سلامة المرضى محور عملية الرعاية الصحية
سلامة المرضى
محور عملية الرعاية الصحية
تصدرت جائحة كوفيد– 19 قائمة أولويات الرعاية الصحية على مستوى العالم في العامين الماضيين وتمحورت حولها مجمل اهتمام قادة الرعاية الصحية. فمن ووهان الصينية الى العالم أجمع، ألقى فيروس كورونا بثقله على الأنظمة الصحية وفرض تحديات استثنائية نتجت عن اتساع رقعة تفشيه الى حد يصفه البعض بـ”تسونامي” اجتاح العالم أجمع. فنجحت السلطات الصحية والحكومات في غالبيتها في التصدي لهذا الوباء من خلال الإجراءات الإحترازية واللقاحات التي غيّرت مسار التغلب على الفيروس.
سلامة المرضى تشكل محور عملية الرعاية الصحية والهدف هو منع أي ضرر يمكن تفاديه خلال حصول المريض على الخدمة الصحية التي يحتاجها في أي زمان ومكان، فهي من أهم اساسيات أداء الرعاية الصحية ومن حق المريض الحصول على عناية طبية متميزة من خلال تطبيق المعايير العالمية وتقليص المضاعفات وتفادي الأخطاء الطبية. وبما أن ثقافة سلامة المريض مبنية على أسس وسلوكيات معيّنة، فإنها تساهم في تسريع وتيرة شفاء المريض. ساهم تطبيق معايير الإعتماد العالمية في تحسين سلامة المرضى والحد من الأخطاء الطبية من خلال رفع مستوى جودة الخدمات الطبية المقدّمة من قبل مقدمي الرعاية الصحية ضمن أروقة المستشفى على اختلاف مسمياتهم. كما أن إلتزام الأطباء بالبروتوكولات العلاجية والممارسات الإكلينيكية ضمن الوسط الطبي واتباع الممارسات الطبية المبنية على البراهين وتطبيق أسس الرعاية الصحية المتمركزة حول المريض، كلها عوامل ساهمت في الحد من حدوث الأخطاء الطبية ما يمنح المريض السلامة التي يحتاجها. تضع المستشفيات سلامة المريض في سلّم أولوياتها لأنها بذلك تجذب المرضى نظراً لسمعتها الحسنة في الوسط الطبي، وتسهّل عملية حصولها على شهادات الإعتماد العالمية وهو ما يمنح المريض الثقة بما سيحصل عليه من خدمة طبية. ولعل شهادة الجودة خير دليل على إلتزام المستشفى بالمعايير العالمية لسلامة المريض لأنها تشمل الجانب الطبي والإداري في عمل أي منشأة صحية.
الرعاية المرتكزة على المريض
الرعاية المرتكزة على المرضى تشكل اليوم محور سلامة المرضى وهو ما يركز عليه مديرو المستشفيات باعتبارها الإطار الأهم لحصول المريض على النتائج المرجوّة من رحلته الإستشفائية. المسألة هنا لا تقتصر على رعاية المرضى ومعالجتهم فحسب، بل يتعدى ذلك إلى التعامل مع المريض بصورة أكثر شمولية من خلال التحدث مع المريض والاستماع إلى شكواه أو ما يود قوله انطلاقاً من كونه شريك حقيقي في المسار العلاجي والحفاظ على صحته. هذا التوجه الحديث في رعاية المرضى وسلامتهم يهدف الى تعزيز نموذج الرعاية الشاملة المرتكزة حول الانسان والذي أظهر تحسناً ملموساً سواء في تجربة المريض أو مقدم الرعاية الصحية ضمن المؤسسات الصحية، ما أدى الى زيادة معدل رضى المرضى وانخفاض معدلات إعادة دخول المستشفى وتكلفة الرعاية الصحية. أسس سلامة المرضى في المنشآت الصحية يتوافر العديد من العناصر التي يجب تحقيقها والعمل عليها من أجل ضمان حصول المريض على الرعاية الصحية اللازمة.
نظام إدارة السلامة
حرصت بعض المستشفيات والمنشآت الصحية على إنشاء نظام لإدارة السلامة والصحة بحيث يقوم مقدمو الرعاية الصحية بصياغة مبادئ توجيهية تحدد أداء نظام إدارة السلامة والصحة في المؤسسة وذلك انطلاقاً من خبرتهم في العمل عن قرب وتجربتهم مع المرضى وكيفية حمايتهم. فتم تطوير استراتيجيات عمل لتعزيز الأداء وسلامة المرضى من خلال تقديم رعاية صحية ذات نوعية مميّزة، الى جانب إعداد فرق للإستجابة السريعة في حال الحاجة. على إدارة المستشفى ان تُخضع جميع موظفيها وكوادرها العاملة لبرامج تدريب حول سلامة العمل ضمن بيئة المستشفى بما في ذلك سلامة المريض والعامل؛ وعلى كل فرد ان يعي أهمية المسؤولية التي تقع على عاتقه لجهة الحفاظ على سلامته وسلامة من حوله. القيمون على إدارة المنشأة الطبية عليهم متابعة الأمر عن كثب للتأكد من تطبيق معايير السلامة والأمن.
مكافحة العدوى
أولت المستشفيات أهمية خاصة لبرامج مكافحة العدوى عبر إنشاء قسم خاص يسعى الى تطبيق المعايير الدولية ومراقبة بيئة المستشفيات للوصول الى أدنى مستوى من مخاطر انتقال العدوى إلى المرضى للحفاظ على سلامتهم عن طريق جعل مكافحة العدوى وإجراءات النظافة الصحية أقرب إلى إجراءات يومية ومسؤولية كل فرد يعمل ضمن المستشفى. فالحفاظ على سلامة المريض وإبقائه بصحة جيدة خلال فترة تواجده في المستشفى يتطلب خلق بيئة صحية نظيفة وتطبيق أحدث الآليات والإستراتيجيات التي تكفل منع انتشار العدوى أو تواجدها في بيئة المستشفى؛ ومن آليات العمل المتبعة العزل وغسل الأيدي والتعامل مع حالات العدوى المكتسبة والتفشيات الوبائية والتطهير والتعقيم للآلات والأجهزة الجراحية، والتعامل مع عينات المختبر ونقل الدم وسبل التخلص منها وقواعد مكافحة العدوى لتحضير المحاليل الوريدية وإرشادات تنظيف وتطهير غرف العزل والعمليات والعناية المركزة والأماكن الأخرى ذات الأهمية الخاصة.
تطبيق ارشادات مكافحة العدوى العالمية وفق ما هو وارد ضمن البروتوكولات العالمية يتضمن:
- غسل اليدين بطريقة صحيحة قبل وبعد التعامل مع المريض وخاصة عند أخذ العينات منه.
- ضرورة ارتداء الملابس الواقية، ووضع كمامة الفم والأنف والنظارات الواقية للعينين لحمايتهما من التلوث الناتج عن رذاذ الدم أو أي سائل ملوث.
- التخلص من النفايات وتطهير أماكنها لمنع تكاثر الميكروبات والقضاء عليها للحد من انتشار الأمراض.
- ضرورة عزل بعض المرضى الذين يعانون من أمراض معدية لمنع انتشار العدوى، واتباع الإجراءات الإحترازية خلال التعامل معه مثل ارتداء كافة الملابس الوقائية ثم التخلص منها بالطرق الصحيحة وعدم استخدامها مرة أخرى او عند التعامل مع مريض آخر.
- مراقبة المطبخ وطرق التخلص من النفايات ومكافحة الحشرات وإرشاد عمال النظافة إلى الطرق السليمة فى جميع الأمور المتعلقة بمكافحة العدوى والحفاظ على نظافة بيئة العمل المحيطة بهم.
تصميم المستشفى
يساهم تصميم المستشفى من الداخل والخارج في تحسين نسبة الشفاء للمرضى من خلال إنشاء غرف للمرضى وحمامات خاصة توفر الراحة اللازمة للمريض بنسبة كبيرة. ينبغي توافر وحدات للتمريض على مقربة من غرف المرضى بشكل يسهل الوصول اليها. ومن الامور الضرورية أيضاً تهوية الغرف من خلال وجود فتحات للتهوية الجيدة تضمن عدم انتشار العدوى بالغرفة، كذلك توفير وحدات لغسل الأيدي في المستشفى بالكامل لزيادة الأمان.
كما يجب وضع برنامج مخصص لمكافحة الحشرات داخل المنشأة الصحية وتطبيقه بشكل مستمر، مع اختيار الأثاث المناسب الذي تتوفر فيه الشروط اللازمة لضمان سلامة المريض مثل الأسرّة الطبية وترولّي نقل المريض والستائر المضادة للحريق والقابلة للتنظيف وغيرها. تصميم المستشفى يجب أن يشمل مواصفات محدّدة من حيث الموقع والمساحة وتوزيع الأماكن الداخلية ومقاييس ومواصفات مواد البناء المستخدمة وأنظمة التهوئة والإضاءة المناسبة؛ وكذلك المواصفات الخاصة بتوفير الماء والكهرباء على مدار الساعة ومراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة عند وضع تصميم بناء المنشأة الصحية مع توافر متطلبات السلامة لحماية المرضى والعاملين والزوار من الحوادث والإصابات خلال تنفيذ المشروع.
الطاقم التمريضي
تتمثل أولى الخطوات بوجود طاقم تمريض على مستوى عال من التدريب والمهنية لديه القدرة على العمل بشكل دقيق على تنظيم المواعيد الطبية للمرضى في ما يتعلق بتناول جرعات الدواء في الوقت المحدد لها، والعمل على جدولة مواعيد تناول الدواء وشرح ذلك للمريض بشكل مبسط قادر على فهمه. من واجب الممرض أو الممرضة توعية المريض بعد خروجه من المستشفى حول كيفية تناول الجرعات المحددة من الدواء، وتوعيتهم حول المخاطر التي يمكن أن تنجم عن الاستخدام الخاطئ للدواء أو تفويت الجرعة المحددة وغيرها. بالإضافة الى ذلك، على الطاقم التمريضي وغيره من مقدمي الرعاية الصحية تقليل نسبة الإصابة بالالتهابات التي يمكن أن تصيب مجرى الدم.
العمليات الجراحية
سلامة المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية من أساسيات العمل الطبي، حيث ينبغي اتباع أعلى معايير النظافة والتعقيم واتخاذ الإحتياطات اللازمة قبل العمل الجراحي وخلالها وبعده؛ فمن الضروري ارتداء القفازات المعقّمة بشكل سليم والأثواب النظيفة والمعقمة أيضاً، كذلك استخدام الأشعة لتحديد مواقع العمليات، بالإضافة إلى استخدام الطريقة السليمة التي يحضّر بها الجلد، وطريقة وضع اللفافات الطبية عليه بعد الانتهاء من إجراء العمليات الجراحية. لحماية المريض وسلامته ضمن غرفة العمليات، ينبغي ان يخضع العاملين في العمليات لبرامج تدريبية حول السياسات والإجراءات المتبعة بالعمليات والمتعلقة بإجراءات التحكم في العدوى؛ كما يجب تواجد أقل عدد من العاملين بالعمليات داخل غرف العمليات تبعاً للحاجة، والإلتزام بعدم الدخول والخروج المتكرر بدون داعي من وإلى غرفة العمليات ومراعاة أن يكون الباب مغلق بإحكام في كل الأوقات.
يجب التخلص من الأدوات والتجهيزات غير الصالحة للاستعمال وغير المستعملة من غرف العمليات، على أن تعد قائمة العمليات في اليوم السابق لبدء إجراء التحضيرات اللازمة. عملية التنظيف والتحضير بين عملية وأخرى تحتاج حوالى 15 – 20 دقيقة وهو وقت كاف أيضاً لتغيير الجو في غرفة العمليات لتصبح جاهزة للعملية المقبلة بما يضمن سلامة المريض وأمانه من التقاط أي عدوى.
الإستخدام الآمن للدواء
حصول المريض على الدواء الصحيح بالوقت المناسب يعتبر من أسس السلامة العامة حيث يسهم ذلك في تحسين خدمة العلاج الدوائي وتعزيز الصحة والعافية والوقاية من الأمراض. تتبع المستشفيات سياسات وإجراءات محدّدة مبنية على دراسات علمية.
يصل الدواء الى المريض بعد مروره بحلقة متكاملة تضمن حصوله على الدواء الصحيح الذي يحتاجه والذي يتمتع بالمواصفات العالمية وذلك عبر شبكة اتصال بين الأقسام وصيدلية المستشفى التي تتصل بدورها بالمستودعات الطبية لتوفير الأدوية مع ذكر صلاحية الدواء لكل نوع منها، ليقوم بعد ذلك قيام الصيدلي أو الممرض المعني بتوزيع الأدوية للمرضى بالمرور على الأجنحة والأقسام المختلفة بالمستشفى للتأكد من صلاحية الأدوية الموجودة لديهم؛ كما توجد لوائح خاصة بتخزين الأدوية حسب درجات الحرارة المطلوبة وحفظها بطريقة صحيحة.
آلية العمل هذه باتت اليوم تتم عبر نظام “الصيدلية الذكية” من خلال وجود برنامج آلي يختصر الوقت على الصيدلي الذي يتفرّغ للتدقيق في الوصفات الطبية والتعرف على حاجة المريض قبل صرفها مع ضرورة تعريف المريض بطريقة استخدام الدواء لضمان الاستخدام الأمثل للدواء.
السلامة في المختبر وبنك الدم
إن قواعد السلامة في قسم المختبرات وبنك الدم تطال العاملين والمرضى على حد سواء، حيث يجب اتباع اعلى شروط الامن والسلامة. اتباع مواصفات السلامة والأمن يهدف كذلك الى ضبط جودة الفحوصات المخبرية لضمان الحصول على نتائج دقيقة تساعد في اتخاذ القرار الأمثل لعلاج المريض منعاً للأخطاء التي قد تؤثر سلباً على صحة المريض. الإجراءات الفنية اللازمة وآليات حفظ الدم ومكوناته ومشتقاته وطريقة نقله وكذلك التخلص منه وضرورة التأكد من خلو المتبرع من أي أمراض معدية، كلها خطوات مهمة للغاية لضمان سلامة عيّنات الدم قبل إرسالها إلى المرضى وتغطية احتياجات المنشأة الصحية للحالات العادية والطارئة.