مقابلات

د. عبدالرزاق الجهاني

رئيس مركز القلب في المستشفى الأهلي

د. عبدالرزاق الجهاني

“القاتل الصامت” مرادف حقيقي لكثير من أمراض القلب

أكد الدكتور عبدالرزاق الجهاني، استشاري أمراض وقسطرة القلب ورئيس مركز القلب بالمستشفى الأهلي، أن العقدين الأخيرين شهدا تطوراً رائداً في مجال تشخيص وعلاج كثير من أمراض القلب والشرايين، والذي ساهم في تقليل أخطارها على حياة البشر بنسب عالية، معتبراً أن خطورة تلك الأمراض تكمن في تخفي أعراضها التي لا تظهر إلا في حالات متقدمة، الأمر الذي دفعه إلى القول إن غياب الأعراض لا يعني بالضرورة أن القلب صحيح، حيث ارتبط عدد من أمراض القلب بمفاهيم خطيرة على المستوى النفسي، كالموت المفاجئ أو القاتل الصامت، وقد خاض الدكتور الجهاني في العديد من التفاصيل الشائكة التي تحيط بصحة القلب. وفي ما يلي نص الحوار:

من وجهة نظر طبية وعلمية ما أشد الأمراض خطورة التي تصيب القلب؟

في الحقيقة تعتبر أمراض الشرايين التاجية على اختلافها، سواء التضيق وتسببها بآلام وإجهاد وصولاً إلى انغلاقها وتجلطها، والإصابة باحتشاء عضلة القلب، أو ما يسمى بالجلطة التاجية من المشاكل الرئيسية التي تصيب القلب.

 ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تتسع قائمة المشاكل لتشمل تسارع وتباطؤ ضربات القلب، والتي قد تشكل خطورة أحياناً، إذ قد تؤدي إلى حدوث قصور في وظيفة القلب، ولفشل عضلة القلب عدة أسباب منها ما هو نتيجة حدوث احتشاء سابق، أو نتيجة الإصابة بأمراض قد تكون وراثية أو مكتسبة، من شأنها أن تؤدي إلى ضعف شديد في عضلة القلب، والنتيجة فشل القلب في أداء مهامه.

هل من جديد في مجال علاج تضيّقات الشرايين التاجية؟

في الحقيقة، يشهد هذا المجال تطوراً مهماً ونوعياً، ولكن على هذا المستوى هناك طريقتان لعلاج التضيق الذي يصيب الشرايين التاجية، أو انسداد جزء كبير منها، وذلك عادة بعمل توسيع بالبالون أو طريقة كحت التضيق، ثم وضع دعامة ليبقى الشريان مفتوحاً، كل هذا يجري في غالبية الحالات من خلال القسطرة التاجية، من دون اللجوء للعمل الجراحي. إلا أن هناك بعض الحالات تتطلب تدخلاً جراحياً لما له من أثر إيجابي على المدى البعيد، وذلك بإجراء عملية القلب المفتوح، والعمل على توصيل وصلات للشرايين التاجية المتضيقة، وقد شهد هذا النوع من جراحات القلب نقلات نوعية مثل استعمال الروبوت، والذي يمكننا من عمل جراحة توصيل الشرايين التاجية بدون فتح كامل للصدر، فالأمر يستوجب فقط فتحة صغيرة بين الأضلاع، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى التقليل من المضاعفات التي يمكن أن يخلفها حجم فتحة العملية، كما في الجراحات التقليدية، ومن التطورات التي يشهدها هذا النوع من العمليات التقليل من الاستعانة بأوردة الساق لتوصيل الشرايين التاجية، واستبدالها أكثر بالشرايين الموجودة داخل منطقة الصدر.

نسمع كثيراً مصطلح فشل عضلة القلب، فما هذا المرض؟ وما أهم وأحدث التداخلات العلاجية في هذا الإطار؟

دعنا نقرّب أولاً معنى قصور أو فشل عضلة القلب ومعناه، بدون تفاصيل أكاديمية كثيرة، قصور أو فشل القلب في توفير دورة دموية كافية للوفاء باحتياجات الجسم في الراحة أو خلال الحركة، وكما قلنا في السابق، إن من أهم مسببات هذا المرض إما موت جزء من عضلة القلب نتيجة احتشاء تاجي سابق، أو أسباب أخرى منها وراثية تؤدي إلى الحد من فاعلية عضلة القلب.

 أما بالنسبة للتدخلات العلاجية، فمن المهم جداً في تلك الحالة التشخيص الدقيق، لمعرفة الأسباب التي أدت إلى الفشل، وهي متعددة، أذكر منها تضيّق في الشرايين التاجية، والبروتوكول العلاجي في هذه الحالة يبدأ بالأدوية، مع الحرص على توصية المريض بتبني عدد من السلوكيات الصحية كإنقاص الوزن، وتجنب الأملاح الزائدة، ومعالجة ارتفاع ضغط الدم، وتنظيم نسب سكر الدم في حال وجود أي خلل فيهما.

وأيضاً هناك أدوية تساعد القلب في نشاطه، وتساهم في تخلص الجسم من المياه الزائدة، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الإجراءات كافية لعودة المريض إلى حياته الطبيعية، وقد يحتاج من حين إلى آخر للدخول إلى المستشفى، لكن هناك حالات تفاقمت فيها حالة الفشل إلى درجة تعتبر الأدوية وحدها غير كافية لعلاجها، وقد نحتاج في مثل هذه الحالات إلى تركيب أجهزة “بطارية” تساهم في تنظيم عمل عضلة القلب وتنشيطها، لتصبح أكثر كفاءة، مع التوضيح أن هذا الجهاز لا يناسب كل الحالات، فهناك تصنيف معين لمعرفة مدى استجابة المريض لمثل هذه الأجهزة.  وهناك أيضاً حالات أخرى متقدمة تتطلب تركيب مضخة لدعم عضلة القلب، أو إلى قلب اصطناعي، أو في بعض حالات فشل عضلة القلب المتقدمة، قد نلجأ إلى عملية زراعة القلب من شخص آخر.

شهد تخصص الأمراض القلبية تطوراً نوعياً على مستوى التشخيص، حدّثنا عن مواكبة المستشفى الأهلي لهذا التطور.

في الحقيقة خلال العقدين الأخيرين شهد تخصص أمراض القلب والشرايين تطوراً رائداً في مجال التشخيص والعلاج، وقد واكب مركز الأهلي للقلب كثيراً من تلك التطورات، وأضاف أجهزة متطورة جداً، سواء في مجال قسطرة الشرايين التاجية أم في تركيب الأجهزة الكهربائية والبطاريات بأنواعها المتقدمة، مع التأكيد على استمرار بعض التقنيات في أداء مهام لا يمكن الاستعاضة عنها، كالقسطرة والتي تتمتع حتى تاريخنا هذا بتقديم التشخيص النهائي والدقيق لكثير من الحالات.

 كما حدث تقدم كبير في المستشفى الأهلي في تشخيص الحالات التي قد لا يحتاج أصحابها إلى تعريض المريض للقسطرة، فالتقنيات الحديثة اليوم كالطبقي المحوري أو أجهزة الرنين المغناطيسي، تمكننا من التعرف على حالة الشرايين، وهل تحتاج إلى قسطرة لتوسعة الشرايين أو تركيب الدعامات، مع التأكيد على أن هناك حالات كثيرة تحتاج إلى إجراء قسطرة بدون نقاش، للحصول على أدق وأكمل المعلومات، كتلك التي تحضر للمستشفى في حالة مستعجلة، نظراً لوجود جلطة حادة تحتاج إلى قسطرة سريعة وفتح الشريان المتجلط فوراً ومن دون تأخير. 

فجهاز الرنين المغناطيسي يمكن أن يزودنا بمعلومات مهمة جداً، بإمكانها أن تؤيد عمل القسطرة أو تنفيه، حيث شهد هذا الجهاز تقدماً كبيراً خصوصاً في مجالات تعتبر مكملة لجهاز الطبقي المحوري، ومن التقنيات الحديثة أيضاً التطور المهم جداً الحاصل في تقنيات القسطرة نفسها، والتي نستطيع من خلالها ليس فقط قياس نسبة التضيق بل أيضاً نستطيع الآن قياس كمية مرور الدم بدقة في الشريان التاجي، وذلك من خلال إضافة سلك خاص وحساس جداً إلى القسطرة، لتقييم حالات التضيق من خلال قياس كمية مرور الدم بدقة عبر التضيق، وهل هو مؤثر على نسبة جريان الدم أم لا، كذلك تم تزويد غرف القسطرة بالمستشفى الأهلي بجهاز موجات فوق صوتية خاص بالشرايين التاجية، وهذا الجهاز المتقدم يتجاوز الاستخدامات التقليدية للموجات فوق الصوتية، حيث يمكّن من إدخال سلك الموجات في الشريان التاجي، والذي يوفر رؤية واضحة لجدار الشريان التاجي بكافة طبقاته وتركيباته من الداخل إلى الخارج، وهل يعاني من ترسبات للكوليسترول أو تكلسات، وهل التضيق شديد أو لا، هذه التكنولوجيا أعطتنا رؤية جديدة جداً ومتقدمة للشرايين التاجية، كما أنها توفر تقييماً أدق بكثير لها، وبالتالي اتخاذ القرار الواثق، إذا كان الشريان يحتاج إلى دعامة أم لا، وتشمل هذه التقنية مختلف شرايين أعضاء الجسم كالشريان الكلوي والسباتي على سبيل المثال لا الحصر، وتوسعتها ووضع دعامة فيها.

أمراض القلب هي أخطار تراكمية وصامتة في غالبيتها، كيف يمكن مراقبة صحة القلب أو تتبع الإعراض المبهمة؟

أود أن أشير هنا إلى دراسة مهمة جداً ظهرت خلال الحرب الأميركية الكورية، حيث أجرى بعض الأطباء الأميركان دراسة على الشبان كافة الذين لقوا حتفهم خلال تلك الحرب، وكانت أعمارهم تتراوح بين 18 إلى 25، واصطدموا بمفاجأة كبيرة مفادها أن جزءاً كبيراً من القتلى يعانون من بداية تصلب الشرايين وتراكم الكوليسترول على صغر سنهم، وذلك سواء في الشرايين القلبية أو الدماغية، وهذا يوضح شيئاً مهماً، وهو أن الجلطة ليست مؤشراً على أن المرض حديث. 

ولكن قد يكون على مدار سنوات طويلة، فمنهم المدخنون أو من يعانون من زيادة في الوزن وارتفاع شديد في الكوليسترول والسكري، من دون أن يأخذوا أي حمية أو أدوية تمنع حدوث الجلطات أو تصلب الشرايين، فالأمر يوضح أن أمراض القلب تراكمية بالدرجة الأولى، ويبدأ من سن صغيرة، بل ذهبت بعض الدراسات إلى أبعد من ذلك، لتشير إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال لديهم تغيرات في الشرايين التاجية، فالأمر لا يبدأ بالتزامن مع الأعراض، وإنما بدأ وقد أُعطينا فرصة لعشرات السنين، وللأسف الشديد لا يوجد هناك مؤشرات أو أعراض تشير إلى بدايات الإصابة التي قد تستمر وتتراكم آثارها لعشرات السنين، فالأعراض تتطلب أن يصل التضيق إلى نسبة مرتفعة.

ما الحل من وجهة نظرك في التعامل مع هذا القاتل الصامت؟

مهم جداً جداً القول إن غياب الأعراض لا يعني بالضرورة أن القلب صحيح، ولا يعاني من أية أمراض، ولذلك ربما يكون من الجيد وخاصة مع فترة بلوغ الإنسان أن يقوم بالمراقبة الدورية لقيم الكوليسترول، والسكري، وضغط الدم، على وجه الخصوص، باعتبارها بمثابة قاتل صامت لا يبدي أية أعراض إلا في مراحل متقدمة من المرض، ويجب ألا ننسى ظاهرة التدخين المسببة لتجلط الشريان وهو ما زال سليماً.  وفي هذا الإطار يشرفني أن أشير إلى دراسة قمنا بإجرائها في قطر، وهي دراسة شاملة ضمت أكبر شريحة من الناس الذين تعرضوا لجلطات تاجية، شملت شريحة واسعة من الشباب المصابين، حيث أظهرت وبدرجة لا تقبل الشك من خلال إجراء القسطرة، أنهم يتمتعون بشرايين سليمة 100 %، ولا يعانون من أية عوامل خطورة كالسكري أو ارتفاع ضغط الدم، ومشكلتهم الوحيدة تكمن في التدخين، الذي تبين أنه كان العامل الرئيسي المسبب لتلك الجلطات، الأمر الذي يدعم دراسات أخرى تبين أن التدخين مسبب لجلطات الشرايين التاجية، وهي ما زالت على الأقل في ظاهرها سليمة.

ما الجديد على مستوى بطاريات القلب؟

في السابق ولفترة طويلة من الزمن، اعتمد زرع  بطارية القلب لعلاج نوع واحد فقط من اضطراب ضربات القلب وهو “تباطؤ ضربات القلب”، ولكن خلال العشرين سنة الماضية حدث تطور مهم في هذا الإطار. فالأخطر من تباطؤ ضربات القلب هو التسارع الشديد الذي يؤدي إلى توقف القلب، وبالتالي ما يسمى بالموت المفاجئ، والتي تحدث في معظمها نتيجة التسارع الشديد، حيث يصبح عمل القلب غير فعال، في أميركا يموت سنوياً ما يقارب الـ 350 ألفاً بسبب توقف القلب المفاجئ نتيجة التسارع الشديد، في السابق كنا نقف عاجزين أمام تلك الحالات، مع التنويه بأنه ليست كل أنواع التسارع تؤدي إلى الوفاة، إذ يمكن اعتبار معظمها مزعجاً، ولكن ليست بالخطيرة، إلا أن هذه البطاريات تطورت لتشمل علاج تسارع ضربات القلب وهي أجهزة فعالة.

من هي الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذا التسارع المميت لضربات القلب؟

كما قلت في السابق ليست كل الضربات المتسارعة خطيرة، صحيح أنها مزعجة في بعض الأحيان، إلا أنها ليست بتلك الخطورة، إلا أن هناك فئة معينة يعانون من هذا التسارع المزعج والقاتل في ذات الوقت، وهم الفئة التي نعنيهم بهذا الحديث، فهناك عوامل عدة نعلمها وتمت دراستها وتوثيقها، والتي تشير إلى أن هذا الشخص معرض لتوقف القلب المفاجئ، وهم ممن يعانون من ضعف شديد في عضلة القلب، تضخم كبير في عضلة القلب، وممن أصيبوا بتوقف قلب سابق، وتم إنقاذهم، كذلك التاريخ العائلي للإصابة بهذا المرض عند عمر صغير، كما أن هناك تغيرات معينة من تخطيط القلب تعطينا مؤشرات على أن مثل هؤلاء الأشخاص معرضون للإصابة بتوقف القلب المفاجئ، وبالتالي يحتاج إلى تركيب البطارية لحمايته، وهذه التقنيات متوفرة في المستشفى الأهلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى