التغيّر المناخي والصحة
التغيّر المناخي والصحة
ارتفاع نسبة الأمراض المعدية وتفاقم الحالات المزمنة
يشكّل التغير المناخي اليوم أحد أكثر التحديات الصحية التي تواجه العالم، بعدما ظهرت خلال السنوات الماضية تقلّبات مناخية متطرفة أسفرت إلى تزايد وتيرة الإصابة ببعض الأمراض والمخاطر الصحية المرتبطة بالمناخ مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي وغيرها، فضلاً عن انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك؛ السبب في ذلك هو الاحتباس الحراري الذي يوفر الظروف الملائمة لانتشار هذه الأمراض. ما هي أبرز الأمراض والحالات الصحية التي تتأثر بالتغيرات المناخية؟
الجهاز التنفسي
يزداد خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو والانسداد الرئوي المزمن والتهابات الجهاز التنفسي والتهاب الشعب الهوائية بسبب تلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة وغيرها من العوامل المناخية المرتبطة بنوعية الهواء وجودته التي تؤثر فيه بسبب زيادة مستوى الملوثات وطبقة الأوزون. وبحسب الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز التنفسي، فإن تغير المناخ يؤثر على صحة الجميع ولكن مرضى الجهاز التنفسي هم من أكثر الفئات تضرراً؛ فالأشخاص الذين يعانون من مشكلات بالتنفس هم أكثر حساسية من غيرهم حيث تتفاقم لديهم الأعراض المرضية التي يعانون منها وقد تصبح مميتة بالنسبة لبعضهم.
يتأثر مرضى الجهاز التنفسي بالحرارة الشديدة وزيادة مسببات الحساسية في الهواء مثل حبوب اللقاح، وموجات الجفاف وحرائق الغابات التي تؤدي إلى قفزات في معدلات التلوث، والعواصف الترابية، والأمطار الغزيرة والفيضانات.
أمراض القلب
تؤدي التغيرات المناخية والظواهر المرتبطة بها من ارتفاع او انخفاض غير مألوف بدرجات الحرارة، إلى إجهاد الدورة الدموية وعمل القلب الوعائي؛ والنتيجة زيادة معدل خطر الإصابة بالنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وغيرها من أمراض القلب والأوعية الدموية لاسيما بين الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل كبار السن وكل من يتعرض لمثل هذه الظروف المناخية بشكل مستمر كالعمال مثلاً. وفي دراسة جديدة نُشرت العام الماضي في دورية “سيركوليشن” Circulation التابعة لجمعية القلب الأميركية، أظهرت أن الموجات المتطرفة في درجات الحرارة، سواء بالارتفاع الشديد أو البرودة الشديدة، أدّت إلى زيادة خطر الوفاة بين الأشخاص المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل المرضى الذين يعانون من مشاكل القلب الناجمة عن ضيق شرايين القلب، والسكتة الدماغية وفشل القلب وعدم انتظام ضربات القلب.
فالحرارة المرتفعة تتسبب في تسارع دقات القلب ما يتطلّب جهداً أكبر لضخ كميات كبيرة من الدم من القلب إلى الجسم. كما يؤدي فقدان السوائل نتيجة الحرارة إلى خسارة الجسم لعدد كبير من الأملاح المفيدة للقلب مثل البوتاسيوم والصوديوم والمغنيزيوم والزنك وكلها تؤدي إلى اضطرابات في كهرباء القلب. أما البرودة الشديدة، فتسهم في حدوث تقلص في الشرايين لا سيما الشرايين التاجية التي تؤدي لتشنج شديد وقد تتسبب بجلطة وقد تؤدي للوفاة. وتتسبب البرودة كذلك في زيادة تخثر الدم ما يؤدي إلى زيادة التجلطات وحدوث السكتة القلبية.
الأمراض المنقولة عبر الحشرات
البعوض والذباب التي تنشط مع التغيرات المناخية تعتبر من الوسائط الأساسية في جلب الأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وغيرها. يزداد انتشار الأمراض المعدية المنقولة عبر الحشرات في ظل التغير المناخي الحاصل سواء ارتفاع درجة الحرارة أو الرطوبة، كذلك فإن الأمطار الشديدة تساعد على انتشار تلك الأمراض.
تؤثر التغيرات في درجات الحرارة والأنماط الجوية والمناخية على الحشرات والأمراض الناقلة لها، حيث يمكن أن يزيد الإرتفاع في درجات الحرارة من انتشار الحشرات الناقلة للأمراض فترتفع معدلات الإصابة بأمراض مثل حمى النيل الغربية والحمى القلاعية والملاريا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر التغير المناخي على النباتات المضيفة للحشرات الناقلة للأمراض، ما يؤدي إلى زيادة عدد حالات الإصابة.
الإنهاك الحراري وضربات الشمس
ازدادت نسبة الإصابة بالإنهاك الحراري وضربات الشمس في السنوات الأخيرة بسبب موجات الحر الشديدة، وهي حالة من التعرق الشديد يرافقها زيادة معدل ضربات القلب، إضافة لظهور التشنجات الحرارية، على شكل نوبات تستمر لبضعة دقائق.
يعرّف الأطباء ضربة الشمس على أنها إرتفاع درجة حرارة الجسم الأساسية لأكثر من 40 درجة مئوية، ما يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وعدم حصول المريض على الإسعافات الاولية اللازمة يمكن أن يتسبب بضرر في الدماغ والأعضاء الداخلية الأخرى.
عند التعرّض لضربة شمس، فإنّ عمليّة تنظيم دورة حرارة الجسم الطبيعية يسيطر عليها مصدر حرارة خارجي، ما يؤدي إلى تلف أعضاء الجسم نتيجة الجفاف وإرتفاع درجة الحرارة الداخلية التي يمكن أن تكون قاتلة. كبار السن والأطفال ومرضى القلب والسكري هم الفئات الأكثر تضررا بسبب الانهاك الحراري وضربة الشمس.
أمراض جلدية
مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة يتعرض الجلد للإصابة بمجموعات من البكتيريا التي تسبب ظهور الدمامل بالإضافة إلى أنواع من الفطريات الجلدية؛ كما أن الإنبعاثات المختلفة التي تلوث الهواء تتسبب في الإصابة بالحساسية الجلدية مثل الأكزيما والأرتكاريا، فضلاً عن تأثيرها على نضارة البشرة وحيويتها ودورها في ظهور علامات الشيخوخة المبكرة.
ارتفاع درجات الحرارة الشديد قد يؤدي إلى زيادة حالات الإصابة بسرطانات الجلد لاسيما عند الإفراط في التعرض لأشعة الشمس في أوقات الذروة إثر السعي للحصول على اللون البرونزي.
الصحة العقلية
يؤدي الارتفاع الشديد وحتى الانخفاض في درجات الحرارة الى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والعقلية، حيث ترتفع معدلات الكآبة وذلك بحسب الدراسات في هذا الشأن. فتقلّبات المناخ لها تأثير كبير على سلوك الإنسان وحالته النفسية، وتغير المناخ الذي يتزايد بسرعة في السنوات الأخيرة بات يشكل تهديدًا للصحة العقلية والنفسية والتي تبدأ من الضيق العاطفي وصولاً إلى القلق والإكتئاب والأسى.