الدكتور وليد فتيحي
من علاج المرض إلى شفاء الإنسان
الدكتور وليد فتيحي، الرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي في المملكة العربية السعودي
يُعرف المركز الطبي الدولي بتبنيه لأعلى معايير الجودة والابتكار في تقديم الرعاية الصحية، ومنذ اللحظة الأولى لتأسيس المركز، لم تكن الجودة مجرد معيار رقابي أو شهادة اعتماد، بل كانت أسلوب حياة، وامتدادًا لفلسفة الشفاء التي يؤمن بها المركز وهي أن المريض يستحق الأفضل في كل جزئية، من التشخيص إلى العلاج، ومن اللقاء الأول إلى لحظة الخروج. الدكتور وليد فتيحي، الرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي، وفي حوار خاص مع مجلة “المستشفى العربي، أكد أن أبرز ما ساهم في تميّز المركز كان الإلتزام العميق بمبدأ “التميز المؤسسي القيمي” أي أن الجودة لا تكون فقط في التقنية، بل في النية، والمعاملة، والتفاصيل التي تعكس الاحترام والرحمة للمريض. وفي ما يلي نص الحوار.
نحن اليوم حريصون على تسليط الضوء على مسيرتك الملهمة كرئيس تنفيذي لأحد أهم الصروح الطبية بالسعودية، واستطلاع رؤيتك المستقبلية للقطاع الصحي في المملكة.
نود أن نبدأ بالحديث عن بدايات المركز الطبي الدولي.. ما هي رؤيتك الأولية التي دفعتك لتأسيس هذا الصرح الطبي؟ وما هي أبرز التحديات التي واجهتها في المراحل الأولى وكيف تمكّنتم من تجاوزها؟
حين أنهيت دراستي للهندسة الصناعية في جامعة جورج واشنطن، وتخرّجت بمرتبة الشرف الأولى، كنت أتهيأ لمسار مهني تقني واعد. لكن كان هناك في داخلي نداء أقوى، دعوة للارتباط بإنسانية الإنسان وليس فقط بكفاءته أو إنتاجيته. وهكذا، قررت أن أكون أول سعودي يدرس الطب في أميركا ويحصل على شهادة MD، وكان هذا التحول نقطة محورية في حياتي. لكن أثناء دراستي وتدريبي في كبرى المستشفيات الأميركية، لاحظت شيئًا أقلقني بعمق: كان المريض يُجزَّأ. يُنظر إليه وكأنه “قلـب” فقط، أو “كبد”، أو “رئة”، كما لو أننا نتعامل مع ماكينة معطلة لا إنسان له روح ووجدان وتجربة. وفورًا عادت إليّ خلفيتي الهندسية، وأدركت أن طريقة تقسيم الإنسان إلى أجهزة لفهمه ومعالجته قد تنجح مع الآلات، لكنها لا تصلح مع البشر. فالإنسان ليس تجميعًا من أجزاء مستقلة، بل كائن موحّد متكامل. كل عضو به يؤثر على الآخر، وكل خلية تتجاوب مع الفكر، والمشاعر، والروح. وهنا بدأت رحلتي في البحث عن نموذج مختلف، نموذج يتعامل مع الإنسان بنظرته الشمولية لا التجزيئية. نموذج يدمج بين الطب الحديث وعلوم النفس والإدراك والروح، ويأخذ في الاعتبار مفاهيم مثل Quantum Healing (الشفاء الكمي) الذي يرى أن التغيير على مستوى الوعي والروح ينعكس على خلايا الجسد، وأن الشفاء الحقيقي يبدأ من الداخل. ومن هنا نشأت رؤية تأسيس المركز الطبي الدولي، كمركز لا يكتفي بتقديم أفضل ما في الطب من تقنيات وعلاجات، بل يتبنّى نظرة شمولية متكاملة للإنسان. وهكذا صغنا رسالة المركز الطبي الدولي: “صناعة نموذج فريد لرعاية صحية ذات نظرة شمولية لشفاء الإنسان جسداً وعقلاً وروحاً، باتباع أفضل المعايير الطبية العالمية للعلاج والمعايير الربانية في المعاملة والأخلاق”.
لكن هذه الرؤية لم تكن سهلة التنفيذ. كان التحدي الأكبر هو تغيير العقلية السائدة: داخل الفريق الطبي، وداخل مجتمع لا يزال يرى في الطب شيئًا ماديًا صرفًا. كان علينا أن نزرع قيمًا جديدة: الرحمة، والشفافية، والمسؤولية، وأن نبني ثقافة مؤسسية قائمة على المعنى، وليس فقط المهارة. بدأنا بتكوين نواة صغيرة من القادة الذين يؤمنون بنفس الرسالة، واستثمرنا في اختيار الأطباء ليس فقط على أساس شهاداتهم، بل على أساس إنسانيتهم، وتعاطفهم، وارتباطهم بالقيم. وكانت الصعوبات كثيرة – إدارية، ومالية، ونفسية لكن الرؤية كانت واضحة، والإيمان بالرسالة كان صادقًا، والدعاء كان حاضرًا في كل مرحلة.
واليوم، وبعد قرابة عشرين عامًا، أرى ثمرة هذا الحلم في عيون المرضى وهم يغادرون بشفاء أعمق من مجرد التقارير الطبية، وفي روح كل موظف يحمل هذه الرسالة، وفي كل من يزور المركز ويشعر أن هناك شيئًا مختلفًا… شيئًا إنسانيًا، صادقًا، ونابضًا بالحياة.
كيف أثّرت خبراتك الأكاديمية والعملية على المنهجية التي اعتمدتها في بناء المركز؟
تكويني الأكاديمي كان متعدد الأبعاد، وهذا ما انعكس بوضوح على المنهجية التي اعتمدتها في بناء المركز الطبي الدولي. بدأت بدراسة الهندسة الصناعية، وتخرّجت بمرتبة الشرف الأولى من جامعة جورج واشنطن، وهو ما منحني فهمًا عميقًا للأنظمة، وتحليل العمليات، والتفكير المنهجي المتكامل. ثم دخلت إلى عالم الطب من أوسع أبوابه، فدرسته في جامعة جورج واشنطن ثم تخصّصت في الطب الباطني والغدد الصماء في جامعة هارفارد، وعملت أستاذًا للطب فيها. هذه المرحلة شكّلت لي الأساس العلمي الإكلينيكي الصلب، وربّت داخلي الدقة والانضباط واتباع أفضل الممارسات الطبية المبنية على الأدلة. لكنني لم أكتفِ بذلك. كنت دائمًا أبحث عن الصورة الأوسع. درست علم النفس، وتخصصت في سياسات وإدارة الرعاية الصحية في مدرسة الصحة العامة بجامعة هارفارد، حيث أدركت أن النظم الصحية لا تُبنى فقط على الأطباء والمستشفيات، بل على فهم عميق لسلوك الإنسان، وطبيعة اتخاذ القرار، والحوكمة الرشيدة، وأثر البيئة على الصحة. ثم جاءت مرحلة مختلفة تمامًا – مرحلة التكوين الشرعي والروحي. حصلت على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، ثم أكملت ماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، وكان موضوع رسالتي عن إدارة العافية: “العافية إرادة وإدارة”.
كانت هذه الدراسة حصيلة سنوات من البحث والتأمل والممارسة، وهي تُعد أول دراسة في العالمين العربي والإسلامي تعالج مفهوم العافية holistically من منظور شرعي وإداري. كل هذه الرحلات الأكاديمية والعلمية والروحية صاغت في داخلي فهمًا شموليًا للعلاج. أدركت أن الشفاء ليس مجرد دواء، بل منظومة. وأن المريض ليس فقط جسدًا، بل عقلًا، وروحًا، وسياقًا اجتماعيًا وثقافيًا. ولذلك، عند بناء المركز الطبي الدولي، لم أضع فقط الأجهزة والتخصصات، بل وضعت فلسفة للعلاج، منظومة متكاملة تُعامل الإنسان بكل أبعاده.
وكانت المنهجية التي اعتمدناها في المركز انعكاسًا مباشر لهذا التكوين الفريد:
- منهجية هندسية في التصميم والتشغيل.
- منهجية طبية علمية في التشخيص والعلاج.
- منهجية نفسية سلوكية في فهم التجربة الإنسانية.
- منهجية روحية قيمية في المعاملة والرحمة.
ولذلك لا أرى المركز كمستشفى فحسب، بل كـ ”مدرسة حياة”، أو نموذجًا عمليًا، لكيف يمكن للعلم والإيمان أن يتكاملا لا أن يتناقضا، ويُنتجا بيئة شفاء حقيقية. لذلك يمكنني أن أقول بثقة: “كل مرحلة علمية خضتها، وكل تجربة إنسانية عشتها، كانت لبنة في بناء هذا المركز، لكن ما وحّدها جميعًا هو يقيني بأن الشفاء الحقيقي لا يُصنع في المختبر فقط، بل في القلب أيضًا”.
المركز الطبي الدولي معروف بتبنيه لأعلى معايير الجودة والابتكار. ما هي أبرز المبادرات أو البرامج التي ساهمت بشكل كبير في تميز المركز؟
منذ اللحظة الأولى لتأسيس المركز، لم تكن الجودة بالنسبة لنا مجرد معيار رقابي أو شهادة اعتماد، بل كانت أسلوب حياة، وامتدادًا لفلسفة الشفاء التي نؤمن بها: أن المريض يستحق الأفضل في كل جزئية، من التشخيص إلى العلاج، ومن اللقاء الأول إلى لحظة الخروج. أبرز ما ساهم في تميز المركز كان التزامنا العميق بمبدأ “التميز المؤسسي القيمي” – أي أن الجودة لا تكون فقط في التقنية، بل في النية، والمعاملة، والتفاصيل التي تعكس الاحترام والرحمة للمريض. ومن أبرز المبادرات والبرامج التي كرّست هذا التميز:
- الحصول على جائزة الملك عبدالعزيز للجودة: كان المركز الطبي الدولي هو أول مستشفى خاص في المملكة يحصل على هذه الجائزة في الفئة الفضية، وهي أعلى جائزة وطنية للتميز المؤسسي، وتُمنح بعد تقييم دقيق يشمل القيادة، والخدمات، والنتائج، وثقافة التحسين المستمر. كانت هذه الجائزة تتويجًا لرحلة طويلة من الالتزام بالجودة لا بالشكل فقط، بل بالجوهر.
- برنامج الثقافة المؤسسية القيمية (IMC DNA): أسّسنا ما نُسميه “DNA المركز الطبي الدولي”، وهو برنامج داخلي يزرع القيم الجوهرية في كل فرد من فريق العمل، ويجعل من الرحمة، والمسؤولية، والشفافية، والتواضع، والتعاون مفاهيم تُمارَس لا تُعلَّق على الجدران. نؤمن أن الثقافة تصنع الفارق، وأن الجودة تبدأ من الإنسان.
- الابتكار في بيئة الشفاء: فزنا بجائزة أفضل بيئة استشفاء في الشرق الأوسط، لأننا صممنا المستشفى ليكون جزءًا من رحلة الشفاء، من خلال الإضاءة الطبيعية، والمساحات الهادئة، والتصميم المعماري المستوحى من التوازن. البيئة هنا ليست ديكورًا، بل هي عنصر علاجي في حد ذاته.
- برامج الزمالات والتخصصات الدقيقة: استحدثنا برامج زمالة طبية معترفًا بها، واستقطبنا نخبة من الأطباء في تخصصات دقيقة، مما جعل المركز مرجعًا للحالات المعقدة في المنطقة.
- التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي: نعمل على دمج حلول الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر، وتحليل البيانات الطبية، مما يُحسّن من جودة القرارات السريرية وسرعة الاستجابة.
- برنامج التميز في تجربة المريض: حصلنا على جائزة تجربة المريض على مستوى المملكة، لأننا نتعامل مع كل مريض كضيف كريم، ونقيس بشكل مستمر مؤشرات الرضا، ونتفاعل مع الملاحظات في الزمن الحقيقي. إن التميز في المركز ليس مبادرة عابرة، بل هو ثقافة نغرسها في كل تفصيلة – من صوت الهاتف إلى غرفة العمليات. ولذلك، نقول دائمًا: الجودة ليست هدفًا نصل إليه، بل هي مسار نعيشه كل يوم.
كيف تحرصون على مواكبة أحدث التطورات العالمية في مجال الرعاية الصحية، وما هي استراتيجيتكم في تطبيقها داخل المركز؟
نحن في المركز الطبي الدولي نؤمن أن التميز في الرعاية الصحية لا يتحقق إلا من خلال التحديث المستمر، والبقاء في قلب المشهد الطبي العالمي. لذلك، نحرص على بناء شراكات استراتيجية مع أبرز المؤسسات الطبية والتعليمية عالميًا، وتبادل الخبرات مع مراكز الأبحاث والمستشفيات الرائدة، بما في ذلك شراكاتنا التاريخية مع مستشفى كليفلاند وجامعة هارفرد.
كما نواكب آخر الابتكارات في الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الطبية، والطب الشخصي المبني على الجينوم، ونحولها إلى واقع عملي داخل المستشفى عبر تدريب الكوادر الطبية وتحديث الأنظمة والبروتوكولات العلاجية. لدينا لجان علمية داخلية تقوم بمراجعة أحدث الأبحاث والتوصيات، وتطبيق ما يتناسب مع ثقافتنا وقيمنا، مع الحفاظ على الطابع الإنساني والشمولي في الرعاية.
رؤيتنا ليست فقط أن نُطبّق الجديد، بل أن نُعيد تشكيله بما يخدم كيان المريض جسدًا وعقلًأ وروحًا.
تزامناً مع رؤية المملكة 2030، يشهد القطاع الصحي تحولات جذرية. كيف يساهم المركز الطبي الدولي في تحقيق أهداف الرؤية، خاصة فيما يتعلق بتعزيز جودة الحياة وتقديم رعاية صحية متطورة؟
رؤية المملكة 2030 وضعت الإنسان في قلب التنمية، ونحن نرى في ذلك انسجامًا تامًا مع رسالتنا التي تأسس عليها المركز الطبي الدولي، والتي تنطلق من مفهوم “العافية الشاملة”، رعاية لا تقتصر على المرض، بل تشمل جودة الحياة.
نساهم في تحقيق الرؤية من خلال عدة محاور:
أولاً، تبني نموذج رعاية صحية مستدامة ومتمركزة حول المريض، تعتمد على الوقاية والتثقيف الصحي، وليس فقط العلاج.
ثانيًا، دعم التحول الرقمي من خلال اعتماد أنظمة معلومات صحية متقدمة، وتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة التشخيص وفعالية العلاج.
ثالثًا، الاستثمار في رأس المال البشري، من خلال استقطاب وتدريب الكفاءات الوطنية، ورفع مهاراتهم وفق المعايير العالمية.
وأخيرًا، توسعنا الجغرافي نحو مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومجمل مشاريعنا المستقبلية، التي تُجسد بُعدًا حضاريًا وروحيًا للرعاية الصحية، ينسجم مع خصوصية المكان وقداسته، ويعزز السياحة العلاجية في المملكة.
من خلال كل ذلك، نطمح أن نكون نموذجًا وطنيًا يحتذى في تقديم رعاية صحية تليق بكرامة الإنسان وتتماهى مع طموحات الوطن.
ما هي الفرص والتحديات التي تراها في تطبيق استراتيجيات التحول الصحي بالمملكة؟
التحول الصحي في المملكة يُعد من أكثر التحولات طموحًا وشمولاً في العالم، ويمثل فرصة لإعادة هندسة النظام الصحي ليكون أكثر كفاءة واستدامة وتمركزًا حول الإنسان.
من أبرز الفرص:
- تحرير وتمكين القطاع الخاص ليكون شريكًا فعّالاً في تقديم الخدمات.
- التحول الرقمي الذي يفتح آفاقًا جديدة في التشخيص والعلاج.
- تبني نموذج الرعاية القائم على القيمة (Value-Based Care) الذي يربط بين الجودة والتكلفة والنتائج.
أما التحديات، فهي تتمثل في:
• إدارة هذا التحول المعقد بسرعة من دون المساس بجودة الخدمة.
• إعادة تأهيل الكوادر البشرية لمواكبة النماذج الجديدة.
• تحقيق التوازن بين الخصخصة والعدالة في الحصول على الرعاية الصحية.
يعتبر توطين الوظائف الطبية والصحية أولوية وطنية. كيف يدعم المركز الطبي الدولي تطوير وتدريب الكوادر السعودية؟ وما هي البرامج التي تقدمونها في هذا الصدد؟
نؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. من هذا المنطلق، جعلنا من تأهيل الكفاءات السعودية هدفًا استراتيجيًا.
نقدّم برامج تدريبية وتخصصية بالشراكة مع هيئات اعتماد محلية وعالمية، مثل:
- برنامج “مستقبل طبيب” الذي يهيئ طلاب الطب للتفوق العلمي والمهني.
- برامج الزمالة والتدريب الإكلينيكي المعتمدة داخل المستشفى، تحت إشراف نخبة من الاستشاريين.
- دورات مستمرة في القيادة الصحية، الجودة، وسلامة المرضى.
كما نعمل على نقل المعرفة من الخبرات العالمية إلى الكوادر الوطنية، من خلال نموذج “الاحتكاك المهني المباشر”، وهو ما يُسرّع بناء جيل قيادي طبي سعودي مؤهل عالميًا.
ما هي رؤيتك لجذب أفضل المواهب السعودية والعالمية للعمل في القطاع الصحي بالمملكة؟
جذب المواهب يبدأ بتقديم رؤية ملهمة وبيئة عمل ذات معنى. نؤمن أن الكفاءات تبحث عن أكثر من وظيفة، إنهم يبحثون عن رسالة، عن أثر. لذا نسعى إلى:
- خلق بيئة مهنية محفزة للابتكار، تحترم الإنسان وتحتضن التنوع الثقافي.
- تقديم فرص نمو مهني مستمر، ومشاركة في القرار وتقدير الإنجاز.
- ربط الرعاية الصحية في المملكة بـ رسالة عالمية وقيم أخلاقية، تجمع بين الإتقان والعطاء.
وبذلك، تصبح المملكة وجهة للكوادر التي تسعى للمساهمة في مشروع حضاري إنساني، لا مجرد أداء وظيفي.
ما هي المجالات التي ترى فيها أكبر إمكانات للابتكار في الرعاية الصحية بالمملكة العربية السعودية خلال السنوات القادمة مثل: الصحة الرقمية، الذكاء الاصطناعي، الطب الوقائي؟
المملكة اليوم مهيأة لقيادة الابتكار في مجالات صحية استراتيجية عدة، أبرزها:
- الصحة الرقمية: التحول إلى ملفات طبية رقمية، والمنصات الموحدة للخدمات الصحية، سيسهل تجربة المريض ويُحسن نتائج العلاج.
- الذكاء الاصطناعي: فرص واعدة في التشخيص المبكر، والتنبؤ بالمخاطر، وتخصيص العلاجات، وتخفيف الضغط على الطواقم الطبية.
- الطب الوقائي والعافية: التحول من “علاج المرض” إلى “صناعة الصحة”، عبر برامج الفحص المبكر والتغذية الصحية والنشاط البدني، هو أكبر رهان على خفض تكاليف الرعاية على المدى البعيد.
- الرعاية عن بُعد: خاصة في مناطق نائية، تفتح أبوابًا للمساواة في الوصول إلى الخدمات.
- الابتكار في إدارة البيانات الصحية وربطها بأنظمة التأمين والتخطيط الصحي الوطني.
- والرؤية تكمن في أن يكون الابتكار أداة لخدمة الإنسان، لا بديلاً عنه.
كيف يمكن للتعاون بين القطاعين العام والخاص أن يعزز من جودة الرعاية الصحية في المملكة؟
التكامل بين القطاعين العام والخاص ليس خيارًا، بل ضرورة لتحقيق الاستدامة والتميز في النظام الصحي. القطاع العام يمتلك البنية التحتية والقدرة التنظيمية، بينما يتميز القطاع الخاص بالمرونة، والابتكار، وكفاءة التشغيل. حين يتعاون الطرفان بروح الشراكة، يمكن:
- توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الطبية، خصوصًا في المناطق الطرفية.
- تحقيق الكفاءة المالية من خلال نماذج تمويل ذكية ومستدامة.
- نقل الخبرات والتقنيات من القطاع الخاص إلى منظومة الصحة الوطنية.
- نحن في المركز الطبي الدولي نضع هذه الشراكة في صميم استراتيجيتنا، ونسعى لنكون نموذجًا يُحتذى في تقديم رعاية متكاملة تُثمر عن نتائج حقيقية في صحة الإنسان وجودة حياته.
ما هي أبرز الخطط التوسعية أو البرامج الجديدة التي يتطلع المركز الطبي الدولي لإطلاقها في المستقبل القريب والمتوسط؟
نسير وفق خطة توسعية طموحة تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:
- 1. التوسع الجغرافي: بدأنا في مكة المكرمة، ونستعد الآن لمشاريع نوعية في المدينة المنورة، تشمل مستشفى، منتجعًا صحيًا، وفندقًا مجاورًا لتجسيد العافية بمفهومها الروحي والإنساني.
- 2. الاستثمار في التخصصات الدقيقة: إطلاق مراكز تميز تخصصية، تشمل: أمراض القلب، الأورام، وطب العظام الرياضي، بخبرة تُواكب المعايير العالمية.
- 3. تعزيز العافية الشاملة: من خلال برامج “الشفاء المتكامل” التي تجمع بين الطب الحديث، والطب الوقائي، والدعم النفسي والروحي، في بيئة علاجية تُلهم الإنسان وتُعزز إرادته للشفاء.
- مشاريع التوسّع الاستراتيجي للمركز الطبي الدولي: انطلاقًا من رسالته في تقديم رعاية صحية إنسانية متكاملة ترتقي بالإنسان جسدًا وعقلًا وروحًا، وضمن رؤيته في الريادة الصحية محليًا وعالميًا، يُواصل المركز الطبي الدولي خطواته التوسعية النوعية على محاور عدة:
توسعة البنية التحتية وتخصصات الرعاية الحرجة في جدة
تم مؤخرًا افتتاح قسم الطوارئ الحديث، المجهز بأحدث التقنيات والمعايير العالمية، مع وحدة رعاية القلب الطارئة التي تشمل خدمات القسطرة القلبية وجراحات القلب المفتوح، مما يجعل المركز وجهة متقدمة لحالات القلب المعقدة والطوارئ الدقيقة. كما تم الشروع ببناء مبنى إداري جديد مجاور للمستشفى يدعم العمليات التشغيلية والتوسعية، إلى جانب مواقف سيارات حديثة تتسع لأكثر من 500 مركبة لتيسير تجربة المراجعين والزوار.
الكلية الطبية: بناء جيل جديد من الأطباء القادة
تم إطلاق مشروع الكلية الطبية المتصلة بالمستشفى، بالشراكة مع جامعات ومؤسسات أكاديمية عالمية، بهدف إعداد جيل من الأطباء الشموليين، المتمكنين علميًا، المتعاطفين إنسانيًا، والمدافعين عن حقوق المريض، ضمن رؤية متكاملة تنسجم مع رؤية المملكة 2030 في تمكين الكفاءات الصحية الوطنية وتوطين المعرفة والقيادة الطبية.
التوسع في مكة المكرمة: في قلب الأرض المقدسة
في رمضان من هذا العام، افتُتح فرع المركز الطبي الدولي في مكة المكرمة، ليكون أول امتداد للمركز خارج مدينة جدة، وخطوة استراتيجية لخدمة سكان وزوار العاصمة المقدسة، حيث تلتقي القداسة بالجودة الطبية.
مستشفى أبحر: صرح جديد يطل على البحر
يُعد مستشفى المركز الطبي الدولي في أبحر من أكبر المشاريع التوسعية المستقبلية، بسعة تفوق 300 سرير، وتصميم فريد يُوفر إطلالة بانورامية على البحر من جميع الغرف، ليجمع بين أعلى معايير الرعاية الصحية والبيئة الاستشفائية المحفّزة للعافية النفسية والجسدية.
رؤية موحدة، أثر ممتد
تُجسد هذه المشاريع مجتمعة رؤية المركز في نشر ثقافة العافية، وتقديم رعاية قائمة على: الجودة، الرحمة، والابتكار.. لتكون كل منشأة تابعة له منارة للشفاء وبيئة تنمو فيها الكفاءات وتُصنع فيها قصص للأمل والنجاح.
ما هي رؤيتك الشخصية لمستقبل الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية بشكل عام، وما الدور الذي يطمح المركز الطبي الدولي أن يلعبه في هذا المستقبل؟
أرى أن مستقبل الرعاية الصحية في المملكة سيتحول من نظام يركّز على علاج المرض إلى منظومة تعزز الصحة وتبني العافية. الصحة في المستقبل لن تُقاس فقط بعدد المستشفيات، بل بقدرتنا على الوقاية، التثقيف، وتحقيق التوازن الجسدي والنفسي والروحي للإنسان. في هذا السياق، يطمح المركز الطبي الدولي أن يكون:
- رائدًا في تطبيق النموذج المتكامل للعافية.
- مرجعًا إقليميًا في الابتكار الطبي الإنساني.
- ومؤسسة تعليمية تخرّج قادة صحيين يحملون رسالة الرحمة والشفاء، لا فقط أدوات التشخيص والعلاج.
ما هي الرسالة التي توجهها للشباب السعودي الطموح، وخاصة أولئك الذين يفكرون في الانخراط في مجال الرعاية الصحية أو ريادة الأعمال؟
رسالتي لهم: لا تسعَ فقط لتكون ناجحًا.. بل كن ذا أثر. المجال الصحي ليس مجرد وظيفة، بل رسالة عظيمة تتطلب قلبًا قبل العقل.
والمملكة اليوم تقدم بيئة خصبة غير مسبوقة للابتكار، والريادة، وتحقيق الحلم. اجعلوا من العلم سُلّمًا، ومن القيم وقودًا، ومن حب الخير دافعًا.
واذكروا دومًا: أن أعظم استثمار، هو في الإنسان.
وأن أعظم مهنة، هي التي تُحيي القلوب كما تُعالج الأجساد.