوية مضادة للاكتئاب والقلق وأخرى تعمل على تحسين المزاج، إضافة الى ادوية مضادة للذهان.  العلاج النفسي لا بد أن يتم تحت إشراف أخصائي الصحة العقلية والنفسية لتحديد احتياجات المريض وتزويده بالعلاج المناسب. أحيانًا يكون العلاج بالحوار، وذلك لأنّه يقوم على مبدأ تبادل الحديث بين المعالج والمصاب، ويتم ذلك من خلال جلسات حوارية منتظمة؛ يمكن مشاركة هذه الجلسات بشكل فردي، أو ثنائي، أو على شكل مجموعات.

العلاج المعرفي السلوكي يهدف إلى تحديد الأفكار غير الفعالة أو السلوكيات الضارة بالشخص، والاستعاضة عنها ببعض الأفكار الهادفة والسلوكيات الفعالة.

العلاج التفاعلي هو علاج قصير الأمد يساعد على تعلم طرق صحية للتعبير عن المشاعر، والتواصل مع الآخرين، ويساعد كذلك على فهم المشاكل الشخصية، والتخفيف من الحزن المزمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى