مقابلات

د. عماد صبحي نحلة

الإختصاصي في جراحة العظام لدى الأطفال في مركز كليمنصو الطبي بالتعاون مع جونز هوبكنز إنترناشيونال

د. عماد صبحي نحلة

“مفهوم جديد لعمليات إلتواء العمود الفقري”

عملية (Anterior Vertebral Body Tethering) لتصحيح إلتواء العمود الفقري لدى الأطفال (Scoliosis)، أو كما يسمّيه البعض “الجنف”، لأول مرة في لبنان في مركز كليمنصو الطبي بالتعاون مع جونز هوبكنز إنترناشيونال في بيروت، تتميّز في المحافظة على مراكز نمو العظام لدى الأطفال وتتم عبر المنظار ومن الجهة الأمامية للجسم لتغيّر بذلك مفهوم جراحات العمود الفقري التقليديّة.  الدكتور عماد صبحي نحلة، الإختصاصي في جراحة العظام لدى الأطفال في مركز كليمنصو الطبي بالتعاون مع جونز هوبكنز  إنترناشيونال، يحدّثنا عن تفاصيل هذه العملية المتطورة والأولى من نوعها في لبنان. 

بداية الحديث عن العملية الجديدة التي تتم اليوم في مركز كليمنصو الطبي. ما هي؟ وما أهميتها؟

شهدت جراحة إلتواء العمود الفقري عند الأطفال تطوراً نوعياً في العام 2019 بعد توصيات جديدة من قبل الجمعية الدولية لأبحاث إلتواء العمود الفقري (Scoliosis Research Society) بإجراء عملية (Anterior Vertebral Body Tethering) كخيار إضافي في جراحة العمود الفقري عند الأطفال. وهذه العملية تستخدم أحدث التّقنيات لتصحيح إلتواء العمود الفقري بأقل تدخل جراحي ممكن ومن خلال القفص الصدري أي من الجهة الأمامية للجسم وبواسطة المنظار، وسرعان ما يعود المريض إلى حياته الطبيعية من دون أي قيود في حركته. 

لقد أدخلت هذه العملية مفهوماً جديداً لعمليات العمود الفقري وخفّفت من منسوب القلق لدى الأهل، فبدلاً من الشّق الكبير في الظهر للوصول إلى العمود الفقري وتثبيته وتلحيم الفقرات، بإمكان جرّاح العظام اليوم الوصول إلى العمود الفقري من خلال القفص الصدري وإختيار عدد أقل من الفقرات وتوصيلها بسِلك في ما بينها من جانب واحد و بذلك  ينمو الجانب الآخر وحده حتى إكتمال نمو العظام وبذلك يتقوّم الإلتواء.

ما هي المعايير التي على أساسها يتم إختيار الحالة المناسبة لإجراء العملية؟

هناك مجموعة من المعايير الذّهبية التي نعتمد عليها لنجاح هذه العملية؛ لعل أهمّها حدّة الإلتواء بموازاة إختيار موعد العملية حيث ينبغي أن تتم قبل إكتمال نمو العظام بحوالى سنتين أو ثلاث سنوات لكي نُفسح المجال للعظام لكي تنمو من الجهة التي لا نضع عليها السِّلك وبذلك نضمن وقتاً كافياً لتقويم الإلتواء الموجود. وأود الإشارة في هذا الإطار إلى أن تحديد عمر إكتمال نمو العظام من عدمه يعتمد على عمر بلوغ الطفل، فالفتاة يكتمل نمو عظامها بعد سن البلوغ بسنتين والصّبي في سن الـ16 تقريباً. فإذا تبيّن أن إكتمال نمو العظام سيتم بعد ستة أشهر لا نحبّذ إجراءها  لأنها في مثل هذه الحالة لن تكون مفيدة. 

ماذا عن فريق العمل والتقنيات المتوفرة لديكم لاجراء مثل هذه العملية المتطورة؟

هناك فريق عمل متكامل على أتم الإستعداد للقيام بهذه العمليات التي تحتاج إلى تعاون وثيق بين جرّاحي العظام والقفص الصدري إلى جانب طبيب الجهاز العصبي وفريق من الممرضين والممرضات المتخصصين في هذا المجال.

أما التقنيات، يُشهد لمركز كليمنصو الطبي بإستقطاب أفضل الأجهزة والتقنيات الطبيّة التي تتيح المجال للجرّاح بمواكبة التطورات في هذا المجال؛ ويتوافر اليوم في المركز أجهزة المنظار المخصّصة لهذا النوع من العمليات التي تكمّل عمل الجراح المتخصص.

مقارنة مع الجراحة التقليدية، ما هي فوائد العملية الجديدة؟

ليونة أكبر، تعافي أسرع، وقت أقل، وخطر أقل لمضاعفات الجراحة التقليدية الكبيرة مثل الإلتهابات وخسارة الدم. ولعل أبرز الفوائد هي أننا لا نقوم بتلحيم العظام بل نتركها ليّنة لتعود وتنمو بخلاف العملية التقليدية التي يمكن أن تحد حركة الطفل.

ومن المهم الإشارة في هذا المجال إلى أهمية الكشف المبكر من قبل طبيب الأطفال وطبيب العائلة والأهل يتيح الفرصة للتدخل المبكر والحد من تفاقم الحالة وبالتالي عدم الوصول إلى العملية، ففي كثير من الأحيان يعتبر التقويم (Brace) هو بمثابة العلاج النهائي للحالة.

بالحديث عن إلتواء العمود الفقري، كيف يتم تحديد درجة الإلتواء؟ ومتى يتم اللجوء إلى العملية؟

السّؤال مهم جداً لأنه بناءًا على درجة الإلتواء ودقة التّشخيص نحدّد العلاج المناسب للحالة؛ إلتواء العمود الفقري أو الجنف (Scoliosis) هو حالة طبيّة يعاني فيها الطفل من إعوجاج في العمود الفقري بالأبعاد الثلاثيّة، حيث ننظر إليه ونراه على شكل “S”، والأسلوب الأفضل لقياس درجة  الإلتواء هو “زاوية  Cobb” (Cobb Angle). في حال كانت درجة الإلتواء أقل من عشر درجات فهي ليست ذات أهمية (Non-Significant Scoliosis) ولا نعتبرها مشكلة طبية. في حال كانت درجة الإلتواء ما بين 10 و25 درجة، نكتفي بالمتابعة الدّورية ومراقبة الحالة مع إعطاء المريض والأهل بعض التوصيات والإرشادات التي تسهم في الحد من تفاقم الإلتواء.

ما بين 25 الى 45 درجة، فالمريض هنا بحاجة إلى التّدخل الطّبي وذلك بواسطة جهاز التّثبيت (Brace) وينبغي على الطفل أن يرتديه أطول فترة ممكنة من 20 إلى 23 ساعة حتى الوصول إلى سنّ إكتمال نموّ العظام من أجل الحصول على النتيجة المرجوّة وتثبيت الإلتواء الحاصل، وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق سواء للطفل أو للأهل.

في حال كان الإلتواء 45 درجة وما فوق، تصبح الجراحة ضرورة وتعتبر العملية التقليدية هي واحدة من الجراحات الضخمة على مستوى جراحات العمود الفقري، وطوال العقود الماضية أثبتت نجاحاً متميزاً ونتائج مذهلة من حيث عودة الطفل إلى حياة جيدة؛ لكن في المقابل، تبقى عملية ضخمة تحمل في طيّاتها كل مضاعفات الجراحات التقليدية من نزيف وطول فترة التعافي ومخاطر حدوث إلتهابات وغيرها.

هل من أسباب محدّدة يمكن أن تؤدي إلى حدوث إلتواء في العمود الفقري لدى هذه الفئة العمرية؟

في الواقع، غالبية الحالات التي نراها في العيادات لا يوجد سبب واضح لحدوثها ونصنّفها ضمن الحالات مجهولة السبب (Idiopathic Scoliosis) لكن الأبحاث العلمية تسير على قدم وساق لتحديد السبب، وتتمحور حول وجود إختلال في الجينات أو في الهرمونات التي قد تكون هي السبب في حدوث الإلتواء.لكن هناك أنواع اخرى من التواء العمود الفقري منها ما له علاقة بوجود تشوّه خلقي في الفقرات منذ الولادة فتكون الفقرات غير مجزّئة بشكل طبيعي ما يؤدي إلى إلتواء في العمود الفقري يبدأ في مرحلة عمريّة مبكرة (Congenital Scoliosis).

بعض الأمراض العصبية  يمكن أن تسهم مع الوقت إلى حدوث إلتواء العمود الفقري، مثل ضمور في الدماغ أو جلطة دماغية أو مشاكل عصبية أخرى تؤثر على الدماغ والعمود الفقري، حيث يؤدي ذلك احيانا إلى تبعات ومضاعفات على الجهاز العضلي والمفاصل في الجسم ككل ومنها العمود الفقري الذي قد يتأثر بهذه الحالة (Neuromuscular Scoliosis). من الأسباب النّادرة التي نراها بين الحين والآخر هي وجود متلازمات لدى الطفل تؤدي إلى إلتواء العمود الفقري(Syndromic Scoliosis)، حيث تؤدي المتلازمة إلى حدوث مجموعة من العوارض التي تختلف في تأثيرها على العمود الفقري. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى