زراعة الأعضاء في قطر… نموذج يُحتذى به
زراعة الأعضاء في قطر… نموذج يُحتذى به
حوار خاص مع الدكتور رياض فاضل، الدكتور يوسف المسلماني، والدكتور عمر علي حول إنجازات زراعة الأعضاء في قطر وأهداف مركز الدوحة الدولي للاستراتيجية والقيادة
تعتبر زراعة الأعضاء من الإنجازات الطبية التي تُحدث فرقًا هائلًا في حياة المرضى، ومع ذلك، فإن نجاح هذا المجال يعتمد بشكل كبير على التبرع بالأعضاء، سواءً من الأحياء أو بعد الوفاة. في هذا الإطار، نجحت دولة قطر في إنشاء منظومة متكاملة تدمج بين التكنولوجيا الحديثة، السياسات الأخلاقية، والتوعية المجتمعية. حول هذه الإنجازات وأهداف مركز الدوحة الدولي للاستراتيجية والقيادة في زراعة الأعضاء، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور رياض فاضل مدير مركز قطر للتبرع بالأعضاء ومستشار الجمعية العالمية لزراعة الاعضاء، والدكتور يوسف المسلماني نائب الرئيس الطبي للشؤون الإكلينيكية بمؤسسة حمد الطبية ومدير مركز قطر لزراعة الأعضاء، والدكتور عمر علي، استشاري أول في زراعة الكلى ومدير برنامج زراعة الكلى.
بدايةً، دكتور رياض، حدّثنا عن الدور الذي يلعبه مركز الدوحة الدولي للاستراتيجية والقيادة في زراعة الأعضاء الذي افتتح مؤخراً، على المستوى العالمي.
د. رياض فاضل: مركز الدوحة الدولي للاستراتيجية والقيادة في زراعة الأعضاء هو مشروع إنساني يُجسد رؤية قطر الوطنية 2030، التي تركز على تعزيز قيم العدالة الاجتماعية والمساواة. الهدف الأساسي من المركز هو تقديم الدعم للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط لمساعدتها على بناء برامج مستدامة وأخلاقية للتبرع بالأعضاء. نقوم بذلك من خلال تقديم التدريب، الاستشارات، وتطوير السياسات السريرية التي أثبتت نجاحها في قطر. ما يميز المركز هو التركيز على نقل المعرفة والخبرات القطرية، حيث تمكّنا من تحويل نظام التبرع بالأعضاء في قطر إلى نموذج عالمي يُعرف بـ”نموذج الدوحة”، الذي يعكس مبادئ الشفافية والإنصاف. هذا النموذج أصبح مرجعًا للدول الأخرى، وسنستمر في تقديم الدعم للدول الراغبة في تطوير برامج مماثلة.
دكتور رياض، كيف ترون دور مركز الدوحة الدولي في تعزيز التعاون الدولي في مجال زراعة الأعضاء؟
د. رياض فاضل: مركز الدوحة الدولي للاستراتيجية والقيادة في زراعة الأعضاء هو في جوهره منصة للتعاون الدولي. الهدف الأساسي هو دعم الدول التي تواجه تحديات في تطوير برامجها للتبرع وزراعة الأعضاء. نحن نسعى لتعزيز العمل المشترك بين الدول من خلال تقديم التدريب والدعم الفني وتطوير السياسات التي تتماشى مع المعايير الأخلاقية والعلمية. على سبيل المثال، بدأنا بالفعل تعاونًا مع دول مثل عمان وكازاخستان، حيث ساعدنا على وضع سياسات جديدة وإنشاء أنظمة تبرع وزراعة مستدامة. كما أننا نستضيف خبراء دوليين ونعقد ورش عمل وكورسات تدريبية لتبادل الخبرات. هذه الجهود تؤكد التزام قطر بدورها الإنساني والعالمي، ونأمل أن نصبح مصدر إلهام للدول الأخرى لتطوير برامجها بشكل يتوافق مع احتياجات مجتمعاتها.
دكتور يوسف، ما هي التحديات التي واجهتموها في إنشاء برنامج زراعة الأعضاء وكيف تمكّنتم من التغلب عليها؟
د. يوسف المسلماني: عندما بدأنا برنامج تطوير زراعة الأعضاء في قطر، كان أحد أكبر التحديات هو نقص المتبرعين. في عام 2009، أجرينا فقط عمليتي زراعة كلى بسبب غياب المتبرعين. للتغلب على ذلك، قمنا بإطلاق “اتفاقية الدوحة للتبرع بالأعضاء” عام 2010، التي كانت نقطة تحول كبيرة. هذه الاتفاقية وضعت إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا شفافًا لتشجيع التبرع، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في أعداد المتبرعين. التحدي الآخر كان بناء الثقة بين المجتمع المحلي. لذلك، ركزنا على التوعية المجتمعية من خلال الحملات التثقيفية، وشاركنا الجمهور قصص نجاح المرضى والمتبرعين. كما أننا أزلنا الحواجز المالية، حيث نوفر جميع خدمات التبرع والزراعة مجانًا. هذه الجهود ساهمت في تعزيز قبول المجتمع لفكرة التبرع بالأعضاء كعمل إنساني نبيل.
دكتور عمر، ما هي التقنيات الجديدة التي تم إدخالها مؤخرًا في برنامج زراعة الأعضاء وكيف أثرت على النتائج؟
د. عمر علي: لقد قمنا بتطبيق العديد من التقنيات الحديثة التي أحدثت نقلة نوعية في زراعة الأعضاء. من أبرزها استخدام تقنية الروبوت في زراعة الكلى، التي مكّنتنا من إجراء العمليات للمرضى الذين يعانون من السمنة، وهو أمر كان يشكل عائقًا في السابق. كما أدخلنا تقنية زراعة الكلى بين المتبرعين والمستلمين المختلفين في فصائل الدم، مما زاد من فرص الزراعة للمرضى. بالإضافة إلى ذلك، بدأنا باستخدام عقار حديث يسمح بزراعة الكلى للمرضى الذين لديهم أجسام مضادة ضد المتبرع. هذا العقار أحدث فرقًا كبيرًا، حيث مكننا من قبول حالات كنا نرفضها سابقًا. جميع هذه التقنيات ساهمت في تحسين نسب النجاح وتقليل فترة التعافي، مما جعل تجربة الزراعة أكثر أمانًا وكفاءة.
دكتور رياض، كيف يتعامل المركز مع التحديات الثقافية والدينية المتعلقة بالتبرع بالأعضاء؟
د. رياض فاضل: التحديات الثقافية والدينية كانت دائمًا جزءًا من معادلة التبرع بالأعضاء. لذلك، ركزنا على تثقيف المجتمع وتوضيح أن التبرع بالأعضاء يتوافق مع المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية. قمنا بجمع كبار علماء الدين من مختلف الطوائف للحصول على فتاوى تدعم التبرع بالأعضاء. هذه الفتاوى أصبحت جزءًا من القوانين والسياسات الصحية في قطر، مما أزال الكثير من التردد لدى المجتمع.
إضافة إلى ذلك، نعمل على تعزيز الشفافية والثقة. على سبيل المثال، لدينا قائمة انتظار واحدة لجميع الجنسيات، ويتم توزيع الأعضاء بناءً على معايير طبية بحتة، بغض النظر عن الجنسية أو العرق. هذا النظام عزّز الثقة بين المجتمع متعدد الثقافات في برنامج التبرع بالأعضاء وزراعتها وجعل قطر نموذجًا يُحتذى به. حيث انعكس على مستويات المشاركة المجتمعية في برنامجي التبرع بالأعضاء من الأحياء وبعد الوفاة، وبلغ سجل المسجلين كمتبرعين بعد الوفاة أكثر من (570000) وهذا يمثل حوالى 28٪ من البالغين في دولة قطر.
دكتور يوسف، هل يمكننا القول إن قطر أصبحت مركزًا إقليميًا في مجال زراعة الأعضاء؟
د. يوسف المسلماني: بكل تأكيد. نحن فخورون بأن قطر أصبحت من الدول الرائدة إقليميًا في مجال زراعة الأعضاء. برامجنا شاملة وتغطي زراعة الكلى، الكبد، والرئة، ونحن نستعد لإطلاق برنامج زراعة القلب قريبًا. كما أننا نستقبل طلبات من دول أخرى لتقديم الدعم والاستشارات، ما يعكس مكانة قطر كمرجع إقليمي في هذا المجال. ما يجعل قطر مميزة هو التزامنا بتوفير خدمات متكاملة للمرضى والمتبرعين، بما في ذلك الرعاية الصحية المجانية والدعم النفسي والاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاحاتنا تُبرز قيمنا الأساسية: الإنصاف، العدالة، والإنسانية.
دكتور عمر، كيف تؤثر برامج التدريب والتطوير المهني على الكوادر الطبية؟
د. عمر علي: برامج التدريب والتطوير هي حجر الزاوية لنجاحنا. نقوم بتنظيم دورات تدريبية متقدمة للكوادر الطبية والجراحية، ليس فقط من قطر، بل من دول أخرى. على سبيل المثال، نستضيف جرّاحين من دول ذات دخل منخفض لتدريبهم على أحدث التقنيات، مثل جراحة المنظار وجراحة الروبوت في زراعة الكلية والتبرع بها. هذا التدريب لا يقتصر على المهارات الجراحية فقط، بل يشمل أيضًا الجوانب الأخلاقية والقانونية للتبرع بالأعضاء. الهدف هو إنشاء شبكة من الخبراء الذين يمكنهم تطبيق هذه المعرفة في بلدانهم، ما يساهم في تحسين مستوى الرعاية الصحية عالميًا.
ما هي رسالتكم للمجتمع بخصوص التبرع بالأعضاء؟
د. يوسف المسلماني: التبرع بالأعضاء هو أعظم هدية يمكن تقديمها لإنقاذ حياة شخص آخر. نحن نشجع الجميع على التسجيل كمتبرعين والتفكير في الأثر الإيجابي الذي يمكن أن يحدثوه. كما أن التبرع بعد الوفاة يتيح فرصة لإنقاذ حياة ما يصل إلى ثمانية أشخاص.
رسالتنا بسيطة: أعضاء أجسادنا يمكن أن تكون هبة حياة للآخرين، بدلاً من أن تُدفن وتُفقد. يمثل مركز الدوحة الدولي للاستراتيجية والقيادة في زراعة الأعضاء رمزًا للرؤية المستقبلية لدولة قطر في تقديم الرعاية الصحية بمستوى عالمي. بفضل الجهود المبذولة من قبل الخبراء، مثل الدكتور رياض فاضل، الدكتور يوسف المسلماني، والدكتور عمر علي، أصبح برنامج زراعة الأعضاء في قطر نموذجًا يُحتذى به. ومع استمرار الابتكار والتعاون الدولي، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل مشرق في مجال زراعة الأعضاء عالميًا.