العالم يرفع الاستثمار في مستقبل القطاع الصحي
العالم يرفع الاستثمار في مستقبل القطاع الصحي
الأردن يصدّر الطاقات والسعودية توجِّه الإنتاج
واجه القطاع الطبي نقصا على أكثر من مستوى، أثناء مواكبته للكم الهائل من الإصابات الناتجة عن الانتشار الواسع لجائحة كورونا. فالعديد من البلدان عانى من نقص في أعداد الطواقم الطبية والتمريضية التي عمل معظمها لأيام متواصلة من دون إستراحة، كما من نقص في المعدات والتجهيزات الخاصة ولا سيما أجهزة التنفس الإصطناعي. هذا الواقع جعل العالم يندفع باتجاه تصويب الإستثمار في قطاع الصحة ومستقبل الطب. فمن الدول ما اتجه إلى مزيد من الإنتاجات الطبية كالمعدات وغيرها. ومنها ما راح يستثمر في طاقاته البشرية المتخصصة في قطاع الصحة، ومثال ذلك ما أقدم عليه الأردن من تصدير المعدات الطبية، وإرسال أطباء وممرضين للدول التي تحتاج دعماً طبيًّا في المنطقة أو حول العالم.
تؤكد منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أصدرته في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد، أن العالم يحتاج إلى نحو 6 ملايين شخص إضافي يعملون في مجال التمريض. وأشار التقرير إلى وجود نحو 28 مليون ممرض وممرضة محترفين ممارسين في العالم. بين 2014 و2018، ارتفع عددهم بـ4.7 ملايين، لكن “لا يزال هناك نقص بحوالي 5.9 ملايين”.
ويتركز النقص خصوصاً في أكثر الدول فقراً كما في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية. وقال مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس: “الممرضون والممرضات هم الركيزة الأساسية للأنظمة الصحية. واليوم، العديد منهم يجدون أنفسهم في طليعة التصدي لجائحة كوفيد- 19”. ودعت المنظمة الدول إلى تحديد حاجاتها الملحة في هذا المجال وجعل الإستثمار في التدريب والعمل والتأهيل أولويتها.
مواجهة النقص بزيادة الإستثمار
أظهرت جائحة كورونا في ما من وقائع، أن على المعنيين بالقطاع الطبي حول العالم إعادة النظر في وجهة الإستثمار على هذا الصعيد. فالعاملون في مجال الرعاية الصحية واجهوا في كثير من دول العالم نقصا في أدوات الوقاية والمعدات الطبية ذات الأهمية الفائقة في مواجهة التدفق الهائل من المرضى في ظل اجتياح فيروس كورونا المستجد للعالم. ففي الولايات المتحدة مثلا، لم تتمكن الولايات الأكثر تفشيا للفيروس من شراء معظم أجهزة التنفّس الإصطناعي التي يحتاجها أصحاب الحالات الصحية الخطيرة في ذروة الأزمة، والتي يبلغ عددها حوالى 30 ألف جهاز، ليس لنقص في المال بل في المعدات المطلوبة. وقال حاكم ولاية إلينوي، جيه بي بريتزكر، في مؤتمر صحافي إن ولايته تحاول شراء الإمدادات الطبية من جميع أنحاء العالم، وإنها طلبت من صالونات العناية بالأظافر وصالونات دق الوشم ومراكز الجراحات الاختيارية، التبرع بأقنعة الوجه والقفازات الخاصة بها، لتعويض النقص.
كذلك أفادت هيئة خدمات الصحة الوطنية في بريطانيا بأنها تحتاج إلى حوالى 30 ألف جهاز تنفس إصطناعي، لمواجهة الارتفاع في أعداد المصابين بفيروس كورونا خلال فترة الذروة، فيما لم تكن البلاد تملك سوى حوالى ثمانية آلاف جهاز. كما افتقرت الهيئة بشدة إلى أسرّة عناية مركّزة، بالمقارنة مع دول مثل ألمانيا أو حتى إيطاليا.
وفي اليابان، حيث لم يستطع المستهلكون شراء أقنعة الوجه لمدة تزيد على الشهر، لجأ المواطنون إلى حلول تحت عنوان “اصنعها بنفسك”، حيث بدأ مدونو المجلات المتخصصة توضيح طريقة صنعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الأمر نفسه ينطبق على النقص في الطواقم الطبية. وقد أكد البنك الأفريقي للتنمية أنه فيما يحتفل المجتمع الدولي بمساهمات العاملين الصحيين والاعتراف بهم، والذين يعملون على الخطوط الأمامية، للاستجابة الدولية المستمرة لجائحة كورونا المستجد “كوڤيد- 19”، فإن الوباء ينبغي أن يمثل حافزًا إضافيًا لتحديد أولويات الاستثمار في العاملين الصحيين في القارة السمراء.
وأشار البنك في سياق تقرير نُشر عبر موقعه الإلكتروني، إلى أن أفريقيا تحتاج إلى عاملين صحيّين مدرّبين جيدًا يمكنهم الاستجابة بفعّالية أثناء انتشار الأوبئة والأزمات الصحية الأخرى. وأكد البنك أنه سيستمر في الإستفادة من موارده المالية وخبرته لتعزيز تطوير إمكانيات العاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء القارة، ولفت إلى الحاجة لتوسيع فرص أكبر للقيادة للعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية – وخاصة النساء، الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من القوى العاملة الصحية العالمية.
وأشار مدير المجلس الدولي للممرضات هاورد كاتون إلى أن نسبة الإصابات والأخطاء الطبية والوفيات “أكثر ارتفاعاً عندما يكون عدد الممرضين قليلاً”. وعبّر المجلس عن قلقه من كون أكثر الدول لم تعد تخرّج العدد الكافي من المهنيين في هذا المجال، وتعتمد على المهاجرين، الأمر الذي يزيد من خطورة الأزمة في البلدان التي يغادرها المهنيون المحترفون.
خطوات في الإتجاه الصحيح
هذا النقص في الطواقم الطبية والتمريضية وفي المعدات الخاصة، دفع الدول إلى محاولة تعويضه بزيادة الإستثمار في هذا المجال وبرفد الدول المحتاجة من قبل تلك التي تتمتع ببعض الفائض، بالمتخصصين والعاملين في هذا القطاع.
ففي المنطقة العربية نالت خطوة الأردن الثناء، بإعلانه عن تصدير المعدات الطبية، وإرسال أطباء وممرضين للدول التي تحتاج دعماً طبيا في المنطقة أو حول العالم. وكان أفصح عن ذلك الملك عبدالله الثاني الذي أكد “أن الأردن من أفضل بلدين في الصناعات الدوائية والإمكانيات الطبية في المنطقة. ولقد بدأنا في وقت سابق بتصدير الكمامات والأدوية لدول أخرى، ويعمل قطاعنا الخاص على زيادة قدرته الإنتاجية. ونحن نأمل في أن نتمكن من إرسال أطبائنا وممرضينا للدول التي بحاجة للدعم الطبي في المنطقة أو حول العالم. ونتواصل مع أصدقائنا لنرى كيف بإمكان الأردن مساعدتهم كما ساعدونا”. وكذلك أعلنت الصين، أنها أرسلت متخصصين طبيين وإمدادات طوارئ إلى 48 دولة حول العالم لدعم جهود مكافحة وباء كورونا المستجد. وقالت سلطات الطيران المدنى في الصين إنه “تم إرسال 302 رحلة مستأجرة تحمل المتخصصين الطبيين وإمدادات الطوارئ”.
ووفقا لما نشر على موقع وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، أضافت بأنه “حتى 5 نيسان/أبريل، قامت بتنسيق رحلات طيران مستأجرة لإرسال أكثر من 110 من المتخصصين الطبيين و4715 طنًا من إمدادات الطوارئ إلى 48 دولة.
فأحدث رصد لسياسات الاستثمار التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” أظهر أن عدة دول أجرت تعديلات، وتنقيحات لسياساتها الاستثمارية ضمن استجاباتها للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا. ولفت الاقتصاديون إلى أن التحديات التي أفرزها الوباء تعد مناسبة لتحويلها إلى فرص إقتصادية حيوية، لا بد من الإستثمار فيها لتصحيح المسار في المستقبل في حال واجه العالم مثل الأزمة الحالية.
وبالتالي التركيز على تعزيز المحتوى المحلّي. فوفق أهداف استراتيجية 2030 في المملكة العربية السعودية إعطاء الأولوية، للصناعات الطبية بما يضمن توفير الأدوية واللقاحات والمواد القادرة على مواجهة الأوبئة، أو الحروب البيولوجية، إضافة إلى الأجهزة والمواد الطبية، لسد الطلب المحلي خاصة في الأزمات، والتصدير في الأيام الطبيعية.
وفي هذا السياق بدأ العديد من الدول إعداد الخطط أو المباشرة عمليا برفع منسوب الإستثمار في الموارد البشرية الطبية، وكذلك في المواد الطبية والأدوية وتجهيزات المستشفيات. وبالتوازي رفعت الإنفاق على الصحة في موازناتها الحالية وكذلك في الموازنات اللاحقة لتلافي الوقوع في ما وقعت فيه من نقص بمواجهة أزمة كورونا. وهذا أكبر دليل على أولوية الصحة على سائر القطاعات.