تطبيق نظم الجودة وآليات الضبط ضمن العمليات التحليلية اليومية
المختبرات الطبية
تطبيق نظم الجودة وآليات الضبط ضمن العمليات التحليلية اليومية
التشخيص الدقيق للحالة المرضية هو المفتاح الأساس لحصول المريض على العلاج المناسب وبالتالي سرعة التعافي. من هنا كانت أهمية المختبرات والفحوصات الطبية وهي أولى الخطوات التي يخطوها المريض في طريقه نحو الشفاء، بحيث يشترط الأطباء إجراء مجموعة من الاختبارات الطبية تتيح له الفرصة بالتعرف على ما يجري في جسم المريض؛ وبناءا على نتائج الفحوصات يصف العلاج المناسب.
من هنا، وانطلاقا من أهمية عمل المختبرات ودورها الحيوي في التشخيص الدقيق، نشأت شهادات اعتماد مخصصة للمختبرات الطبية، تماما كما هو الأمر بالنسبة للمستشفيات. المختبرات المتطورة اليوم تخضع لسلسلة من الإجراءات تتيح لها فرصة الحصول على شهادات الاعتماد العالمية، بعد أن أصبح اعتماد المختبرات متوائماً على المستوى الدولي بشكل جيد مع المواصفات والأدلة القياسية الدولية المتوفرة لكل من هيئات الاعتماد والجهات التي تحصل على الاعتماد.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن جودة المختبر تعتمد بالدرجة الأولى على الدقة والموثوقية والإبلاغ عن نتائج الاختبار في الوقت المناسب. ويجب أن تكون النتائج المختبرية دقيقة بقدر الإمكان، وأن يكون الاعتماد على جميع جوانب العمليات المختبرية، ويجب تقديم التقارير في الوقت المناسب حتى تكون مفيدة في المواقع السّريرية أو الصحية العامة. وفي نظام إدارة جودة، ينبغي أن تكون جميع الجوانب العملية في المختبر، بما في ذلك الهيكل التنظيمي والعمليات والإجراءات، موجهة لضمان الجودة. المختبرات الطبية في العالم تسعى دوما إلى إعطاء نتائج تحليلية صحيحة ودقيقة من اجل إثبات مستوى الدقة والصحة التي تتميز بها نتائجها، ويتحقق ذلك من خلال تطبيق نظم ضمان الجودة وإدخال آليات ضبط الجودة ضمن العمليات التحليلية اليومية بشكل منهجي ومنظم. وكما هو معلوم من خلال معايير جودة القياسات والتحاليل أن تكون دقيقة وصحيحة وقابلة للمقارنة، ولهذا فإن برامج ضبط الجودة تعدّ أداة لتقييم صحة النتائج التحليلية وقابلية مقارنتها. ومن ثم فإن تطبيق نظم ضبط الجودة من أهم الطرق للحصول على نتائج موثوق فيها وذات درجة عالية من المصداقية.
الجودة في المختبرات
إن الحصول على النتائج الدقيقة التي تمكّن الطبيب من بناء طريقة ملائمة لعلاج الحالة المرضية تستدعي استخدام أساليب الجودة الشاملة في قياس أداء المختبرات الطبية وذلك من خلال جمع البيانات للمساعدة في الرقابة الإحصائية للعمليات من اجل إزالة أو التغيرات او خفضها التي يمكن مراقبتها في التحاليل الطبية المقدمة، ولا تستخدم هذه الأدوات لحل المشكلات فحسب بل إنها تمكن من بناء حافز للجودة في كل عمل.
وبالتالي لابد أن يكون استخدام هذه الأدوات جزءا متمما لخطة مستقبلية تهدف إلى تطبيق إدارة الجودة الشاملة في جميع المختبرات الطبية لتقديم نموذج رفيع المستوى للخدمات الصحية إسهاما في الوصول إلى مستوى من الرقي والتقدم في خدمة المريض، فالجودة في عمل المختبرات ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي بالأساس وسيلة تؤدي إلى الارتقاء بمستوى أداء الخدمات المقدمة وبمستوى الأداء المهني للعاملين، بالإضافة الى الاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية والحفاظ على سلامة العاملين بالمختبرات وسلامة المريض وتحقيق الرضا المطلق والمستمر له. من المعايير الواجب توافرها للحصول على مختبر ذات جودة عالية تخوله الحصول على شهادات الاعتماد العالمية بأن يكون مصمما وفق حجم مناسبة للقيام بالمهام المطلوبة، إضافة الى توفير وسائل الحماية اللازمة لفنيي المختبر أثناء عملهم وتدريبهم على كيفية استخدامها.
لابد من تأمين نظام تهوية وإضاءة في داخل المختبر، وكذلك توفير نظام إنذار ذاتي، توفير ونظام إطفاء للحرائق، حيث يجب أن يعملا وفقاً للخصائص العامة للمختبر، وضمن برامجه، ودرجة الخطورة فيه.
ينبغي أيضا العمل على وضع التعليمات التحذيرية، والإرشادية الخاصة بالسلامة المختبرية، وذلك عن طريق تعليق لافتات، أو لوحات في داخل المختبر وعلى أبوابه الخارجية، وذلك للحد من الحوادث التي قد يتعرض لها الأفراد، عن طريق زيادة وعيهم بالمخاطر المختلفة. ليكون المختبر ذات مواصفات صحيحة ينبغي وجود صندوق خاص بالإسعافات الأولية داخل المختبر، وذلك من أجل التعامل مع الحوادث المختلفة التي قد تحدث بسبب التعرض لمواد كيميائية، أو صدمات كهربائية، أو مخاطر ميكانيكية، أو فيزيائية، أو بيولوجية. المختبرات الطبية التي تسعى دوما للحصول على شهادات الاعتماد العالمية يتوجّب عليها وضع برنامج زمني خاص بالصيانة الدورية للأجهزة والمعدات في المختبر، وتدوين البيانات والمعلومات الخاصة بالأجهزة والمعدات المختلفة وتوفير الظروف المناسبة لإجراء التجارب المختبرية. معايير الجودة في المختبرات تستدعي كذلك توفير معايير السلامة والوقاية وخاصّة في قسم أمراض الدم، لمنع انتقال الأمراض إلى العاملين، والمرضى الذين يجرون التحاليل الطبية. نظافة المختبر واستخدام الكفوف الطبية لاسيما عند سحب عينات الدم من المرضى أمر غاية في الأهمية، ومن ثم وضع ملصق على كلّ عينة، يحمل اسم المريض، ونوع العينة، والفحص المطلوب إجراؤه مباشرة بعد سحب العيّنة.
اعتماد الآيزو
يطمئن المريض بمجرد أن يعرف أن المختبر الذي أجرى فيه فحوصاته عالمي المستوى وحاصل على شهادات اعتماد تشهد بكفاءته ودقة نتائجه؛ شهادة اعتماد الآيزو هي دليل على أن تلك المختبرات تؤدي عملها بأسلوب صحيح وفق معايير ملائمة، ويقدم لها مؤشرا معياريا للحفاظ على كفاءتها. كما تمنح هذه الشهادة تلك المختبرات الطبية فرصة الحصول على المواصفات القياسية، وذلك بعد خضوعها الى امتحان قاس وشروط في غاية الدقة من قبل متمرسين في العمل المخبري يدخلون في تفاصيل دقيقة قد لا تخطر على بال احد منا.
يعتبر هذا الاعتماد مبادرة عالمية تهدف إلى إيجاد معيار لقياس الجودة في المختبرات الطبية؛ وقد تم إنشاؤه ضمن المبادرات الرامية إلى تعزيز الكفاءة والمسؤولية في عمليات المختبرات الطبية والمعدات والنتائج. كما تم العمل على تطوير الآيزو الخاص بالمختبرات من قبل اللجنة الفنية لمنظمة المعايير الدولية وتم تنفيذه في أكثر من 200 دولة. وتحتوي العمليات على اختبار لفعالية المعدات المختبرية وتأثير هذه المعدات بالتحديد على العمليات في المختبر ونتائجها.
إن شهادة الآيزو لديها مجموعة من المزايا الفريدة والهدف الرئيسي من الشهادة هو ضمان الجودة. كما يوضح هذا النظام متطلبات نظام الجودة (بالإعتماد على الآيزو 9001) ومعايير الكفاءة التقنية (بالإعتماد على ISO\IEC 17025) للمختبرات الطبية. حصول المختبر على شهادة آيزو يعتبر أداة تسويقية فعالة للمعامل الطبية والسّريرية وتأشيرة مرور لتقديم العطاءات للمتعاقدين ممن هم بحاجة إلى معامل مستقلة مُجرَّبة، حيث يتمثل الهدف الرئيسي لشهادة الآيزو 15189 في إتاحة الفرصة للمعامل لتنظيم إجراءات مختلف العمليات بفعالية، وتلبية توقعات عملائها، وتحسين مستوى خدمتها. ينقسم اعتماد الآيزو 15189 إلى جزأين رئيسيين؛ الأول هو متطلبات إدارية أي متطلبات عامة تتعلق بأنظمة إدارة الجودة، اما الثاني فهو متطلبات فنية المتعلقة بالأنشطة التي تقوم بها المعامل الطبية.
فالحديث عن جودة العلاج يجب أن يسبقه توفير الدقة في التشخيص والعلاج وهو ما يعتمد على نتائج الفحوصات المخبرية قبل انطلاق المريض في رحلة العلاج، ومعايير آيزو هي السبيل لحث المختبرات لتأمين أفضل النتائج الطبية للمريض.
إن دور المختبرات هو محوري في تأمين الجودة في العلاج لأن حوالى سبعين في المئة من القرارات الطبية تؤخذ حسب النتائج المخبرية الطبية.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة الى أن شهادات الآيزو تحدد متطلبات نظام إدارة الجودة فقط وبالتالي فهي شهادة عامة تمنح لجميع المؤسسات بغض النظر عن نوعها، وحجمها والمنتجات والخدمات التي تقدمها. أما شهادة الاعتماد الخاصة بالمختبرات فتحدد متطلبات الجودة والكفاءة في المختبرات الطبية بشكل خاص، حيث تلحظ مستوى المختبر من ناحية الجودة والكفاءة في تقديم الخدمات، وقدرته على تقديم نتائج صحيحة ودقيقة للفحوصات الطبية.
اعتماد CAP
اعتماد الآيزو يقابله اعتماد الجمعية الأميركية لعلم الأمراض CAP؛ هذين النظامين من الاعتماد هما عملتان ذات وجه واحد، فالمواصفات والمعايير والشروط المطلوبة لدى نظام CAP لا تقل أهمية عن الآيزو لجهة تطبيق أعلى معايير الجودة والدقة العالمية في جميع مراحل العمل المخبري.
الجمعية الأميركية لعلم الأمراض CAP تتميز في مجال ضمان جودة المختبرات على مستوى العالم، وتعد أهم مرجع طبي وأعلى معيار عالمي في مجال المختبرات وبنوك الدم في مختلف أنحاء العالم، وحصول مختبر ما على هذه الشهادة يعكس استراتيجيته الطبية في مواكبة المعايير العالمية في مجالات الجودة والدقة والعمل المخبري ما ينعكس إيجابا على نسبة الإقبال على المختبر لأنه بات مصدر ثقة، فبرنامج تقييم الجمعية الأميركية لعلم الأمراض CAP صمم بشكل صارم لضمان توافر أعلى معايير الجودة في المختبرات المعتمدة.
فبعد تقييم وفق معايير صارمة، وعبر مراحل عدة بدءاً من استلام العينات وتسجيلها وتأريخها وحفظها مروراً بالعاملين بالمختبر ونوعية الشهادات التي يحملونها، والتأكد من سلامة وأداء الأجهزة من حيث الدقة والسرعة في تحليل العينات وإظهار النتائج، بالإضافة الى وجود أنظمة حديثة في فرز الملفات وحفظها، والتأكد من وجود كوادر مؤهلة تعمل على هذه الأجهزة، وغيرها من الشروط الصارمة من شأنها أن توصل المختبرات لمرحلة الحصول على هذا الاعتماد بجدارة. على المختبر ايضا اجتياز المتطلبات التي تؤهله الحصول على هذا الاعتماد الدولي من حيث طبيعة العمل الإداري، ضبط الجودة وتحسين الأداء، بالإضافة إلى التجهيزات والسلامة، جنباً إلى جنب مع المتطلبات الأخرى للاعتماد.