تطوّر المستشفيات الخليجية… يضعها في التصنيف العالمي وعلى سكة الريادة
تطوّر المستشفيات الخليجية
يضعها في التصنيف العالمي وعلى سكة الريادة
يشهد القطاع الصحي في العالم العربي تطورات متلاحقة وتقدمًا نوعيّا لافتًا جعله بين الأفضل عالميًّا. فخلال سنتي تفشي جائحة كورونا وتعاطي العالم معها، أثبتت القطاعات الصحية في البلدان العربية لا سيما الخليجية منها، أنها كانت سباقة في اعتماد أفضل الأساليب والمعالجات الناجعة. وفي حين رزحت قطاعات طبية في دول العالم المتطور وخرجت مستشفيات ومؤسسات طبية عن الخدمة الفعلية، كانت مستشفيات البلدان الخليجية تتعامل بحرفية مع الأزمة وتؤسس لما بعدها، بعدما حققت وثبة مشهودة على صعيد الرقمنة وتحديث التجهيزات وتطوير الخطط وتوسيع ورفع كفاءة الطواقم الطبية. هذه التطورات مجتمعة مدعومة بإدارة حكومية وخاصة رصينة ومسؤولة، جعل المؤسسات الصحية الخليجة بحق بين الأفضل عالميا.
منذ سنوات عديدة ضاعفت المستشفيات في منطقة الخليج العربي من سرعة تطورها ومواكبتها لأحدث الإبتكارات وطرق الإستشفاء العالمية. وضاعفت في المقابل الوفادة إليها من خارج المنطقة بعد ترسيخ الثقة بالتعامل معها، وبعد تحقيقها باقة من التطورات الطبية والعديد من الإنجازات الصحية. ومع انتشار وتوسع جائحة كورونا انطلقت دول الخليج إلى المستشفيات الإفتراضية محققة نقلة نوعية على صعيد الإستشفاء والتعامل مع الجائحة. وقد أبدت دول مثل السعودية وقطر والإمارات ريادة على هذا الصعيد. هذه التطورات وضعت المستشفيات في البلدان الخليجية في مصاف العالمية، وأدخلتها سلّم التقييم حيث حلّت في مراتب مرموقة.
وعلى سبيل المثال ما حققته مستشفيات في المملكة العربية السعودية والإمارات في قائمة أفضل المستشفيات العالمية للعام 2022.
من المحلية إلى العالمية
دخلت السعودية والإمارات قائمة أفضل المستشفيات العالمية للمرة الأولى بتاريخها وذلك في جدول هذا العام، وذلك في أحدث تصنيف لمجلة “نيوزويك” الأميركية للمستشفيات الأفضل عالميًا. وقد حل 29 مستشفى سعوديًّا ضمن القائمة التي ضمت 2200 مستشفى من 27 دولة حول العالم، شملت كلًّا من: الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وفرنسا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، والبرازيل، وكندا، والهند، وأستراليا، والمكسيك، وهولندا، والنمسا، وتايلاند، وسويسرا، والسويد، وبلجيكا، وفنلندا، والنرويج، والدنمارك، وإسرائيل، وسنغافورة. وفيما تصدرت الولايات المتحدة القائمة بـ33 مستشفى، نالت المستشفيات السعودية هذا التصنيف نظرا لما تتمتع به من مزايا وضعت العشرات منها في قائمة المستشفيات الأفضل في العالم لعام 2022.
ولاختيار المستشفيات الأفضل عالميًا وضمها في هذه القائمة، تم استطلاع آراء أكثر من 80 ألف خبير من حول العالم؛ بما فيهم أطباء ومديرو مستشفيات وعاملون في مجال الصحة، كما تم استخدام البيانات المتاحة للجمهور والتي ضمت آراء المرضى. واعتمد التصنيف على مجموعة من المؤشرات؛ منها الأداء الطبي في المستشفيات والبيانات المتعلقة بجودة العلاج، وسلامة المرضى، وتدابير النظافة، وبيانات عن عدد المرضى لكل طبيب وكل مريض.
وجاءت 16 من المستشفيات المختارة ضمن الأفضل من القطاع العام؛ مقابل 8 من الخاص، و5 من القطاع العسكري. وشملت المستشفيات الواقعة في مدينة الرياض التي جاءت ضمن القائمة: مستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز الأبحاث، ومدينة الملك عبد العزيز الطبية، ومدينة الملك فهد الطبية، ومستشفى الملك خالد الجامعي. كما تضمنت القائمة: مدينة الملك سعود الطبية، ومدينة الملك سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية، ومستشفى الملك سلمان، ومستشفى الملك عبد العزيز الجامعي، ومستشفى الملك عبد الله بن عبد العزيز الجامعي، كما تضمنت: مجموعة الدكتور سليمان الحبيب فرع الريان، ومدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية، وبرنامج مستشفى قوى الأمن.
أما في مدينة جدة فاشتملت على: مدينة الملك عبد العزيز الطبية، ومستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز الأبحاث، ومستشفى الملك فهد، ومستشفى الملك عبد العزيز، ومجمع الملك عبد الله الطبي، ومستشفى جامعة الملك عبد العزيز، ومستشفى الدكتور سليمان فقيه، ومستشفى المركز الطبي الدولي، والمستشفى السعودي الألماني، ومستشفى الملك فهد للقوات المسلحة.
وفي باقي المدن تضمنت: مدينة الملك عبد الله الطبية بمكة المكرمة، ومركز جونز هوبكنز أرامكو الطبي في الظهران، ومستشفى المواساة في الدمام، ومجموعة الدكتور سليمان الحبيب بالخبر، ومستشفى القوات المسلحة بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الظهران.
مواصلة الريادة والحضور
في الإمارات، تم مثلا تصنيف مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي ضمن “مؤشر أفضل المستشفيات حول العالم”. وقد حلّ ضمن أفضل 150 مستشفى في العالم، وجاء تصنيفه في المرتبة الأولى في الإمارات. وتعليقا على ذلك توجّه وليد المقرب المهيري رئيس مجلس إدارة المستشفى ونائب الرئيس التنفيذي للمجموعة في شركة مبادلة للاستثمار، بالتهنئة لفريق عمل كليفلاند كلينك أبوظبي بأكمله على هذا الإنجاز، مؤكداً أنه بفضل جهودهم وتفانيهم تم تحقيق هذا الاعتراف العالمي بالمستشفى كأحد أرقى المستشفيات عالميا”.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة للرعاية الصحية حسن جاسم النويس “إن كليفلاند كلينك أبوظبي يواصل الحفاظ على موقعه في طليعة المستشفيات التي تقدم رعاية صحية بمستويات عالمية وفي التعليم الطبي والأبحاث، إلى جانب ريادته على مستوى المنطقة في مجال الابتكارات المرتبطة بالرعاية الصحية، ولا شك أن تصنيف كليفلاند كلينك أبوظبي في المرتبة الأولى في دولة الإمارات العربية المتحدة مصدر فخر وإلهام لشبكة مبادلة للرعاية الصحية بأكملها”.
تفوّق في الحاضر وثقة بالمزيد
هذه الإنجازات والنتائج تؤشر في ما تؤشر إلى أمرين بارزين: الأول، نجاح الإستثمارات التي وظفتها هذه البلدان، سواء الإستثمارات البشرية منها أو المادية، فجاءت التصنيفات العالمية لتؤكد هذا النجاح وتقيّمه بوضعها بين المستشفيات الرائدة عالميا. والثاني، الوثوق بإن القطاعات الصحية الخليجية ذاهبة إلى مزيد من الريادة استنادا إلى ما حققته حاليا وإلى ما تخطط له في الآتي من السنوات.
ولا يقتصر نجاح المستشفيات الخليجية على مجال صحي أو إداري بعينه، بل تكمن أهميته في أنه شامل لكل المجالات الآيلة به إلى النجاح. فالجراحات المعقدة مثلا حققت في المستشفيات الخليجية تقدما أوصل صيتها إلى كل العالم. فهي حققت نجاحات كبيرة خلال السنوات الماضية، اعتماداً على أحدث التقنيات. إذ تم الإعتماد إلى حد بعيد على التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطورة وتأهيل الكوادر الوطنية. فحلّت مستشفيات مثل: مستشفى حمد الدولي في قطر. ومستشفى الملك فيصل في السعودية. ومستشفى الشيخ شخبوط في الإمارات. ومستشفيات “جابر الأحمد” و”الفروانية” و”مبارك الكبير” في الكويت. مستشفى الملك حمد في البحرين، بين الأفضل عالميا.
فالحكومات الخليجية عملت خلال السنوات الماضية على تعزيز حضورها في مجال الجراحات المعقدة من خلال الاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا المتقدمة لتوفير خدمة طبية عالمية على أراضيها. وأصبحت دول الخليج تمتلك العديد من المراكز الطبية التي تقدم خدمات جراحية على مستوى عالٍ من الدقة، وقد نجحت هذه المراكز في إجراء العديد من العمليات الدقيقة بشكل ناجح. كما لجأت دول الخليج إلى تعزيز حضور الروبوتات الجراحية التي تساعد في إجراء الجراحات المعقدة، والتي أصبح لها دور كبير في العديد من عمليات القلب والصدر والمسالك البولية والكلى. وبعد أن كان الخليجيون يعتمدون على الخارج كلياً لإجراء الجراحات الخطيرة، أصبحت العديد من هذه الجراحات تجرى محلياً وبأيد وطنية في كثير من الأحيان.
نجاحات في مجال الجراحات
أصبح العديد من مستشفيات المملكة السعودية يقدم خدمة متقدمة في العديد من مجالات الجراحة، ويأتي مستشفى الملك فيصل التخصصي في مقدمة المؤسسات السعودية التي تقدم العديد من الجراحات المعقدة. وأصبحت جراحات استئصال الأورام السرطانية تحتل مكانة متقدمة في مستشفيات المملكة بعدما حققت فيها العديد من النجاحات خلال الفترة الأخيرة. وتعد السعودية من الدول المتقدمة في استخدام جراحة الروبوت خليجياً، خاصة عمليات القلب، حيث دخل مركز القلب في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ضمن أكبر 5 مراكز على مستوى العالم في جراحة الروبوت القلبية، بعد أن تمكن من إجراء 105 عمليات دقيقة ومعقدة للقلب خلال عام واحد، بواسطة النظام الجراحي الروبوتي السريري.
وكانت دولة الإمارات سباقة في ضخ الاستثمارات بمجال التكنولوجيا الطبية الحديثة، وقد نجحت، منذ 2015، في إجراء العديد من الجراحات المعقدة الناجحة. وعلى صعيد التكنولوجيا الطبية الروبوتية، سجلت دولة الإمارات إنجازات على مستوى تطبيق تقنيات الجراحات والمناظير الروبوتية من خلال استخدام الروبوت الآلي “دافنشي” في عمليات جراحة القلب والمسالك البولية والجراحة العامة. وكانت الإمارات أولى الدول الخليجية والعربية التي أدخلت استخدام تقنية الروبوت في إجراء عمليات قسطرة القلب، عام 2014.
وفي قطر أيضاً، شهد قطاع الجراحات المعقدة تقدماً كبيراً خلال السنوات الماضية، وكان لمستشفى حمد العام دور كبير في هذا المجال. فقد أجرى المستشفى، عام 2016، جراحة قلب ناجحة لطفل سعودي عمره 7 شهور، لعلاج عيب ولادي في القلب يسمى “رباعي فالوت”. كما أجرى المستشفى، في سبتمبر 2020، جراحة معقدة ودقيقة لمريضة تبلغ من العمر 55 عاماً، وهي في وضع اليقظة، وهي أول عملية جراحية من نوعها في قطر باستخدام تقنية خرائط الدماغ القشرية. ونقلت صحيفة “الراي” الكويتية عن بيان السفارة أن الروبوتات التي ستتسلّمها الكويت “تجعل علاج المرضى ممكناً باستخدام تكنولوجيا عالية المستوى”.
وفي الكويت نجح مستشفى مبارك الكبير ومستشفى الفروانية خلال السنوات الماضية، في إجراء العديد من الجراحات المعقدة الناجحة المختلفة. ففي أكتوبر 2021، أعلن مستشفى الفروانية نجاح 25 عملية جراحية معقدة لاستئصال أورام ليفية ولحميات الرحم، اعتماداً على تقنية المناظير الطبية. وذكرت السفارة البريطانية في الكويت، في (21 يناير 2022)، أنها ستسلّم الحكومة الكويتية قريباً أذرعاً روبوتية متخصصة في الجراحات المعقدة. ومعلوم أن هذه العمليات تحتاج إلى مهارة عالية، وإلى أدوات جراحية متخصصة وغرف عمليات خاصة.
أما في سلطنة عُمان فكان فريق جراحة الوجه والرأس بقسم جراحة التقويم والتصحيح بمستشفى خولة بالعاصمة مسقط، نجح في فبراير 2020، بإجراء عملية معقدة في الرأس لطفل يبلغ من العمر سنتين يعاني من “تعظم الدروز الباكر” (Craniosynostosis). وخلال السنوات الماضية، أجرى المستشفى الجراحي الأول بالسلطنة أكثر من 70 جراحة ناجحة في هذا المجال، وهي جراحات كانت تجرى خارج البلاد وبتكلفة تصل إلى 100 ألف دولار.
وفي البحرين أصبح مستشفى الملك حمد يجري مئات العمليات سنوياً عبر تقنية المناظير، التي شهدت تطوراً كبيراً خلال الأعوام القليلة الماضية. وتتنوع الجراحات التي يجريها المستشفى وتشمل أورام القولون والمعدة السليمة والسرطانية وعملية ارتجاع المريء.