أمراض وعلاجات

الرّياضة ومصارعة السّكري… أدخل الحلبة وأنت الرّابح

الرّياضة ومصارعة السّكري… أدخل الحلبة وأنت الرّابح

معلوم أن للرياضة والنشاط البدني أثراً على الصحة والمساعدة على الشفاء أو التخفيف من أثر العديد من الأمراض والمشاكل الصحّية. ومن بين هذه الأمراض ما هو مزمن مثل السكري، ومتعاظم مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وخطِر مثل السرطان، وشائع مثل البدانة، وغير ذلك طبعًا من المنافع على الدورة الدموية والصحة الذهنية والنفسية.

مجلة “المستشفى العربي” وفي إطار متابعتها لأهمية العلاقة بين الرياضة والصحّة تتابع على حلقات أهمية الرياضة وأثرها الإيجابي على الأمراض المعتبرة مستعصية على العقاقير والعلاجات الطبية. وفي هذا العدد تتناول مدى تأثير الرياضة لدى المصابين بالسكري خصوصًا من النوع الثاني.

يعد فهم الأمراض الأكثر انتشارًا وعوامل الخطر المرتبطة بها أمرًا بالغ الأهمية لتصوّر دور الرياضة في الوقاية الصحية وتعزيزها. في البلدان النامية مثلاً، تُستخدم الرياضة على نطاق واسع كأداة لتثقيف الأفراد والمجتمعات حول عوامل الخطر المرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. في حين يستمر هذا الفيروس والأمراض المعدية الأخرى في التأثير على ملايين الأشخاص حول العالم. في المقابل يتزايد العبء العالمي للأمراض غير المعدية المتعلقة بتغييرات نمط الحياة وعلاقتها بقلة النشاط البدني والأنظمة الغذائية غير الصحية وتعاطي التبغ.

السكري ليس مستعصيًا

يظهر في هذا السياق مرض السكري كأحد الأمراض التي يمكن تخفيف أثرها بالرياضة. والسكري مرض يحدث عندما لا ينتج الجسم الأنسولين أو يستخدمه بشكل صحيح، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالسكري من النوع الأول أو النوع الثاني. يمكن الوقاية من مرض السكري، أو تأخيره على الأقل، عن طريق فقدان الوزن، واتباع أسلوب حياة صحي، ولا سيما النشاط البدني المنتظم. النظام الغذائي والعلاج بالعقاقير والنشاط البدني هي أيضًا مكونات رئيسية في علاج مرض السكري.

السكري آخذ في الارتفاع بين الأميركيين من جميع الأعمار. وهناك حوالى 26 مليون شخص لديهم شكل من أشكال المرض، و78 مليوناً يعانون من مقدمات السكري. هذا مع الإشارة إلى أن النظام الصحي الأميركي متقدّم وديناميكي. لكن اسلوب حياة الأميركيين لا يساعد على التخفيف من المرض.

الخبر السار هو أن التدابير الوقائية يمكن أن تؤخر ظهور مرض السكري، والسيطرة على الوزن والكوليسترول ومستويات ضغط الدم وجلوكوز الدم. وجميعها عوامل يمكن أن تساعد في منع حدوث مضاعفات عند الإصابة بمرض السكري. 

فالنظام الغذائي السليم وممارسة الرياضة هي الوصفة الطبية للعديد من المشكلات الصحية الشائعة، ومنها: ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسمنة.

وفي هذا السياق، يوصي الأطباء وخبراء الصحة بممارسة الرياضة وباتباع نظام غذائي سليم لتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2، وهي حالة تؤثر أيضًا على المزيد والمزيد من المراهقين الذين يتبادلون الأنشطة الشائعة لألعاب الكمبيوتر، ويكثرون من تناول الدهنيات والشيبس، والبسكويت، والصودا.

وللتثبّت من ذلك أجرت المعاهد الوطنية للصحة دراسة متقدمة لإظهار أن النظام الغذائي وممارسة الرياضة يمكن أن يؤخرا مرض السكري. وأثبتت التجارب السريرية أن نصف ساعة من المشي أو غيرها من التمارين منخفضة الجهد يوميًا، جنبًا إلى جنب مع نظام غذائي منخفض الدهون، يقلل من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري بنسبة 58 بالمائة.

الرياضة والنظام الغذائي 

كيف يمكن للرياضة أن تخفف من السكري أو أن تشكل علاجا له؟ 

يرى الباحثون والإختصاصيون أن فقدان الوزن الناتج عن الأكل الصحي وزيادة النشاط البدني، يُمكِّنان خلايا العضلات من استخدام الأنسولين والجلوكوز بكفاءة أكبر، وبالتالي تقليل مخاطر الإصابة بمرض السكري. وبالعكس يمكن أن يؤدي عدم ممارسة الرياضة إلى فقدان خلايا العضلات حساسيتها تجاه الأنسولين، الذي يتحكم بمستويات السكر في الدم. فتقليل السعرات الحرارية لدى مرضى السكري يجب ألا يقتصر فقط على تخفيف الوجبات أو استبدال السكر الأبيض بالسكرالوز وتناول الأغذية خفيفة الدسم فحسب، بل يجب إدراج الرياضة جنبًا إلى جنب وذلك بعد استشارة الطبيب المختص. 

ويقول إختصاصي الغدد الصماء الأميركي دوغلاس زلوك، المدير الطبي لمركز السكري في جون موير هيلث: “حتى إذا لم تفقد وزنك، فإن التمارين الرياضية ستجعلك أقوى وأكثر صحة”. “ويمكن للعادات الصحية بالتأكيد أن تؤجل ظهور مرض السكري حتى لو لم تمنعه.”

يؤمن معلمو مرض السكري المعتمدون في جون موير هيلث إيمانًا راسخًا بأن أولئك المعرضين لخطر الإصابة بمرض السكري يمكنهم تطوير برنامج رعاية مرن بمساعدة فريق مختص. وقد أظهرت التجارب السريرية المهمة أن ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي وإنقاص الوزن بشكل متواضع يمكن أن يقي من مرض السكري. ويشيرون إلى أن الأمر يستغرق وقتًا وجهدًا لتقليل خطر الإصابة بالمرض، لكن يبقى هذا الاستثمار في صحتك استثمارًا ذا قيمة!

منفعة أكبر مع الكشف المبكر

هذا لا يعني بالطبع أن ما سبق يُغني عن زيارة الطبيب والفحوص المخبرية وتناول العقاقير بحسب الوصفات الطبية، لكن أهميته أنه يساعد في التخفيف من حدة المرض وتقليل الإعتماد على العقاقير التي لا يخلو أحدها من الأعراض الجانبية. يقول المختصون: “إن اكتشاف مرض السكري مبكرًا عن طريق فحص الأشخاص المعرضين للإصابة لأكثر من سبب، يساعد في علاجه خاصة لأن العديد من الأشخاص لا تظهر عليهم الأعراض. وهذا يعد أمرًا حيويًا لمنع المضاعفات. وفي حال التزام تمارين رياضية معينة فإن بإمكان المصاب التخفيف كثيرا من الحالة.

أظهرت دراسات أجريت في الولايات المتحدة أن الأكثر عرضة للإصابة بمرض السكري هم الأميركيون من أصل إسباني، أو من أصل أفريقي، والأميركيون الأصليون، والأميركيون الآسيويون، وسكان جزر المحيط الهادئ، وكبار السن، والنساء المصابات بسكري الحمل، والأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، والأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من مرض السكري. لكن بين كل هؤلاء ظهر أن قسما من المصابين أو المعرّضين أولئك الذين يعانون من عدم النشاط، وبالنسبة لهؤلاء على الأقل فإن الرياضة قادرة على حمايتهم ومنع تعرّضهم للإصابة.

بالإضافة إلى ذلك يمكن لممارسة الرياضة والتمارين الهوائية أن تمنع حدوث مضاعفات مرض السكري، وأن تحد من احتمال الإصابة بأمراض القلب إضافة إلى أنها تساعد في حرق الدهون الزائدة في الجسم والتحكم بمستوى الغلوكوز، ولكن من المهم التذكر أن على مرضى السكري بشكل خاص الانتباه والمحافظة على قوانين الحذر والسلامة لكي لا يسببوا لأنفسهم الضرر بسبب مرضهم.

كيف نتجنب المضاعفات؟

على الرغم من أن الاستغناء عن الأطعمة الدسمة والحلويات وتحفيز الذات على الحفاظ على برنامج تمارين يومي يمكن أن يتطلب بعض الانضباط، إلا أن المردود هائل لأن الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بمرض السكري هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وبات ثابتا طبيًّا أن أمراض القلب أكثر انتشارًا بمرتين إلى أربع مرات لدى مرضى السكري، وخطر الإصابة بالسكتة الدماغية هو أيضًا أعلى بمرتين إلى أربع مرات. ويتجلى ارتفاع ضغط الدم لدى غالبية البالغين المصابين بهذا المرض، كما أن السكري هو السبب الرئيسي لأمراض الكلى. كل ذلك أثبتت التجارب كم إن الرياضة يمكن أن تساعد في تخطيه أو التخفيف من آثاره.

وفي هذا السياق يقول اختصاصيو الغدد الصماء في ألمانيا، “إن التحكم في جلوكوز الدم وضغط الدم وكوليسترول الدم، جنبًا إلى جنب مع الرعاية الوقائية المنتظمة يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية”. وينصحون باعتماد أسلوب حياة منتظم مع القيام بتمارين رياضية معينة لمدة 30 دقيقة على الأقل في اليوم. وكذلك اتّباع نظام غذائي قليل الدسم وقليل السكر وغنيّ بالخضار والفواكه والحبوب الكاملة. والمهم أيضاً أن التمارين الرياضية والوجبات المتوازنة تجعل المريض يحافظ على وزنه المثالي.

نصائح لرياضة سليمة

كما أن ممارسة الرياضة تساعد على تحسين عمل الأنسولين لدى مرضى السكري، وتحد من الحاجة إلى تناول الأدوية، وتخفف من التوتر، والضغوطات والقلق، وتحسِّن من مستوى التركيز، كذلك فإن ممارستها في شكل غير مدروس ومنضبط، قد تسيء إلى القائم بها. من هنا على مرضى السكري الإنتباه إلى هذا الجانب والإستفادة من الجانب الصحّي للرياضة وتجنّب المضار التي قد تنتج عن أي ممارسة غير سليمة.

من أجل أخذ الفائدة الكامنة من ممارسة الرياضة لمرضى السكري، لا بدّ لهم من اتباع بعض النصائح التي تتعلق بكيفية ممارسة الرياضة بالطريقة الصحيحة والسليمة، ومن أهم هذه النصائح لممارسة الرياضة لمرضى السكري على سبيل المثال: 

  • الحصول على موافقة الطبيب المعالج قبل البدء بممارسة رياضة جديدة.
  • أخذ عصير فواكه، أو أيّ نوع من السكريات قبل الخروج لممارسة أيّ نوع من الرياضات، وذلك تحسبًا لحالة انخفاض مستوى السكر في الدم خاصة عند ممارسة الرياضة بعيدًا عن المنزل.
  • ارتداء حذاء ملائم لنوع الرياضة التي تمارسونها لمنع الإصابات والجروح في القدمين، وكذلك ينصح بارتداء جوارب خاصة للرياضة لمنع الاحتكاك الزائد الذي يمكن أن يسبب الإصابة بالجروح.
  • التأكد من عدم وجود جروح أو تقرحات على الرجلين قبل ممارسة الرياضة وانتعال الحذاء.
  • المواظبة على شرب الماء قبل، وخلال، وبعد الرياضة.
  • أخذ الهوية الشخصية عند الذهاب لممارسة الرياضة تحسبًا لحالة الإصابة بالإغماء أو تحسبًا لنشوء حاجة إلى التوجه لتلقي المساعدة الطبية.
  • فحص مستوى السكر في الدم قبل ممارسة الرياضة وبعدها، كما ينصح باستشارة الطبيب بالنسبة لمستوى السكر في الدم الملائم قبل ممارسة الرياضة.
  • التوقف عن ممارسة الرياضة وفحص مستوى السكر في الدم إذا شعرتم بالرعشة، أو القلق، أو التعرق الزائد أو أي تغيير غير عادي في نظم القلب (معدل دقات القلب).
  • ممارسة تمارين تدفئة العضلات لمدة 5-10 دقائق قبل ممارسة أيّ نوع من الرياضات، لكي يكون الجسم مستعدًا للرياضة ولا يتم مفاجأته بتمارين صعبة ومكثفة.
  • ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة في اليوم، كما أنه ليس بالضرورة أن تكون بشكل متواصل، بل من الممكن تقسيمها خلال النهار.
  • ممارسة التمارين الهوائية لمرضى السكري؛ لأنها تحسن من صحة الجسم.
  • ممارسة أنواع الرياضة التي تشمل أكثر من مشارك واحد، وبهذه الطريقة يمكن تطوير علاقات اجتماعية والتعرف على أشخاص جدد.
  • ممارسة السباحة فهي تساعد على الشعور بالاسترخاء، وينصح بممارستها لمن يعاني من التهاب المفاصل؛ لأنها لا تمارس الضغط على المفاصل وتمكـّن من الاسترخاء والراحة في الماء.

استخدام الدرج عوضًا عن المصعد الكهربائي.

كما ينبغي للمريض أن يبدأ ممارسة النشاط الرياضي ببطء ثم زيادة عدد المرات تدريجياً، وينبغي له السعي لمُمارسة الرياضة لنصف ساعة على الأقل على مدار 5 أيام في الأسبوع أو حسبما يوصي مُقدم الرعاية الصحية. ويُمكن للمريض أن يوزع نصف الساعة على ثلاث جلسات تكون مُدة كلّ منها 10 دقائق.

*العدد المقبل: الرياضة والسرطان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى