خلايا دم الحبل السري
خلايا دم الحبل السري
علاج جديد للمستقبل
دم الحبل السري هو ذلك الدم المتواجد في الحبل السري بعد الولادة والذي من خلاله يتم تبادل الأوكسجين بين الجنين وأمه؛ إنه من أهم المصادر الغنية بالخلايا الجذعية والمطابقة للبصمة الوراثية للطفل لأن خلايا دم الحبل السري تحتوي على خلايا جذعية يمكن استعمالها في المستقبل للعلاج أو الأبحاث.
خلال السنوات الأخيرة، ظهرت العديد من بنوك الخلايا الجذعية stem cell banks، التي تحتفظ بخلايا المولود الجديد من أجل الحفاظ على صحته في المستقبل. فقد انتشرت ظاهرة تخزين دم الحبل السري للمواليد الجدد نظرا لأهمية الخلايا الموجودة فيه لجهة علاج أمراض الدم السرطانية وغيرها، إضافة إلى بعض الأمراض المناعية، وكذلك ازداد عالمياً عدد بنوك دم الحبل السري التي تتيح للعائلات تخزين الحبل السري لأطفالهم لاستخدامها عند الحاجة مستقبلاً.
لقد جرت العادة التخلص من دم الحبل السري إلى أن أثبت الطب الحديث امكانية الاحتفاظ به في بنوك خاصة لسنوات طويلة تصل إلى عشرين او خمس وعشرين عاما، حيث يمكن استخراج حوالي 600 مليون إلى 2 مليار خلية جذعية، بشرط أن يتم هذا العمل في غضون 5 إلى 10 دقائق بعد ولادة الطفل.
لقد بات معلوما أهمية الخلايا الجذعية وقدرتها الفائقة على الإنقسام والتحول لمختلف أنواع الخلايا الطبيعية الأخرى. فالحبل السري هو الحبل الحيوي الذي يربط بين الجنين وبين الأم من خلال المشيمة التي تمثل بوابة انتقال الغذاء من الأم للجنين داخل الرحم، وقد وجد أن الدم الموجود بداخل الحبل السري يحتوي على نسبة من الخلايا الجذعية الأولية التي لديها القدرة على الانقسام المستقبلي لتعطي العديد من أنواع الخلايا في الجسم.
فمن المعلوم ان الحبل السري والمشيمة يلعبان دورا رئيسيا في تغذية الجنين داخل الرحم؛ لكن التقدم العلمي في السنوات الأخيرة جعل لهذين النسيجين أهمية قد تجعل الوالدين يفكران بشكل جدي في الاحتفاظ بهما. الدم الذي يبقى في المشيمة والحبل السري غني بالخلايا الجذعية، وهي الخلايا التي تساهم في تكوين أنسجة الجسم وأعضائه كافة، وهي قادرة أيضا على التحول إلى أنواع أخرى من الخلايا تساهم في النمو، كما تستطيع تكوين الخلايا المناعية المختلفة.
إتخاذ قرار حفظ دم الحبل السري وتخزينه لا يمكن أن يكون وليد اللحظة، بل ينبغي ان يتم قبل حوإلى شهرين من موعد الولادة من أجل إعلام الفريق الطبي المشارك في عملية الولادة لإجراء التحضيرات اللازمة لجهة عملية جمع الدم؛ عندها يقوم الطبيب بوضع مشبكين على الحبل السري في موضعين، ثم يقوم بقطعه، وبعدها يقوم بإدخال إبرة معينة، ويجمع حوالي 60 ملليمترا من الدم. يوضع هذا الدم في أنبوب مخصص لذلك، ثم يتم إرساله للمعمل أو للبنك من أجل الفحص والتخزين، وعادة ما تستغرق هذه العملية بضع دقائق ولا تسبب أي ألم للأم أو للوليد، وقد يقوم البنك أيضا بإرسال أنابيب لأخذ عينة من دم الأم، ومعها التعليمات الخاصة بتجميع الدم في هذه الأنابيب. في الدقائق الأولى عند الولادة، على الطبيب أن يقوم باستخراج الدم وحفظ قسم من الحبل السري، على أن يتمّ نقل هذه الكميّة وفق معايير محدّدة وحرارة معيّنة مخصّصة لتنقية الخلايا الجذعية بهدف تخزينها في بنك حفظ الخلايا الجذعية على درجة حرارة متدنيّة تصل إلى 196 درجة تحت الصفر.
ولكن، قبل تخزينه، ينبغي فحصه في المختبر ومعالجته بطرق خاصة لفصل الخلايا الجذعية، والتي يتم تخزينها في أجهزة تبريد مصممة خصيصاً لتخزين الخلايا الجذعية لفترات طويلة في درجات حرارة منخفضة جداً تصل إلى مائتي درجة مئوية تحت الصفر. كما يتم إجراء الاختبارات اللازمة للتأكد من أن وحدة الدم التي تم تجميعها مطابقة للمواصفات والشروط قبل تخزينها بشكل نهائي ووضعها ضمن الوحدات الصالحة للزراعة. أما مدة تخزين دم الحبل السري، فهي طويلة الأجل حيث تظهر الدراسات أنه يمكن تخزينه لمدة تزيد عن عشرين عاماً.
هناك خطوات محددة يجب القيام بها خلال مرحلة الولادة، وتتمثل تلك الخطوات:
- التقاط الحبل وقطعه.
- استخراج الدم من الحبل السري بواسطة إبرة يضعها الطبيب في الوريد السري على الجزء الذي لا يزال مرتبطا بالمشيمة.
- جمع الدم في كيس التخزين وهي خطوة لا تستغرق أكثر من 10 دقائق.
- بعد استكمال العملية يُشحن الدم إلى أحد بنوك تخزين دم الحبل السري الذي يختاره الأهل، وقبل التخزين يختبر البنك الدم ويحفظه عن طريق التجميد وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية.
الخلايا الجذعية المستخرجة من دم الحبل السري
هي خلايا قادرة على التطور إلى الأنواع الثلاثة من خلايا الدم وهي خلايا الدم الحمراء، وخلايا الدم البيضاء، والصفائح؛ كما أن للخلايا الجذعية المأخوذة من دم الحبل السري القدرة على تكوين أنواع أخرى من خلايا الجسم.
وفي هذا الإطار، من المهم الإشارة إلى أن الخلايا الجذعية المستخرجة من دم الحبل السري تعتبر الأصغر والأكثر أمانا؛ كما انها قادرة على التطور لتعطي أنواعا عديدة من الخلايا المتخصصة. هي أشبه بمخزن للتعويض عن الخلايا المريضة أو المعطوبة في جسم الإنسان نتيجة معاناته من مرض ما.
عند استخدام هذه الخلايا بشكل ذاتي، أي زرعها للشخص الذي أُخذت منه، تكون عندها ملائمة له بنسبة 100% حيث يمكن التغلب على مشكلة رفض الجسم للعضو الغريب الذي تم زرعه. الخلايا الجذعية تتميز بقدرتها على الانقسام والتكاثر وتجديد ذاتها لتعطي أنواعاً مختلفة من الخلايا المتخصصة specialized cells كخلايا العضلات وخلايا الكبد والخلايا العصبية والجلدية، أي من الممكن أن تعطي أي نوع من الخلايا لحالات الحروق والجروح، كما تستخدم في العمليات الجراحية والتجميلية.
كما تلعب الخلايا الجذعية دوراً محورياً في الحفاظ على صحة المرء، فضلا عن إمكانية استخدامها في عمليات الزرع لإحياء الخلايا والأنسجة التي أصابها ضرر أو تلف، وذلك من خلال حفظ دم الحبل السري بعد الولادة مباشرة الذي يعدّ من أغنى المصادر للخلايا الجذعية. يتم تخزين هذه الخلايا الجذعية المستخلصة من الحبل السري بهدف استخدامها في المستقبل لعلاج الأمراض التي تؤدي إلى تدمير خلايا الدم، ويتمّ هذا التخزين في بنوك خاصة بالخلايا الجذعية.
تتمثل فوائد الخلايا الجذعية على النحو التالي:
- المساعدة في علاج بعض الأمراض مثل الأنواع المختلفة لسرطان الدم، والعديد من الأمراض الوراثية والمناعية.
- علاج بعض الأمراض التي قد تصيب أحد الوالدين أو الإخوة.
- بديل لخلايا نخاع العظام في علاج بعض الأمراض، حيث تحتوي على 10 أضعاف الخلايا الجذعية الموجودة في نخاع العظام. لكن على العكس من خلايا نخاع العظام التي يمكن أن يتم رفضها إذا تم زرعها من شخص لآخر، تتميز خلايا الحبل السري الجذعية بأن احتمالات رفضها أقل بكثير.
أمراض يمكن معالجتها بواسطة دم الحبل السري
الإكتشافات العلمية الحديثة والتي تتعلق بالإستخدامات والعلاجات التي يمكن أن تتحقق من دم الحبل السري هي في ازدياد يوما بعد يوم. واليوم، يتم استخدام الخلايا الجذعية في الاجراءات الطبية المتعلقة بزرع النخاع العظمي، وفي معالجة نحو 60 مرضا مختلفا من امراض الدم والجهاز المناعي.
ولكن يبقى الاستخدام الأساسي لهذه الخلايا هو زرع النخاع العظمي كجزء من معالجة أمراض الدم سواء أكانت خبيثة وسرطانية او حتى وراثية. زراعة الخلايا الجذعية هي العلاج الوحيد المتوفر حالياً للمرضى الذين يعانون من أمراض الدم مثل: سرطانات الدم، والأمراض اللمفاوية، بالإضافة إلى أمراض نقص المناعة الوراثية بأنواعها المختلفة حيث يعطى المريض جرعات عالية من الخلايا الجذعية بهدف تعويضه بخلايا سليمة، بعد تعريضه للعلاج الكيماوي أو الإشعاعي بغرض قتل كل الخلايا المريضة.
الاستفادة ليست فقط للمولود
إن الاستفادة من دم الحبل السري الذي تم حفظه وتخزينه ليست محصورة فقط في المولود الذي أُخذت منه، بل يمكن لأفراد أسرته واخوته الاستفادة ايضا في حال إصابة احدهم باللوكيميا او قصور في وظائف النخاع العظمي وغيرها، على أن يتم إجراء فحوصات مخبرية دقيقة على الدم قبل حقن جزء منه لجسم المريض حيث تنمو الخلايا الجذعية الموجودة بوفرة في هذا الدم إلى الأنسجة وتقوم بوظائف العضو المريض وبذلك يتم إنقاذ المريض من المرض العضال الذي ليس له علاج آخر حتى الآن.