مقابلات

د. جمانة علامة

من الحاضنات البسيطة إلى الأنظمة المتكاملةأمل للمواليد الجدد

د. جمانة علامة، رئيسة قسم رعاية حديثي الولادة والخدج في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

يبرز قسم رعاية حديثي الولادة والخدج في مركز كليمنصو الطبي في بيروت كوحدة متطورة مجهزة بأحدث التقنيات والكفاءات الطبية المتميزة، تمثل قمة التطور في مجال العناية بالصغار الخدج وحديثي الولادة المرضى. نسعى في هذا اللقاء مع رئيسة القسم الدكتورة جمانة علامة إلى إلقاء الضوء على هذا القسم الحيوي، واستكشاف أبرز التطورات التي شهدتها رعاية هذه الفئة الدقيقة، وكيف ساهمت هذه التطورات في تحسين فرص بقائهم على قيد الحياة ونموّهم بشكل صحي وسليم.

نود الإضاءة على قسم رعاية حديثي الولادة والخدج في مركز كليمنصو الطبي في بيروت وأبرز مميزاته.

يُعد قسم رعاية حديثي الولادة والخدج في مركز كليمنصو الطبي في بيروت وحدة متطورة للغاية ومجهزة بأحدث التقنيات والحاضنات المتقدمة وأجهزة المراقبة الحيوية الدقيقة وأجهزة التنفس الاصطناعي المتخصصة، بالإضافة إلى فريق طبي وتمريضي عالي الكفاءة ومتعدد التخصصات؛ مع التزام كامل بتطبيق البروتوكولات العالمية وتوفير برامج تدريب مستمرة للفريق والتركيز الشديد على معايير السلامة والوقاية من العدوى وتقديم الدعم النفسي للأهل.

ويخطط القسم لتوسيع مرافقه وزيادة عدد الحاضنات وفريق العمل لاستقبال المزيد من الحالات الأكثر دقة وتعقيدًا، ما يعزّز مكانته كمركز رائد في رعاية حديثي الولادة والخدج في المنطقة.

ما هي أبرز التطورات التي طالت رعاية حديثي الولادة والخدج؟

تُعدّ العناية بحديثي الولادة والأطفال الخدج مجالًا طبيًا حديثًا نسبيًا، لكنه يشهد تطورات متسارعة ومستمرة لم تتوقف حتى الآن؛ فقد شهدت وحدات رعاية حديثي الولادة والخدج تطورات هائلة على مرّ العقود، كان في صميمها تحسين فرص بقاء هؤلاء الصغار على قيد الحياة وتعزيز نموهم وتطورهم العصبي.

لقد تحوّلت الحاضنات إلى أنظمة متكاملة تجمع بين التحكم الدقيق في درجة الحرارة والرطوبة والأوكسجين لخلق بيئة مستقرة تحاكي احتياجات المولود في هذه المرحلة الدقيقة من حياته.

من هنا، بات هناك قدرة متزايدة على بقاء الأطفال الخدج المولودين بين الأسبوع الثالث والعشرين والسابع والعشرين على قيد الحياة.

ففي الحالات الطبيعية، تحدث الولادة عادة بين الأسبوع الثامن والثلاثين والأسبوع الأربعين من الحمل؛ قبل عشر سنوات أو أكثر، كان يُعتبر أن الأطفال الخدج الذين لديهم فرصة للبقاء على قيد الحياة هم أولئك الذين يولدون بعد الأسبوع السادس والعشرين من الحمل؛ أما الآن، وعلى مستوى العالم، أصبح بإمكان الطفل الخديج المولود في الأسبوع الثالث والعشرين أو بعده بقليل البقاء على قيد الحياة مع جود بعض التعقيدات والمشاكل الصحية التي نجيد التعامل معها منذ اللحظة الاولى. هذه التطورات المستمرة في الحاضنات والأجهزة، جنبًا إلى جنب مع الفهم المتزايد لاحتياجات حديثي الولادة والخدج، ساهمت بشكل كبير في خفض معدلات الوفيات وتحسين نوعية حياة هؤلاء الأطفال.

من التطورات الهامة التي شهدتها السنوات الأخيرة في رعاية حديثي الولادة والخدج هو مجال التنفس الاصطناعي، حيث قلّ الاعتماد على الأنابيب التقليدية وأصبح التركيز على تقنيات متقدمة تُعرف باسم (non-invasive ventilation)  التي تعتمد على أجهزة يتم توصيلها بطرق لا تتطلب إدخال أنبوب في القصبة الهوائية، ما يقلل بشكل كبير من الأذى المحتمل للرئة الحساسة لدى هؤلاء الأطفال.

كما تطورت طرق تغذية الأطفال ومساعدتهم على النمو والتطور، وذلك بتغذيتهم عبر مصل طويل الأمد، والذي قد يستمر تأثيره لمدة تصل إلى 30 أو 40 يومًا. وقد أثبتت الدراسات أن هذه الأنواع من التقنيات تقلل أيضًا من خطر التقاط العدوى مقارنة بالطرق السابقة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك توجه نحو تقليل استخدام مضادات الالتهاب، وذلك بناءً على دراسات أكدت أهمية هذا النهج، وهو ما يتماشى مع الممارسات المتبعة لدى البالغين ولكن مع تطبيقها على هذه الفئة الأكثر دقة وحساسية.

ولا ننسى طبعاً الدور الأساسي للكادر البشري المتخصص في هذا المجال من أطباء وممرضين وتقنيين والذي يلعب دورًا محوريًا وحساسًا في تقديم الرعاية المثلى لهذه الفئة. يتميز هؤلاء المهنيون بمعرفتهم العميقة بفسيولوجيا حديثي الولادة الفريدة واحتياجاتهم الخاصة، وقدرتهم على مراقبة أدق التغيرات السريرية والتدخل السريع عند الضرورة. يتطلب التعاطي مع هذه الفئة دقة متناهية في كل إجراء، بدءًا من تقييم العلامات الحيوية وإعطاء الأدوية وصولًا إلى توفير الرعاية التلطيفية، مع إدراك كامل لمدى هشاشة هذه الأرواح الصغيرة وأهمية تقليل أي إجهاد أو تدخل غير ضروري.

ما هي أبرز المشاكل الصحية التي يمكن أن يعاني منها الأطفال الخدج والحديثي الولادة؟

لا بد لنا في هذا الإطار أن نقسّم فترة الولادة إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

  • الولادة المبكرة جدًا وتشمل الأطفال الذين يولدون بين الأسبوع 23 والأسبوع 28 من الحمل.
  • الولادة المبكرة وتشمل الأطفال الذين يولدون بين الأسبوع 28 والأسبوع 32 من الحمل، وعادة ما يواجهون مشاكل صحية أقل حدّة مقارنة بالفئة الأولى.
  • الولادة المبكرة المتأخرة وتشمل الأطفال الذين يولدون بين الأسبوع 32 والأسبوع 37 من الحمل.

تعتبر المشاكل الصحية للفئة الأولى (المولودين قبل الأسبوع 28) هي الأكثر تعقيدًا ودقة.

بشكل عام، كلما زاد عمر الحمل عند الولادة، قلت حدة هذه المشاكل، مع بقاء طبيعتها الأساسية متشابهة. أما أبرز المشاكل الصحية لهذه الفئات، عند الحديث عن الأطفال المولودين قبل الأسبوع 27، فإننا نتعامل غالبًا مع أطفال يزنون 500 غرام أو أقل. في هذه المرحلة، يكون الجلد غير مكتمل النمو وغير قادر على تنظيم درجة حرارة الجسم أو الحفاظ على السوائل. وقد أدى هذا التحدي إلى تطوير حاضنات متقدمة توفر درجة حرارة ورطوبة عاليتين وجدارًا زجاجيًا مزدوجًا، ما يخلق بيئة مثالية داخل الحاضنة تمنع فقدان الطفل الخديج للماء والحرارة وتقلل من خطر الإصابة بالعدوى.

بالإضافة إلى الجلد، تكون أعضاء أخرى مثل الكلى والأمعاء والرئتين غير مكتملة النمو؛ منذ اللحظة الأولى لاستقبال الفريق الطبي لهذا الطفل، يجب أن يكون الفريق مستعدًا تمامًا. فور الولادة، يجب تغليف الطفل لمنع فقدان الحرارة، لأن انخفاض درجة حرارة الجسم يؤثر سلبًا على جميع وظائف الأعضاء. يتم محاولة وضع قبعة على الرأس ومساعدة الطفل على التنفس عن طريق إدخال أنبوب في الرئة لتوصيل الأوكسجين، بالإضافة إلى دعم وظيفة القلب.

ونظرًا لصغر حجمهم، تكون مخازن السكر لدى هؤلاء الأطفال قليلة جدًا، لذا يجب توفير مصدر للسكر عن طريق الوريد لتلبية احتياجاتهم الغذائية، حيث لا يمكن إطعامهم عن طريق الفم لأن الأمعاء تكون غير مكتملة النمو وهشة للغاية (بحجم الشعرة تقريبًا)، ما يجعلها عرضة للثقب في حال زيادة حجم الوجبة.

كما يزداد خطر حدوث نزيف في الدماغ بشكل كبير لدى الأطفال الذين يولدون في هذه المرحلة المبكرة، ويظل خطر الوفاة مرتفعًا ويصل إلى حوالى 70 بالمئة.

بالنسبة للفئة الثانية من المواليد (بين الأسبوع 28 و32)، فإن المشاكل الصحية التي يواجهونها هي نفسها المشاكل التي تعاني منها الفئة الأولى، ولكنها تكون أقل حدة بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، يكون الجلد قد نما وتطور بشكل أكبر، ما يجعل التعامل معهم ألطف وأقل عرضة لتقشر الجلد عند اللمس. وبما أنهم أكبر عمرًا، تكون وظائف الأعضاء الداخلية مثل الكبد والكلى أكثر نضجًا وتحسنًا. بمعنى آخر، يمكن القول أن طبيعة المشاكل الصحية تظل متشابهة بين الفئتين، ولكن درجة خطورتها على حياة الطفل تقل تدريجيًا كلما ولد الطفل في مرحلة حملية متقدمة أكثر من المرحلة الأولى، حيث تخف حدة هذه المشاكل الصحية وتصبح فرص التعافي أفضل.

بالحديث عن فريق العمل، من هم الأطباء المخوّلين للعمل في هذا القسم؟ وما مدى حساسية الامر في التعاطي مع هذه الفئة؟

في قسم رعاية حديثي الولادة، لا يقتصر الأمر على وجود أخصائي واحد، بل نحتاج إلى فريق متكامل من الأطباء المتخصصين في مجالات مختلفة لتلبية الاحتياجات المعقدة لهذه الفئة.

يشمل هذا الفريق طبيب قلب متخصص في مشاكل قلب حديثي الولادة والخدج، وطبيب أعصاب متخصص في النمو العصبي للخدج، وطبيب غدد صماء وسكري متخصص في هذه الفئة العمرية، وأطباء أمراض جرثومية متخصصين في علاج العدوى لدى حديثي الولادة، وفي بعض الحالات، يولد أطفال يعانون من مشاكل خلقية في القلب أو انسدادات تستدعي تدخلًا جراحيًا. بمعنى آخر، يتوفر لدينا أخصائيون من جميع الفروع الطبية ذات الصلة، ونعمل كفريق واحد متكامل لضمان أفضل رعاية ممكنة. كما أننا نتبع بروتوكولات عالمية موحدة، وهي نفسها المعتمدة في أي بلد آخر حول العالم، لضمان تقديم رعاية عالية الجودة ومبنية على أحدث الأدلة العلمية.

التعلم المستمر يمثل حجر الزاوية في عملهم، حيث يواكبون أحدث التطورات في مجال طب حديثي الولادة من خلال الدورات التدريبية وورش العمل والمؤتمرات والأبحاث العلمية، ما يضمن تطبيق أفضل الممارسات السريرية القائمة على الأدلة. يكمن جوهر الرعاية الفائقة في وحدات حديثي الولادة والخدج في الجانب الإنساني والأخلاقي لفريق العمل.

يتميز هذا الفريق بحرصه الشديد والمتناهي على سلامة هؤلاء الصغار وصحتهم، ويظهر هذا الحرص في أدق التفاصيل، مثل الالتزام بغسل اليدين جيدًا وبشكل متكرر قبل أي تعامل مع الطفل.

هذا الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة يعكس مستوى عالٍ من المسؤولية والوعي بأهمية الوقاية من العدوى وحماية هذه الأرواح الهشة.

ما هي أبرز المشاكل الصحية طويلة الأمد التي قد يعاني منها الطفل الخديج؟ وما أهمية التعاطي مع الأهل في هذه المرحلة؟

قبل الولادة، نجتمع مع الأهل لشرح التفاصيل بدقة ووضوح، بهدف إيصال المعلومات بصراحة مع التخفيف من وقع الصدمة وتهيئتهم نفسيًا لما قد يواجهونه. في بعض الأحيان، لا نكون متأكدين من حالة المولود الصحية، ولكننا نحترم آمال الأهل ونتعامل بأسلوب لطيف وشفاف من دون أخفاء الحقائق، ونؤكد على أن المشوار معهم سيكون طويلًا. من أبرز المضاعفات التي قد تصاحب الطفل الخديج على المدى الطويل مشاكل تنفسية كالربو وغيره، وفي حال تعرض الطفل لنزيف في الدماغ قد يعاني لاحقًا من مشاكل حركية. كما أن بعض الأطفال قد لا تظهر عليهم مشاكل واضحة في البداية، ولكنهم قد يواجهون صعوبات في التعلم عند التحاقهم بالمدرسة. وتظل هناك نسبة من الأطفال الذين يعيشون ظروفًا صحية صعبة.

نسعى جاهدين لرعاية الطفل الخديج لأشهر طويلة بهدف خروجه من المستشفى وهو بأفضل حال، مع الحاجة إلى المتابعة المستمرة مع الفريق الطبي المتخصص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى