هل يصبح داء السكري سابع عامل للوفاة في العام 2030؟
داء السكري
هل يصبح سابع عامل للوفاة في العام 2030؟
عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الانسولين بكمية كافية او عندما يعجز عن إنتاج انسولين فعال، وهو هرمون ينظّم مستوى السكر في الدم، فان المريض بهذه الحالة يعاني من مرض السكري سواء من النوع الأول او الثاني بحيث لا يمكن للجلوكوز أن يدخل الخلايا لاستخدامها في الطاقة فيبقى جزء منه في الدم. عندها، تبدأ رحلة المريض مع الطبيب من اجل الوصول الى معدل مستقر وضبط مستوى السكر في الدم تجنبا لحدوث أي مضاعفات قد يتسبب بها هذا الداء اذا استمر بالتأرجح.
ورغم ان السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا ملحوظا بأعداد مرضى السكري بسبب نمط الحياة غير الصحي وارتفاع نسبة البدانة وغيرها من العوامل، إلا ان ذلك ترافق مع وعي بين الناس حول أهمية الحفاظ على نمط غذائي وممارسة أي نوع من النشاط البدني يحول دون تطور الإصابة بهذا المرض المزمن او على الأقل يُبقيه ضمن المعدلات المطلوبة لكي لا يتسبب بمضاعفات يصعب علاجها في المراحل المتقدمة. أضف الى ذلك، توافر الكثير من الأدوية والعلاجات الحديثة والمتطورة والتي أسهمت الى حد كبير الى استقرار الحالات المرضية، حيث أحدثت تلك العلاجات ثورة على صعيد ضبط السكري إن من حيث الأدوية الفموية او العلاج بواسطة حقن الانسولين.
منظمة الصحة العالمية تتوقع بأن يصبح داء السكري سابع عامل للوفاة في العام 2030، حيث تشير الإحصائيات الى وجود حوالى 350 مليون حالة تقريبا تعاني من الإصابة بمرض السكري على مستوى العالم ما استدعى إنشاء اليوم العالمي للسكري في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني\ نوفمبر من كل عام للإضاءة على مخاطر هذا المرض وما يترتب عليه من مضاعفات وأضرار ولحث المجتمعات على اتّباع أساليب حياة صحية من حيث الغذاء والنشاط البدني.
على صعيد متصل، فإن تقارير الاتحاد الدولي للسكري أضاءت كذلك على العواقب الشائعة التي تترتب على داء السكري مع مرور الوقت والسنوات خصوصا في حالات عدم ضبطه، حيث يؤدي الى إلحاق الضرر بالقلب والأوعية الدموية والعينين والكلى والأعصاب، ويزداد خطر تعرض البالغين المصابين بالسكري للنوبات القلبية والسكتات الدماغية ضعفين أو ثلاثة أضعاف. كما يؤدي ضعف تدفق الدم الى الأطراف لاسيما القدمين، وبالتالي زيادة احتمالات الإصابة بقرح القدم والعدوى وتكون العواقب وخيمة اذ يمكن بتر الأطراف في نهاية المطاف. اعتلال الشبكية السكري من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى العمى، ويحدث نتيجة لتراكم الضرر الذي يلحق بالأوعية الدموية الصغيرة في الشبكية على المدى الطويل، وتعزى نسبة 2.6% من حالات العمى في العالم إلى داء السكري؛ كما يعد من الأسباب الرئيسية للفشل الكلوي.
“الأسرة ومرض السكري”
اليوم العالمي للسكري جاء هذا العام ليحمل شعار “الأسرة ومرض السكري” من أجل زيادة الوعي بما يحمله مرض السكر من آثار على الأسرة ككل، ومن اجل تعزيز دور الأسرة في إدارة الرعاية والوقاية من المرض. تم اختيار هذا الشعار من قبل الاتحاد الدولي للسكري لمدة عامين (2018 – 2019).
إحصائيات الاتحاد الدولي للسكري تبين ان معظم حالات مرض السكر هي من النوع 2 ، والذي يمكن الوقاية منه بشكل كبير من خلال النشاط البدني المنتظم، والنظام الغذائي الصحي والمتوازن، وتعزيز بيئات المعيشة الصحية؛ وفي هذا الإطار، تلعب الأسرة دوراً رئيسياً في التعامل مع عوامل الخطر القابلة للتعديل بالنسبة لمرض السكر من النوع 2، إذا ما تم تزويدها بالتعليم والموارد والبيئات لتعيش نمط حياة صحي.
النوع الثاني من داء السكر غير المعتمد على الأنسولين والذي يظهر في مرحلة الكهولة، يحدث بسبب عدم فعالية استخدام الجسم للأنسولين؛ معظم الحالات تحدث نتيجة البدانة والخمول البدني، وتكون أعراض هذا النمط مماثلة لأعراض النوع الأول، ولكنها قد تكون أقل وضوحاً في كثير من الأحيان؛ ولذا فقد يشخص الداء بعد مرور عدة أعوام على بدء الأعراض، أي بعد حدوث المضاعفات، وهذا النمط من داء السكر لم يكن يصادف إلا في البالغين حتى وقت قريب، ولكنه يحدث الآن في صفوف الأطفال أيضاً.
يسهم الدعم الأسري دورا فاعلا في رعاية مرضى السكري لجهة تحسين النتائج الصحية لهم؛ لذلك، من المهم أن يكون التثقيف والدعم في مجال الإدارة الذاتية للسكري متوفرة لجميع مرضى السكري وعائلاتهم على حد سواء للحد من التأثير العاطفي للمرض الذي يمكن أن يؤدي إلى نوعية حياة سلبية. ان اتباع بعض التدابير البسيطة المتعلقة بنمط الحياة يسهم في الوقاية من داء السكري من النوع الثاني أو تأخير ظهوره، اذ ينبغي العمل على بلوغ الوزن الصحي والحفاظ عليه وممارسة النشاط البدني ما لا يقل عن نصف ساعة معظم أيام الأسبوع، والحد من تناول السكر والدهون المشبعة وتجنب التدخين.
ما قبل السكري
يتفاجأ المريض بإصابته بمرض السكري بعد مرور سنوات بحيث يكون المرض بدأ يؤثر سلبا على بعض اعضائه، فيتساءل البعض متى يجب زيارة الطبيب وما هي الاعراض التي تحتم عليه فحص السكري وهل هناك من مرحلة ما قبل السكري يمكن ان تقيه من الاصابة؟
أسئلة وتساؤلات كثيرة يطرحها مرضى السكري من النوع الثاني الذي غالبا ما يتطور ببطء؛ وفي الواقع، هناك بعض المؤشرات لمرحلة ما قبل السكري. الاصابة بواحدة او اكثر في وقت واحد تستدعي اجراء الفحص اللازم للاضطلاع على معدل السكري لأن اكتشافه مبكرا يوفر الكثير من المعاناة في وقت لاحق. بل ان الامر قد يصل الى حد يمكن تجنب الاصابة بالسكري من خلال تغيير نمط الحياة.
من المؤشرات التي تستدعي القلق:
- زيادة العطش وكثرة التبول لأن تراكم السكر الزائد في مجرى الدم يؤدي الى سحب السوائل من الأنسجة، فيُترجم ذلك بالعطش الشديد وبالتالي كثرة التبول.
- الشعور المتزايد بالجوع وهو دليل على ان الجسم لا يحصل على ما يكفيه من هرمون الانسولين.
- نقص في الوزن من دون مبرر، حيث يكون الجسم في هذه الحالة يقوم باستخدام الطاقة المخزنة في العضلات والدهون كمصادر للطاقة.
- التعب الشديد من دون القيام بأي مجهود يرافقه سرعة الانفعال.
- عدم وضوح الرؤية، فإذا ارتفع معدل سكر الدم في الدم يتم سحب السوائل من عدستي العينين.
- بطء شفاء الجروح والقروح أو العدوى المتكررة، حيث يؤثر النوع 2 من السكري على سرعة التعافي ومقاومة الالتهابات.
- مناطق في البشرة بلون داكن. يعاني الأفراد المصابون بالنوع 2 من داء السكري من وجود بقع داكنة على الجلد، وهي قد تكون من مؤشرات مقاومة الأنسولين.
كيف يحدث السكري؟
عندما يقاوم الجسم هرمون الانسولين او عندما يتوقف البنكرياس عن انتاج كمية كافية منه، يصاب المريض بالسكري من النوع الثاني؛ ورغم ان اسباب ذلك غير معروفة تماما الا انه يوجد عوامل تساعد على الإصابة وتجعلها تبدأ بوقت أبكر مثل زيادة الوزن وقلة النشاط البدني.
ولكن، كيف يعمل الانسولين؟
يأتي هذا الهرمون من الغدة التي تقع وراء المعدة وأسفلها أي بالقرب من البنكرياس الذي يقوم بإفرازه في مجرى الدم لينتقل الى الدورة الدموية، ويسمح بذلك للسكر ان يدخل الى خلايا الجسم كافة. يخفض الأنسولين كمية السكر الموجودة في مجرى الدم، فينخفض إفراز الأنسولين من البنكرياس. أما الجلوكوز، فهو احد أنواع السكر والمصدر الرئيسي للطاقة للخلايا التي تشكل العضلات والأنسجة الأخرى؛ مصدره الطعام والكبد؛ يقوم بامتصاص السكر في مجرى الدم حيث يدخل الخلايا بمساعدة الأنسولين، كما يقوم الكبد بتخزينه وتكوينه أيضا.
فعندما تكون مستويات الجلوكوز منخفضة بسبب عدم تناول الطعام لفترة زمنية طويلة، يعمل الكبد على تفتيت الغليكوجين إلى جلوكوز للحفاظ على مستوى الجلوكوز ضمن نطاق طبيعي. ولكن، في حالات الإصابة بالنوع 2 من داء السكري، لا تتم هذه العملية على نحو صحيح. وبدلاً من انتقال السكر إلى الخلايا، فإنه يتراكم في مجرى الدم. وكلما ارتفعت مستويات سكر الدم، فإن خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في البنكرياس تنتج المزيد منه، ولكن تصبح في نهاية المطاف هذه الخلايا ضعيفة ولا تتمكن من صنع كمية كافية من الأنسولين لتلبية متطلبات الجسم.
من هم الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة؟
رغم ان أسباب الإصابة لا تزال غير واضحة تماما، إلا ان الأبحاث العلمية توضح وجود بعض عوامل الخطر التي تزيد من فرص الإصابة بالسكري من النوع الثاني. ومن هذه العوامل:
- زيادة الوزن من أكثر عوامل الخطر للإصابة بداء السكري من النوع 2. فكلما زادت الدهون بالأنسجة، زادت مقاومة الخلايا للأنسولين. تجدر الإشارة هنا الى انه ليس كل شخص يعاني من زيادة في الوزن هو عرضة للإصابة بالسكري، بل انها واحدة من عوامل الخطر.
- تراكم الدهون في منطقة البطن بشكل أساسي.
- قلة النشاط البدني.
- العامل الوراثي حيث يزداد خطر الإصابة بداء السكري من النوع 2 إذا كان أحد الوالدين أو الأشقاء مصابا بداء السكري من النوع 2.
- التقدم في السن ولاسيما بعد بلوغ سن 45 عاما. ويرجع ذلك غالبًا لأن الأشخاص يميلون إلى تقليل ممارسة التمارين الرياضية، وخسارة الكتلة العضلية واكتساب الوزن مع تقدم السن.
- سكري الحمل يزيد معدل خطر الإصابة بداء السكري من النوع 2 في مرحلة من مراحل حياة المرأة.
- متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، وهي حالة شائعة تتسم بفترات الحيض غير المنتظمة وزيادة نمو الشعر والسمنة.
- مقدمات السكري. مقدمات السكري هي حالة يكون فيها مستوى السكر في الدم أعلى من المعتاد، لكنه ليس مرتفعاً كفاية ليتم تصنيفه بأنه داء سكري. ومع ترك مقدمات السكري بدون علاج، كثيرا ما تتطور إلى داء السكري من النوع 2.
الوقاية… ليست مستحيلة
ان ارتباط داء السكري من النوع الثاني لدى معظم الحالات يجعل الوقاية أمرا ممكنة خصوصا في الحالات التي يتم اكتشافها في وقت مبكر؛ وحتى مع توافر العامل الوراثي، فإن إدخال تعديلات على نظام الحياة وتحويله الى نمط صحي من حيث الغذاء والنشاط البدني يسهم الى إبعاد شبح الإصابة وربما تأخيرها لسنوات وبالتالي الحد مما قد يسببه هذا المرض من مضاعفات، وهو ما يدحض الاعتقاد السائد بان الإصابة بالسكري حتمية ولا يمكن الوقاية منها؛ ولعل ذلك يبرر حملات التوعية التي تحث المجتمعات على تبني أنماط حياة صحية ليس فقط من اجل الوقاية من السكري بل من اجل الوقاية من الكثير من الأمراض.
في المقابل، وفي حال الإصابة بالسكري، فان السيطرة عليه وإبقائه ضمن المعدلات المطلوبة أمرا ضروريا من اجل تجنب المضاعفات او على الأقل تأخير ظهورها؛ السيطرة على السكري لم تعد أمرا مستحيلا بفضل العلاجات الحديثة المتطورة الآخذة بالانتشار سواء على صعيد الادوية الفموية او على صعيد حقن الانسولين او المضخات التي سهّلت حياة مريض السكري وجعلته ينعم بالطمأنينة وعدم الخوف من الارتفاع او الانخفاض المفاجئ للسكري؛ العلاج الطبي اذا ما ترافق مع نمط حياة صحي سيجعل حياة المريض أكثر سهولة واستقرارا، فيصبح داء السكري عندها صديقا للمريض وليس عدوا له.